المؤسسات الدينية وأيقونات الإرهاب

تركي الدخيل

تحدثتُ في المقالة الماضية عن المؤسسة الدينية، وكيف أن ضعفها يعني صعود وتيرة العنف، وبقوتها يصطدم جحفل العنف بجدارٍ منيع عصيّ على الاجتياز، بل ويمتنع على العاتيات من الرياح الإرهابية والأصولية. أعتقد أن هذا الأسبوع شهد أكبر جدلٍ يتعلق بالمؤسسات الدينية ودورها خلال العقود الماضية، حينما فجّر الملك الحكيم عبدالله بن عبدالعزيز غضبه أمام العالم بمن فيهم العلماء المسلمون، متسائلاً عن سرّ هذا الركون إلى البرود المخيف تجاه الأحداث الجارية والمستجدات الدموية. قالها الملك بوضوح، هناك تكاسل وتخاذل وبرود من قبل الفقهاء والعلماء المعتبرين، مقابل نشاطٍ منقطع النظير تقوم به أيقونات الحراك الأصولي الإسلامي الدموي.

 

الإمارات بدورها، وهي الدولة الرائدة في مجال نشر التسامح والخطاب المعتدل ومكافحة الإرهاب، أيّدت هذا الموقف السعودي، وهذه شراكة أخوية وفكرية استثنائية في الخليج، ولو تأملنا ودرسنا خطابات رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد، وعضده الأمين الشيخ محمد بن زايد، وجميع المسؤولين الإماراتيين، لوجدنا الفحوى الجوهرية لكل قولهم تعنى بموضوع التسامح والسلام والعيش المشترك ونبذ ثقافات العنف والاستئصال وأدبيات الدماء والحرب. نتذكّر رجل السلام الراحل الشيخ زايد بن سلطان، الذي قاد مبادراتٍ جمّة لحقن الدماء في فلسطين، ومن ثم في العراق قبيل الغزو الأميركي عام 2003، كان سبّاقاً ذكيّاً ساعياً بشكل حثيث نحو نشر السلم والأمن وزرع النماء والاستقرار في المنطقة والعالم. من هنا يكون الموقف الإماراتي تجاه دعوات السلام ونبذ العنف، وآخرها دعوة الملك، له صيغة التأييد المطلق والاتفاق التام.

 

ثم إن السعودية والإمارات، ممثلة في القيادات والمجتمع، لم تكن بعيدةً عن أسلحة الإرهاب، إذ تُكتشف في هاتين الدولتين سنوياً عدة خلايا إرهابية، ويُحبط أمنياً واستخباراتياً العديد من مخططات التفجير والتآمر ضد المجتمع ومؤسسات الدولة الحيوية، لهذا يكون الحديث ضد الإرهاب ليس تدويراً للكلام واستهلاكاً للإعلام وضخاً لخطابٍ مستهلكٍ في الآذان، بل مواقف نابعة من خبرة تامة بالسلوك الإرهابي والمخطط الدموي والتآمر 'القاعدي' و'الإخواني' و'الداعشي'.

 

أثبتت الأحداث الأصولية أن المؤسسة الدينية الرسمية عليها العبء الكبير في ضرب خلايا الإرهاب وأفكار العنف وأيديولوجيا الموت وثقافات النزاع والصراع، حين تقوى هيئة كبار العلماء في السعودية ومؤسسة الأزهر في مصر، وسواهما من مؤسسات الفتيا الرسمية، فإن الإرهاب يكون محصوراً ضمن شرذمةٍ يسهل القضاء عليها وضربها ودحرها.

 

قدر خطاب الاعتدال أن يحارب من التيارات الأصولية، وأضرب مثلاً بموقف الشيخ عبدالعزيز بن باز من الصلح مع إسرائيل، أو من حرب الخليج عام 1990، أو من الأحداث التخريبية التي حدثت في بريدة عام 1994، وكذلك عانى الشيخ محمد بن عثيمين حين تحدث عن خروج رموز الصحوة الإسلامية 'السرورية' على وليّ الأمر، وخطأ المناصحة العلنية، وخطر تجييش الرأي العام.

 

آن الأوان أن تعود تلك المواقف الرائدة للمؤسسة الدينية لتكون نبراساً شرعياً تجاه كل حدثٍ يستجد في هذه البلدان الطيبة.

المصدر: http://www.maanpress.com/arabic/?action=detail&id=56038

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك