انحراف القبلة ولا انحراف الأفكار

فارس بن حزام

خطأ اختيار القبلة ليس قضية أمام خطأ الأفكار، وانحرافها في أندونيسيا من مكة المكرمة إلى نيروبي، لا يساوي شيئاً أمام انحراف المفاهيم الفقهية في منطقتنا. 



والأندونيسيون، الذين اكتشفوا متأخراً صلاتهم إلى غير مكة المكرمة، صححوا الخطأ سريعاً، من دون الحاجة إلى هدم المحراب أو المسجد وإعادة البناء إلى الاتجاه الصحيح. وكل ما فعلوه لم يتجاوز إعادة ترتيب أثاث المسجد، ولم تتبادر إلى أذهانهم مسألة الهدم، فالثقافة المحركة لمسلمي الشرق الآسيوي تقوم على البناء، فيما لا يفقه المتطرفون هنا غير لغة الهدم. 



لكن ما العمل مع معتنقي الأفكار الضالة؟

وهي لا تقتصر على مفاهيم الإرهاب، ممثلة بتنظيم "القاعدة"، بل إن لضلالها مظلة كبيرة تغطي التطرف والتكفير برموزه المنتشرين في أصقاع الأرض، فالفئة الضالة، التي تزهو بأفكارها، وتحولها إلى أفعال ميدانية، لا ترتكز على وهم، بل على أفكار غرست أطنابها في الأرض، وعكس المتطرفون بعضاً منها على هيئة فتاوى أو آراء قاسية، لا تنضب، حتى وإن لم ترتق إلى الفعل الإرهابي. 



أندونيسيا المسلمة أخطأت في اتجاه القبلة، لكنها نجحت في تقديم الأنموذج الإسلامي المعتدل والمشرق، الذي يتعايش مع العصر، تطبيقاً لمقولة: (الإسلام صالح لكل زمان ومكان)، في حين فشل الكثير في إثبات سلامة المقولة، لسوء منهم وليس في الإسلام.فالقصة ليست اتجاه القبلة، بل في انحراف الأفكار! 



وعلاج الأفكار، وإن بدا عملاً جراحياً صعباً ومؤلماً، غير أنه يتحول بفضل الأطباء الماهرين إلى مجرد عملية اعتيادية، كالتي تنجح فيها السعودية سنوياً بفصل التوائم السيامية، فليس صعباً كثيراً أن تنجح بلادنا في فصل سيامية التطرف عن الإسلاميين، بواسطة أطباء إسلاميين مهرة، أبرزوا باعتدالهم الكثير من المهارة الفكرية. 



الأندونيسيون، بربع مليار نسمة، لا يعانون من التطرف، فالمجتمع المبني على التسامح والانفتاح لا تجد فيه الأفكار المتطرفة مساحة واسعة للتحرك، ليقتصر استقطابها على القليل، وهو ما سجلته أندونيسيا من نجاح، فلم يتحول منبر أكبر مسجد لديهم، بفضل إمامه، إلى مكان للتحرش بالصحافيين.

المصدر: http://al7ewar.net/forum/showthread.php?22781-%C7%E1%CA%DF%DD%ED%D1-%C7%...

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك