حوار مع مُغرَّر به
الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع
كنتُ في حوار مع أحدهم فقال لي: أنتم يا أصحاب الفضيلة علماءنا الأفاضل تعلموننا أن الجهاد من أفضل الأعمال التي يتقرب بها إلى الله، وأن من يموت في سبيل الله فهو شهيد وها أنتم اليوم تسموننا ضُلاَّلاً ومنحرفين وذوي أفكار منكرة وخارجة عن الأفكار الشرعية إلى آخر ما تصفوننا به مما نحن نفر عنه وننأى.
فقلت له: يا أخي ديننا يعتمد على أصول وقواعد وثوابت شرعية ومقاصد محصلة للمصالح ودرء المفاسد فيما يتعلق بعلاقة المسلم مع ربه وأسرته وقيادته ومجتمعه، وخلق الله من إنسه وجنه، وفيما يتعلق بأمنه وأمن بلاده ومجتمعه كما أن الدين يؤكد على ضررة وجود قيادة للمجتمع المسلم تتولى رعايته والدفاع عنه وتأمين متطلبات حياته المادية والمعنوية وتأهيله لأن يكون خليفة الله في أرضه، وتطبيق قواعد إسعاده ورفاهيته وأمنه ومن ذلك درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وارتكاب أدنى المفسدتين جائز لدرء أعلاهما وترك أدنى المصلحتين جائز لتحصيل أعلاهما. ولهذا جاءت النصوص الشرعية الصريحة من كتاب الله تعالى وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم تأمر وتؤكد طاعة ولاة الأمر في غير معصية، والوقوف والتعاون معهم في تحقيق ما وكل إليهم من ولايات عامة تقتضي التعاون في تحقيقها بالسمع والطاعة والنصيحة..
ولاشك أن الجهاد دعامة كبرى في تحقيق العزة لله ولرسوله وللمؤمنين وقد اعتبره بعض أهل العلم ركناً من أركان الإسلام. وقد وصفه صلى الله عليه وسلم بأنه ذروة سنام الإسلام، وقد قال تعالى في شأنه: (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم). وقد بَوَّب فقهاء الإسلام من جميع المذاهب الفقهية في مؤلفاتهم الفقهية باباً مستقلاً للجهاد ومشروعيته وأحكامه.
فليس الجهاد في سبيل الله محل شك ولا اختلاف في مشروعيته ومكانته في الإسلام. ولكن لإقامة عَلَمِه ضوابط وقيود وشروط لا تنعقد مشروعيته إلا بتوافرها وتحققها.
ومن أهم مشروعيته أن يكون قرار إقامته من ولي الأمر فلا يصح أن ينفرد الأفراد بإقامته لأن ولي الأمر لديه من بُعد النظر وتقدير عواقب القتال ومآلته ما ليس عند الأفراد. فأي جهاد يغلب على الظن معرفة الآثار السيئة الناتجة عنه ليس جهاداً وإنما هو تهوُّر وتضحية بمصالح أهله. ولا يخفى من السيرة النبوية حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحال المؤمنين معه في مكة المكرمة، وما كانوا يعانون من الأذى والذلة والمهانة والسخرية من المشركين ومع ذلك لم يقيموا علم الجهاد. ولم يقم علم الجهاد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن وُجد للإسلام إدارة وقيادة حكيمة بصيرة في عواقب الحال والمآل. قال تعالى: (أذن للذين يقاتَلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير).
والمتتبع لسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم وسنّة ولاة أمور المسلمين بعده يدرك بأن القتال لا يشرع إلا عن طريق ولي الأمر، وأنه لم يكن في الغالب الأغلب خروج للقتال من أفراد لم يؤذن لهم من قبل ولاة أمورهم. ولئن وجد شيء من ذلك فقد عدَّه العلماء من قبيل التمرد والخروج على ولاة الأمر.
وقد احتج من يقول بجواز اتخاذ قرار فردي للجهاد بقصة العصابة المسلمة التي قامت بالترصد لعير قريش وهي ذاهبة إلى الشام أو اليمن وذلك بعد صلح الحديبية واشتماله على شرط ألا يتلقى الرسول صلى الله عليه وسلم من يسلم من قريش مدة الصلح فقد كان جهادهم مشروعاً وهي قرارات فردية. والجواب عن هذا الاحتجاج هو أن هؤلاء الأفراد - رحمهم الله - لم يدخلوا في سلطان دولة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفيذاً للشرط في صلح الحديبية. فليس بأعناقهم بيعة لولي الأمر وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت فقد بايعوه على الإسلام ولم يبايعوه على الولاية فهم يتصرفون بمحض إرادتهم إذ ليس لهم مرجع قيادي يرجعون إليه ويصدرون عنه.
فالجهاد لا يكون مشروعاً وتترتب عليه أحكامه إلا إذا صدر الأمر به من ولي الأمر الذي يدرك في الغالب آثار إقامته سلباً وإيجاباً فإن كانت مصلحة البلاد في إقامته أمر به، وإن كانت الأخرى منع إقامته. فاقتنع بالإجابة وقال: حسبنا الله عليكم يا مشايخنا فأنتم المسؤولون عنا أمام الله وأمام قادتنا وبلادنا وأمام التغرير بنا. فأين أنتم ونحن نتقلب في غياهب الجهل والضلال والتغرير؟
وأين المسؤولون عنا ونحن نتقلب في مواقع الخطر والزلل والانزلاق - مراهقة، وضيق أفق، وفراغاً، وذئاب ضلال وإضلال وتغرير وإفساد - فقلت له إن المسؤولية تقتضي مضاعفة الجهود ورفع الرأس إلى ما وراء السدود. والله المستعان.
المصدر: http://al7ewar.net/forum/showthread.php?25396-%CD%E6%C7%D1-%E3%DA-%E3%F5...