التربية بالحب

د.حسام جابر

 

إذا أجرينا تحليلا ً لتاريخ نشأه الفكر التربوية بإنتباه منذ أقدم الأزمنة وحتى عصرنا الراهن، نلاحظ أن الفكرة الأساسية التي تعتمد عليها أغلب النظريات التربوية تدور حول زرع المشاعر الأنسانية في نفس الطفل فمحبة الأنسان والنظر إليه نظرة انسانية – هي القاعدة الأساسية في التربية .

 

لقد تكون المبدأ الأنساني منذ أمد بعيد . ويعتبر أيضا هذا المبدأ الأنساني أسمى مخلوق في الطبيعة وأهم مافي الكون .

إن المعاملة الطيبة التي يتلقاها الطفل من ذويه هي العامل الأول الذي يساهم في نمو هذه المشاعر في نفس الطفل .

فالأسرة المتفاهمة التي يتعامل معها أفرادها بود ومحبة متبادلة – هي الأساس لتربية السمات الطيبة عند الطفل ومعاملته الحسنة للآخرين .

من المستبعد أن نحقق أي نجاحات ملموسة بالطرق المباشرة ،فالأسلوب الصحيح فيتمثل بأن نجعل أنفسنا قدوة حسنة ومثالا ً يحتذى به الطفل في سلوكه.

 

تحتوي الكثير من المؤلفات التربوية على الموضوعات التي تدور حول قسوة وإستبداد الأطفال التي تكشف عن مشاعر القسوة في أنفسهم ويمكن للطفل أن يظهر الغلاظة والقسوة تجاه أخيه الصغير الذي ظهر كعضو جديد في الأسرة .

 

فالحب إذن ... عاطفة إنسانية تتمركز حول شخص أو شيء أو مكان أو فكرة وتسمى هذه العاطفة بإسم مركزها فهي تارة ً عاطفة حب الوطن حين تتمركز حول الوطن وتارة ً أخرى عاطفة الأمومة حين تتمركز عاطفة الأم حول طفلها ,, وهكذا . 

والحب أيضا ً حاجة نفسية تحتاج إلى إشباع بإستمرار فكيف تتكون هذه العاطفة التي بتكوينها عند الأم تشبع الحاجة للحب عند الطفل .

 

إن دوافع هذا السلوك يمكن أن تشمل الفضول وحب الأطلاع ورغبة الطفل بالنفوذ إلى جوهر الأشياء فالقسوة والعنف لاتأتي مع الطفل بالولادة فعندما يصطدم الطفل خلال نموه بقسوة ظاهرة في البيت أو بجفاء وتكبر وأنانية ولا مبالاه بالناس الآخرين فمن العوامل التي تساعد على تولد القسوة والعنف في نفس الطفل ، تاتي من المنازعات والشجار داخل الأسرة .

فالقسوة تنمو على تربة الأغتراب والشجار النفسي بين أفراد الأسرة الواحدة والامبالاه تجاه الآخرين .

 

فمهما أبدينا رغبة وبذلنا جهد لتنمية المشاعر الطيبة في نفس الطفل وقطع دابر أي إمكانية لنمو القسوة والجفاف لديه تبقى هناك عوامل خارجة عن إرادتنا ونقصد هنا أنه يمكن للطفل أن يتأثر بمظاهر القسوة من خلال إختلاطه بالناس الآخرين ورؤيته للأفلام العنف على شاشات التليفزيون والسينما .

فقد أشارت الدراسات الخاصة في هذا المجال إلى أن المشاعر التي ينعكس من خلالها موقف الطفل من الآخرين تتولد لديه في السنوات الأولى من حياته .

إذ ينشا عند الطفل في وقت مبكر جدا ً الأحساس بالبهجة والسرور فهو يبتسم ردا ً على الأبتسامة وعلى تعابير الفرح التي يفصح عنها وجه الأنسان البالغ .

 

أن مشاعر الحب هي الترياق الذي يساعدنا في مكافحة الجفاء والامبالاه والقسوة التي يظهرها الطفل في تعامله مع الآخرين فإذا عملنا بكل قوانا لتنمية هذه المشاعر الأنسانية وتكريسها في نفسه فإننا بذلك نعمل الكثير من أجل تربية المشاعر الأخلاقية عنده .

                             

يقول الدكتور ميسرة وسائل التربية بالحب أو لغة الحب أو أبجديات الحب هي ثمانية ...
1-كلمة الحب ،،،، 2- نظرة الحب ،،،، 3- لقمة الحب 4- لمسة الحب ،،،،5- دثار الحب ،،،، 6- ضمة الحب 7- قبلة الحب ,,,, 8- بسمة الحب

 

فكم كلمة حب نقولها لأبنائنا ( يوجد  دراسة تقول أن الفرد إلى أن يصل إلى عمر المراهقة يكون قد سمع مالا يقل عن ستة عشر ألف كلمة سيئة ولكنه لا يسمع إلا بضع مئات من الكلمات الحسنة

فالصورالتي يرسمها الطفل في ذهنه عن نفسه هي أحد نتائج الكلام الذي يسمعه ، وكأن الكلمة هي ريشة رسّام إمّا أن يرسمها بالأسود أو يرسمها بألوان جميلة . فالكلمات التي نريد أن نقولها لأطفالنا إمّا أن تكون خيّرة وإلا فلا ...

بعض الآباء يكون كلامه لأبنائه ( حط من القيمة ، تشنيع ، إستهزاء بخلقة الله ) ونتج عن هذا لدى الأبناء ( إنطواء ، عدولنية ، مخاوف ، عدم ثقة بالنفس  (

 

وعلينا أن لاننسى نظرة الحب لأبنائنا وبناتنا ولا نبخل عليهم بإحتضانهم بعيوننا أثناء الأبتسامة اليهم وأيضا أثناء مبادلتهم الود والحنان اليهم .

 

فلقمة الحب لا تتم إلاّ والأسرة مجتمعون على سفرة واحدة فعلى الأسرة ألاّ يضعوا وجبات الطعام في غرفة التلفاز حتى يحصل بين أفراد الأسرة نوع من التفاعل وتبادل وجهات النظر . وأثناء تناول الطعام ليحرص الآباء على وضع بعض اللقيمات في أفواه أطفالهم . مع ملاحظة أن المراهقين ومن هم في سن الخامس والسادس الابتدائي فما فوق سيشعرون أن هذا الأمر غير مقبول فإذا أبى الإبن أن تضع اللقمة في فمه فلتضعها في ملعقته أو في صحنه أمامه ، وينبغي أن يضعها وينظر إليه نظرة حب مع إبتسامة وكلمة جميلة وصوت منخفض ... بعد هذا سيقبلها

 

يقول د. ميسرة : انه على الآباء والأمهات أن يكثروا من قضايا اللمس . ليس من الحكمة إذا أتى الأب ليحدث أبنه أن يكون وهو على كرسين متقابلين ، يُفضل أن يكون بجانبه وأن تكون يد الأب على كتف ابنه (اليد اليمنى على الكتف الأيمن) . ثم ذكر الدكتور طريقة إستقبال النبي لمحدثه فيقول : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يلصق ركبتيه بركبة محدثه وكان يضع يديه على فخذيْ محدثه ويقبل عليه بكله } . وقد ثبت الآن أن مجرد اللمس يجعل الإحساس بالود وبدفء العلاقة يرتفع إلى أعلى الدرجات . فإذا أردت أن تحدث إبنك أو تنصحه فلا تجلسا في مكانين متباعدين .. لأنه إذا جلست في مكان بعيد عنه فإنك ستضطر لرفع صوتك ، ورفع الصوت ستنفره منك وأربتُ على المنطقة التي فوق الركبة مباشرة إذا كان الولد ذكراً أمّا إذا كانت أنثى فأربتُ على كتفها ، وأمسك يدها بحنان . ويضع الأب رأس إبنه على كتفه ليحس بالقرب و الأمن والرحمة  

 

ودثار الحب يقرب بين الأباء والأبناء..... يجب أن يكون الأباء قريبين من الأبناء بأجسادهم وقلوبهم .

 

أما الضمة والأحتضان فله سحر القلوب فالحاجة إلى الضمة كالحاجة إلى الطعام والشراب والهواء كلما أخذتَ منه فستظلُ محتاجاً له.

 

وبالنسبة للقبلة والبسمة فقد قبّل الرسول عليه الصلاة والسلام أحد سبطيه إمّا الحسن أو الحسين فرآه الأقرع بن حابس فقال : أتقبلون صبيانكم ؟!! والله إن لي عشرة من الولد ما قبلتُ واحداً منهم !! فقال له رسول الله أوَ أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك
أيها الآباء إن القبلة للابن هي واحد من تعابير الرحمة ، نعم الرحمة التي ركّز عليها القرآن وقال الله عنها سرٌ لجذب الناس إلى المعتقد ،، وحينما تُفقد هذه الرحمة من سلوكنا مع أبنائنا فنحن أبعدنا أبناءنا عنا سواءً أكنا أفراداً أو دعاة لمعتقد وهو الإسلام .

 

إن التربية بالحب هى التى تمنح الآخرين الثقة وهم يُواجهون معارك الحياة ، وتساعدهم فى الوصول إلى الاتزان الانفعالى تجاه مواقف الحياة بحلوها ومُرِّها ، وهى التى تمنحهم القدرة الدائمة على التعايش فى سهولة وسلاسة مع الأنماط المختلفة من الناس .

فإن افتُقدت هذه التربية ، كانت وبالاً على الكبير والصغير فهى للطفل إنطواء وإنعزال وإبتعاد عن المجتمع ،وهى للشاب والفتاة قسوة وجفاف يدفعهما إلى عدم التوافق مع المجتمع ، وللكبار سلب للصحة النفسية و اضطراب فى المشاعر الإجتماعية ،وللجميع نزاع وبغض وكره وتخاصم قد يصل إلى حد العدوان .

 

والتربية بالحب عطاء بلا ثمن ، وبذل دون انتظار مقابل ، بل يكون الانتظار الحقيقي في أن يصل الطرف الآخر إلى أعلى مراتب السعادة والبهجة ، يقول تعالى : { إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا } الإنسان : 9 .

 

والتربية بالحب هى أصدق عاطفة فى الوجود ، تنطلق من الحب ، حيث تغرس فى تُربة الحبيب ، إزالة كل الرواسب ، وتفتيت كل العقبات ، ونسف كل الحواجز ، لينطلق فى حياة آمنة ، وعيشة سعيدة . فالتربية بالحب هى سلاح الآباء والمعلمين والدعاة ، وهذا ما حققه فى واقع الناس الإمام البنا فى قوله : ( سنقاتل الناس بالحب ) ، ثم يعلن أن معركته الحقيقية هى التربية بالحب ، فيقول  ( إن معركتنا معركة تربوية ) ، وكان فى هذا سر تجديده لحياة المجتمع .

 

إن التربية بالحب هى العلاقات الدافئة ، التى تنتج سلوكًا رائعًا بين الناس  حيث إنها تعنى الأمان والطمأنينة ، لأنها ليست تحكمًا أو رغبة فى الضبط ، فكل وسائلها مكافآت وإثابة ، وهى ليست إخضاعًا أو إضعافًا لأحد ، فكل طرقها تدعو إلى المشاركة والإسهام والتعاون .

 

إن كان البعض يرى أن وسائل التعبير عن الحب للأبناء قاصرة على كلمة الحب نظرة الحب، ضمة الحب، بسمة الحب، لقمة الحب، إلا أننا نذكر هنا بوسائل أخرى مؤثرة وجيدة التوصيل لرسائل الحب من الآباء لفلذات أكبادهم عن طريق الأتي: 
نبني في داخلهم قواعد الثقة في النفس، بتشجيعك لهم وتقديرك لمجهوداتهم التي يبذلونها، وليس فقط بتقدير النتائج التي يحققونها.
كما نعلم أولادنا التفكير الإيجابي بأن تكون إيجابيين، فمثلا بدلا من أن نعاتب ابناءنا لأنهم عادوا من المدرسة وملابسهم متسخه وغير مهندمه يمكن – حينها – ان نقول له : يبدو أنك قضيت وقتنا ممتعا في اللعب اليوم، ولكن بعد ذلك لا تجعل ملابسك تصل إٍلى هذه الدرجة من الاتساخ.

 نقضي بعض الوقت مع أبنائنا كل على حدة، سواء بتناول وجبة الغداء مع أحدهم خارج المنزل أو بممارسة رياضة المشي، المهم أن نشعرهم بأننا نقدر كل واحد منهم.

نحاول الأحتفال بإنجازات اليوم، فمثلا نقيم اليوم مأدبة غداء خاصة لأن ابنناحصل على درجة جيدة في الامتحان، أو لأن إبننا الآخر بدر منه سلوك جيد في الأمانة أو البر، حتى يشعر كل واحد منهم أننا مهتمون بهم وبأحداث حياتهم، ويجب ألا نفعل ذلك مع واحد فقط، حتى لو كان الآخر لا يمر بأحداث خاصة – عندها – يجب ان نبحث في حياته عن شيئ مميز وبالتأكيد سوف نجد أشياء تستحق التقدير، ويجب ألا ننسي أن ما نفعله يجب أن يكون شيئا رمزيا ً حتى لا نثيرالغيرة بين أبناءنا فيتنافسوا علينا، وبالتالي نثيربينهم العداوة بدلا من أن يتحابوا.

نندمج مع أطفالنا في اللعب ونشاركهم التلوين، أو تشكيل الصلصال أو التسابق في الجري أو تقاذف الكرة. 
 ايضا ً لنهمل في معرفة جدول أبنائنا الدراسي ومدرسيهم وأصدقاءهم، حتى لا نسألهم عندما يعودون من المدرسة : ماذا فعلتم اليوم، ولكن نسأل: ماذا فعلت مع زميلك فلان، وماذا أخذتم اليوم في حصة الرياضيات؟ فيشعر أنك متابعة لتفاصيل حياته وأنك مهتمة به.

 وعندما يطلب منا أحد أبناءنا أن يتحدث معنا، فلا نكلمهم ونحن منشغون في شيء آخر ولكن نعطهم كل تركيزنا، وان ننظرفي عينيه وهو يحدثنا ولنعلم أن انتباهنا الفوري الواضح للطفل حين يتحدث يعتبر إيداع جديد مضاف لرصيد الأباء في " بنك" الحب لديهم

 

 فترجمة بعض مشاعرنا الكبيرة ناحية أبنائنا بطريقة سهلة كأن نكتب لهم في ورقة صغيرة كلمة حب أو تشجيع، ونضعها بجانبهم على السرير وهم نائمون، أو وضعها في حقائبهم المدرسية، فذلك يشعرهم بالحنان والحب حتى ونحن غير موجودين معهم.

فنسيان كل أخطاء الماضي في طلعة شمس كل يوم جديد تحمل فرصة جديدة يمكن أن تدعم الحب تجاه الأبناء أكثر من ذي قبل وتساعد على إكتشاف مواهبهم.

كما أن إحتضان الأبناء وتقبيلهم وإستخدام عبارات وكلمات معبرة عن الحب والود تعمل عمل الفراء الكثيف في فصل الشتاء ، فمهما كثر ذلك فإنهم يحتاجونه صغارا كانوا أو بالغين، أو حتى متزوجين ولديك منهم أحفاد.

 تذكري أن حب الوالدين للأبناء غير مشروط بأي شرط، ولذلك يكون علينا ألا نربط لفظيا بين حب الأبناء وتوجيهنا لهم، فلا نقول " أنا أحبك لأنك حصلت على الدرجة النهائية في الامتحان" وأيضا لا نقول " لن أحبك إذا فعلت كذا "، إننا بذلك نزعزع أمانهم النفسي الذي يستمدونه من خلال شعورهم بمحبتنا لهم وتقديرنا لهم، ونكون قد أخطأنا الطريق إلى الثمرات الرائعة للحب غير المشروط وهي الطاعة والالتزام والتضحية.

 عبري لابنك عن حبك له بطريقة عملية، وذلك بأن تهتمي برأيه وتستشيريه في بعض الأمور، وأن تقدري مشاعره وتشعريه بأنه فرد مهم في الأسرة ومحترم فيها، وأنكم جميعا تفهمونه وتقدرون مزاياه وإنجازاته وهواياته وميوله، ومن ذلك التعبير أيضا أن تعفو عن هفواته وأخطائه؛ خاصة ما أخطأ فيها بسبب نقص خبراته، وأن نعتذر منه إن أخطأنا معه أو قسونا عليه 

المصدر: http://www.almurabbi.com/DisplayItem.asp?ObjectID=1327&MenuID=2&TempID=1

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك