التربية التقنية المعلوماتية

د. خالد الشلفان

 

أصبحت تقنية الاتصالات والمعلومات تلعب دوراً مركزياً لا غنى عنه في مجموعة واسعة من استراتيجيات التطوير والتنمية، حيث ظهرت في قطاع الأعمال والقطاع الحكومي مشاريع تقنية حديثة للتحول إلى مجتمع معلوماتي تهدف في مجملها إلى تحسين الخدمات المقدمة للمستفيدين والاسراع في تقديمها والعمل على أن تتوفر هذه الخدمات لهم على مدار الساعة، فقد بدأت تنتشر مفاهيم تقنية جديدة مثل: التجارة الالكترونية (e_commerce) والحكومة الالكترونية (e_government) ونظم المعلومات الجغرافية (GIS) والبطاقات الذكية (Smart Card) وغيرها. على ضوء ذلك ظهرت مفاهيم اجتماعية واقتصادية وثقافية وتربوية تفيد في تشكيل البيئة الملائمة التي تساعد في تحقيق الاستفادة المرجوة من مشاريع تقنية المعلومات. فبالاضافة إلى مفهوم الثقافة التقنية المعلوماتية التي تؤدي فيها الوسائل الثقافية والإعلامية دوراً كبيراً في توعية المجتمع وتثقيفه للتحول إلى هذه البيئة المعلوماتية فإن هناك مفهوماً آخر يؤسس لهذا المجتمع المعلوماتي ألا وهو مفهوم التربية التقنية المعلوماتية.

إن توفر وسائل التقنية ووجود مثل هذه المشاريع المتقدمة في مجال تقنية المعلومات في بلادنا أمر غير كاف بل غير مجد دون خلق الظروف الملائمة وتمكين الأفراد لدينا من الاستفادة الكاملة من تقنية المعلومات والتفاعل معها والذي لا يقل قدراً من الأهمية عن توفر تلك التقنية نفسها، لذا لا ينبغي أن يكون لدينا فجوة بين ما لدينا من مشاريع تقنية وما لدى الأفراد من استعداد للتعامل مع مثل هذه التقنية. فالتقنية المتقدمة تحتاج إلى بيئة مناسبة تمكنها من العمل في ظلها على المستويين التقني والإنساني، وعليه يتعين أن نكثف جهودنا أكثر من أي وقت مضى حتى يتمكن الأفراد والشركات والحكومات من الاستفادة الكاملة من مشاريع تقنية المعلومات والاتصالات الوطنية، الأمر الذي يوجب تربية وتعليم وتأهيل النشء على التعايش مع هذه التقنية بالشكل المجدي، وينبغي أن تكون هذه احدى مهام المؤسسات التربوية في المجتمع، لذا فإن أمام التربويين مسؤولية المساهمة في التأسيس لاعداد أفراد المجتمع لاستيعاب متطلبات هذا التطور لما يتطلبه من تغيرات في النشاط البشري.

غالباً ما نجد في توصيات مشروع ما من تلك المشاريع فقرة تنص على توعية الناس بأهمية هذه التقنية أو تلك من تقنيات المعلومات وإدخالها ضمن مناهج التعليم العام، والحقيقة انه من الصعوبة بمكان أن نفرد حيزاً في مناهجنا الدراسية الأولية لتقنية ما من هذه التقنيات، فعلى سبيل المثال ليس من المناسب أن نخصص مادة أو حتى فصلاً  في مادة دراسية عن نظم المعلومات الجغرافية مثلاً أو نظام الحكومة الالكترونية أو نظام.. أو نظام.. الخ. لكن قد يكون من المناسب التوعية بتلك الأنظمة الوطنية ضمن مادة تعنى بالتربية التقنية المعلوماتية على غرار التربية الوطنية التي تعنى بما ينبغي أن يكون عليه المواطن تجاه وطنه، أو ضمن بعض المواد ذات العلاقة كمادة الحاسب الآلي أو ضمن مادة التربية الوطنية نفسها أو غيرها من المواد، وذلك على شكل اشارات توضح بعض تلك المفاهيم وبأسلوب متسق. والجدير بالذكر ان شيئاً من ذلك قد ورد في مفردات مقرر الحاسب الآلي في الصف الأول الثانوي وبالتحديد في وحدة تسمى العصر المعلوماتي والتي تبين دور الحاسب الآلي في الخدمات الاجتماعية.

تعتبر تربية تقنية المعلومات عاملاً أساسياً في نقل وتوطين هذه التقنية بل انها تمثل قاعدة هرم التعامل معها. فالتربية التقنية المعلوماتية لا يقصد بها هنا توظيف تقنية المعلومات في العملية التعليمية والتي تعنى باستخدام الحاسب الآلي كوسيلة تعليمية، كما أنها لا تعني التعليم الفني والتدريب المهني الذي يهدف بالدرجة الأولى إلى اكساب الفرد قدرات ومهارات فنية وتطبيقية تخصصية لامتهان مهنة فنية في مجال تقنية المعلومات، بل ليست هي أيضاً مجرد تعليم تقنية الحاسب الآلي الشخصي وتطبيقاته التي يقصد بها إعداد المتعلم تقنياً لكي يتمكن من التعامل مع هذه التقنية فحسب. لكن تربية تقنية المعلومات هي عملية ذات بعد منظومي ومنهجي مخطط له تهدف إلى اكساب المتعلم مفاهيم تقنية المعلومات وتوجيهه إلى الاتجاه والسلوك التقني الصحيح والسليم حيالها، وقد ذهب إلى ذلك بعض الباحثين ومنهم الدكتور توفيق مرعي الأستاذ المشارك بالجامعة الأردنية في تعريفه للتربية التقنية بشكل عام، كذلك فهي تكسب الفرد دراية تقنية بحيث يتمكن من التعرف على احتياجاته من تقنية المعلومات عند تحقيق مصالحه العامة والأسلوب الأمثل لاستخدام هذه الاحتياجات لكي يتمكن من استغلال هذه التقنية في سائر مجالات الحياة.

بناء على ما تقدم فإنه لا ينبغي أن يكون جل اهتمام التربويين في تدريس تقنية المعلومات في المدارس العامة منصباً على تلقين وتدريب التلاميذ على كيفية التعامل مع الحاسب الآلي وتطبيقاته فحسب حيث ان هذا الدور مناط أساساً بالمعاهد الفنية التي يلتحق بها المتدرب بعد أن ينهي تعليمه العام أو جزءاً منه، فوزارة التربية والتعليم تهدف إلى التربية والتعليم ولا ينبغي أن تكون مهمة المدرس في المدارس العامة التدريب على التقنيات الحديثة، إنما ينبغي أن يكون الهدف من تدريس تقنية المعلومات هو تربية التلاميذ على منهج التعلم الذاتي والتعلم الفردي للتعامل مع معطيات تقنية المعلومات، الذي أصبح محور أساس في العملية التربوية إلى جانب القراءة والكتابة، وخلق وعي لدى التلاميذ وتوجيههم بأهمية المعرفة بهذه التقنية الحديثة التي لا غنى لأفراد المجتمع عن معرفة التعامل بها في الحياة المدنية المعاصرة وتأسيس القيم والمهارات الايجابية لدى التلميذ الذي تمكنه من التعايش في المجتمع المعلوماتي الحديث بالاضافة إلى الاستعداد لتحقيق متطلبات التحول إلى مجتمع الاقتصاد القائم على المعرفة (Econimy Knowledge_based).

المصدر: http://www.almurabbi.com/DisplayItem.asp?ObjectID=1504&MenuID=1&TempID=1

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك