حكاية إسلام فيلبي

قاسم الرويس

    قال مراسل صحيفة (الماتان) الذي كان يجري لقاء مع جون فيلبي في جدة أول عام 1349ه: ولما أتم جون فيلبي ما كان يقص علي وما كان يجب به على أسئلتي بصراحة تامة، سألته أيضاً لماذا لا تقدم إذن على اعتناق الإسلام حتى يتم لك بذلك كل ما تحب وتصبح جندياً وطناً وعقيدة؟! فأجابه أنه سيكون يوماً ما مسلماً، عندما يتم شعوره وتأثره بهذا الدين لأنه لا يود أن يكون إسلامه قشوراً فهذا الدين دين قويم قائم على قواعد معقولة فهو جميل لأقصى حد، وأن ذلك اعتقاده وهو أفضل من أن يتخذ هذا الدين قناعاً يستتر به ويتظاهر بالتقوى وقلبه خراب وسريرته فاسدة.

ولم يلبث فيلبي بعد كلامه هذا لمراسل الصحيفة إلا قليلاً حتى أعلن إسلامه بعد أن عاش في بلاد العرب ثلاث عشرة سنة وأشعر الملك عبدالعزيز بذلك في خطاب قدمه إليه الملك مؤرخ في 9 ربيع الأول 1349ه نشرته جريدة أم القرى ومما جاء فيه:

"....إنه قد حصل لي الشرف لأن أعرض على أنظار جلالتكم فيما سبق رغبتي في اعتناق الديانة الإسلامية وترك ما عداها من الأديان. والآن جئت مرة أخرى أبين لجلالتكم أن الله قد شرح قلبي بقبول الإسلام وهداني إلى قبول هذه الديانة عن عقيدة راسخة وقناعة وجدانية تامة ولهذا فإنني (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله)، وأعتقد بكل ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه السلف الصالح....."

وكان من الطبيعي أن يقابل إعلان إسلامه بالسرور وتقدم له التهاني ويحتفى به في البلد الذي اختاره مستقراً له، وقد تسمى بعد إسلامه رسمياً ب(عبدالله) فيلبي، ولكن ظل موضوع إسلام فيلبي الشغل الشاغل للصحف العربية والأجنبية في تلك الأيام لتعلقه بشخصية مثيرة ومختلف عليها في الأصل، وقد كتب كثيرون يشكك في صحة إسلامه، بينما دفع آخرون تلك التهم بعقلانية، في حين أورد بعضهم نبذاً عن سيرته السياسية والعلمية، هذا الاختلاف لم أتوقع أنه مستمر إلى اليوم ولكن من خلال ما وصلني من تعليقات على مقالة الأسبوع الماضي اضطررت للكتابة عنه هذا الأسبوع، وكان شاعر الخليج في تلك الفترة الشاعر خالد بن محمد الفرج قد عبّر عن هذا الموضوع بأبيات طريفة ظريفة فقال:

الحمد لله ربي

قد أسلم اليوم (فلبي)

وذاك نصر عظيم

نلناه من غير حرب

ومن كفلبي غنم

حزنا به خير كسب

***

والناس قالوا وقالوا

كلام بغض وحب

لكن منهم أديباً

ربّ اطلاع ولبّ

يقول ناقشت فلبي

فقال: سري (بقلبي)

والحقيقة أن التوسع في مناقشة هذه المسألة لا فائدة منه لأنه ليس للناس في مسائل العقيدة إلا الظاهر، وأما ما تحتويه الصدور لا يعلمه إلا الله، وأما فيلبي فعاش الثلاثين سنة الأخيرة من حياته مسلماً يمارس شعائر الدين كسائر المسلمين حتى وفاته في بيروت في 30 سبتمبر 1960م حيث صلي عليه ودفن في المقبرة الإسلامية هناك.

http://www.alriyadh.com/962239

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك