فيسبوك أكثر من شبكة تواصل؛ إنه ساحة للتأثير والتسويق والعمل... ومآرب أخرى
إبراهيم غرايبة
يتحول فيسبوك إلى ساحة هائلة للتسويق والتأثير الاقتصادي والسياسي، ويكرس اليوم محترفون متفرغون عملهم وأوقاتهم في فيسبوك، سواء كانوا يعملون لحسابهم الخاص أو في شركات ومؤسسات تفرغ عددا من العاملين لديها للعمل مع هذه الساحة الإعلامية والتجارية الهائلة، بل إنه لم يعد بمقدور مؤسسة تجارية أو إعلامية أو عامة الابتعاد عن فيسبوك، كما يحتاج اليوم للتعامل المستمر معه المدراء والعاملون في التسويق والعلاقات العامة.
وهناك كتب وإصدارات متخصصة للتدريب على العمل من خلال فيسبوك وفهم وتوظيف تطبيقاته التي تعد بعشرات الآلاف، ومنها بالإضافة إلى التدوين والتواصل الشخصي والإعلامي، بناء المجموعات المفتوحة والمغلقة والسرية، والصفحات المتخصصة، والصور والفيديو والدردشة والبريد الخاص، والحضور التجاري والإعلاني والتسويقي على شبكة فيسبوك، ومسائل الخصوصية.
لقد زادت الشبكات الاجتماعية حضورا وتأثيرا في حياة الناس، وبالطبع فقد بدأ التواصل عبر الإنترنت قبل الـ "فيسبوك"، فنشأت من قبل المنتديات وغرف الدردشة، ومواقع للتواصل من خلال الصور، مثل موقع فليكر، والرسائل القصيرة، مثل "تويتر"، والفيديو، مثل "يوتيوب".
يقدم كتاب "التسويق عبر فيسبوك" تأليف جوستن ليفيي أفكارا كثيرة للعمل والإحاطة بالفرص والإمكانيات التي يتيحها فيسبوك، وبالرغم من أن الكتاب موجه أساسا إلى الأعمال التجارية، فإنه يمكن للمؤسسات الإعلامية والبحثية والأفراد توظيف الإمكانيات نفسها، لتفعيل رسالتهم البحثية والإعلامية والفكرية.
تتيح هذه الأدوات للفرد إمكانية تطوير علامة شخصية، ومن خلال تطوير هذه العلامات الشخصية تسمح الشبكات الاجتماعية والمدونات للناس اليوم بالتحكم في الأخبار التي يطلع عليها الآخرون، وتسمح لك هذه الشبكات الاجتماعية بإدارة سمعتك الشبكية، وإلى جانب هذه المزايا، فإنها توفر إمكانية استخدام الفرد للمنصة لمخاطبة آلاف البشر، وتسمح الشبكات الاجتماعية للأفراد العاديين بممارسة تأثير في أوساطهم وبالتحول إلى مصادر موثوقة لها، وقد يكون لهذه الأوساط أثر مباشر في قدرتك على بناء أعمالك بنجاح عبر التواصل مع زبائنك الحاليين والمستقبليين على الشبكة، وتأسيس قاعدة متينة من المعجبين، ويستفيد من هذه الشبكات أفراد ومشروعات صغيرة إضافة إلى شركات عملاقة.
ويمكن للشركات والمؤسسات أن تطور حضورا قويا على الـ "فيسبوك" بعدة طرق، فتقديم المعلومات الشخصية والمهنية يساعد على التسويق، وتكوين علاقات وصداقات تساعد في العمل والحياة المهنية، ومن أسهل الطرق التي يمكن للشركات من خلالها تطوير حضور تجاري على الـ "فيسبوك" أن تتأكد من استخدام الموظفين لنفس اسم الشركة في ملفاتهم، فعندما يتم إنشاء الشركة لأول من قبل مستخدم ما يتم حفظها في قاعدة بيانات الـ "فيسبوك"، حيث يمكن للموظفين عند انضمامهم أن يجدوها وأن يستخدموا الاسم القياسي للشركة، وهو ما يساعد على الربط بين الموظفين والسماح للمستخدمين بالبحث بناء على اسم الشركة.
تبدأ الشركة والأعمال التجارية بفتح صفحة على الـ "فيسبوك"، ثم تصنيفها كأعمال محلية أو علامة منتج أو منظمة، ثم تدخل الاسم، كما تريد أن يظهر على الـ "فيسبوك"، ويمكن أيضا تحميل شعار المؤسسة، ثم يجري تحميل الصور والفيديو، ويمكن المزاوجة بين الصفحة ويوتيوب، وتجميع المقاطع المتناثرة على الإنترنت وجمعها في مكان واحد على الـ "فيسبوك".
وتحتاج الشركات والأعمال إلى أن تستكشف التطبيقات المتاحة على الـ "فيسبوك"، وملاحظة التصنيفات المتاحة أيضا للمشاركة فيها، ويمكن أيضا متابعة مداخلات "تويتر"، والاستفادة من تطبيقات خدمة الصور في مواقع مثل فليكر، والاقتراعات، وغيرها... وللمساعدة على تغذية الوسط الاجتماعي يمكن الاستفادة من ميزة المناقشات التي يمكن تفعيلها وإضافتها إلى الصفحة الخاصة بالشركة.
وتحتاج بعد إنشاء الصفحة إلى ترويجها، ومن الأفكار والوسائل تقديم البريد الإلكتروني وإتاحته للتواصل، ويمكن أيضا ترويج الصفحة بواسطة "تويتر" وتذكير المتابعين بصفحتك بين فترة وأخرى، وإذا كانت الشركة ترسل رسائل بالبريد الإلكتروني للتسويق، فيمكن أيضا التذكير بالتفاعل مع موقع الشركة على الـ "فيسبوك"، ويمكن أيضا تشجيع الناس ودفعهم ليكونوا من معجبي الصفحة. ويمكن أيضا تشغيل إعلان الـ "فيسبوك" لحث المستخدمين وتشجيعهم على الدخول إلى الصفحة والانضمام إلى قائمة المعجبين، وتمكن المجموعات من تأسيس أوساط اجتماعية خاصة بشركتك ومؤسستك داخليا وخارجيا، لأجل التفاعل مع الجمهور والمعجبين، ويمكن إنشاء مجموعات خاصة بموظفي الشركة، ويمكن أن تكون هذه المجموعات مفتوحة يمكن لأي شخص أن ينضم إليها، أو مغلفة يحتاج المشترك إلى موافقة للانضمام، ويمكن أن تكون سرية تتم المشاركة فيها بالدعوة الخاصة للانضمام، ولا تظهر هذه المجموعة في أية عملية بحث.
وتحتاج إلى مواصلة تغذية وسطك الاجتماعي الخاص بوسائل تشجع المشاركين وتحفزهم مثل المسابقات، ومشاركة بعض المحتويات، وإنشاء محتويات خاصة تشجع المشاركين والزوار، وتحديث صفحتك باستمرار، وتشجيع الوسط الاجتماعي ومخاطبته باستمرار.
وبالطبع، فعليك مواصلة متابعة وسطك الاجتماعي لملاحظة التعليقات السلبية، والجدل الذي يدور، ويشجع المؤلف على استيعاب التعليقات السلبية، وخاصة إذا كانت غير عنيفة أو جارحة بالنقاش والرد وليس بالحذف.
سيؤدي بطبيعة الحال استكشاف الـ«فيسبوك» إلى زيادة استخدام فوائد المزايا التي يقدمها، ما يعني العودة إلى زيارته أكثر، وهذا بالطبع ما يريده الـ "فيسبوك"، وسيبقى يزيد المزايا، ويحاول اجتذاب المزيد من المشتركين وإقناعهم بالبقاء في حالة تصفح الموقع والعمل فيه أكبر قدر ممكن من الوقت، ولذلك فإن العمل عبر الـ "فيسبوك" يحتاج إلى مواصلة استكشافه ومتابعة التطورات التي تجري على الخدمات والميزات التي يقدمها. وقد أضاف الـ "فيسبوك" عام 2008 خدمة "كونّكت" التي تتيح للمستخدمين اختيار تسجيل الدخول إلى حسابهم ونشر تعليقاتهم على المدونة أو الموقع، وقد قامت العديد من منصات المدونات والتعليقات بإدماج الـ "فيسبوك كونّكت" في مواقعها، مما يعني أن مستخدمي المدونة ونظام التعليقات يمكنهم بسهولة إضافة الـ "فيسبوك كونكت" على مواقعهم، وتتيح هذه الخدمة أيضا القدرة على مشاركة مقالة من مدونة أو موقع وب على الـ "فيسبوك" عبر ملحقات أو أدوات، مثل شارك هذه المادة.
وبعامة يمكن الـ "فيسبوك كونّكت" أن يشكل أداة فعالة لدمجها في المواقع والمدونات والتطبيقات، وقد أثبت أنه يجتذب المزيد من الزيارات والمشاركات، ويمكن أيضا اختيار طيف واسع من الخيارات تقوم بإدماجها في موقعك، ويمكن البدء مباشرة بتحقيق ميزة مشاركة المحتويات في الموقع، بينما تعمل على تطوير طرق الانتقاء الاجتماعي في تطبيقاتك، وعلى ابتكار تجربة مخصصة شخصيا تقدمها لزوارك.
ومن أكثر الجوانب إثارة في الـ "فيسبوك كونّكت" أنه يقدم لك رسما بيانيا اجتماعيا لموقعك أو تطبيقك أو خدمتك، فبفضل المعلومات التي يعرفها الـ "فيسبوك" عن كل مستخدم يمكن أن تحدد تماما هوية الشخص الذي يتفاعل مع موقعك، وبتسلحك بهذه المعلومات يمكنك أن تقدم محتويات وعروض وخيارات معدة لهذه الفئة الديموغرافية.
ويمكن استخدام إعلانات الـ "فيسبوك" لأغراض عدة، مثل إصدار المنتجات الجديدة، وورشات العمل على الإنترنت، والتوظيف، وتعزيز العلامة التجارية المعرفة بها، والتسويق لمناسبة أو حدث، وحملات الخدمة الاجتماعية، وفي المقابل هناك أسباب كثيرة قد تجعلك ترفض الإعلان، مثل كتابة جميع الكلمات بحروف كبيرة والأخطاء القواعدية، الغش في العروض والتنزيلات والصور غير اللائقة أو غير ذات الصلة وتقديراتك ومخاوفك من البريد العشوائي والتطفلي والاستهداف غير المناسب، واختيار لغة غير مقبولة، وغير ذلك كثير.
ولكن من المهم إذا قررت أن تلجأ إلى الإعلان عبر الـ "فيسبوك" أن تتبع مجموعة من القواعد والمبادئ وأن تطور العمل الإعلاني التقليدي بما يلائم الـ«فيسبوك»، مثل تصميم الإعلان، وأن تكون مباشرا في دعوتك، وأن تستهدفك جمهورك المتوقع والمطلوب.
تزيد تطبيقات الـ "فيسبوك" على 45 ألف تطبيق، وهو مستمر في نموه في هذا المجال بمعدل كبير، وقد تشكلت شركات بكاملها بناء على تطوير تطبيقات الـ "فيسبوك"، فشركات مثل غرار زينجا، وهي شركة ألعاب اجتماعية تنتج الألعاب لصلاح الشبكات الاجتماعية الأخرى، وشركة ماي سبيس تلقت تمويلا بقيمة 219 مليون دولار، وتبلغ قيمتها اليوم 1.5 مليار دولار، وبصفتك مسوقا تستطيع أمام هذه التطبيقات والعدد المتنامي من الشركات توسيع ملفك الشخصي على الـ "فيسبوك". أكثر الوظائف جاذبية في التطبيقات هي الشبكة الواسعة من التنبيهات التي تنشر تحديثات الحالة على جدران المستخدمين، ولكن المستخدمين قد يحبطون بسبب تنبيهات التطبيقات الكثيرة والإغراق الذي يتعرضون له منها، وهذه إحدى ورطات المشاركة في التطبيقات وخاصة في التعامل مع الشبكات ذات العدد الكبير من الأعضاء. تحتاج بطبيعة الحال إلى مراجعة دليل التطبيقات لفهمها واستعراضها وللاختيار من بينها، ثم تحتاج إلى إدارة التطبيقات التي اخترتها، وتستطيع أيضا أن تحدد نوع التنبيهات التي ستنشر على حائطك، كأن تكون من الجميع أو الأصدقاء فقط أو تخصيصها.
قد تساعدك تطبيقات الـ "فيسبوك" على تخصيص التجارب التي تريد تقديمها لأصدقائك ومعجبيك عند زيارتهم لملفك الشخصي أو لصفحتك، وتستطيع تطبيقات الـ "فيسبوك" مساعدتك في تجميع المحتويات من الإنترنت في منطقة مركزية، ولكن تحتاج لاستكشاف هذه التطبيقات وتحديد ما يفيدك وما تحتاج إليه منها.
إن اختيارك لسياسات الخصوصية المتاحة يؤثر أيضا في خياراتك الأخرى، فتحتاج أن تلاحظ أثر هذه السياسات في تسويق علامتك أو منتجك أو خدماتك، ومصير المعلومات التي تقوم بمشاركتها إن كنت تحتاج إلى أن تظهر في محركات البحث، مثل "جوجل" وغيره من المحركات، ولكل اختيار مخاسره ومكاسبه بطبيعة الحال، ولكن هناك أفكار أخرى للخروج من المأزق، فبالفصل بين الشخصي والعمل في الـ "فيسبوك"، يمكن أن تتغير سياسات الخصوصية، لأنها تختلف من العمل إلى الشخصي، وقد أكد الـ "فيسبوك" أن معلوماته ليست مفهرسة على "جوجل"؛ بمعنى أنه لا يمكن الحصول على معلومات شخصية من ملفك في الـ "فيسبوك" بالبحث عنها في "جوجل"، ويمكن أيضا إلغاء قدرة "جوجل" على الوصول إلى ملفك الشخصي، ولكنك تسويقيا ستخسر ميزة قد تحتاج إليها بالنسبة لمستخدمي "جوجل" لأغراض البحث، والذين قد يكونون زبائن محتملين. تستطيع أيضا منع الناس في بلدان معينة، ومجموعات عمرية معينة، ويمكن أن تحدد مستوى نشر الصفحة، فيمكن ألا يطلع عليها سوى عدد محدد مثل مديريك، وتتيح عمليات إعداد الخصوصية للمجموعات اختيار أن تكون مفتوحة أو مغلقة أو سرية. وعلى الرغم من محاولة الـ "فيسبوك" أن يضمن تزويدك بالتحكمات الضرورية لتتحكم في خصوصيتك، فإن عليك أن تتوخى الحرص دائما فيما يتعلق بكم المعلومات الذي تريد مشاركته، ليس فقط على الـ "فيسبوك"، بل وعلى الإنترنت بشكل عام أيضا، وعلى الرغم من قدرة الـ "فيسبوك" على تقديم الكثير من الأدوات لك، والتي قد تفيد، ليس أنت فقط، بل وشركتك أيضا، فإن عليك أن تنشط فقط على المستوى الذي تشعر معه بارتياح في النهاية.
وتستطيع استخدام الـ "فيسبوك" بطرق مختلفة، ولكن تحتاج إلى أن تنظم استخدامك وتوجهه حسب الاستراتيجيات التي تتبعها، وبالطبع يجب أن تكون لديك استراتيجية، وهذا يعني أن تجيب عن أسئلة أساسية، من قبيل: لماذا تريد استخدام الـ "فيسبوك" في أعمالك؟ وما الأهداف التي تريد تحقيقها في أعمالك عبر الـ "فيسبوك"؟، وكيف يمكنك استخدام الـ "فيسبوك" لتلبية حاجة أو رغبة زبائنك، وماذا يتوقع زبائنك أو زبائن منافسيك أن يجدوا؟ هل تقوم بالترويج على الإنترنت؟ وهل ترغب في توجيه إعلاناتك بطريقة أفضل؟ ما خطتك فيما يتعلق بقياس النجاح؟
وباختصار يمكن استخدام الـ "فيسبوك" بفاعلية كبيرة في مجال الأعمال بثلاث طرق: بناء وسط اجتماعي، والتسويق والترويج، والإعلان، وتحتاج إلى تطبيق استراتيجية بناء وسط اجتماعي إذا كان هدفك الرئيس هو الحضور القوي على الـ "فيسبوك"، فتحتاج هنا إلى المحادثات وتوجيه المعرفة بسلعك وزيادة قاعدة معجبيك، وأن تكون طرفا نشطا في هذا الوسط. وإذا كنت في حاجة للترويج، فعليك التركيز على أدوات محددة في الـ "فيسبوك"، مثل توجيه الزيارات إلى صفحتك ومواقعك الخاصة.
يتيح بناء وسط اجتماعي زيادة المعرفة بمنتجاتك وخدماتك، وبزيادة مستخدمي الـ "فيسبوك" ونموه يزداد احتمال أن يكون زبائنك الحاليون والمستقبليون يتجولون على الموقع، ويمكنك لأجل ذلك مخاطبة أعضاء الشبكات الاجتماعية، وتقديم عنوان صفحتك على الـ "فيسبوك" مع بريدك الإلكتروني وبطاقة الأعمال، وتشجيع وسطك الاجتماعي على التواصل معك.
وتستطيع أن تخبر عن نشاطاتك وأعمالك والأحداث والمناسبات المتعلقة بعملك، وأن تستخدم الصور ومختلف أنواع البث لعرض منتجاتك، ويمكن أن تحلل إحصائيا وظائف الـ«فيسبوك» من خلال ما يزودك بمعلومات عن عدد التحديثات والمداخلات المنشورة، وعدد التفاعلات التي أجراها وسطك الاجتماعي على صفحتك، وعدد التفاعلات مع كل مداخلة منشورة، والتقييم التقريبي لجودة النشر، وعدد المداخلات المنشورة المتعلقة بالمناقشات، وعدد المراجعات والتعليقات والمعجبين وتوزيع الجمهور حسب الأعمار والجنس والبلدان. إن قدرتك على استخدام الـ "فيسبوك" بنجاح كآلة للترويج لا يحدها سوى خيالك.
ولكن ثمة حدودا لشبكات التواصل
ثمة إقبال عربي واسع على استخدام شبكات "الفايسبوك" و"تويتر"، للتعبير عن الرأي والتواصل الشخصي، أو التسلية والترفيه، أو العمل العام والسياسي أو التجاري والتسويق والإعلان، ولكنه استخدام يبدو مصحوباً بالشعور بالنجاح والتأثير بمجرد الوصول إلى الشبكة والمشاركة فيها... ما يحدث اليوم مع استخدام"الفايسبوك"و"تويتر"هو ما حدث في موجة الحوسبة ثم الإنترنت، فعندما بدأت الحوسبة كانت المؤسسات تعتقد أن الحاسوب هو سر النجاح، مجرد وجود الحاسوب يعني التفوق والتسويق والأرباح والتأثير، ولكنه بالطبع يتحول إلى عبء وإنفاق إضافي إذا لم يستخدم على النحو الذي يفعل الوقت والجهد والإنفاق، طبعاً أصبح هذا المثال تاريخياً، فقد صارت الحوسبة جزءاً أساسياً من الحياة والعمل على كل المستويات، ولم يعد ممكناً تصورها من دون حاسوب!
وعندما ظهرت الإنترنت اعتقد كثير من الأفراد والشركات والمؤسسات أن الإنترنت مجال واسع وهائل وتلقائي للتأثير والانتشار والتسويق والربح الوافر والعالمية، ولكن تبين بسرعة أن مواقع الإنترنت تتحول إلى ساحات فضائية مهجورة، إن لم تكن في منظومة عمل واسعة ودائبة من الإعلام والتواصل والتأثير ونوعية المنتج المقدم في الشبكة، وظهر أن الذين كانوا يسوقون الشبكية، باعتبارها حلاً تلقائياً للتقدم والإنتاج ليسوا أكثر من مشعوذين ونصّابين، وكانت كما نتذكر فقاعة الإنترنت التي أدت إلى خسائر هائلة.
وفـــي موجة"الفايسبوك"و"تويتر"، ثمة إقبــــال كبير على هذا الإعلام الجديد، ومن قبـــل جرت موجة إقبال على التدوين والمدونات مصحوبة بآمال وتوقعات كبرى وخيالية عن النجاح والتسويق والتأثير والتواصل، وربما تكون شبكة التواصل أداة شائعـــة في الحملات الانتخابية، هناك بالطبع قصص نجاح كثيرة جداً من خلال التدوين.
"الفايسبوك" يخدعنا، يمنحنا شعوراً أكثر من التواصل الاجتماعي والشخصي، نعتقد أننا نفكر للعالم ونؤثر فيه، هذه التفاعلات الإيجابية أو السلبية تمنحنا شعوراً بأننا فاعلون ومؤثرون، وهذا شعور نسبي؛ فالتدوين نطاقه محدود يجب إدراكه وتحديده وملاحظة مدى ما يمكن أن يصل إليه، واللقاءات الشخصية والملاحظات المتفاعلة والمكتوبة والمشاعر الفائضة حول التدوين والكتابة تعكس إعجاباً ذاتياً كبيراً بما يكتب وينشر ويدوّن. لكن العالم المحيط حتى الأصدقاء والمعجبين والمجاملين هم في حالة بعيدة مختلفة كثيراً عن الكاتب.
لقد حولنا الإعلام الجديد إلى أمم من الكتّاب والمدونين. لكن ذلك لا يعني الكثير، بل العكس فربما تكون قليلة الأثر، أو لنقل إن لها نطاقاً محدداً وأثراً محدداً ووظيفة محددة، ليس التأثير الفكري وما يحسبه الكتاب والمدونون إبداعاً وإصلاحاً وتأثيراً... من بين مجالات وظائف التواصل الاجتماعي، وأهدافه، ولكن مشروعات الفكر والإصلاح ليس من مجال لاستقبالها والتفاعل معها سوى العمل الفكري القاسي والممل في الكتب والدراسات والحوارات العميقة والجماعات والمصالح والأفكار المشغولة بالجدل الحقيقي حول قضايا الفكر والإصلاح والكتابة الحقيقية الدسمة أو التعبير الأدبي والفني عنها بالفنون والموسيقى والمسرح والرواية والقصة،...
يمكن أن يكون"الفايسبوك"سوقاً اقتصادية عظيمة للتسويق والإعلان والبيع والشراء والمقايضة وبيع السلع الإلكترونية والترفيهية، أو ميداناً لتنظيم الأعمال بين أعضاء المجموعات والشركات والعلاقات بين الشركات والمجموعات وجماهيرها ومستهلكيها، ولكنه ليس نجاحاً او عملاً يتحقق بتلقائية، والنجاحات اليوم بعامة في الاقتصاد والمجتمعات الجديدة ليست سهلة ولعلها أصعب من السابق، ومعظمها مزيج من الابتكار والديموقراطية وطبيعة السوق واتجاهاتها. هناك أعمال إبداعية لا يمكن انتشارها ونجاحها من غير ديموقراطية وحريات وسوق تستوعب هذه الأعمال، وبغير هذه البيئة المتكاملة فلا نجاح للأعمال الإبداعية الجديدة، وانتشار المعرفة والإنترنت والتواصل الاجتماعي يزيد التحدي على القادة الفكريين والاقتصاديين والسياسيين، كما أن السوق العالمية في دخولها إلى الأسواق الصغيرة والمحلية، جعلت المنافسة صعبة جداً ولم يعد ثمة مجال إلا للتفوق والإبداع... والخوف من الانقراض!
المصدر: http://www.mominoun.com/arabic/ar-sa/articles/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D...