مخاطر التعصّب
سيظل التعصّب بكل أنواعه، سواء كان قبليّاً.. أو حزبيّاً.. أو دينيّاً، من أهم مشاكل اليمن؛ لأن التعصّب يرتبط به التطرُّف والغلو والانغلاق وعدم القبول بالآخر، ويؤدي إلى نتائج كارثية، واليمن في أوضاعه الراهنة لم يعد قادراً على تحمّل المزيد من التعصبات، فقد عانى كثيراً من التعصّب القبلي الأعمى المنغلق على نفسه والمتمرد في علاقاته مع الدولة والمجتمع، والذي بسببه نشبت كثير من الحروب وتفشّى العنف، ونشأت بؤر التطرٌّف والإرهاب، وحُرمت كثير من المناطق من التعليم، ومشاريع الطرق، والكهرباء، والاتصالات، والمياه والصحة وغيرها، وهو ما جعل السواد الأعظم من أبناء القبائل المحرومة يعيشون حياة بدائية موغلة في التخلّف يتسلّط فيها النافذون الذين جعلوا مصالحهم فوق مصالح الوطن والمواطنين، وعملوا بإصرار على تجهيل الناس ليضمنوا استمرارهم كتابعين لهم يسخّرونهم لخدمة أهدافهم التسلّطية..
لا يمكن الإنكار بأن للقبيلة بعض الجوانب الإيجابية والعادات والتقاليد والأعراف والقيم النبيلة، لكن لا يعني ذلك أن يظل أبناء تلك القبائل مكبلين بنعرات التعصّب الأعمى ومحرومين من حقهم في العيش الكريم، وأن تظل مناطقهم خارج سياق التطوّر والنهوض الذي شهدته أغلب مناطق اليمن.
لقد حاولت الدولة أن تعمل على تنمية تلك المناطق والنهوض بها وإخراجها من حالة البؤس والحرمان، ولكن الممانعة كانت شديدة من المستفيدين من استمرار هكذا وضع، ومع ذلك يمكن للدولة أن تعمل الكثير، إذا توفّر الأمن والاستقرار في تلك المناطق، وتعاون أبناء القبائل مع الدولة وخضعوا لسلطاتها، وتخلوا عن حمل السلاح، واتجهوا نحو تعليم أبنائهم، والتزموا بالأنظمة والقوانين، وساعدوا الدولة في الحفاظ على الأمن والاستقرار وتهيئة المناخات الكفيلة بنجاح جهود البحث واستغلال الموارد والثروات التي تزخر بها أرض اليمن ومياهها الإقليمية، والتي لاشك أنها ستكون كفيلة بتأمين حاجة اليمنيين، وتجنيبهم مذلة السؤال وهوان استجداء الآخرين.
معروف أن التعصّب الأعمى لا ينتج عنه سوى المزيد من التخلّف والكوارث، وخاصة التعصّب الحزبي الذي أصبح مشكلة عويصة تعاني منها اليمن، ويشكّل ظاهرة خطيرة تنذر بكوارث محققه ستدمر الوطن وتقضي على روح التسامح والتعاون والوئام بين اليمنيين، خاصة بعد أن عمدت بعض الأحزاب على توظيف السياسة لإذكاء النعرات العصبوية بكل أشكالها -كالطائفية والمذهبية- وكل النعرات والنزعات المقيتة، والتي لم يكن لها وجود أصلاً في فكر وواقع حياة اليمنيين الذين ظلوا عبر التاريخ متعايشين رافضين كل أنواع النعرات التي يقوم البعض الآن بإثارتها بهدف الزج باليمن في حروب أهلية، بعد أن أوصلوا المواجهات المسلّحة والاقتتال إلى أبواب العاصمة صنعاء، والتي من شأنها -فيما لو استمرت- أن تقوّض التسوية السياسية الجارية وفق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي تمت بموجبها عملية الانتقال السلمي للسلطة، ونجاح مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وما أسفر عنه من مخرجات شخّصت العلل التي تعاني منها اليمن، وحدّدت علاج التعافي منها، والتي ستعمل على إطفاء نار الفتن والاقتتال التي يخطط لها البعض.
إن الواجب الوطني يفرض على اليمنيين أن يدركوا خطورة ما آلت إليه أوضاعهم اليوم، ويقتنعوا بأن التغيير الذي كانوا ينشدونه في إطار ما سُمّي ب(الربيع العربي) لم ينتج عنه سوى وضع بلادهم تحت الوصاية الدولية، وتعريض الوحدة اليمنية للخطر، والتهديد بتحوّل اليمن إلى كنتونات ومشيخات وسلطنات، وإيصال الأمور إلى أن تكون عاصمة اليمن مهدّدة بالاقتحام والاستيلاء عليها من قِبل مليشيات مسلّحة ما كان لها أن تكون وأن تتحدى الدولة وتستفز مشاعر الناس، لولا التعصّب الحزبي الذي يرفض الآخر ويريد القضاء عليه، وهذه هي ثمار ما سُمّي بثورات (الربيع العربي)..!!