دعوة المرأة وقفات تقويمية

د. محمد بن عبدالله الدويش

المجالات التي يجب أن نعنى بها في هذا المضمار

إنّ هناك عددا من المجالات المهمّة أعتقد أنّها تشكل مجتمعةّ أو يمكن أن تشكل - إذا تم توظيفها بصورةٍ صحيحةٍ - إطاراً متكاملاً في مجال دعوة المرأة. وكلّ إطارٍ أو مجالٍ من هذه المجالات هو في الحقيقة مكمّلٌ للآخر، ولا ينفصل عنه، وهذه بإذن الله تعالى محاولة لوضع صورةٍ متكاملةٍ تعين على الاستفادة من هذه المجالات – حسب تصوّري - من أجل خدمة هذه القضية المهمّة:

المجال الأول: في الأهداف:

أولاُ: التّوسع في الأهداف: 
 إنّنا حينما نمعن النظر والتأمل في هدف الرسالة الدعوية المقدمة للمرأة في واقعنا المعاصر، سواء كانت خطاباً دعوياً أو برنامجاً عملياً، سنجد هدفها محدودُ المرامي، إذ أنّ غايةَ ما يرمي إليه يتمثل في نقل فئاتِ وشرائحِ النساء والفتيات إلى واقعِ التديّن والاستقامة والصلاح من خلال التربية والتوجيه.  
نعم إنّ هذا الهدف هدفٌ أصيلٌ مهمٌ، وسيبقى هكذا، ولن نتنازل عنه؛ فإن إخراج الناس من دائرة الكفر إلى الإيمان، ودعوة أهل الإسلام للانتقال من دائرة المعصية إلى واقع الاستقامة والصلاح، يُعَدُّ من صميم منهج الأنبياء. لكننا تلافياً للقصور والتفريط الماثل في بعض الجوانب ينبغي أن نوسع من دائرة اهتماماتنا الدعوية، فنضم إلى هذا الهدف أهدافاً أخرى أصيلة، تكمل جوانب النقص.

الثاني: المحافظة على المكتسبات الموجودة:
إننا نرى في مجتمعاتنا مكتسباتٍ موجودةً، قد لا ترضي طموحاتنا وتطلعاتنا لكننا حينما نعلم أن البديل قد يعنى فقدانها وانحيازها إلى الصف المضاد للصحوة فإنّ هذا يشكّلُ دافعاً كافياً يحثنا للعمل من أجل المحافظة على هذه المكتسبات. 
إنّنا حينما نُلقي نظرةً فاحصة،ً سنجد أنفسنا أمام شرائح متفاوتة:
الأولى: الشريحة المتدينة: وهذه تستمع وتسر وتشيد بأحاديثنا الساخنة التي نكرر فيها اللوم والتأنيب، والحديث عن الأخطاء، فهم يعجبون بهذا الحديث به ويعتبرونه تقويماً لهم.
الثانية: شريحة الوسط المُحَافِظَة: وهي شريحة واسعة، لا يُعَدُّ أفرادها في دائرة المتدينين، ولا يرحبون بأن يُحْسَبوا ضمن هذه الدائرة. لكنهم في الجملة محافظون، قد يتساهلون في أمور كثيرة ويعتبرون أنفسهم داخل دائرة الخير. 
الثالثة: الشريحة الهابطة والمتدنية...
 إنّنا في حاجةٍ لخطابٍ دعويٍّ وجهود ومشاريع عمليّة تستهدف المحافظة على الشريحة الثانية الواسعة التي تعيش في الوسط. ( وهذا بالقطع لا يِفهَمُ منه فقدانُ الأملِ وغضُّ الطَّرْفِ عن الشريحة الثالثة والأخيرة ). 
إنّ طبيعة الخطاب الدعوي الذي يستهدف نقل الناس من دركات الشهوات والمعاصي إلى درجات الجد والعزيمة - وهي حياة قد لا يطيقها كثيرٌ من الناس - قد يجعل قدرتنا محدودةً في ترقيةِ ونقلِ هذه الشريحةِ إلى درجاتٍ أعلى.
وعلى فرض عجزنا وإخفاقنا في تحقيق الارتقاء المأمول. فإننا يجب أن نضع من ضمن أهدافنا أن نحافظ على هذه الشريحة بإبقائها - على الأقل على ما هي عليه - حتى لا تنزل إلى مستوىً متدنٍّ وتصبح هدفاً سهلاً لتيار التغريب. 
ربما نقول لهم: إنّكم إن لم تصلوا إلى المستوى المثاليّ في التدين والالتزام، فإن بقاءكم على هذه الدرجة، وفي هذا الإطار، مع شعوركم بالانتماء العام للإسلام، أمرٌ مطلوبٌ. وإنّ وقوعكم في المعصية لا يعفيكم من هذا الشعور.

الثالث:  إيجاد برامج تستهدف الحفاظ على الفتيات:
إننا نرى فتياتنا اليوم وقد كُفُين مؤونة العمل في المنزل ممّا ولّد لديهن فراغاً واسعاً وعريضاً، قد يفضي بهنّ لممارسةِ أنشطةٍ قد تُلقِي بظلالٍ سالبةٍ على مستقبل استقامتهنّ.
الصالحات من الفتيات يشاركن في دور التحفيظ وغيرها من البرامج النافعة. لكن أين تذهب الأخريات؟؟
إنّنا بحاجة لإيجاد لونٍ من البرامج العملية تستهدف - على اقل تقدير - الحفاظ على البقيّة الباقية ممن لا يحببن أن يصنفنّ ضمن دائرة الالتزام، لكنّهنّ يتسمنّ في الجملة بأنّهنّ محافظات.

الرابع: الحضور في ساحة المجتمع :
إنّ حضورنا الدائم في الساحة العامّة، يعطي المجتمع نظرةً وانطباعاً إيجابيّاً عن رسالتنا الدعوية، ولا شكّ أنّ هذا الأمر له أثرٌ فاعلٌ في بناء الثقة بين الداعية والمجتمع. 
قام عمر رضي الله عنه فقال في شأن ابن أبي سلول: ( يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُ، لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ ). رواه البخاري (4527).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:  بَيْنَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِرَابِهِمْ دَخَلَ عُمَرُ فَأَهْوَى إِلَى الْحَصَى فَحَصَبَهُمْ بِهَا فَقَالَ: ( دَعْهُمْ يَا عُمَرُ ). رواه البخاري (2686 ).
وفي روايةٍ عن عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ: ( لَتَعْلَمُ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً، إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ ). رواه أحمد (23710). 
وبرغم أهمية هذا الأمر فلا زلنا نرى الأخوات الداعيات يحصرن أنفسهن في إطارٍ اجتماعيٍ ضيقٍ، وهو إطار الصالحات، ولازلن يلتزمن خطاباً دعوياً قاصراً في لغته ومحتواه.

الخامس: الحاجة لتحديد أدق أهدافنا:
إنّنا نرى اليوم جهداً مشكوراً من قِبَلِ الداعيات، فهنّ ينتقلن من دارٍ إلى دارٍ، ومن مناسبةٍ إلى أخرى، يكتبن ويتحدثن...الخ،
 وبرغم هذا الجهد المبارك، فنحن بحاجة إلى تحديدِ ومعرفةِ أدقِّ أهدافنا التي نريد تحقيقها في خطابنا للمرأة. فإنّ هدفنا لا يكمن في مجرد القيام بنشاطٍ دعوي، واستغلالِ الفرص لإلقاء كلمةٍ هنا وأخرى هناك.
إنّنا يجب أن نلاحظ أن تيار التغريب يسير اليوم متدرجاً خطوةً خطوةً، حتى يصل إلى تحقيق ما يريده من أهدافٍ مشبوهةٍ، فأين نحن من هذه النظرة والرؤية الواضحة؟! 
إننا يجب أن نستشعر أننا أمام تحدٍ ومشروعٍ عظيمٍ، يتطلّبُ رؤيةً واضحةً وشاملةً، لتحديد أدق خطواتنا وأهدافنا لإصلاح وتغيير هذا المجتمعٍ الذي يُعَدُّ أفراده بالملايين.
إنّ من الضّروريّ أن نبذلَ ما بوسعنا لنحسّن من مستوى أدائنا الدعوي. فإنّ الله جلََّ وعلا يقول في كتابه العزيز: ( فاتقوا الله ما استطعتم ) ويقول أيضاً جلَ شأنه: ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ). 
و الاستطاعة ليست محصورةً في الجهود البدنية، بل هناك أدواتٌ أخرى فاعلةٌ، تدخل تحت مسمى الاستطاعة مثل التفكير المتأني، والدراسة الموضوعية، وهي أدواتٌ أصبحت في عصرنا هذا أكثرَ تأثيراً و فاعليةً.

المجال الثاني: مستوى المحتوى والخطاب الدعوي:
إنّ التفاصيل في هذا العنصر كثيرة، والأفكار فيه متداخلة، ولكن لاتهمني سلامةُ التقسيمِ المنطقيِّ، بقدر ما يهمني أن أوصل محتوى ومضمون هذه التفاصيل والأفكار.
هناك أمورٌ مهمةٌ أرى أن تلبيتها والاهتمام بها سيساهم بشكل كبير في ترقية وتطوير محتوى خطابنا الدعوي، ومن ذلك:

أولا: ترك الاقتصار على القضايا الخاصة بالمرأة:
 إنّ المرأةَ لها طبيعةٌ فطريةٌ خاصّةٌ، وتبعاً لذلك، فقد جاءت الأحكامُ الشرعيّةُ مراعيةً لهذا، سواء فيما يتعلق بها مباشرة أو فيما يتعلق بالأمور التي لها مساسٌ بخصوصيتها، وهي جوانب لا شكّ في أهميةِ الاعتناءِ بها على وفق ما أمر الشرع به.
لكنّ هذه الأهميّة لا تسوّغ أنّ ينحصر جزءٌ كبيرٌ من خطابنا الدعوي في هذا الإطار الخاص فلا يتعداه إلى غيره من الأُطُرِ إلا نادراً، بحيث يؤدّى لإهمال كثيرٍ من القضايا الأخرى. 
فمثلاً: إذا دعونا ضيفاً ليتحدثَ أمام مَجمَعٍ نسائي، فعن أيّ شيءٍ سيتحدث؟ وعلى أيّ الجوانب سيركّز؟
 الجواب: في الغالب، أنّه سيتحدث عن الحجاب، السفور، وطاعة الزوج...وإلى آخر ذلك مما يخصّ المرأة، فيندر أن يأتي محاضرٌ ليتحدثَ عن الخشوع في الصلاة، أو عن السلوك والأخلاق كالإخلاص والتقوى وغيرها من الجوانب، التي لا تخصُّ المرأةَ وإن كانت تعنيها بدرجةٍ أساسيةٍ. 
إنّ ما يخص المرأة يمثل دائرة صغيرة جداً حينما ننسبها إلى ما يحتاجه المسلم عموماً، رجلا كان أو امرأة، فلماذا نحصر مستوى خطابنا على هذه الدائرة ونهمل غيرها؟
إنّ الشرع قد جاء لحياة الإنسان بكل ما فيها من عبادات ومعاملات وغيرها، فالمرأة تحتاج للعلم الشرعي، وتحتاج إلى مضمونٍ دعويٍّ يتناول القضايا التربوية العامّة، مراعياً للجوانب الاجتماعية والنفسية، وتحتاج إلى أن نحدّثها عن أخبار المسلمين بما فيها من آلامٍ وآمال.
وباختصارٍ شديدٍ أقولُ: إنّ المرأةَ - بالإضافةِ إلى ما يَخُصُّها - تحتاجُ لكلِّ ما يحتاجُه الرجلُ.

ثانيا: حتميّة الاعتناء بالإقناع: 
إنّنا يجب أن نعيَ أنّ الخطابَ الدعويَّ السائد، والموجّه للمرأة بشكلٍ أخص، ربما يتناسبُ مع مرحلة عفا عليها الدهر قبل عشر سنوات، فقد أصبحت المرأةُ اليومَ على درجةٍ لا يستهانُ بها من المعرفةِ والثقافةِ، وبالتالي فهي ترفض أن تمثل دورَ المرأةِ الأميةِ التي يقتصرُ دورها على مجردِ الإصغاء. 
إنّنا لابدّ أن ندرك أن المجتمعَ ينفتحُ على عواملَ ومؤثراتٍ كثيرةٍ توسّعُ وتزيدُ في دائرةِ ثقافته واهتماماته.
 وبغضّ النظرِ عن موقفنا من محتوى هذه الثقافة، فنحن مطالبون بالتعامل مع هذه المستجدات التي طرأت على ساحة المجتمع ليكون خطابنا الدعوي مواكباً لهذه النقلة الثقافية والحضارية. 
إنّ بطء سيرنا وعدم مواكبتنا لهذا التغيّر، بتغيّرٍ في طريقةِ تفكيرنا وتناولنا، سيخلق حاجزاً ثقافيّاً، وسيزيد الهوة بيننا وبين المجتمع اتساعاً.
فمثلا: لو كانت هناك سيارتان على طريقٍ واحد، تسير إحداهما بسرعة مائة كيلومتر في الساعة، أمّا الأخرى فتسير بسرعة أقلّ، فالنتيجة الحتمية أنه كلما مرَّ الوقت فإنّ المسافة بينهما ستزيد اتساعاً. 
إننا مطالبون بزيادة مساحة الإقناع التي تعتمد على احترام العقول، ومخاطبة الناس بما يفقهون.
 وفي المقابل علينا أن نتجاوز لغة الإملاء وأن نقلّلَ من أسلوب التوجيه المباشر، فإنّ المرأة بحاجة إلى خطاب تشعر عند سماعه أنّه يتناسب مع ثقافتها، ويحترم عقلها، وطريقة تفكيرها، بعيداً عن أساليب الإملاء والإلزام.

ثالثاً: تقليل مساحة الخطاب العاطفي: 
إنّ الخطابَ الدعويِّ السائد - وخاصّةً المتعلق بقضية المرأة - يتسمُ بلغةٍ وأسلوبٍ يزيد من مساحةِ التركيزِ على العاطفةِ، مع قلةٍ في الخطاب المنطقي والموضوعي المقنع.
إنّ الشريط الذي ينتشرُ اليومَ ويلقى رواجاً واسعاً، واقبالاً من المستمعين، هو ذلك الشريط الذي يخاطب العواطف ويلامسها، معتمداً على ملكات الصوت، كالنَّبرةِ وفنونِ الإلقاء ونحو ذلك، وربما يدبج أحياناً بقصة مؤثرةٍ، قد تكون شاذة وغريبة.
  نعم، إنّ الله تعالى لم يخلق العاطفةَ عبثاً، فإنّ للعاطفةِ تأثيرٌ لا ينبغي تهميشه، لكنني أعتقد أننا بحاجةٍ إلى تقليص دورِ الخطابِ العاطفيِّ لمصلحة الخطاب المنطقي، الذي يخاطبُ عقولَ الناسِ أكثرَ مما يخاطبُ عواطفهم. إذ أن هذا يفضي إلي خلق قناعاتٍ راسخةٍ عند السامعين، على خلافِ الخطابِ العاطفيِّ، والذي قد تتعرض القناعاتُ النّاجمةُ عنه للتلاشي والاضمحلال مع زوال المؤثر. 

رابعاً: ضرورة الاهتمام بمشكلات المرأة:
 إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان أنموذجاً للشخصية الاجتماعية التي تهتم بقضايا النّاس وتسعى لحل مشكلاتهم وإزالة معاناتهم. ولذا قالت زوجه خديجةُ، رضي الله عنها، لما جاءها وهو يتصبب عرقاً في حادثة بدء الوحي المشهورة: ( كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ... الحديث).رواه البخاري (3 ). 
وفي مرةٍ أتاه مغيث وهو عبدٌ ملوكٌ، يستشفع به حينما أُعتِقَت زوجتة بريرة، والحكم الشرعي في هذه الحالة أنّها تخيًّر بين البقاء مع زوجها أو فراقه. وقد اختارت بريرةُ فراقه، فقد كانت تبغضه، مع أنّه كان يحبها حباً جمّاً.
 وسعياً في الإصلاح بينهما، فقد قال النبي صلى اله عليه وسلم لبريرة:( لَوْ رَاجَعْتِهِ ) قَالَتْ: ( يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ تَأْمُرُنِي؟ ) قَالَ: ( إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ ) قَالَتْ: ( لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ ). رواه البخاري ( 4875 ).
 فالشاهد أنّ النبي صلى الله عليه وسلم تدخل شافعاً للإصلاح بين رجلٍ وزوجته، والسيرة النبوية مليئة بشواهد من أمثال هذه. 

أيتها الأخوات

إنّنا بحاجة إلى إدخالِ مشكلاتِ وقضايا المرأةِ ضمن دائرة اهتماماتنا، وإن لم تكن ذات بُعدٍ وطبيعةٍ تَتَعلَّقُ بالتدين. 
إنّنا حينما نتناول قضايا البناء والإصلاح الاجتماعي، أو التربية بمفهومها الواسع، أو نتناول القضايا المتعلقة بالهمومِ الاجتماعية للمرأةِ، فقد يقول لنا المجتمع مستغرباً: أنتم لا تحسنون الحديث إلا في الحلال والحرام، وبيان ألأحكام الفقهية كالطهارة والصلاة، إنّ هذه اللغة ليست لغتكم. ولستم من فرسان هذا الميدان. بل فرسانه أولئك الذين يهتمون ويتفاعلون مع قضايا المرأة.
إنّ اجتهادنا في الاهتمام بالمرأة وتناول قضاياها من حيث هي، بكافة أبعادها وجوانبها، كفيل بمحوِ وإزالة هذه النظرة من ذهن المجتمع، وعندها فلابدّ أن يدرك المجتمع أهمية الدورِ الذي يمكن أن تقوم به الصّحوة في معالجة قضايا المرأة على كافة الأصعدة، وفي جميع المجالات.

خامساً: الاهتمام بالمضمون وتوسيع دائرة الاهتمام:
 إننا كدعاة نبتغي الإصلاح لابد لنا أن ننظر إلى الإنسان وأن نتعامل معه كبناء متكامل، فقضية الدعوة والإصلاح لا تنفك عن هذا الجانب، فإنّ تأثر الحالةِ النفسيةِ للإنسانِ ( وهي جزء من مكونات بنائه ) ونشوب الأزمات الاجتماعيّة قد يؤثران على تدين الفرد، بل وقد تمتد الآثار إلى المجتمع.
وكمثال على ذلك: هناك عدد كبير من الشباب والشابّات يتخرجون من المرحلة الثانوية ولا يجدون فرصاً للقبول في الجامعة.
 ومع وجود خادمةٍ تقوم بالأعباءِ الداخليةِ للمنزل، وسائقٍ يتولى الأعباءَ الأخرى خارج المنزل، بجانب توفر وسائل المدنية. لكل هذه العوامل أضحى هؤلاء الشباب والفتيات وقد امتلكوا فراغاً واسعاً ومملاً.
 هناك شباب صالحون، سيحاولون الاستفادة من هذا الوقت في إنجاز عمل مفيد. لكن ماذا ستفعل البقية؟
إنّ هذه الظاهرة الاجتماعية المزعجة، ستؤثر قطعاً على تدين واستقامة هذا العدد المتزايد من الشباب والفتيات مِمَن لا يمارس دراسةً أو عملاً. وقد يقودُهم هذا إلى أمورٍ غيرِ محمودةِ العواقبِ، وليس بمستبعدٍ أن تنجم عنها ظواهرُ أمنيّةٌ مزعجةٌ تهدد استقرار المجتمع وأمنه.
 إننا ينبغي ألا نعزل المجتمع وننظر إليه مجرداً عن هذه العوامل. إذ أنّ قضية التدين و الالتزام ليست قضيةً معزولةً عن إطار الحالة النفسية للفرد، وليست معزولةً كذلك عن إطارِ الظواهرِ الاجتماعية، فكل هذه الأُطُرِ كَمٌ متكاملٌ يتحكمُ في تشكيلِ كيانِ وصورةِ المجتمعِ. 
إذن فمن الطبيعي أن يدعونا هذا الأمرُ للارتقاء بمضمون خطابنا وتوسيع دائرة اهتماماتنا ومشروعاتنا الدعوية، ومن ذلك الاهتمام بالتعامل مع هذه القضية، وغيرها من القضايا المتعلقة بجوانب الصحة، والاستقرار النفسي والأسري، باعتبار أنّها تمسُّ المرأة وتؤثرُ على تديُّنِها واستقامَتِها، وبالتالي يمتد التأثير للمجتمع.

سادساً: العناية بالاعتدال والبعد عن المبالغة:
إننا حينما نلاحظ أنّ الأعداءَ قد أخذوا يتربصون بالمجتمع، إنطلاقاً من طرحهم لقضايا المرأة، فهذا قد يسوقُ بعضنا إلى نوعٍ من المبالغةِ في تناولِ ما يتعلقُ بهذه القضيةِ، وسأضرب أمثلة سريعة من أجل توضيح الصورة:
 المثال الأول: خطيب غيور لاحظ مثلاً، أنّ بعض الفتيات يخرجن في الليل بلا علم أهلهن، وأضف لهذا أنّهنّ يخرجن برفقة بعض الشباب. وهذا أمرٌ مزعجٌ، يحتاج إلى معالجة وحلٍّ جذريٍّ. 
 فتناولَ هذا الموضوعِ على المنبرِ قائلاً لجميع المصلين، أنَّه: ينبغي على الأب أن يستيقظ في الليل ويذهب ليتفقد ابتنه في فراشها، أهي موجودة أم لا؟. فهذا أمرٌ لا يقبله المستمعون، لأنّه غير منطقي ولا موضوعي، بل وقد يقول أحد الحاضرين: إنّ هذا الخطيب، قد عَمَدَ من خلال حديثه هذا، إلى إثارة الشكوك في نفوسنا، ولولا أنني أعرفُ أفرادَ أسرتي جيّداً، لشَكَكْتُ فيهنّ بلا استثناء.
مثال آخر: شخصٌ تأثر بقصةِ فتاةٍ، بدأت بالتساهلِ في الحجابِ مثلاً، فأخذت تضعُ العباءةَ على الكتفِ حتى أدّى بها هذا الأمرُ إلى ممارسة البغاء. 
فهل يجوز أن لهذا الشخص أن يقول: إنّ طريقَ البغاءِ يبدأُ بوضعِ العباءةِ على الكتفِ؟. 
إنّني أعتقد أنّ هذا الكلام لا يخلو من المبالغة. 
 لنقل عن المنكرِ انّه منكرٌ، ولنقلْ عن الذريعةِ أنّها ذريعةٌ، ولكن ينبغي ألا نبالغَ في تصويرِ حجمِ المشكلةِ ومدى انتشارِها، ولا في الحكمِ الشرعيِّ المتعلقِ بها، كأن نجعلَ الصغيرةَ كبيرةً، ونجعلَ الذريعةَ حراماً لذاتها.
مثال ثالث: أحد الغيورين يخاطب المرأة، فيقول: ( أيتها المرأة؛ إذا خرجتِ إلى السوقِ، ثمّ عدتِ سالمةًً إلى بيتك، فاحمدي الله على أن سلَّمَكِ ).
 فهذا الكلام يصورُ الأسواقَ، وكأنّها قد أصبحت مراكزَ اختطافٍ وإجرامٍ.
صحيحٌ أنّ الأسواقَ فيها فسادٌ، وفيها تحرّشٌ من قِبَلِ بعضِ المنحرفين. لكن حينما تقرأُ الفتاةُ العاديةُ هذا الكلامَ، ستشعرُ أنّه كلامٌ ممجوجٌ و مبالغٌ فيه. 
مثلُ هذا الكلامِ غالباً ما يصدرُ من دافعِ الغيرةِ - وهي أمرٌ مطلوب، وينبغي أن يكون شيمة كل مسلمٍ - لكنها ينبغي ألا تطغى وتؤثِّرَ علينا، حتى تدفعنا للخروجِ عن إطارِ الاعتدالِ والتوازنِ والموضوعيةِ في خطابنا الدعويّ.

سابعاً: التقليل من رسم الصورة المثالية: 
 من أجل توضيح المقصود، سأضرب مثالاً بقضيتين يكثر الحديث حولهما: 
الأولى: تعدد الزوجات: إنّ كثيراً ممن يتحدث حول هذه قضيةِ - من الرجال بالذات - يطلبون من المرأة صورةً مثاليةً لا يمكنها أن تصلَ إليها. ولعلنا نعلمُ جميعاً ما كان يحصلُ من أمرِ الغيرةِ بين أمهات المؤمنين، وهنّ خير نساء هذه الأمّة. 
فهذه عائشة، بلغت بها الغيرة، حتى أنّها غضبت وكسرت إناء طعامٍ أرسلته صفيةُ رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: (  مَا رَأَيْتُ صَانِعَةَ طَعَامٍ مِثْلَ صَفِيَّةَ، أَهْدَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَاءً فِيهِ طَعَامٌ، فَمَا مَلَكْتُ نَفْسِي أَنْ كَسَرْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَفَّارَتُهُ؟ فَقَالَ: إِنَاءٌ كَإِنَاءٍ، وَطَعَامٌ كَطَعَامٍ ). رواه أحمد (24000).
 بل وكانت رضي الله عنها، تغار من ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على خديجة والتي توفيت، من فبل ولم تلقها، فها هي رضي الله عنها تقول: ( مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَمَا رَأَيْتُهَا، وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ:كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ !!! فَيَقُولُ: إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ ). رواه البخاري( 3534 )
نعم إنّ التّعَدُّدَ حكم شرعي لا يجوز الاعتراض عليه، لكن هذا لا يسوّغ أن نوجبَ على المرأةِ أن تحبه وترضاه وترغبَ فيه، وأن تتخلى عن غيرتها، وسماتها الفطريةِ البشريةِ. 
إنّنا بهذا نطلب منها أمراً مستحيلاُ وغير ممكنٍ، فإنّ من حقِّ كلِّ امرأةٍ أن تتمنى الانفرادَ بزوجها فلا تشاركها فيه أنثى. وهذا أمرٌ فطريّ وطبيعي، وحتى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم - خيرُ نساء الأمّة - لم يسلمن منه.
الثانية: حق الزوج: لاشكّ أنّ للزوجَ حقٌ عظيمٌ، ولسنا بحاجة للكلام عنه، لأنه أمرٌ معلوم. 
لكننا حينما نتحدث عن هذه الحقِ، نبالغُ كثيراً، ونهملُ الجانبَ المتعلقَ بواجباتِ الزوجِ نحو زوجته، مع أنّ جزءاً من المشكلةِ قد يعود أحيانا إليه، فهو لا يتحدثُ إلا بلغةِ المطالبةِ بحقوقه، وبالمقابل لا يقبل من أحدٍ أن يذكره بمسئولياته.
 إننا حينما نتناول هذا الأمر يجب أن نبيّنَ أنّ على الرجال واجباتٌ ومسئولياتٌ. فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ) رواه أبو داود ( 4253 ) والترمذي (3830 ) واللفظ له. وقال أيضاً: ( لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ ). رواه أبو داود ( 1834).
إنّ هناك فرقاً بين أن نبرزَ صورةً مثاليةً، ونطلبُ من النّاسِ أن يتطلعوا للإقتداء والتشبه بها، وبين أن نطالبَ المجتمعَ كله بالوصولِ إليها، ونجعلها محكّاً ومقياساً نحاكم به الناس.
 إنّ الصورة المثاليةَ التي نرسمها، صورةٌ قد لا يطيقها كثيرٌ من الناس، مع أنّنا قد نعرف أنّهم في قرارة أنفسهم قد يتطلعون إليها. لكنّ التمنّيَ شيءٌ والتطبيق العمليّ شيءٌ آخر.
إنّ كثيراً من خطابنا الدّعويّ الذي يوجّهُ إلى المرأة، يرسم هذه الصورةَ المثاليةَ، التي تلغي طبيعةَ المرأة وسمتها البشريةِ. وهذا الأمر يدعونا إلى ضرورة إيجادِ صياغةٍ متوازنةٍ لخطابنا الدّعوي، من أجل تقديم طرح واقعيٍّ وموضوعيٍّ يلائم حاجات المجتمع بعيداً عن الإجحاف والخلل.

ثامناً: التوازن بين الحقوق والواجبات: 
فكما أنّ علي المرأةِ واجباتٌ ومسئولياتٌ تجاه الآخرين، فإنّ لها حقوقاً ينبغي أن تنالها، فلها حقٌ عند والدها، وحقّ عند زوجها وأبنائها. فالواجب أن نرسم الصورة متكاملة دون أن نركز على جانب واحد. إذ إنّنا غالباً ما نركزُ حديثنا على الواجبات، ونهملُ جانبَ الحقوقِ، وهذا أمرٌ يفتقرُ إلى التوازنِ. 
إنّ غير المتدينات من النساء، حينما يسمعن نبرة الخطاب الذي يركز على جانب الواجبات، ويهملُ جانبَ الحقوقِ، فسيقلن: هل تريدون إلغاء شخصية المرأة؟. هل تريدونها مجرد تابعة؟ 
وبكل تأكيدٍ، سينظرن إلى هذا الأمرِ، على أنّه إجحافٌ في حقّ المرأة. 
 فأين نحن مما يرويه لنا الصحابي الجليل جابر بن عبد الله عن خُلُقِه وتعامله صلى الله عليه وسلم مع زوجته عائشة، لما حاضت في الحجّ وقالت: ( يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ تَنْطَلِقُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ ؟ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ ). رواه البخاري(1541). وفي روايةٍ: ( فَانْتَظَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْلَى مَكَّةَ حَتَّى جَاءَتْ ). رواه البخاري (2762).   
ولذا يقول بعض الصحابة: ( كان هيناً ليناً، إذا هوت أمرا تابعها عليه ). 
إنّنا نرسم اليوم صورة معاكسةً تماما لهذا الخُلُقِ النبويّ، فصاحبُ الرجولةِ الحقةِ في تصوراتنا، هو الذي يقول للمرأة: لا، فهو يعتبرها مجردَ تابعةٍ له، فكيف تُسيّره أو تفرض عليه رأياً؟.
 لماذا نخلطُ بين نظرتنا الاجتماعيةِ السائدةِ، وبين الموقفِ الشرعيِّ في تعاملنا مع المرأة؟. 
لماذا نتجاهلُ هذه المواقفَ البارزةَ في السيرةِ النبويةِ؟.

تاسعا: التفريق بين الاقتناع الشخصي وبين إلزام الناس:
من الطبيعي أن يرجحَ الإنسانُ رأياً فقهيّا في مسالةٍ هي محلُّ اجتهادٍ. وقد يرتاح لأمرٍ تورعاً، بل وقد يلزم نفسه به، وإن كان لا يعتقدُ وجوبه، وقد يمتنعُ عن أمرٍ لذات السبب. 
لكن مع هذا، يجب علينا أن نفرِّقَ بين ما نتركُه أو نفعلُه بدافعِ تورّعِنا وارتياحِنا الشخصيّ, وبينَ ما نلزمُ به الناسَ، فإذا تناول أحدنا مسألة اجتهادية فعليه- على أقل تقديرٍ - ألا يتناولها كمعيارٍ للحكمِ على الناسِ ورميهم بالانحرافِ والضَّلال.
 سمعتُ متحدثا غيوراً - نحسبه صالحاً، والله حسيبه - يتحدث بحماس وانفعال عن مسالة خلافيةٍ وكان يقول كلاماً مثل:  اتقِ اللهَ أيتها المرأة؛ تعلمين أنّ ذلك حرامٌ.
نعم هناك من أفتى من العلماء المعاصرين بمنع هذه المسألة سداً للذريعة، ومنهم من فرِّق بين حالة وأخرى. لكن هناك أيضاً نصوص شرعية صريحة دلت على جوازها، وأنّ نساء الصحابة كنّ يعملنها، وعلى هذا فإنّ ما وسع نساء الصحابة قد يسع غيرهن. فالمهم أنّها قضيةٌ محل اجتهاد، وستبقى هكذا.
نعم إننا بحاجة إلى الورع والاحتياط، بشرط ألا يحملنا هذا الأمر على إلزام الناس ومحاسبتهم على أمرٍ لم يلزمهم الله عز وجل به، إذ أنّ هذا السلوك لا يخلو من جرأة على الله جلّ وعلا: ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِب هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) 116- 117 النحل.

عاشراً: الانطلاق من الاحتياجات أكثر من المخالفات والانحرافات:
 إنّ تحليلَ مضمون خطابنا الدعوي الموجه للمرأة، يؤكد أنّنا غالباً ما ننطلقُ من دائرةِ مخالفاتِ المرأة وأخطائها، كالخروج من المنزل وظواهر التحايل على الحجاب...وإلخ.  
إنّنا بحاجة إلى التنبيه على مخاطرِ هذه المخالفاتِ الشرعيةِ، لكننا يجب ألا نركزَ على هذه الدائرةِ تركيزاً يؤدي إلى إهمالِ القضايا الأخرى، فالمرأةُ بحاجةٍ لتناولِ قضيتها بصورةٍ واسعةٍ ومتكاملةٍ، باعتبارها كائناً متكاملاً وعضواً فاعلاً في النسيجِ الاجتماعيِّ، وباعتبارها مربيةً ذات دورٍ مهمٍ، فهي تحتاج إلى تربيةٍ وبناءٍ، حتّى تعيَ الكثيرَ عن هذا الدورِ المنوطِ بها، وتتعرفَ على سُبُلِ القيامِ به على أكمل الوجوه وأتمّها.   
إنّ حصرَ منطلقاتنا الدعويةِ في تصحيحِ مخالفاتِ وأخطاءِ المرأةِ، سيقعدُ بنا عن بلوغِ قمةِ النجاحِ.
وعلى فرضِ نجاحنا، فإنّ غايةَ ما سنصلُ إليه، أن نستطيعَ الحفاظَ على المجتمعِ في النقطةِ التي يقفُ عندها، وهذا بالقطعَِ أمرٌ غيرُ مرضٍ لطموحاتنا.

حادي عشر: الواقعية في تصور المشكلات:
 إنّ الحياةَ المعاصرةَ أفرزت مشكلاتٍ جديدةً تتعلقُ بالمرأةِ تعلقاً مباشراً، ومن منطلقِ اهتمامنا بالمرأةِ وقضاياها، فيجب علينا أن نستوعبَ هذه المستجداتِ، وأن نتعاملَ معها باعتبارها أموراً فرضت نفسها على السّاحةِ، فلا بدّ من إيجادِ رؤيةٍ واضحةٍ للتعاملِ معها بواقعيّةٍ وموضوعيّةٍ، إذ أنّ هذه المستجدات قد أصبحت مرتعاً خصباً لدعاةِ تحريرِ المرأةِ، ومنه ينطلقون لنشرِ فكرهم المشبوه. 
وبالرغم من علمنا التام أنّ هذه القضايا قد اُستُغِلَّتْ من قِبَلِ دعاةِ العلمنةِ والتغريبِ، لكننا كثيراً ما نتحدثُ بخطابٍ غيرِ موضوعيٍّ، فنحاولِ أن نقنعِ أنفسنا ومن حولنا، أنّها مشكلات غير صحيحة وليست موجودة، إلا في نسيج الخيال، بل وهي غيرُ متوقعةٍ أصلاً.
 وقطعاً، فإنّ هذا الكلامَ ليس له سندٌ من الحقيقة، بل ينطق الواقع بخلافه، فهناك مشكلاتٌ موجودةٌ، والمجتمع يعتبر أنها معضلاتٌ تبحث عن العلاج.
 مثلاً: قضية ممارسةِ المرأةِ للتجارةِ من خلالِ وكيلٍ لها. فهذه صورة في ممارسة العمل التجاري تعجُّ بالمشكلات، إذ أنّ هذه الصورة تتيح للوكيل قدراً كبيراً من حرية التصرف، بعيداً عن أعين صاحبة المال، وهذا أمرٌ مغرٍ، وكثيراً ما يقود إلى حالاتِ تلاعبٍ.
 وهناك مشكلاتٌ وصورٌ أخرى، وكلها قد برزت بفعلِ تعقيداتِ الحياةِ المعاصرةِ. 
إنّ تعاملنا مع أمثالِ هذه المشكلاتِ بروح الإنكارِ والتجاهلِ، سيدفعُ المجتمعَ إلى تجاوزنا، وسيشعرُ من حولنا أننا لا نقدّرُ حاجاتهم ولا نشعرُ بمعاناتهم، أو سيظنّون أننا نكابرُ كما يكابرُ الآخرون. 
إذن، لا يسوغ لنا أن نلغي هذه المشكلات ونحاولُ انكار وجودها، بل يجب أن نقول للناس أنّها موجودة، ولن يضيق الشرع بحلها، ومن ثَمِّ فإنّ الحل يكمن في كذا وكذا.

الثاني عشر: الاعتناء بالحلول العملية: 
نحن بحاجة إلى أمرين: 
الأمر الأول: أن نتعاملَ بواقعيةٍ مع هذه المشكلاتِ.
الأمر الثاني: أن نبذل جهداً لتقديم حلولٍ عمليةٍ واقعيةٍ لهذه المشكلات، إذ ليس هناك مستحيلٌ، إلا ما كانت استحالته كونيّةً، كطلوعِ الشمسِ من مغربها قبل أن يؤذن لها، أو ما كنت استحالتة شرعيةً كالمحرماتِ بجميعِ درجاتِها، أمّا ما سوى ذلك فهو ممكنٌ.
إنّ هناك حاجةً ماسّةً تدعونا للبحث عن حلولٍ ناجعةٍ للمشكلات المتعلقة بالمرأة، خوفاً من استغلالها كمنفذٍ يتسلل منه دعاة التغريب، ومنه ينطلقون لتنفيذِ مخططاتهم الخطيرةِ.

الثالث عشر: الاعتناء بالداعيات: 
وعلى وجهِ الخصوصِ أولئك العاملاتِ المجتهداتِ في حقل وإطار العمل النسوي، وهذا يتطلب أموراً عدة، ومنها:

المطلب الأول: الارتقاء بالوعي:
 إننا بحاجةٍ إلى الارتقاء بالوعي، ارتقاءاً يتجاوز مجردَ الشعورِ بأن هناك مؤامرةً على المرأةِ، فمستوى الوعي في داخل مجتمع الصحوةِ لا يزالُ عاجزاً عن استيعاب ثقافة العصر، ولا يزال متدنياً ودون التحديات، وخاصّة في دائرة المرأة. 
إنّ المرأة المثقفة، غير المتدينة, التي تكتب في الصحف، أو تتحدث إلى المجتمع، من خلال الإذاعة والتلفاز وغيرها، قد نجد لديها قراءآتٍ وإطّلاعاً واسعاً، وانفتاحاً على ثقافة المجتمع. فكيف يسوغ للداعية المصلحةِ، التي تستهدف التغيير والإصلاح في المجتمع أن تكون ذات ثقافةٍ محصورةٍ ضمن إطارٍ ضيّقٍ واهتمامٍ محدود؟؟!!.
ومما لاشك فيه أنّ المرأة الداعية تتعرّض لعاملين، لهما أثر بالغ في تحجيم وتضييق دائرة وعيها:

العامل الأول: الإحساس بالحاجة للعلم الشرعي:
ولهذا فغالباً ما نجد أنّ قراءة الأخت الداعية محصور في إطار العلوم الشرعيّة.

العامل الثاني: عدمُ انضباطِ وسائلِ اكتسابِ الوعي:
إنّ كمّاً لا يستهانُ به من الخبراتِ والملكاتِ الضروريةِ، يكتسبُ في الغالبِ من خلالِ الانفتاحِ غيرِ المنضبطِ على المجتمعِ، من خلالِ السفرِ أو الحضورِ المباشرِ في وسائلِ الإعلامِ، ومن خلالِ أنشطةٍ أخرى، قد لا تسلم من مخالفاتٍ شرعيّةٍ، وهذا من شأنه إعاقةُ جهودِ الأخواتِ الداعياتِ، اللائي يسعينَ لامتلاكِ قدرٍ من الوعيِ المطلوبِ.
 إنّ الوعيَ سيبقى ضروريّاً، وبدونِه لا يمكننا أنْ نخاطبَ المجتمعَ باللغةِ التي يفهمُها ويعيها، ولا يمكننا أن نؤثّرَ على الشريحةِ المهمّةِ التي نريدُ كسبها كرصيدٍ صالحٍ في صفِّ الصحوةِ، وبالتالي فلا يمكننا إحداثُ التغييرِ الذي ننشدُه و نتطلعُ إليه.
وإزاء هذه الضرورة المُلِحّةِ، فإننا بحاجةٍ إلى التعاملٍ مع هذه المشكلةِ، فلسنا عاجزين - ولله الحمد - عن إيجادِ قنواتٍ ووسائلَ تمكننا من رفعِ مستوى الوعيِ عند العاملاتِ في هذا الحقلِ، مع تلافي الوقوع في المحاذير الشرعيّة.

المطلب الثاني: الاعتناء بتربية وإعداد الداعيات:
 إنّ المرأة التي تمارس الدعوة بحاجة إلى تربية وإعداد، بغضِّ النظرِ عن الإطارِ الذي تنطلق من خلاله، فالعاملات على مستوى المدارسِ أو الأحياءِ أو على مستوى المجتمعِ، كلهنّ بحاحةٍ إلى هذا. 
إنّ هناك جهداً هائلاً يبذل لتربية الشباب، في كافة المراحل، منذ المتوسطة ومروراً بالثانوية ثم الجامعة، من مشاركاتٍ في البرامج وتلقٍ للتوجيهات التربوية و... و... وبرغم هذا يعاني أكثر الشباب من خلل تربوي. إذن كيف سيكون حال المرأة في هذا الجانب؟! 
إنّ هذا لا يعني مطالبتنا بأن تعيشَ الفتاةُ كما يعيشُ الشابُّ. كلا، فإنّ الفتاةَ لها ظروفها وطبيعتها، ولها ضوابطُ شرعيّةٌ تضبطها. لكننا نطالبُ بتقديمِ جهدٍ تربويٍ، يعتني بالفتاةِ على أُسسٍ تربويةٍ سليمةٍ، فيبنيها بناءاً صحيحاً، حتى تكون مؤهلةً للقيامِ بدورها في التربيةِ والإصلاحِ.

المطلب الثالث: استيعاب التخصصات المؤثرة في المجتمع: 
هناك تخصصاتٌ لها تأثيرٌ عميقٌ في المجتمعِ، فنحن بحاجةٍ إلى استيعابها، كالتربيةِ، وعلمِ النفسِ، والاجتماعِ، والطبِّ النفسيِّ، والإعلامِ وغيرها.
 إنّ فاعلية وتأثير هذه التخصصات يكمن في أنّ المتحدثَ من أهلها، يتناول القضايا المعينة إنطلاقاً من تخصصه المعرفيّ، وهذا في حدِّ ذاته يُعَدُّ أداةً من أدواتِ التأثيرِ والإقناعِ. 
 قبل مدّةٍ قرأتُ مجموعةَ مقالاتٍ لإحدى النساءِ اللائي لا يذكرنَ بالخيرِ. وهذه المقالات تتناول قضيةً تتعلقُ بالأطفالِ، وهذا أمرٌ حساسٌ يهمُّ كلَّ امرأةٍ في المجتمع.
 إنّ المجتمعَ يجدُ نفسه مضطراً للتعاملِ مع هؤلاءِ، لأنَّ البديلَ الإسلاميَّ غائبٌ عن الساحةِ.
 لقد تحدثت هذه المرأةُ عن اتصالِ الناسِ واستفسارهم لها بشأن هذه القضيّة.
 أفلا يُحتّمُ هذا حضورَ المصلحات في هذا الميدانِ حتى يصبحَ منطلقاً للإصلاحِ والتغييرِ؟!. 
قد يُقال: إنّ الأخت الداعية لو اقتحمت هذا الميدان، فلن تُحْسِنَ ولن تُجِيد تناولَ مثلَ هذه الموضوعاتِ، باعتبارِ أنّها ليست من أهلِ التخصص!!!. 
نعم، إنّ هذا القولَ صحيحٌ، وينبغي أن يدعونا للتساؤل: ألم يحن الوقتُ لنُفَكِّرَ تفكيراً جاداً في الاتجاهِ إلى أمثالِ هذه التخصصاتِ، التي تؤهلُ المصلحات لتناولِ قضايا المرأةِ من منظوراتها النفسيةِ والتربويةِ والإعلاميةِ، ومن منطلقٍ موضوعيٍّ ومتخصصٍ بعيداً عن الخطابِ العاطفيِّ الذي يتفاعلُ مع قشورِ القضيةِ فحسب.

المطلب الرابع: توسيع دائرة استيعاب الخبرات:
 هناك شرائحُ من نساءِ المجتمعِ غير محسوباتٍ على تيارِ وإطارِ الدعوةِ، نعم إنّهنّ لا يحبذنَ أن يوصفنَ بأنّهنّ متدينات، ولا يتحمسنّ لأيَّ وصفٍ يوحي بأنّهنّ مصنفاتٌ في داخل هذا الإطار، لكنهنَّ قريباتٌ من الخيرِ بدرجةٍ كبيرةٍ، فهنّ محافظاتٌ لا يرضين بالفساد، والفجور.

أيتها الأخوات الكريمات؛ إنّنا في سباقِ يَهْدُفُ لمدَّ جسورنا لاستيعاب هذه الشريحة المحافظةِ التي ترابط في الدائرة الوسطى، حتّى نكونُ أقربَ إليها من أولئك المفسدين، وحتّى نستفيد منها في خدمة الهمومِ الإصلاحيةِ المشتركة، خدمةً لقضايا الأمة؟

المجال الثالث:  العمل وأدواته: 
إنّ مسيرةَ الصحوةِ بحاجةٍ إلى وقفةٍ متأنيةٍ لمراجعةِ الأداءِ فيما يتعلق بمجالاتِ العملِ الدعويِّ وما يتعلّق به من أدواتٍ، وذلك من أجل قياسِ ومعرفةِ مدى فاعليتها في خدمةِ الرسالةِ الدعويةِ الموجهةِ إلى المرأةِ، ومن هنا فإنّ هناك نقاطاً ضروريةً، لابدّ من الوقوف عندها، حتى تؤتي هذه المراجعةُ ثمارها: 

أولا: إعادة النظر في مجالات العمل:
إنّ إعادة النظر في مجالات العمل أمرٌ تحتمه عدة دوافع:

الدافع الأول: محدودية المجالات:
إنّ مجالاتِ عملنا الراهنةِ، تعدُّ محدودةً، وضيّقةَ الأُطُرِ، إذ أنّها لا تغطي إلا فئةً محدودةً. ولو قُدِّرَ لنا أن نتأمل أبرزها وأكثرها نشاطاً، مثل دورِ التحفيظِ النسائيةِ وغيرها، فإنّنا سنجدها محدودةً إنْ لم تكن معدومةً. ولذا فإنّ النظرةَ العميقةَ لمقدارِ الطاقةِ الاستيعابيةِ لهذه المجالاتِ، كفيلةٌ بأن تدلنا على حجم القصور الموجود فيها.  
 
الدافع الثاني: نوعية الشرائح المستوعبة: 
إنّ المتأمل في هذه المجالات، سيدرك تماما أنّها لا تستوعب إلا المتدينات، وهذا بالقطع أمرٌ جيّد. إلا أنّنا بحاجة إلى مجالات أخرى لاستيعاب البقيةِ الباقيةِ، حرصاً على استقامتهنّ، وعدم انحرافهنّ.
 إنّ المقارنة بين الجهد المقدمِ للشباب، وذاك المقدمِ للفتياتِ، يقنعنا بضرورة التفتيشِ عن مجالاتٍ أخرى تستوعبُ الشريحةَ التي قد لا تجدُ حماساً للحضور في دُورِ تحفيظِ القران.
فبينما يقضي الشباب أوقاتاً غير قصيرةٍ لملء فراغهم في المراكز الصيفية، و البرامج العلميّة ومراكز الترفيه، نجد أنّ الفتاة العاديّةَ، لا تجدُ سوى المجالاتِ التي تخاطبُ المتدينات.

ثانيا: ضرورة الحضور في وسائل الإعلام العامة: 
إنّ بروز الرجالِ المهتمين بقضيةِ المرأةِ في وسائلِ الإعلامِ العامةِ، والذين يتناولون قضيتها بالصورةِ الواسعة، لا بدّ أن يصبح من أهمِّ أولويّاتِ وضروراتِ مسيرةِ الصحوةِ.
إننا نطمح أيضا، أن تشكِّلَ الأسماءُ النسائيةُ الصالحةُ، حضوراً فاعلاً وكثيفاً علي مستوى كافةِ شرائحِ وطبقاتِ المجتمعِ. وخاصّةً عبرَ هذه القنواتِ والوسائلِ الإعلاميةِ.
إنّ الحضور التلفزيوني والإذاعي قد يشكل بالنسبة للمرأة الداعية نوعاً من الحرج، لكنّ هذا الأمر 
لا ينطبق على الصحافة بأي حال من الأحوال.
إننا لا نريدُ أن يكون هذا الحضورُ النسائيِّ قاصراً على الصحافةِ والمجلةِ الإسلاميةِ فقط، بل نريده أن يتعدى هذا الإطارَ الضيّقَ، حتّى يبرزَ على مستوى المطبوعاتِ المختلفةِ، التي تقرأها غيرُ المتديناتِ، بمختلفِ شرائحهن.
إنّ مما يؤسف له حقاً، أنّ الوسائل والقنوات المتاحة لخطابنا الدعويّ لا تزال محدودة، فعلى الرغم من أننا كرجالٍ، تُوجَّهُ إلينا الدعواتُ، و تتاحُ لنا الفرصُ للتحدثِ في مختلفِ المحافلِ، فقد اكتشفنا أنّنا مجهولون عند شريحةٍ كبيرةٍ من المجتمع، فإن كان واقعُ الحالِ بالنسبةِ للدعاةِ من الرجالِ هكذا، فكيف يكونُ الحالُ بالنسبةِ للأخواتِ الداعياتِ؟.

ثالثا: الاعتناء بمدارس التعليم العام: 
على الرغم من أن مدارسنا تذخرُ بعددٍ لا بأس به من المعلماتِ الغيوراتِ المصلحاتِ، ممن كان لهن بفضل الله دورٌ فاعلٌ، وأثرٌ كبيرٌ، في إصلاحِ و تربيةِ بناتنا، لكن هناك ضرورةٌ مُلِحّةٌ تدعونا إلى توسيعِ دائرةِ اهتماماتنا وبرامجنا لضمانِ أفضل استثمارٍ لهذا الحقلِ المهمِّ.
إنّ ضرورةَ اعتنائنا وتركيزنا على هذه المدارسِ، وجعلها من أهمِّ ميادينِ الإصلاحِ، ينبعُ من كونها تستوعبُ الفتياتِ، وهن في أخطرِ مرحلةٍ عُمريّةٍ، غالباً ما يكون لها أثرٌ بالغٌ في التوجهِ الفكريِّ والأخلاقيِّ بالنسبةِ للفتاةِ في مستقبلِ أيامها. 
إنّ هناك سؤالاً مهماً يطرح نفسه: ما هو النشاطُ الدعويّ الموجّهُ للطالبات في هذه المدارس ؟ 
 بلا شكٍ، هو نشاطُ المُصَلَّىَ. وهو بالتأكيدِ نشاطٌ جيّدٌ ومثمرٌ، ونحن في حاجةٍ للمحافظةِ عليه، لكننا بحاجةٍ أيضاً إلى استيعابِ جهودِ الصالحاتِ الأخرياتِ، من معلماتِ الحاسبِ، والرياضياتِ والعلومِ...الخ. 
وبتضافر و تنوع هذه الجهود، تُسْتَثْمَرُ المدرسةُ، وتتحول إلى مؤسسة إصلاحية بالمفهوم الواسع.

رابعا: التعليم الأهلي:
إنّ الوجهَ التجاريَ غالباً ما يكون هو الوجهُ البارزُ لهذه المدارسِ، ولذا فليس بمستغربٍ أن يجدَ طلابُ هذه المدارسِ إهمالاً في الناحيةِ التربويةِ. وإنّني اعتقد أننا نشارك في قدرٍ من هذا الإهمال، لأننا لم نلتفت لاستثمار هذه المؤسسات كما ينبغي.
وبرغم قصور النواحي التربوية، إلا أنّ هناك أمراً مهمّاً يميز هذه المدارس، وهو أنّ فيها مرونة.
 وبمعنىً أوضح: لو قُدِّرَ أن ننجح في ارتياد واستغلال هذه الميادين، فيمكننا أن نضيفَ برامجَ تربويةً و أنشطةً ثقافيّةً ناضجةً، بهدفِ استثمارِها، الاستثمارَ الدعويّ الأمثلَ.

خامسا:  الجمعيات النسائية: 
 بدأ نشاطُ هذه الجمعياتِ بدايةً مشبوهةً في مصر على أيدي بعض الداعياتِ المنادياتِ بتحريرِ المرأة، ثم أخذت هذه المؤسسات تمدد وتنتشر رويداً رويداً حتى نشأت مثيلاتٌ لها في مجتمعاتنا.
 وبالقطع فإنّ هذه البداياتِ المشبوهةِ، جعلتنا ننظرُ إلى هذه الجمعياتِ بعينِ الريبةِ، ونضعُ علاماتِ استفهامٍ كثيرةً حولَ أنشطتها.
إنّ جزءاً كبيراً من شكوكنا حولَ أنشطةِ هذه المؤسساتِ قد يكونُ مبرراً، لكن ألا ينبغي أن يدفعنا هذا الأمرُ إلى التفكيرِ بجديةٍ في إنشاءِ جمعياتٍ نسائيةٍ محافظةٍ، تقدمُ هذه البرامجَ في إطارٍ منضبطٍ محافظٍ، يحمي المرأةَ ويصونها حتى لا تصبحَ ميداناً للتغريبِ؟. 
إنّنا نرى على الساحةِ الآن، مؤسساتٍ تقدمُ للمرأةِ أنشطةً متعددةً، كدوراتِ الحاسبِ الآليِّ، و اللغاتِ, وأخرى تقدمُ دوراتٍ في الطبخِ والأزياءِ...الخ. 
إنّ هذه الأنشطة تُحظى بحضورِ شريحةٍ من النساءِ المحافظاتِ, ممن لا يحسبنَ من المتديناتِ. والغالب أنّهن يحضرن بدافعِ الحاجِة لملءِ فراغِهنّ، وشغلِ أوقاتهنّ بتعلّمِ هذه المهاراتِ والمهنِ المفيدةِ. 
لماذا لا يكون هناك تفكيرٌ بصورة أو بأخرى في ارتياد واقتحام هذه الميادين، دون أن نزكيها ودون أن ندعو الناس لولوجها؟
إنً ابتعادنا عن هذه المؤسساتِ، سيزيدُ من تأصيلِ دورها المتوقّعِ في إفسادِ المجتمعِ، إنْ كان هذا الدورُ موجوداً بالفعلِ. وإن لم يكن موجوداً، فإنّ انزواءَ وابتعادَ المصلحين قد يتيحُ مناخاً صالحاً لظهوره.
نعم قد لا يرضى أحدنا لزوجته وابنته أن تحضرَ لهذه المؤسساتِ، وقد لا يسرنا أنْ ندعو الناسَ إليها، لأننا نعتبرها مؤسساتٍ غير منضبطةًٍ. لكن أنْ تأتي بعضُ الصالحاتِ وتقتحمَ هذا الميدانَ لأجلِ التغييرِ والإصلاحِ، أو على أقلِّ تقديرٍ، من أجلِ محاولةِ إيجادِ بيئةٍ محافظةٍ، تكفلُ حمايةَ المرأةِ من الفسادِ، فهذا شيءٌ آخر بالتأكيدِ. 
إننا يجب أن نفرّقَ بين الاستثمارِ لصالحِ الدعوةِ، وبين التزكيةِ، و يجب أنْ نفصلَ بينَ ما نختارهُ لأنفسنا وأهلنا، وبين اقتحامِ هذه الميادينِ الجديدةِ التي نسعى لإصلاحها.
 إنّ وجودَ الرغبة في الإصلاحِ والتغييرِ أمرٌ محمودٌ، لكن لابدّ من التأكيدِ على ألا تدعونا هذه الرغبةُ إلى الانفلاتِ، وتجاوزِ الضوابطِ الشرعيةِ، فقضيةُ المرأةِ تحتاجُ إلى أن نتساءلَ دوماً في كلِّ خطوةٍ نخطوها، عن مدى موافقةِ ومخالفةِ هذه الخطواتِ للشرعِ؟ إذ لا يسوغُ أن تدعونا رغبتنا في توسيعِ نطاقِ الدعوةِ إلى الجرأةِ على الضوابطِ والأحكامِ الشرعيةِ.

أولويات مهمة يجبُ العناية بهاهناك أولوياتٌ مهمةٌ، يجب أنْ نعتني بها في مجالِ دعوتنا للمرأةِ، وسأقتصرُ على ذكرِ ثلاثِ أولوياتٍ، مع الإشارةِ إليها باختصارٍ شديدٍ.

أولاً: الوقوف في وجه التغريب: 
إنّ وقوفنا سداً منيعاً في مواجهةِ مخططاتِ التغريبِ، يجب أن يكون على رأسِ أولوياتنا، إذ أنّنا أصبحنا نرى دعاةَ العلمنةِ والتغريبِ يأتونا في كلِّ يومٍ بالجديدِ من صورِ وأنماطِ الحيلِ الهادفةِ لطمس الهويّة الإسلاميّة، وخاصّة عبرَ التّركيزِ على تناولِ القضايا الاجتماعيّةِ الخاصّةِ بالمرأة.

ثانياً: الاعتناء بترسيخ القيم:
لعله لا يخفى، أنّ هناك بعضاً من مظاهرِ الانحرافِ على المستوى السلوكيِّ بدأت بالانتشارِ في المجتمعِ.
 فمثلاً: يوجد الآن كثيرٌ من الفتياتِ والشبابِ ممن يسعى لإقامةِ علاقاتِ حبٍ قبلَ الزواجِ، لكنّ عدداً كبيراً من هولاء يشعرون بأنهم مخطئون. 
نعم إنّ من واجبنا كدعاةٍ، أنْ نحذرَ من أمثالِ هذه الظواهرِ، لكنّ الأوجبَ من ذلك أنْ نحذّرَ بصورةٍ أشدّ، من تأثيرها على مستوى الثوابتِ والقيمِ. إذ أنّ الانحرافَ على مستوى القيمِ والثوابتِ، يعني أنّ المجتمعَ قد وصلَ إلى مرحلةٍ يتعاملُ فيها مع الانحرافِ السلوكيِّ على أساسِ أنّه مسألةٌ طبيعيةٌ، فليس من حقِّ أحدٍ أن يقابلها بالامتعاضِ والاستنكارِ، وهذا ما يُعَبَّرُ عنه بأن يصبحَ المعروفُ منكراً والمنكرُ معروفاً.

ثالثاً: التركيز على الفئات الأكثر تأثرا:
إنّ رسالتنا يجب أنْ تستهدفَ شريحةَ الفتياتِ من طالباتِ الجامعةِ والمرحلةِ الثانويةِ المتوسطةِ، إذ أنّهنّ في مراحلَ عمريِّةٍ تجعلهنّ من أكثرِ الشرائح الاجتماعيّةِ تأثراً.
فمن الملاحظ أنّ كثيراً من الجهودِ الدعويّةِ تستفيدُ منها كبيراتُ السنِّ أو الصغيراتِ.
فمثلاً: لو أخذنا دورَ التحفيظِ كمعلمٍ بارزٍ للعملِ الدعويِّ النسويِّ، فإنّنا سنجدُ أنّ هذا الأمرَ يبدو فيها واضحاً، فالشريحةُ الكبيرةُ من اللاتي يحضرنَ في هذه الدورِ إمّا أنّهنّ من كبيراتِ السنَِّ أو من الصغيراتِ.

خاتمة وتذكير

أيتها الأخوات:
 لابدّ أن أُذَكِّرَ في ختامِ حديثي ببعض الأمور، فأقول: 
( ليس هذا كلُّ ما لدي، فضلاً من أنْ يمثّلَ كلَّ الذي ينبغي قَوْلُه حولَ هذا الموضوعِ، وإنّ ما ذكرتُه في هذه المحاضرةِ يمثِّلُ اجتهاداً ورؤيةً شخصيةً، حولَ ما أعتقدَ جازماً أنّنا ينبغي أنْ نَقومَ ونعتني به في دعوتِنا للمرأةِ. ولأنّ هذه الرؤيةِ محضُ تصوّرٍ واجتهادٍ بشريّ، لذا يصدقُ عليها أنَّها أمرٌ قابلٌ للأخذِ والردِّ.
 وأكررُ القولَ: إنّني أعتقدُ أنّ قضايا المرأةِ ودعوتها أكبرُ مني، وأكبرُ من فلانٍ وزيدٍ من الناسِ, بل و أكبرُ من حجم سائرِ المتخصصين في هذا الجانبِ, من الدعاةِ الذين نذروا أنفسهم لخدمةِ قضيةِ المرأةِ، فضلاً عن شخصٍ آخر اقل قدرةً وأقل اهتماماً بهذه القضيةِ ).

أسألُ الله عزَّ وجلَّ أنْ يكونَ جهدي هذا خالصاً لوجهه الكريمِ
وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله وصحبه وسلم.

مقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
 أما بعد 
فعنوان محاضرتنا هو: دعوة المرأة وقفات تقويمية...

مقدمة:
عندما أتأمل في دلالات هذا العنوان دائماً ما يساورني شعورٌ أنّ مسألة تقييم وتقويم هذه التجربة أكبرُ حتى من حجم أولئك المتخصصين في هذا الجانب؛ من الدعاة الذين نذروا أنفسهم لخدمة قضية المرأة، فضلا عن شخصٍ آخرَ، اقل قدرةً وأقل اهتماماً بهذه القضية. 
ومن هنا فإنّ ما سأقدمه في هذه المحاضرة لا يعدو أن يكون رؤيةً شخصيةً لواقع المرأة. وبالقطع فإنّ ما يرد في هذه الرؤية قابل للأخذ والرد، ولو قُدِّرَ لي أن أُعِيدَ النَّظَرَ في محتوى هذه الرؤية بعد مدة، فسوف أغير من بعض آرائي, فضلاً عن غيري، وهذا أمرٌ طبيعي ملازمٌ للآراء والاجتهادات البشرية.

دواعي الاهتمام بهذا الموضوع

لقد بدأ الاهتمامُ والاعتناءُ بقضية المرأة ودعوتها مع بواكيرِ الصحوة، وبدايات العمل الإسلامي. 
وبغض النظرِ عن حجمِ هذا الاعتناءِ، وطبيعةِ النظرِ إلى المرأة، وما يقدم إليها من عملٍ دعويٍّ، فقد اعتنت كافةُ الفصائلِ الإسلاميةِ، باختلافِ توجهاتها بهذا الأمر بصورٍة أو بأخرى، وحظيت هذه القضيةُ باهتمامٍ متزايدٍ من قبل المصلحين والدعاةِ إلى الله سبحانه. 
 ولعل منشأ هذا الاهتمام، يعود إلى دوافع وأسبابٍ متعددةٍ، ومن أهمها:
  
الأمر الأول: المرأة نصف المجتمع: 
المرأة تمثل تقريباً نصف المجتمع من جهة التعداد، لذا فهي تمثّل شريكاً أصيلاً للرجل، ورقماً أساسياً لا يمكنُ الاستغناءُ عن دوره بأي حال من الأحوال. 
وبكلِّ تأكيد، فإنّ أيَّ تغافلٍ وإهمالٍ لهذه الحقائق، سيفضي إلى إسقاطِ وتعطيلِ دورِها المنشودِ  في تربية وبناءِ الأجيال.

الأمر الثاني: خصوصية وحساسية هذه القضية: 
وهذا الأمر يبدو جليّاً في جانبين:
الجانب الشرعي: بحكم طبيعتها ومهمتها في الحياة، فإنّ الإسلام ينظر إلي المرأة بإجلالٍ واحترامٍ باعتبارها رمزاً للطُّهرِ والعفافِ، ومدرسةً تربويةً لتنشئة الأجيال، إذ أنّها تمثّل المحضن التربويّ الأول.
ومن هنا فإنّ قضيتها تعتبرُ من أكثرِ القضايا خصوصيةً وحساسيةً من الناحيةِ الشرعيةِ، و لعل هذا يبدو واضحاً من خلالِ هذا الكمِّ الذي لا يستهان به من الضوابط الشرعية المتعلقة بالمرأة.
الجانب الاجتماعي: إنّ تعاطي وتناول قضية المرأة يتم بحساسية شديدة في كافّة المجتمعات، حتى على نطاق المجتمعات الغربية التي تزعم أنّها ارتقت ووصلت إلى قمةِ المساواةِ بين الرجل والمرأة. فهي لا تزال تتناول هذه القضية وتتعامل معها بصورة غير موضوعية.

الأمر الثالث: استغلال دعاة التغريب لهذه القضية:
إنّ دعاةَ التغريبِ قد اتخذوا من قضيةِ المرأةِ مدخلاً يتسللون منه، وقاعدةً ينطلقون منها، لبدء عملهم المسموم, والرامي لتغريب مجتمعاتِ المسلمين، وطمسِ هويتها، وقد ظهر هذا على نطاقين:
الجانب الأول: من خلال التناول المعرفي لهذه القضية على مختلف الأصعدة. ومختلف المنابر، خاصة العالمية.
الجانب الثاني: من خلال المشروعات العملية التي نجحت في ترويج ونشر السفور والاختلاط، حتى أصبحا شيئاً مألوفا وعاديّاً, مما أفضى إلى أن يصبح الحجاب والفصل بين الجنسين متغيراً من المتغيرات بعد أن كان هو السمة السائدة في المجتمعات الإسلامية.

الأمر الرابع:التناول الإعلامي العالمي لهذه القضية:
 فمنذ أن أطلت دعواتُ العلمنةِ والتغريبِ برأسها, أخذت قضايا المرأةِ تتصدرُ قائمةَ الاهتماماتِ العالمية بين آونة وأخرى، وهذا يظهر بوضوحٍ في إثارة هذه القضايا على مستوى المؤتمرات والمنتديات الدولية, من خلال التناول المعرفي، والنقاش المحموم، المصحوب بالتغطية والترويج الإعلامي على مستوى العالم. وهو تناولٌ لا تخفي أغراضه المشبوهةُ.

الأمر الخامس: حاجتنا إلى مراجعة تجربتنا الدعويّة: 
لقد بذل الدعاة إلى الله عز وجل جهوداً مضنيةً في مضمار التعامل مع قضية المرأة مما أنتج تجربةً جيّدةً وثرية، أظنّ أنها كسائرِ مشروعاتنا وأعمالنا الدعوية, في حاجةٍ إلى تقييمٍ ومراجعةٍ، من أجل تقويمِ وإصلاحِ مسيرَتِها، حتى تؤتي ثمارها المرجوّةِ. 
ومن منطلقِ هذه النقطةِ بالذات تنبعُ الحاجةُ لهذه المحاضرة.
 إنّ المحاور التي سأتناولها في هذه المحاضرة لم تأتِ وليدةً لظروف زمنيةٍ أو أيّ ظروفٍ أخرى، فقد كان هذا الموضوع يختمرُ في ذهني منذ سنوات عديدةٍ. ولعل الله جل وعلا قد يسّر إبرازه في هذه السانحة الطيّبة. 
حاولتُ أن أجعلَ المحورَ الرئيسيَّ للمحاضرةِ يدور في فلكِ الإجابةِ على سؤالٍ مهمٍ وهو:
 ما الذي ينبغي أن نقوم به في ميدان العمل لدعوة المرأة؟ 
وانطلاقاً من تصوّري للإجابة على هذا السؤال، فقد تناولت بعض المجالات التي أرى أنه ينبغي التركيز عليها، ويغلب على ظنّي أنّ ما يرد في ثناياها من تفاصيل سيشكّلُ جملةً من الموجهات المفيدة للإجابة عن هذا السّؤال، ومنها: 
1/ مجال الأهداف الدعوية. 
2/ مجال الخطاب الدعوي و البرامج العملية. 
3/ مجال العمل وأدواته وميادينه.
4/ في خاتمة المطاف: تطرقت لتناول بعض الأمور التي أرى أنها من أولويات العمل التي ينبغي التركيز عليها.

وقبل أن أشرع في التفاصيل، لابدّ لي في البداية، من توضيح أمرٍ مهم وهو: 
( إنّ ما سأتحدثُ عنه من تقييمٍ لهذه التجربةِ، وما سأورده من مقترحاتٍٍ لا يعدُّ بالضرورةِ إعلاناً لفشلِ التجربةِ الدعويةِ في التعامل مع قضية المرأة. فإنني أشعر _ ولله الحمد - أنّ هناك نجاحاً ملموساً ومنجزاتٍ طيبةً قد تحققت، وتبعاً لهذا فإنّ ذكري لبعضِ الجوانبِ التي أرى أنها ينبغي أن تكون ميداناً للاعتناءِ والتركيزِ، لا يعني بالضرورةِ أنّها مفقودةٌ من الساحةِ تماماً، فقد تكونُ موجودةً. لكنّ وجهةَ النظرِ الخاصةِ قد تدعوني للاعتقادِ أنّ الموجودَ منها - إن وُجِد - أقلّ ممّا ينبغي، وأنه ينبغي أن يُحظَى باهتِمَامٍ أكبرَ ).

أبرز مجالات النجاح الدعوي

بدايةً، سأشير باختصار إلى بعض مجالات النجاح التي حققتها الصحوة الإسلامية، مركِّزاً على التجربة المحلية في قضية المرأة. وسأكتفي بذكر ثلاثة أمور تُعدُّ من أبرز المجالات الرائعة والمتميزة في مسيرة الصحوة:

الأمر الأول: وجودُ صحوةٍ ظاهرةٍ في أوساطِ المرأة:
 فبعد أن كان التدين فطرياً، وموروثاً من خلال الأسرة، ومحصوراً في إطار المُسنّاتِ وغير المتعلِّمات من النساء، أصبحنا – ولله الحمد - نجد أدبيات الصحوة في جانب المرأة تتمثّلُ في وجود عدد لا باس به من الفتيات الملتزمات، اللائي يعشن في بيئة غير متدينة، وغير محافظة. 
وأصبحنا نرى شريحة أخرى لا يستهان بها من المتعلمات، المتدينات، يلتحقن بمجالات العمل المتنوعة، عضواتٍ في هيئات التدريس وطبيباتٍ وغير ذلك. 
و على الرغم من أنّ ظاهرةَ الصحوةِ في إطار المرأة قد تأخرت -وهذا أمرا طبيعي ومنطقي- إلا أنّها بغضّ النظرِ عن حجمها وضآلتها، أصبحت تمثلُ ظاهرةً لافتةً للنظر.
وعلى الرغم من أن النتائج والثمرات المرجوة في هذا المجال، لازالت دون المستوى المأمول، إلا أنّه   يجبُ قياسُ هذا النجاح من خلال مقارنةِ هذه النتائج المحققةِ بالمواردِ المتاحةِ التي امتلكتها الصحوةُ وسخرتها في خطابها ودعوتها للمرأة، وهي إمكانياتٌ محدودةٌ وضئيلةٌ جدّاً مقارنةً بما هو متاحٌ للبرامج الدعوية في أوساطِ الشبابِ و الرجالِ.

الأمر الثاني: ظهور رموز نسائية:
 هناك كمٌ من الأسماء النسائية، أصبح ذا وجودٍ فاعلٍ ومؤثّرٍ في المجتمع، وهذا يبدو واضحاً من خلال الجهود البارزة في حقل الكتابة في المطبوعات الدورية أو في مجال الحديث في المنتديات والمجتمعات النسوية.
هذه الأسماء لم تعد سراً قاصراً على الوسط النسائيّ. فقد أصبحت معروفة، حتّى على نطاق المجتمع الرجاليّ، وصار بعضها يُمثّل رمزاً يحظى بالاحترام والتقدير في أوساط المرأة، فما أن تتهيأ فرصةٌ للأخوات، حتى يسارعن إلى اللقاء بهذه الأسماء و الاستماع إليها، وهذه نقلةٌ أخرى مهمةٌ.

الأمر الثالث: الوقوف في وجه التغريب:
لقد استطاعت حركةُ التغريبِ أن تقطعَ مراحلَ كبيرةً في كثيرٍ من المجتمعات الإسلامية، حتى أصبح الحجاب يبدو في بعضها ظاهرةً شاذّةً دخيلةً، بعد أن كان هو الثقافة السائدة الأصيلة. وحتّى أصبح التعجب و الاستنكار يعلو الوجوه حينما يقال: (إنّ فلانةَ قد تحجَّبَت)، والأَوْلَى أن تكون الصورة معكوسة.
لقد أخذ هذا التيار يزحف حتى بدأت جذوره تصل إلى مجتمعاتنا.
 لكننا- ولله الحمد- لو قارنا بين أطروحاته المثارة بالأمس ( قبل بروز الصحوة كتيار قوي، مؤثر) وتلك التي تثار اليوم حول قضية المرأة سنلحظ أن هناك انحساراً واضحاً وتغيّراً في لغة الطرح.
 لقد كان هناك تيار يهاجم الثوابت مهاجمة صريحة بلا خفاء، وقد تصل أحياناً إلى حد التصريح بالزندقة والطعن في ثوابت الشريعة، لكنّ الأمر تغيّر الآن.
لقد بدأ هذا التيار يتحدث بحذر ويصبغ كل أحاديثه - خاصّةً ما يتعلّق منها بقضية المرأة - بكلماتٍ دائماً ما يستهل وقد يختتم بها، من أمثالِ: ( في ظل الشريعة الإسلامية )، ( فيما لا يتعارض مع الشريعة )، ( في ظل التقاليد الإسلامية ).
 هذه الكلمات أصبحت تَتًرَدًّدُ على لسان طائفةٍ ممن يصرحون في مجالسهم الخاصةِ، بالدعوةِ الفجةِ إلى الزندقةِ والإباحيةِ، وانحلالِ الأخلاقِ.
 وبغض النظر عن جدية هذا التصريح وعدمه، فهو يدل على أن دعاة العلمنة والتغريب أصبحوا يدركون أنّ هناك تياراً يجب أن يُجَامَلَ وأن يُحسَبَ له ألفُ حسابٍ ولو من بابِ منافقتِه ومخادعتِه، فالساحةُ لم تعد خاليةً. 
و لعل من لطفه تبارك وتعالى بهذا المجتمع، أن ظهرت الصحوةُ الإسلامية كتيارٍ قويٍّ يضطلع بدور كبير في تحجيم ومحاربة ظاهرة التغريب، وإلا لتمكن تيار التغريب من اكتساح مجتمعنا وجرّه إلى المستنقع الآسن الذي أوقع فيه سائر المجتمعات.
إذن، هذه ثلاثةٌ من أبرز الجوانبِ التي حققت الصحوةُ الإسلاميةُ فيها نجاحاً واضحاً. وبهذا برهنت أنّها رقمٌ مهمٌّ في الساحة، لا يمكن تجاوزه. 
وفي اعتقادي أنّ هذا النجاح كان مناسباً في مرحلة معينةٍ، ونحن الآن أمام مرحلة جديدة، فينبغي أن نفكر في نقلة أخرى متقدمة، ومرحلة جديدة... فما الذي ينبغي عمله؟.

المصدر: http://www.almurabbi.com/DisplayItem.asp?ObjectID=62&MenuID=23&TempID=3

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك