أحداث صغيرة انعطفت بالتاريخ

فهد عامر الأحمدي

    التاريخ ليس فقط أحداثاً متتابعة ومتراكبة، بل وانعطافات مصيرية تترتب عليها نتائج مستقبلية كبيرة ودائمة.. وكنت قد تساءلت في أحد مقالاتي عن الشكل السياسي للجزيرة العربية لو أن الملك عبدالعزيز توفي في سن الطفولة (مثل معظم المواليد في ذلك الزمان). أو كيف سيختلف مسمى بلادنا وجنسياتنا "السعودية" لو لم يختر الأمير محمد بن مقرن اسم "سعود" لابنه - ووافق مثلاً على اقتراح إحدى عماته بتسميته مقرن أو خالد أو متعب أو عبدالرحمن.

كيف سيكون شكل أوروبا - وحال أمريكا وروسيا اليوم - لو لم يشعل هتلر الحرب العالمية الثانية وتم قبوله في كلية فينا للفنون الجميلة.. كيف سيكون حال مجتمعنا المحلي - وتاريخ العالم كله - لو نظر أحد كفار قريش إلى قدميه وقتل سيدنا محمد مع صاحبه في غار ثور!!

حين تتأمل هذه الأمثلة تلاحظ أنها تبدو - زمن حدوثها - صغيرة ومحتملة ومحصورة في شخصياتها.. فما أكثر الرضع الذين ماتوا قبل قيام الدولة السعودية الأولى بسبب الأمراض وسوء التغذية.. وما أكثر الآباء الذين اختاروا أسماء أبنائهم بشكل عشوائي ودون هدف مسبق.. وما أكثر مارفضت كلية فينا للفنون طلبات الدراسة فيها - رغم موهبة هتلر في الرسم.. وما أكثر ماقتل كفار قريش والعرب في الجاهلية دون أن نعرف شيئاً عن أسماء الضحايا..!!

ولكن الوضع يختلف جذرياً حين نتأمل النتائج التالية والوقائع المعاصرة التي ترتبت على الأحداث الماضية.. بل لاحظ أن الأحداث القديمة (التي بدت في حينها صغيرة ومعتادة) لا تترتب عليها فقط نتائج كبيرة، بل وتستمر في النمو والتضخم بمرور الزمن وتوالي القرون...

ولأن المقال لا يكفي لاستعراض النتاج الحاضرة (المترتبة على أحداث ماضية)؛ سأتركك لتتخيل شكل عالمنا الحالي اليوم لو لم تقع الأحداث التالية - في الألفية الأولى من الميلاد - أو مات أصحابها أو تم استبدالها بأحداث مغايرة:

- ففي العام الأول من الميلاد مثلاً ولد عيسى عليه السلام ودعا لاحقاً للديانة المسيحية.

- وبعده ب 570 يولد في مكة طفل كريم يدعى محمد بن عبدالله (عليه الصلاة والسلام).

- وفي عام 650 يبتكر خادم في البلاط الصيني "الورق" وينشر المعرفة على نطاق واسع.

- وفي زمن عمر بن الخطاب ينعطف العرب بالتاريخ بإزاحة إمبراطوريتي الفرس والروم.

- وفي نفس الوقت تقريباً تغزو قبائل الانجلوساكسون البربرية بريطانيا وتؤسس مايعرف بانجلترا - التي استعمرت لاحقاً ثلثي العالم ونشرت لغتها واسعاً.

- وفي الجنوب يفتح عقبة بن نافع شمال أفريقيا ويدخل بفرسه شواطئ الأطلسي ويقول: لو كنت أعلم أن وراء هذا البحر أرضاً لخضته إليها (ولكنه بالطبع لم يكن يعلم بوجود أمريكا)!!

- وبين المغرب وإنجلترا يتوقف العرب عن غزو بقية أوروبا بعد هزيمتهم في فرنسا في معركة بلاط الشهداء (ولو انتصر العرب عام 732 لكان القرآن يدرس اليوم في اكسفورد وكامبردج)..

- وكان يمكن للتاريخ أن ينعطف مجددا لو لم يتجاهل ملوك الطوائف في الأندلس عرض ملك إنجلترا أووفا ريكس الدخول في الإسلام نكاية بالبابا أدريان الأول (772-795)!!

.. ولاحظوا أعزائي أن حديثنا اقتصر على أحداث الألفية الأولى لضيق المساحة (وثانياً) لأننا كلما رجعنا في الماضي، كلما تضخمت ووضحت لنا أحداث الحاضر!!

http://www.alriyadh.com/963114

 

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك