ابن جبير.. رحّالة تحدى الخوف

الاسم الكامل للرحالة العربي الشهير ابن جبير هو أبو الحسين محمد بن أحمد ابن جبير الكناني، وقد ولد في بلنسية الأندلسية في عام 1145، وكان أول منصب تقلده هو كاتب حاكم غرناطة الموحد، ولكن هذا لا يعدو أن يكون جانباً من حياته العملية حدث بمحض الصدفة، فقد استدعاه الحاكم ذات يوم ليكتب رسالة وعرض عليه احتساء بعض الخمر.

لكنه رفض أن يشرب الخمر باعتبارها محرمة بنص القرآن الكريم، ولكن هذا الرفض من جانب ابن جبير أثار غضب الحاكم الذي أصر على أن يشرب كاتبه 7 أقداح من النبيذ، وقد رأى ابن جبير أن الحاكم غضب أشد الغضب من رفضه، وخشي أن ينتهي الأمر بقتله، فشرب الأقداح السبعة على نحو ما أمر.

ومن الغريب أن ابن جبير لم يكن هو نفسه الذي روى هذه القصة، ولكننا نقرأ عنها في عمل المقري الشهير بعنوان "نفح الطيب"، ويبدو أن الحاكم قد استبد به الندم على الأمر المفتقر للحساسية الذي أصدره، حيث إنه أعقب ذلك بملء قدح الخمر 7 مرات بالدنانير الذهبية ونفحها لابن جبير.

ولكن الأمر لم يختتم بمثل هذا القدر من السهولة، فقد قرر ابن جبير أن يستخدم المال الذي أعطي له لأداء فريضة الحج لعل الله يغفر له الذنب الذي اقترفه.

وهكذا فإن رحلة ابن جبير كانت تكفيراً عن شربه الخمر، وهكذا فإنه بادر بعد الحصول على إذن من الحاكم إلى مغادرة بلده في 6 فبراير عام 1183، ولم يعد إلى بلنسية إلا في 25 أبريل 1185.

وقد يبدو هذا الوقت قصيراً إذا قارنا رحلة ابن جبير برحلة الرحالة المسلم العظيم ابن بطوطة الذي ارتحل طويلاً في القرن الرابع عشر.

هناك سمتان مهمتان جديرتان بالتسجيل في مستهل صورة قلمية لرحلة ابن جبير، فهو على سبيل المثال لم تساوره المخاوف من الارتحال مستقلاً سفناً مسيحية، رغم أن رحلته جرت في وقت كان الملك الناصر صلاح الدين يخوض معارك ضارية ضد الصليبيين في الحروب الصليبية. وفي إطار هذه الخلفية ارتحل ابن جبير على متن سفن مسيحية دون أن يساوره الخوف.

والسمة الثانية في ما يتعلق برحلة ابن جبير تمثلت في انه كان يكره البحر ويخشاه، فقد حدثت أكثر التجارب إفزاعاً قبالة ساحل مسينا في صقلية عندما تحطمت السفينة التي كان يرتحل على متنها. وقد امتدت رحلة ابن جبير من الأندلس غرباً إلى الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، وشملت المرور بالعديد من المدن الإسلامية الكبرى بما فيها القاهرة وبغداد ودمشق.

لكنه أحب الإسكندرية بصفة خاصة، وكان فنارها وهو إحدى عجائب العالم القديم، لا يزال قائماً عندما زارها ابن جبير، وقد اعتبرها من أعاجيب الإسكندرية، وقال إنه صرح يتحدى الوصف، وإنه قديم للغاية ومرئي من مسافة تزيد على 70 ميلاً. غير أن رحلة ابن جبير حققت شهرتها عن جدارة من خلال وصف مكة والمدينة، وليس من قبيل المبالغة وصف ابن جبير بأنه مراقب دقيق.

وعلاوة على ذلك، فإن عمل ابن جبير بكامله حافل بالبهجة المستمدة من كل المشاهد والاحتفالات التي حضرها في المدينة المقدسة، والتي تجيء أيضاً من إدراكه أن "خطيئته" قد غفرها الله له.

أمضى ابن جبير 9 شهور في مكة المكرمة، وشأن الكثير من الحجاج قبله وبعده، حرص على زيارة المدينة المنورة، وبعد ذلك انطلق عائداً إلى موطنه حيث قطع الصحراء إلى الكوفة ومن الكوفة ارتحل إلى عكا مروراً ببغداد، الموصل، حلب ودمشق.

وصل ابن جبير أخيراً إلى غرناطة في 25 أبريل عام 1185، ومن الواضح أن هذه الرحلة الأولى قد منحته طعم الترحال، حيث قام بعد ذلك برحلتين نعرف بأمرهما، ولكننا للأسف ليست لدينا صورة دقيقة عنهما، امتدت إحداهما من عام 1189 - 1191، وتمت الأخرى في عام 1217. وقد قام برحلة أخيرة إلى الإسكندرية، حيث قضى نحبه هنا في التاسع والعشرين من نوفمبر عام 1217.

http://www.albayan.ae/opinions/articles/2014-08-03-1.2175525

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك