التطرف.. خلل في التوازن الذاتي!

يوسف الكويليت



لو افترضنا أن اتفاقاً شعبياً وبرلمانياً أمريكياً اختار الطريق الاشتراكي الديموقراطي منهجاً سياسياً وأيديولوجيا، لشهدنا كل بقايا اليسار من شيوعيين ويساريين وفلاسفة تلك المرحلة يستيقظون لتدشين رحلة جديدة في نشر الفكر القديم/الجديد مؤيدين الدولة الإمبريالية قديماً.. 



ولو قدر أن تعلن دولة إسلامية ما بحجم نيجيريا أو إندونيسيا اتخاذ الدين المسيحي دستوراً ومنهجاً وأيديولوجية تجعل الأقلية في إحدى الدولتين تحكم بهذا التيار، لوجدت العالم المسيحي كله حتى ممن لا يعتمد هذه الديانة إيماناً، ولكنه الشعور الكامن والتربية الأولى التي لا تضيع ولكنها تستيقظ مع الظروف والأحداث، لتناصر أصحاب ديانتهم..



ولو حدث أن أعلنت دولة كاثولوكية إسلامها واتباع الشريعة الإسلامية وفرضت حكماً يجعل الإسلام الوسيلة المطبقة، لهب كل العالم الإسلامي لتأييدها ودعمها، وخرج من يبرر ويفلسف ويعطي الأحكام والتنبؤات.. 



كوامن الشعور لا تبطلها ثقافة أو قناعات ما، وعندما نعود للتطرف في مرحلة الماركسية وأتباعها، وكيف حدثت التصفيات والسحل، واعتبار الفكر اليساري هو الحل الذي أباح قتل كل من لا يدين باليسار، سواء أكان قومياً أم متديناً، أم تاجراً، أو من يرفع شعار الحرية وإعلاء القانون، فإنهم في نظر مؤسسي ومؤدلجي تلك الأحزاب أعداء ما لم يتخذوا نفس المبادئ؛ خطّاً يتفق مع أطروحات تلك الحكومات المهيمنة باسم اليسار.. 

وإذا كان في صلب الأديان وأتباعها قوى محركة للضعفاء والتطرف، فاليهود كانوا ضحية محاكم التفتيش والنازية، لكنهم يطبقون الآن الصيغة ذاتها مع الفلسطينيين بدواعي عرقية توراتية لا ترى الصراع فقط على الأرض، بل تزج بالدين في صلب هذا الصراع.. 



الآن هناك رأي عام مفاده أن المسلمين في بنية دينهم وعقيدتهم متطرفون إرهابيون، وهم يأخذون هذه الأحكام من أفعال وأدبيات مسلمين اعتنقوا صنيع الإرهاب، وتعمد إلى أن كل إنسان لا يدين بهذه العقيدة كافر يفترض على الإسلام إعلان الجهاد عليه وطرده من بلدان المسلمين، بينما عرفنا أن الإسلام دخل بالفتح أو الدعوة، وعايش كل الطوائف دون أن يصادر حقوقهم في العبادة والشعائر، وكان الحامي لليهود من بطش الأوروبيين، لكنها الأزمنة التي تولّد من رحم نواقصها وهزائمها، الطبيعة العدوانية.. 



الإرهابي والمتطرف والعنيف، يشعر بنقص حاد في تكوينه الأساسي، ويأتي التعويض بملء ذلك الفراغ، ولا تقتصر المسألة على فقر أو غنى، بل إنها تلامس طبيعة التربية وملابساتها والمؤثرات الداخلية في الأسرة أو المجتمع، وعندما نشهد حديث من تراجعوا عن فكر القتل بدعوى الشهادة، نجد المسببات تأتي من صلب المكون التربوي، عندما تحدث الصدمة وتعالج بمقابل آخر، أو صدمة مضادة، ولعل التاريخ يملك شواهد كثيرة، لأشخاص وعقائد وأيديولوجيات، لديها القدرة على تحويل البشر من حالة سوية، إلى حالة شاذة وخطيرة، والنازية أكبر مثل تصدق عليها هذه الحقيقة..

 
 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك