فن التهرب من المسئولية

د. محمد بن عبدالله الدويش

إن واقع المسلمين اليوم لا يخفى على أحد، ولعل أصدق وصف ينطبق عليه قوله صلى الله عليه وسلم (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ).
ومما لا شك فيه أن السعي لإزالة الغربة والقيام بالأمة والنهوض بها مسئولية الأمة أجمع، وليست مسئولية فئة دون أخرى؛ فالنصوص التي وردت في وصف الأمة بالخيرية وربطت هذه الخيرية بقيامها بواجب الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه النصوص نصوص عامة لم تخص أحدا دون أحد، ومنها قوله عز وجل ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر).
والنصوص التي جاء الأمر فيها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي أيضا نصوص عامة لا تخاطب فئة دون أخرى "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".
وفي الحديث الآخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما بعث الله من نبي إلا كان له حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بهديه، ثم إنه تخلف بعدهم خلوف، يقولون مالايفعلون، ويفعلون ما لايؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".
إن من يقرأ هذه النصوص مهما كان مستواه العلمي، ومهما كانت قدراته العقلية سيدرك أنها نصوص عامة لكل المسلمين .
وإذا كان هذا الشان فيمن يرى منكرا معينا، أو معروفا معطلا، فكيف إذا كان المجتمع منغمسا في المنكرات واقعا في الفساد ، كيف إذا أصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا؟
فواقعنا الذي تعيشه الأمة اليوم يحتم على الغيورين أجمع أن يقوموا لله، وأن يجتهدوا في الدعوة والإصلاح والسعي للتغيير.
ولئن تفاوتت المسئولية واختلفت الواجبات بحسب اختلاف ما لدى الناس من علم وقدرة ومسئولية ومنزلة اجتماعية، إلا أن هذا لا يلغي المسئولية العامة على الجميع.
إن كثيرا من الخيرين اليوم يمارسون صورا من التهرب من المسئولية والتنصل منها.
وبغض النظر عن درجة اقتناعهم بما يقولون، وعن مدى شعورهم بالتقصير، إلا أن القاسم المشترك لهذه الأساليب أنها أساليب يتهرب بها صاحبها من الشعور بالمسئولية الدعوية.
وقد تكون هذه الأساليب بينه وبين نفسه فيخادع نفسه ويوهمها بذلك، وقد تكون حجة يعتذر بها أمام الناس حين يطالب بالقيام بواجب الدعوة.
إننا سنقدم على الله وهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهناك لا ينفع المرء إلا عمله، ولن يقبل منه صرف ولا عدل، فلنتذكر هذا المقام علنا أن نعمل ما دمنا في دار العمل.
ومن هذه الأساليب مايلي:

 

الأسلوب الأول: الدفاع عن واقع المجتمع
الأسلوب الأول: الدفاع عن واقع المجتمع.
إن الدعوة إلى الإصلاح والتغيير فرع عن التسليم بوجود خلل في الواقع وانحراف يدعو إلى التغيير.
وثمة فئة تناقش في هذه المقدمة وتقول: إن واقعنا بخير وليس فيه ما يستدعي كل ما تدعون إليه، إن المعاصي قد وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فهناك من زنا، وهناك من سرق، ومن قتل، بل لقد وقع السيف بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف تريد الصفاء والنقاء والعصمة للمجتمعات في هذا الزمن؟.
إن ما وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صور وحالات فردية شاذة، أما في واقعنا اليوم فالصورة تختلف بكثير .
في مجال الاعتقاد والتوحيد ثمة طوائف من المسلمين ليست بالنادرة ولا القليلة قد وقعوا في صور من الضلال والانحراف وربما أودت ببعضهم إلى الخروج من دائرة الإسلام وهم لا يفقهون. 
هاهي الألوف تزدحم حول الأضرحة والرفات، وها هم يعلقون قلوبهم وأفئدتهم بغير الله تعالى، ناهيك عن الموقف من الكفار وغياب عقيدة الولاء والبراء والاحتكام للأنظمة الوضعية.
وفي ميدان الالتزام بالعبادات الشرعية تكفينا حال كثير من المسلمين مع الصلاة.
وفي ميدان الاقتصاد عم الربا وشاع في معاملات المسلمين ناهيك عن الظلم والغش والمعاملات المحرمة.
وفي ميدان السلوك والميدان الاجتماعي وسائر ميادين الحياة ثمة انحرافات وتغيرات على مستوى القيم والمفاهيم، وعلى مستوى السلوك والممارسة.

 

الأسلوب الثاني: تفضيل واقع المجتمع على غيره
الأسلوب الثاني: تفضيل واقع المجتمع على غيره.
تختلف مجتمعات المسلمين وتتفاوت في مدى التزامها الشرعي، ومدى انتشار المخالفات والمنكرات، وقد يعيش بعض الناس في بيئة ومجتمع أكثر محافظة من غيره، فيقارن دوما بين مجتمعه وسائر المجتمعات، ويحتج على من يطالبه بالإصلاح والدعوة بأن واقع مجتمعه خير من واقع غيره من المجتمعات.
إن المعيار الذي ينبغي أن نحتكم إليه هو المعيار الشرعي وليس الواقع، وقياسنا لتدين المجتمع يجب أن نعرفه من خلال الفارق بين الواقع وبين الصورة الشرعية المطلوبة من المجتمع.
وستبقى معظم المجتمعات المسلمة تجد نموذجا أسوأ منها في التدين والمحافظة، بل ربما تجد من يقارن بين مجتمعات المسلمين وغير المسلمين.

الأسلوب الثالث: تضخيم الانحراف والفساد
الأسلوب الثالث: تضخيم الانحراف والفساد:
في مقابل من لا ينظر إلا إلى الصور المشرقة المضيئة في المجتمع هناك من ينظر إلى الصور السوداء القاتمة، وحين يثار الحديث حول الإصلاح والتغيير يحدثك عن ألوان الفساد والانحراف في المجتمع، ويقارنها بضآلة الجهود المبذولة في الإصلاح مع تهميش أثرها وتقليل جدواها، إنك حين تلقي موعظة على الناس فمن ينصت لك منهم؟ والذين ينصتون من يتأثر ويقتنع منهم؟ وحين ينصرفون فهم يرون في الواقع ألوانا من الصوارف والمؤثرات التي تمحو وتغسل أثر هذه الموعظة، وتعيدهم إلى ما كانوا عليه من قبل.
لكن اعتناء الناس بالقدر الذي يطيقونه ويستطيعون أداءه، والنظرة البعيدة التي تتجاوز حدود الزمن القريب سوف يدفعهم العمل والإصلاح رغم ما يرونه من ضخامة حجم الفساد، ومحدودية الطاقات والإمكانات التي يملكونها.

 

الأسلوب الرابع: الانشغال بالمصالح الخاصة
الأسلوب الرابع: الانشغال بالمصالح الخاصة:
الصالحون والدعاة شأنهم شأن غيرهم من الناس لهم ارتباطات ومصالح خاصة: أسرية أو اجتماعية أو مصالح ترتبط بأعمالهم الوظيفية والمهنية.
وحين تتعارض بعض المطالب الدعوية مع المصالح والمشاغل الشخصية للمرء فقد يعتذر بها، وينطلق في ذلك من منطلقات شرعية كالقيام بحق الأهل والأولاد، أو الصلة...إلخ.
وحين نتأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وحياته نرى أنه كان لا يتخلف عن غزوة في سبيل الله عز وجل إلا سعيا للرفق بالمسلمين، فقد قال صلى الله عليه وسلم:"لولا أن أشق على أمتي ما تخلفت خلاف سرية تغزو في سبيل الله".
كان يفعل ذلك صلى الله عليه وسلم وعنده تسع نسوة كل منهن تطالبه بقدر من حقها.
وسار أصحابه على ذلك، فها هي قبورهم المتناثرة هنا وهناك، وها هي مشاهدهم في الغزو والجهاد والولاية والتعليم، هاهي تدل على عظم ما بذلوه، وقد كانوا بشرا كسائر البشر، لهم أهل وولدان، ولهم ضيعات وبساتين، بل كانت سبل الحياة والمعيشة في حقهم أصعب منها الآن.
إن أحدنا اليوم يستطيع السفر إلى منطقة أخرى والعودة في يومه دون أن يفقده أهله وجيرانه.
وحين ينتظر الإنسان أن يتفرغ من جميع مشاغله الخاصة فلن يتحقق له ذلك .
إننا لا ندعو أن يهمل الإنسان رعيته وأهل بيته، أو أن يتخلى عن مصالحه ومشاغله، لكننا ندعو إلى أن لا تكون هذه الأمور عائقا ومثبطا له عن واجبه الدعوي.
حين يسمع كثير من الناس الحديث عن الدعوة والإصلاح يتبادر إلى ذهنه صورة سامقة من النشاط والهمة الدعوية لا تتحقق إلا عند فئة محدودة من الناس.
ويقارن نفسه بهذه الصورة، فيرى أن الدعوة إلى الله منزلة ورتبة لم ولن يصل إليها، وحسبه أن يصلح نفسه.
ولئن كان التصدر للدعوة والقيادة والتعليم يتطلب قدرا من العلم والرسوخ والخبرة، فثمة مجالات دعوية عديدة يطبقها أفراد الناس وآحادهم.
وقد تيسرت اليوم وسائل وأساليب عدة تتيح لكثير من الناس أن يسهموا في الدعوة والإصلاح، وأن يتركوا أثرا يتجاوز حدود إمكاناتهم وقدراتهم.
وهذا كله يزيد من المسؤولية، ويقلل من فرص الاعتذار والتقاعس.

الأسلوب الخامس: تحميل المسئولية للآخرين
الأسلوب الخامس: تحميل المسئولية للآخرين:
هناك من الناس من تكون سمته تحميل المسئولية للآخرين، فإنكار المنكرات العامة شأن الدعاة والعلماء البارزين، وتدريس العلم الشرعي شأن من نبغوا في العلم وتميزوا فيه، والمشروعات والبرامج الدعوية شأن المؤسسات الدعوية، وهكذا يوزع المسؤوليات على الآخرين ويصبح هو فردا عاديا غير مؤهل للقيام بأي مهمة، وحسبه إصلاح نفسه.
لقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم عموم المسؤولية على آحاد المسلمين بقوله:"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول علن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والعبد راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته". 
وعليه فالجميع مسئول وإن كانت المسئولية متفاوتة كل بحسبه فليس الطالب كالمعلم، وليس الفرد العادي كطالب العلم، ولكن تبقى المسئولية مشتركة بين الجميع.

الأسلوب السادس: الانشغال بالنقد عن العمل
الأسلوب السادس: الانشغال بالنقد عن العمل:
كثيرا ما نسمع من ينتقد الجماعات الإسلامية والعالمين للإسلام والدعاة واللآمرين بالمعروف والنهي عن المنكر، فه تارة متعجلون، وتارة مختلفون ومتصارعون، وأخرى ليسوا على مستوى الأحداث والمهام المنتظرة منهم.
وحين تقارن بين انتقاد هؤلاء وبين واقعهم العملي ترى بونا شاسعاً
إن النقد يجيده الكثير، فحين يقوم متحدث أمام الناس فقد يُنتقد بأن صوته ضعيف لا يسمع من حوله، أو أنه لا ينطلق في حديثه، أو أنه لم يعد لموضوعه إعدادا مناسباً.
لكن كثيرا من هؤلاء قد لا يستطيع إلقاء كلمة ولو بنصف مستوى إلقاء هذا المتحدث.
إننا لا نمانع من النقد الشرعي البناء، لكن النقد قد يكون في مصدره دفع المسؤولية عن النفس، فإن النفس تشعر بالتقصير حين ترى ما يقدمه الآخرون من جهد وعمل، فحين ينتقد الشخص عملهم وجهدهم يبقى في نظر نفسه سالما مما وقعوا فيه، لكنه ينسى أن سكوته وتقصيره قد يكون أشد من خطأ من عمل وأخطأ عن اجتهاد وحسن نية.

الأسلوب السابع: التفرغ لتحصيل العلم
الأسلوب السابع: التفرغ لتحصيل العلم :
لاشك أن العلم الشرعي مطلوب، وعودة الأمة إلى دينها ينبغي أن تكون قائمة على العلم الشرعي. وعليه فمن واجبنا علينا تفريغ جزء من أوقاتنا لتحصيل العلم الشرعي، ومن واجبنا دفع الشباب والناشئة إلى الاعتناء بالعلم وتحصيله.
لكن ذلك كله لا ينبغي أن يدعونا إلى إغفال ما سواه، أو اختزال حياة الناس فيه وحده دون سائر الواجبات الشرعية.
ولنا أن نتصور تخلي الأخيار من أهل الحسبة، أو العاملين في حقل الدعوة إلى الله عز وجل وتربية الشباب ورعايتهم، أو العاملين في المؤسسات الدعوية، لنا أن نتصور تخلي هؤلاء عن دورهم بحجة تفرغهم لتحصيل العلم الشرعي.
إن أول نتائج ذلك أن تؤول هذه الوظائف الشرعية إلى من يتعاملون معها على أنها مصدر للرزق ووسيلة للتكسب لا غير.
نعم هناك فئة من الناس لديهم نبوغ في العلم، وهمة في التحصيل، فشأن هؤلاء ليس كشأن غيرهم، وقد يكون انشغالهم بالعلم وتفرغهم له أولى من انشغالهم ببعض المهام الدعوية، لكن هذا لا يعفيهم من القيام بالمسؤوليات والأعمال الدعوية فيما تتسع له أوقاتهم ويحسنون من العمل.
والمقصود أن طلب العلم الشرعي عبادة ينبغي أن يراد بها وجه الله تعالى، وإعداد النفس للقيام بالمهام الشرعية، لا أن تكون عائقا للفرد ومثبطا له.

الأسلوب الثامن: الاعتذار بالتقصير والوقوع في المعا
الأسلوب الثامن: الاعتذار بالتقصير والوقوع في المعاصي.
يعتذر البعض بأن مظهره لا يؤهله للعمل لهذا الدين، أو أنه واقع في معاص وسيئات لم يطق الخلاص منها، فكيف يدعو وهو واقع فيها ومقارف لها؟
وهذا الاحتجاج ليس وليد عصرنا، فقد قال سعيد بن جبير رحمه الله: لو لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر إلا من ليس فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى أحد عن منكر, فقال مالك رحمه الله تعالى: صدق، من ذا الذي ليس فيه شيء؟. 
وقال الحسن البصري رحمه الله لأحدهم: عظ أصحابك. قال: أخاف أن أقول مالا أفعل. فقال له يرحمك الله، وأينا يفعل ما يقول؟. يود الشيطان لو أنه ظفر بهذا فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه أحد عن منكر . 
وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم ".
فلا يمكن أن يسلم أحد من الذنوب، حتى العلماء والدعاة كثيرا ما نسمعهم يعترفون بتقصيرهم وعدم رضاهم عن حالهم مع كونهم من أقل الناس تقصيرا، ولم يثنهم ذلك عن القيام بواجب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
حمل البريد إلي رسالة من أحد الشباب يذكر عن نفسه أنه يقع في معصية، ثم يقول وكنت أنصح الناس عن ترك هذه المعصية، ثم أني لم أعد أفعل ذلك لخوفي من يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار، يوم يعض الظالم على يديه، وأحفظ قول الله تعالى:{ أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون.} 
فتأمل كيف صنع الشيطان لهذا الرجل، وأقعده هذا الفهم الخاطئ عن القيام بواجب الدعوة والإصلاح، فإن خوفه الحقيقي من يوم القيامة هو الذي يدفعه للشعور بمسؤولية الدعوة.
وسلفنا الصالح مع أنهم أشد ورعا وأعمق فهما وأكثر إدراكا لنصوص الكتاب والسنة، لم يتركوا الدعوة إلى الله لمثل هذا الفهم.

الأسلوب التاسع: انتظار البطل القادم
الأسلوب التاسع: انتظار البطل القادم:
من إفرازات الشعور بالهزيمة أن سيطرت على كثير من المسلمين عقدة انتظار البطل القادم، إنهم ينتظرون أن يأتي خليفة كعمر بن عبد العزيز، أو عالم كشيخ الإسلام ابن تيمية، أو قائد كصلاح الدين، فتنقلب الأمور رأسا على عقب.
إنه لو وجد هذا المنتظر فمن الذي يضمن بقاءه سليما معافى دون أن يلقى في غياهب السجون أو تناله ألوان من الاضطهاد والأذى.
وإن سلم من هذا كله ربما لم يسلم من ألسنة الناس.
والبطل لن يقود الأمة وحدة، ولن يغير الواقع بين عشية وضحاها.
ولئن كانت التجارب الفردية تحقق نجاحا متميزا فيما مضى، فتعقد الحياة اليوم قد فرض شروطا صارمة، وصار التغيير الفردي أكثر صعوبة مما مضى.

الأسلوب العاشر: الفهم الخاطئ لبعض النصوص الشرعية
الأسلوب العاشر: الفهم الخاطئ لبعض النصوص الشرعية:
يحتج بعض الناس احتاجا خاطئا ببعض النصوص الشرعية، ويضعونها في غير موضعها؛ فيقعدون بذلك عن القيام بالواجب والنهوض بالمسؤولية.
ومن ذلك قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم).
وقد قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: إنكم تقرءون قول الله تعالى:"وذكر الآية السابقة" وتجعلونها في غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده".
ويحتجون بقوله صلى الله عليه وسلم "إذا رأيت شحا مطاعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة" 
يحتج هؤلاء بما سبق من النصوص وغيرها، وهي إما أن تكون على غير ماتأولوه أو تكون في أحوال خاصة، ويتركون سائر النصوص المحكمة الجلية.

الأسلوب الحادي عشر: الاكتفاء بالاعتراف بالتقصير
الأسلوب الحادي عشر: الاكتفاء بالاعتراف بالتقصير:
بعض الناس عندما يخاطب للعمل للدين والسير في ركب الدعاة إلى الله عز وجل يعترف بتقصيره ثم يسأل الله أن يتوب عليه ويغفر له.
إن الاعتراف بالتقصير ينبغي أن يتبعه عمل وإصلاح للنفس، وتهيئة لها للنهوض بهذا الواجب.
إن كثيرا من هؤلاء يحاسب نفسه على التقصير في نافلة من النوافل، أو الوقوع في شبهة من الشبه، لكنه يتجاوز هذا الواجب العظيم، والمسؤولية الكبيرة دون وقفة جادة أو محاسبة صادقة.

الأسلوب الثاني عشر: انتظار فتح المجال أو التكليف
الأسلوب الثاني عشر: انتظار فتح المجال أو التكليف:
ينتظر طائفة من الناس أن يتلقى تكليفا، أو يفتح له المجال ليشارك في ميدان من ميادين الدعوة، ويعتبر غياب ذلك مما يعفيه من المسؤولية.
إن طائفة من هؤلاء يحرص على التنصل من أي مهمة، والاعتذار من أي تكليف وإحالة الأمر إلى غيره، معتقدا أن ذلك سيعفيه من المسؤولية ويلقي الأمانة على غيره من الناس.
ولهؤلاء أعرض قصة لعبد الحميد بن باديس رحمه الله:-
حيث قال له الحاكم الفرنسي : إما أن تترك التعليم وإعطاؤك ما تعطيه تلاميذك وإلا أرسلت لك الجنود ليغلقوا المسجد. فقال له: لن تستطيع ذلك. قال: كيف؟. قال: إذا أتيت العرس ذكرت الناس المحتفلين، وإذا أتيت مجلسا فيه عزاء وعظتهم، وإذا ركبت في حافلة ذكرت المسافرين، قال: فنسجنك. قال: فإذا سجنتموني وعظت المسجونين. قال: فنقتلك. قال: وإذا قتلتموني التهبت مشاعر الناس وأولى بك ألا تواجه المسلمين في دينهم.
إن من المسلم الغيور يشعر أن فتح الأبواب، والبحث عن المجالات المناسبة للعمل من مسؤوليته، وأنه حتى لو أوصدت الأبواب أمامه فإن من مسؤوليته أن يسعى لفتحها، والبحث عن البدائل، فضلا عن أن ينتظر حتى تفتح له.

الأسلوب الثالث عشر: الاعتذار بعدم وجود الثمرة
الأسلوب الثالث عشر: الاعتذار بعدم وجود الثمرة:
تعوق عدم رؤية النتيجة طائفة من الناس عن الدعوة والشعور بالمسؤولية، ويرون أن الناس لايستجيبون، وأن جهودهم تحبط ويقضى عليها. 
ولهؤلاء وأمثالهم يقال:
أولا: ليست جميع نتائج الدعوة مما يظهر لصاحبها، فكثير من الجهود الدعوية لايدرك صاحبها أثرها، أو لاتؤتي أثرها إلا بعد حين.
ثانيا: أن مناط التكليف في الدعوة هو القيام بالواجب الدعوي، وليس استجابة الناس، فمتى قام الداعية بالواجب في دعوته فقد تحقق الأمر، وسقط عنه التكليف، واستحق الثواب، سواء استجاب الناس أم لم يستجيبوا. 
ولعل خير شاهد على ذلك سيرة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي يأتي يوم القيامة وليس معه أحد، والنبي يأتي ومعه الرجل والرجلان، وهذا بلا شك لا يعني تقصير الأنبياء عليهم الصلاة و السلام، فهذا النبي الذي لم يتبعه أحد خير من الدعاة الذين يهتدي على أيديهم آلاف الناس، فالعبرة إذا بالعمل لا بالنتيجة.
ثالثا: أن الواقع أننا نرى أن كثيرا من الأعمال الدعوية تظهر ثمرتها ويراها أصحابها، بل إنها لا تقارن بالجهود المبذولة.
رابعا: أن ضعف الثمرة في بعض الأعمال قد يكون مرده الخلل فيها، وليس بالضرورة صدود الناس وإدبارهم عن الحق.

نماذج من المصلحين
نماذج من المصلحين:
فيما يأتي إشارة سريعة إلى نماذج جاءت في كتاب الله تعالى ممن أدركوا المسؤولية وقاموا بها وهم بشر من آحاد الناس.
أولا: مؤمن آل فرعون الذي جاءنا من خبره ما ذكره الله تعالى في سورة غافر :(وقال رجل من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم) إلى آخر قصته وحواره الطويل معهم، إنه ليس نبيا وعالما مشهورا ولكنه رأى أن واجبه الدفاع عن موسى ودعوته ففعل ما فعل.
ثانيا: قصة أصحاب القرية قال عز وجل عنهم (واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون ... إلى قوله تعالى وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين. اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون). 
إن غاية ماقاله هذا الرجل أن دعى الناس إلى اتباع المرسلين، فالأمر لم يكن محتاجا إلى علم وفصاحة وإمكانات.
قال ابن هبيرة : "تأملت حال هذا الرجل فرأيت عجبا ، يقول وجاء من أقصا المدينة ولم يأت من وسطها، وجاء يسعى ولم يأت راكبا" فهل لنا في مثل هذا الرجل قدوة؟
ثالثا: قصة سليمان عليه السلام، عندما تفقد الطير وفقد الهدهد. قال عز وجل:(وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين. لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين) فلما جاء الهدهد قال:(أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين. إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم. وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان عمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون).
لقد رأى الهدهد أن مسئوليته على الأقل تتمثل في أن يبلغ هذا المنكر الذي رآه ولم يحط به سليمان عليه السلام وكانت النتيجة أن دخلت هذه الأمة الإسلام وقالت ملكتهم: ( رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين) .
وقام الهدهد بما قام به وهو غير مكلف، ويقصر كثير منا مع أننا محاسبون ومكلفون، وكلما كان أحدنا أكثر علما وأكبر إمكانيات كانت مسئوليته أعظم.
اسأل الله أن يعننا على حمل الأمانة وأداء المسؤولية إنه سميع مجيب.

المصدر: http://www.almurabbi.com/DisplayItem.asp?ObjectID=17&MenuID=23&TempID=3

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك