كلمة لا تحتاج لعنوان!

يوسف الكويليت

    متخذو القرار والساسة ومن لهم تماس مع المجتمع بشرائحه المختلفة هم خارج الخدمة، أي أنهم متقاعدون عن العمل الوطني الحقيقي، ولعل كشف الحساب المؤلم جاء مع فوضى الحريق العربي، وليس الربيع، وهنا ضاعت المسؤوليات وصار الخوف يتعالى على الشجاعة الأدبية غير المتهورة، لكن الانقسام العربي منذ داحس والغبراء أعادنا إلى النقطة الحرجة في الحفاظ على وجودنا في نزاع البقاء..

المؤامرة حقيقية ولكنها وجدت البيئة لتنمو لأن من يقومون بالأدوار للمخططين لم يأتوا من أفلاك أخرى، وقد تكررت صورة «أبي رغال» مع الشيوعيين الذين يأتمرون بطاعة عمياء للكرملين، أو بعثيي «ميشيل عفلق» أو القوميين والتحرريين الذين يتبادلون الأنخاب، ويدعون لضرب الإقطاع والرأسمالية، وإحياء «البروليتاريا» وهم ينعمون بهدايا ومنح القادة في الخارج أو الداخل العربي، تماماً مثل شيوخ التكفير، في الوقت الراهن، الذين يفتون بالجهاد في صوالينهم المغلقة ويسكنون القصور ويركبون السيارات الفارهة، ويتعطرون ب «دهن العود»، ويلبسون ساعات «بياجيه» وخواتمه، مفصلين من يدخل الجنة أو النار، ويشاهدون ضحايا الفتوى على الشاشات الكبيرة أو على أجهزة الكمبيوتر، وهم سكارى بضحكاتهم.

الجيوش العربية إما مقطعة بين الولاءات، أو نسيان عقيدة واجباتها فحل بديلاً عنها في العراق وسورية والسودان مرتزقة المليشيات التي إما تدين للرئيس المنتمي للطائفة، كما في بلاد الشام والعراق، أو القبيلة كما هي حال السودان، أما ليبيا فبقايا مليشيات القذافي تحولت إلى شظايا تملك السلاح وتؤدي الولاء كل يوم لتنظيم أو زعيم، والمواطن خارج حسابات من يديرون المعركة لأنه وقودها..

الحديث الآن عن بقايا أمة العرب، صار لدينا من يرثون حلم الوحدة والاتحاد ويقبلون حتى بالتضامن في إطار جامعتهم، وآخرون لا يستطيعون البحث عن بلد بديل، رغم تشتت سكان بعض البلدان المنكوبة، والبقية خارج الزمن صمتوا بانتظار قدرهم المحتوم، وكلنا يعترف علناً أن مشكلتنا أزلية مع الغرب والشرق لأننا أنشأنا حضارة ولابد من التأثر بالدين والجنس واللغة عندما كانوا تحت سيادتنا، وهذا مردود عليه بأن فارس كانت إمبراطورية، وروما ثم أخيراً بريطانيا فأمريكا، ولا نجد عند الشعوب التي احتلوها عقدة منهم أو لغتهم وتاريخهم، وبالتالي نحن نبرر عجزنا بخلق عدو مستتر لانراه الا في عيوننا وحدنا، وننسى أن المواطن الذي مسخ ثقافياً وسياسياً ودجّن أمنياً، وحوصر مادياً هو ترس المشكلة لأنه فضل الفوضى على الاستقرار في بلدان لم تعترف بحقه أن يكون مواطناً وإنساناً سوياً..

«سايكس - بيكو» تعاد بسيناريوهات بدأت تظهر للعلن، وقد وقّعت خططها ومراسيمها منذ السبعينيات وأتحدى أن أي وزارة خارجية، أو أجهزة أمنية قد قرأت ورصدت وترجمت كل ما كتب وسرب، أو أُعلن بشكل مفتوح، أو بادرت بإعداد خطط المواجهة والتي بدأت بما يقرب من نصف قرن..

الآن كلنا يعرف المخاطر وزحفها إلى كل بلد عربي، ولم تعد الوجوه المبتسمة من وفود الدول الخارجية الذين يديرون المعركة مهمومةً بمجاملاتنا حتى إنهم باتوا يتعدون السلطات الرسمية للحوار مع قادة الطوائف والجماعات الدينية أو القومية، وتستشار إسرائيل وإيران وتركيا على وضع الخرائط قبل أن يلتفتوا للسلطات الرسمية العربية، ولم يعد هناك قواعد أخلاقية في التعامل أو العلاقات المتعارف عليها، لأن المشهد العربي بات أسوأ من جمهوريات الموز حتى أصبح الطريق لمسخ أمة العرب واستئصالها أمراً حقيقياً لأنه الخيار الوحيد ممن أدركوا أننا لم نعد جزءاً من خير أمة أُخرجت للناس!

http://www.alriyadh.com/954583

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك