أثر العلماء في الحياة السياسية في الدولة الأموية

أثر العلماء في الحياة السياسية في الدولة الأموية

محمد أمين
19 - 5 - 2009

إن تاريخ الأمة الإسلامية حافل بأولئك العظماء الذين صاغوا حضارة فريدة، وشادوا صروحًا للمجد شامخة وطيدة، ولقد تعددت ميادين هؤلاء البناة، وتنوعت آلاتهم وفي صناعة هذا التاريخ في جوانبه المختلفة، والتاريخ السياسي من أبرز تلكم الجوانب.

وإن المتتبع للكتابات التاريخية قديمًا وحديثًا يرى بوضوح جهود الولاة والقادة العسكريين في بناء هذا الجانب المهم من جوانب التاريخ الإسلامي، غير أن هناك فئة مهمة من فئات المجتمع الإسلامي ـ وهم العلماء ـ لم تركز معظم تلك الكتابات على إبراز ما لهم من جهود كبيرة في هذا المجال، مكتفية تلك المصادر بالإشارة إلى ذكر وفاة هذا العالم أو ذلك في حوادث السنة التي توفي فيها، وربما أوردت بعضها ترجمة موجزة لحياته، يكون التركيز فيها عن جوانب حياته الشخصية وجهوده العلمية فحسب.

والحق أنه كان للعلماء بجانب الخلفاء والولاة والقادة أثر فعال في صياغة التاريخ السياسي للأمة الإسلامية في معظم حقب عصوره الزاهية، إما بقربهم من الخلفاء والولاة عن كثب، ليصبحوا بعضًا من أعوانهم، ومن خاصة بطانتهم التي تقدم لهم الرأي السديد والمشورة الناصحة، التي تسهم في توجيه الحكم والإدارة إلى ما فيه صلاح الأمة، أو بتولي بعض الأعمال والمناصب، أو بإعاطائهم المثل العليا في كيفية التعامل مع الولاة، أو بغيرها من الطرق والوسائل.

ولبيان ذلك الدور المهم للعلماء، جاءت هذه الرسالة كرسالة دكتوراة، بقلم الكاتب د. عبد الله بن عبد الرحمن بن زيد الخرعان، والتي نال بها هذه الدرجة من كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود، وذلك بعد مناقشتها في الرابع من شعبان لعام ألف وأربعمائة وواحد وعشرين هجريًا، لينال بها مرتبة الشرف الأولى.

هذا وقد قسم الكاتب موضوع البحث إلى خمسة فصول وملحق وخاتمة، وهي كالآتي:

الفصل الأول، وكان بعنوان "مداخل عامة"، ويشمل أربعة مداخل:

- المدخل الأول تحدث فيه الكاتب عن تحديد مصطلح العالم، ومن المقصود بالعلماء في هذا البحث، وخلُص فيه إلى أن المقصود بالعلماء في موضوع الشريعة هم علماء الشريعة الذين ورثوا عن النبي صلى الله عليه وسلم العلم الشرعي، ونقلوه عنه جيلًا بعد جيل، والذين وعوا أحكام الدين وفهموا مقاصد الشريعة، معتمدًا في ذلك على نصوص الكتاب الكريم، والسنة المطهرة، وأقوال العلماء في القديم والحديث.

- ثم تكلم في المدخل الثاني عن مكانة العلماء في الإسلام، موضحًا فيه ما تتميز به فئة العلماء عن غيرها من فئات المجتمع الإسلامي، مستدلًا على هذه المكانة بنصوص القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وأقوال السلف، وواقع الحياة في المجتمع المسلم، وضرب على ذلك بعض الأمثلة من العصر الأموي.

- وفي المدخل الثالث، تكلم فيه عن نبذة عن قيام الدولة الأموية، موضحًا فيه الظروف التي قامت فيها الدولة الأموية، والعوامل التي ساعدت على قيامها، مركزًا في ذلك على شخص مؤسسها الأول؛ معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه، وما لجهوده خلال ولايته على الشام في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين، من أثر في تميز شخصيته من بين الولاة، وإقليم الشام من بين أقاليم الدولة الإسلامية، وختم هذا المبحث ببيان موقف العلماء من البيعة لمعاوية بالخلافة.

- ثم تكلم في المدخل الرابع عن نبذة مختصرة عن الحركة العلمية، وأبرز العلماء في عهد الدولة الأموية، متحدثًا فيه بإيجاز عن تطور حركة التعليم في أقاليم الدولة الإسلامية منذ العصر النبوي حتى العصر الأموي، وذكر فيه أبرز العلماء في الدولة الأموية بحسب أقاليمهم.

وفي الفصل الثاني والذي كان بعنوان "التعاون والمشاركة بين العلماء والخلفاء وولاتهم في الدولة الأموية"، قسمه المؤلف إلى مبحثين، هما:

- المبحث الأول الذي تكلم فيه الكاتب عن قرب العلماء من الخلفاء، وأثرهم في صياغة القرار في الدولة الأموية، فتحدث عن المراحل التي مر بها قرب العلماء من الخلفاء ومشاركتهم لهم خلال عهود الدولة الأموية، ثم تحدث بالتفصيل عن عدد من النماذج للعلماء الذين تبوءوا مكانة كبيرة لدى بعض خلفاء بني أمية، وما لهم من أثر خلال قربهم هذا، أمثال قبيصة بن ذؤيب في عهد عبد الملك بن مروان، وعمر بن عبد العزيز في عهد كل من الوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك، ورجاء بن حيوة في عهد سليمان بن عبد الملك، كما أفرد عمر بن عبد العزيز بالحديث عن ملامح منهجه السياسي، والتي اتضحت في إصلاح بطانته، وحرصه على العمل بالكتاب والسنة ونشر العلم، وحرصه على انتقاء عماله من أهل الخير والصلاح، والإشراف المباشر على إدارة شئون الدولة والدقة في متابعة عماله، وفتح باب الحوار مع المخالفين، وتأمين حرية إبداء الرأي، والشفقة بالرعية والحرص على توفير الراحة لهم، كما بين الكاتب مشاركة العلماء وأثرهم السياسي في عهد عمر بن عبد العزيز، حيث تنوعت تلك المشاركة ما بين القرن من الخليفة وشج أزره للسير في منهجه الإصلاحي، وتعهدهم عمر بالنصح والتذكير بالمسئولية، ومشاركتهم في تولي مختلف مناصب الدولة وأعمالها، ثم بين المؤلف الإمام الزهري، وذلك في عهد هشام بن عبد الملك.

- وفي المبحث الثاني بين الدكتور مشاركة العلماء بتولي بعض المناصب للخلفاء والولاة في الدولة الأموية، فتحدث عن تولي العلماء لعدد من المناصب الإدارية، مثل ولاية الأقاليم وإمارة البلدان، ومنصب بيت المال، أو الخراج، ومنصب صاحب الشرطة، وتولي إمرة الغزو برًا وبحرًا، وغير ذلك من المناصب، كما أوضح الكاتب من خلال ذلك ما لتوليهم لهذه الأعمال من أثر في الحياة السياسية في الدولة الأموية.

ثم جاء الفصل الثالث بعنوان "اعتزال العلماء للخلفاء والولاة مع أداء النصيحة"، مقسمًا إياه أيضًا إلى ثلاثة مباحث:

- المبحث الأول: تكلم فيه عن أسباب اعتزال العلماء للخلفاء والولاة، مثل الاشتغال بالعلم والتفرغ للعبادة والدعوة إلى الله، والحرص على صيانة العلم وحفظ هيبة العلماء، والخوف من الفتنة في الدين والتأثم بالسكوت عن المنكرات.

- والمبحث الثاني وضح فيه آداب العلماء، وأساليبهم في بذل النصيحة، مثل الإخلاص وإرادة وجه الله والدار الآخرة بالنصيحة، والصراحة وعدم المجاملة للخلفاء والولاة، والتلميح دون التصريح، واستغلال المناسبات والأحوال لإبداء النصيحة، والنصيحة عن طريق الكتابة والرسائل، والخصوصية والسرية في النصح، وغيرها.

- وفي المبحث الثالث؛ بين فيه مجالات بذل النصيحة، فتحدث عن أهم المجالات التي تركزت فيه نصائح العلماء للخلفاء والولاة في الدولة الأموية، وحصرها في مجالين؛ المجال الأول هو تذكير الخلفاء والولاة بتقوى الله، وحثهم على الاهتمام بآخرتهم، وتحذيرهم من الغفلة، والمجال الثاني هو تذكير الخلفاء والولاة بمسئولياتهم أمام رعيتهم، وحثهم على أداء حقوقهم.

وقد تحدث في تلك المباحث من خلال المواقف التي وقف عليها، كما بين ما لنصائح العلماء تلك من أثر في الحياة السياسية في الدولة الأموية.

- المبحث الرابع، والذي تكلم فيه الكاتب عن نماذج لعلماء الذين آثروا اعتزال الخلفاء والولاة في الدولة الأموية، مع بذلهم النصيحة لهم، واقتصر على ذكر نموذجين؛ الأول تكلم فيه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، مبينًا منهجه في الفتن، والثاني تكلم فيه عن الحسن البصري رحمه الله، لما لكل واحد منهما من منهج متميز في التعامل مع الأحداث السياسية في عصره.

ثم تكلم الكاتب في الفصل الرابع عن "الخلاف بين العلماء وولاتهم في عصر الدولة الأموية"، وقسمه إلى مبحثين:

- ففي المبحث الأول تكلم عن الخلاف الذي حدث بين البعض العلماء والخلفاء في الدولة الأموية، كما فعل المسور بن مخرمه رضي الله عنه، وسعيد بن المسيب رحمه الله، مبينًا أسباب حدة الخلاف بين سعيد بن المسيب وبني أمية، وعوامل استمرار هذا الخلاف، كما تعرض لطرفًا من آداب خلاف الإمام سعيد بن المسيب رحمه الله، وتعرض أيضًا بالذكر إلى حجر بن عدي الكندي، وكان ذلك من خلال عناصر ثلاثة:

· العنصر الأول الذي يشمل تنبيهات نبه عليها الكاتب، فمنها ما يتضمن الإشارة إلى ما رسخ في أذهان كثير من الكتاب والقراء، حول سعة الفجوة في التعامل بين العلماء والحكام في التاريخ الإسلامي بوجه عام، وفي التاريخ الأموي بوجه خاص، وبين اهم الأسباب التي أجت إلى رسوخ مثل هذا التصور المغلوط، ومن تنبيهاته أيضًا ما يتضمن الإشارة إلى أن مظاهر الخلاف لم تكن في الغالب تأخذ الطابع الاستمراري الدائم في علاقة الأفراد من العلماء بالخلفاء، بل غالبًا ما تكون مؤقته نتيجة لموقف من المواقف أو لسبب من الأسباب، لا تلبث أن تزول بزوال ذلك السبب أو الموقف، كما أن ذلك النوع من التعامل محصور في زاوية الخلاف وأسبابه، دون أن يمتد تأثيره على نظرة ذلك العالم أو العلماء للخليفة أو الخلافة بشكل عام.

· أما العنصر الثاني فقد تحدث فيه الكاتب عن أهم أسباب الخلاف بين العلماء والخلفاء في الدولة الأموية.

· ثم في العنصر الثالث ذكر المؤلف نماذج لبعض مظاهر الخلاف بين العلماء وخلفاء بني أمية.

- وفي المبحث الثاني تحدث فيه المؤلف عن موقف العلماء من جور بعض الولاة في الدولة الأموية، موضحًا أهم الأساليب والآداب التي سلكها العلماء في التعامل مع جور هؤلاء الولاة، والتي كان منها رفع أمرهم إلى الخليفة وإبداء النصح له بشأن ظلمهم وتجاوزاتهم، وكذلك هجرهم لولاة الجور، وعدم قبول أعطياتهم، وكذا إنكارهم على ولاة الجور، وردهم على تجاوزاتهم، وأيضًا إظهارهم للناس عدم رضاهم عما يحدث من الجور والظلم، وحثهم الناس على الصبر على الجور، واللجوء إلى الله بالدعاء.

وجاء الفصل الخامس بعد ذلك بعنوان "موقف العلماء من الحركات السياسية المعارضة للدولة الأموية"، وهذا الفصل من أطول فصول هذه الرسالة، وأغرزها مادة، وقد قسمه إلى تمهيد وستة مباحث:

- ففي التمهيد؛ وضح فيه الكاتب هدي العلماء في الدولة الأموية في الفتن بشكل عام، والذي يمكن تحديده بملامح عامة، مثل البعد عن الفتنة والهروب عن مواطنها، وكذلك تسكين الناس وحثهم على الاجتماع ونهيهم عن الفرقة، وكذلك السعي لجمع الكلمة وإنهاء الخلاف بين أطراف الفتنة وأهل النزاع.

- المبحث الأول: موقف العلماء من حركات الخوارج، فذكر طرفًا عن حالهم ومعتقدهم، مبينًا محاربة العلماء لمعتقداتهم الضالة، فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما مثلًا يراهم شرار الخلق، وكان يقول عنهم ـ مبينًا عيب منهجهم ـ (انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين)، وقال نافع (إن ابن عمر كان يرى قتال الحرورية حقًا واجبًا على المسلمين)، كما بين الكاتب عيب منهجهم، والتحذير منه، علاوة على ما زاده العلماء من موقفهم، وذلك عن طريق مشاركة العلماء أنفسهم في قتال الخوارج، كما فعل الصحابي الجليل سمرة بن جندب رضي الله عنه، وكذلك من الصحابة أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه، وعائذ بن عمرو رضي الله عنه، وعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، وعبد الله بن رباح الأنصاري رضي الله عنه، وأبو الأحوص عوف بن مالك الجشمي رضي الله عنهم أجمعين، وغيرهم الكثير.

- المبحث الثاني: موقف العلماء من حركات العلويين، وذلك من خلال موقفهم من حركتي الحسين بن علي رضي الله عنه، وزيد بن علي بن الحسين رحمه الله، حيث سرد مجموعة من النصوص التي تفيد أن جمهور العلماء في الحجاز قد عارضوا الحسين في خروجه وعدم مبايعته ليزيد، ونصحوه بعدم الخروج، وفعلوا ما في وسعهم لصده عن ذلك، أما موقف العلماء من زيد بن علي بن الحسين رحمه الله فقد أيده عدد قليل من العلماء، أشهرهم الإمام أبي حنيفة النعمان، ومنصور بن معتمر، أما الأكثر فلم يؤيدوه على الخروج، ونصحوه، فمن هؤلاء عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكذلك الإمام جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين، وكذلك يُفهم من كلام الزهري.

- المبحث الثالث: موقف العلماء من حركة أهل المدينة، فتعرض بالذكر التاريخي إلى نشأة هذا الخروج، مبينًا شدة معارضة العالم الورع محمد بن الحنفية لذلك الخروج، وغيره أيضًا من العلماء.

- المبحث الرابع: موقف العلماء من حركة عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، فوضح اتفاق حركة عبد الله بن الزبير رضي الله عنه مع حركة أهل المدينة وحركة الحسين بن علي رضي الله عنه في المنطلقات والبواعث والأهداف، ولكن تختلف عن مثيلتيها في الظروف والنتائج، وأيضًا فقد اتفقت هذه الحركة مع سابقيها في موقف العلماء منها، حيث قوبلت هذه الحركة بالرفض الشديد من العلماء، مثل الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، والصحابي الجليل النعمان بن بشير رضي الله عنه، وأما بقية العلماء ـ وإن لم ترد لهم مواقف صريحة في معارضتهم لحركة ابن الزبير في مرحلتها الأولى ـ إلا أن أحوالهم ومواقفهم فيما بعد من بيعته بالخلافة توضح معارضتهم لحركة ابن الزبير في هذه المرحلة، أما عن موقف العلماء في مرحلتها الثانية بعد وفاة يزيد وأخذ ابن الزبير البيعة له، فإن الأمر هنا اختلف كثيرًا، فلم يعد هناك خليفة شرعي بعد وفاة يزيد، لذلك كان لتغير موقف العلماء بعد ذلك ما يبرره.ا

وكذا في المبحث الخامس الذي تناول فيه موقف العلماء من حركة عبد الرحمن بن الأشعث، وفي المبحث السادس الذي تناول فيه موقف العلماء من ظهور الدعوة العباسية.

وقد تحدث في هذا الفصل عن مواقف العلماء من هذه الحركات بشيء من التفصيل، من خلال ما وقف عليه من مواقف وأحداث.

وفي الخاتمة، ذكر الكاتب أهم النتائج التي توصل إليها من رسالته هذه، والتي كان منها ما يلي:

أولًا ـ أن الله قد ميز طائفة من العلماء في المجتمع المسلم بميزة عظيمة، جاءت بها نصوص الكتاب والسنة المطهرة، وأن على المجتمع المسلم بجميع فئاته ـ ومنها طبقة العلماء ـ إدراك تلك المكانة وتحقيقها في واقع حياتهم.

ثانيًا ـ اتضح أن العصر الأموي يزخر بعدد كبير من العلماء في عدد كبير من الأقطار، منها الحجاز والعراق ومصر والشام وأفريقية، وجمع هذا العصر ما بين الصحابة والتابعين، وكان هؤلاء العلماء هم الأساس الذي ارتكزت عليه الحياة العلامية في المجتمع المسلم.

ثالثًا ـ جاءت مشاركة العلماء للخلفاء والولاة في إدارة شئون الدولة الأموية بدرجات متفاوتة ـ تم بيانها في الرسالة ـ وأشكال متعددة.

رابعًا ـ هناك صنف من العلماء في الدولة الأموية اعتزل المشاركة في مناصب الدولة، ولم ير القرب من مجالس الخلفاء والولاة، ولكن لم يمنعهم ذلك من إبداء النصح للخلفاء والولاة بما يحقق المصلحة لهم ولرعيتهم، وذلك من خلال أساليب متنوعة ساعدت على قبول الخلفاء والأمراء والولاة لآرائهم ونصائحهم.

خامسًا ـ النوع الثالث في العلاقة بين العلماء والخلفاء وولاتهم في الدولة الأموية كان محكومًا بنوع من التوتر والخلاف، وقد كان الشائع في كثير من الكتابات التاريخية، وهذا النوع من العلاقة هو السائد والغالب على علاقة العلماء بالحكام بشكل عام في التاريخ الإسلامي، ولكن الدراسة من خلال هذا البحث أكدت أن الأمر على العكس، حيث إن النماذج في هذا النوع من العلاقة أقل منها بكثير في النوعين السابقين من أنواع العلاقة، وقد أوضح أبرز الأسباب التي كانت من وراء شيوع مثل هذا الفهم المغلوط.

سادسًا ـ اتضح من الدراسة المستفيضة لمواقف العلماء من الحركات المعارضة القائمة أيام الدولة الأموية أن جمهور العلماء بشكل عام وفي غالب الأحوال كانوا ضد هذه الحركات، وقد تميز وقوفهم ضج حركات الخوارجبشكل أوضح لكون حركاتهم تنطلق من منطلق ديني منحرف، أما الحركات الأخرى التي انطلق أصحابها من منطلق اجتهادي شخصي ـ كالحسين بن علي وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ـ وأهل المدينة ـ في خروجهم على يزيد بن معاوية ـ فقد خالف جمهور العلماء آنذاك توجه أولئك في حركاتهم وخروجهم، وقد سعوا جهدهم في ثنيهم وصدهم عن الخروج، محذرين لهم من الوقوع في الفتنة، وموضحين لهم مغبة اجتهادهم، وما سيتركه من آثار سلبية.

وأخيرًا ـ تبين من خلال الدراسة أنه كلما قويت الصلة والترابط بين خلفاء بني أمية وولاتهم من جهة، والعلماء منجهة، كلما كان لهذا أثره في قوة ترابط المجتمع وزيادة التلاحم بين الرعية وقيادتها، كما حدث ذلك في عهد عمر بن عبد العزيز، الذي يمثل الذروة في تقريب العلامء واستشارتهم والأخذ بنصحهم.

ثم أتبع الكاتب ما سبق ملحق التراجم؛ والذي اشتمل على تراجم موجزة للعلماء محل الدراسة، وقد راعى في الترجمة للعلماء في هذا الملحق أمرين:

أولها ـ حصر الترجمة على العلماء الذين كان لهم أثر في الحياة السياسية في الدولة الأموية من قريب أو بعيد دون غيرهم ممن انقطع للعبادة والتعليم، ومن لم يقف له على أثر أو مواقف خلال مرحلة البحث.

ثانيها ـ فقد اقتصر الكاتب في الترجمة على التعريف الموجز بالعالم، وما يثبت أنه في عداد العلماء، وقد جعل هذا الملحق محلًا يحيل بالرجوع إليه عند مرور ذكر أي عالم في البحث، تلافيًا للترجمة للعلماء في الحواشي، مما يجعلها طويلة بشكل غير مقبول.

كما ذيل البحث بعدد من الفهارس، مرتبة حسب حروف الهجاء، ليسهل على كل من يريد الوقوف على ترجمة أي عالم يمر ذكره في البحث ولم يشر إلى موضع تررمته لكونه مر أكثر من مرة، وفهرس آخر بقائمة المصادر والمراجع، وقد رتبها بحسب أسماء مؤلفيها مرتبة على حروف الهجاء، لأن هذا أيسر لمن يريد الاطلاع على المعلومات الكاملة عن أي مصدر أو مرجع، وفهرس ثالث لأبرز عناوين الموضوعات الواردة في البحث.

المصدر: http://www.shareah.com/index.php?/records/view/action/view/id/2597/

الأكثر مشاركة في الفيس بوك