العقل المأسور..!!

يوسف الكويليت

    ماذا تحقق للعربي برحلة النضال الطويل منذ التحرر من السلطة العثمانية، فالاستعمار ثم نشوء الأحزاب بتياراتها المختلفة قومية وشيوعية ويمينية. ولماذا فشلت، هل الأسباب أن بناءنا الفكري مع تلك البدايات وما بعدها لم يكن بمستوى مفكري عصر النهضة في أوروبا الذين أسسوا لنظم واتجاهات فكرية انتهت بنظم ديموقراطية، وأن فقداننا قاعدة فلسفية تطلق العقل وتعتقل الخرافة وتنفيها من أدمغة المخدوعين بمعلمي الثورة، ثم سلاطين الأحزاب وهيمنة العسكر على مقدرات هذا الوطن، أثبتت أننا بلا قاعدة منهجية ومشروع فكر وعمل وتأصيل لاتجاهات تحررنا من معضلة السلفية التاريخية وحبوسها وبعدها الواحد، الذي لم يطلق حرية الإنسان ليفكر ولا ليكون تبعياً لانبهار بالفكر الغربي فقط، أو مقيد بماضيه؟!

أعرف أن هذه الأسئلة تداولتها مجاميع ومراكز معلومات بالمشرق والمغرب، لكن الأجوبة لم تأت متطابقة مع منحدرات الأسئلة، لأن كل مفكر أو مؤسس لعلم اجتماع حديث، أو قارئ للفلسفات السياسية، لم تنطلق قواعده من أزمة الإنسان العربي مع موروثه، أو حاضره من أجل تأصيل مشروع دولة حديثة تراعي الفروقات والظروف، لتبني مجتمعاً يتخلص من انتماءاته الصغيرة إلى بعده الوطني ثم القومي، وحتى القومي ظل منطقة عازلة مع مكونات وطنية لكنها ليست قومية عربية مثل الكرد والامازيغ والأقليات الأخرى من كلدان وآشوريين وغيرهم، لأنها راعت النقاء العربي وحده واعتبار اللغة المكون الأساسي لهذه الأمة، وهو ما صدم تلك الأقليات لتطالب بحقوق مشروعة بالتعليم بلغاتها الأصلية وتمتعها بحقوق المواطنة دون أن تفقد هويتها التاريخية.

العربي بتكوينه فردياً فقط، وجماعياً من خلال العصبة القبلية أو المذهب، ولا يتسع فكره للجماعة الشاملة، وهنا كان مدار الأسئلة لماذا تفشل الديموقراطية بهذا الكيان الكبير وتنجح بمجتمعات أكثر تعقيداً مثل الهند والبرازيل وأندونيسيا، وهل المشكل أن عصور تاريخ هذه الأمة لم تشهد نظاماً ديموقراطياً تعددياً وهي التي خالطت الحضارات القديمة وعرفت أساليب تدوينها للسجلات والمعاملات وإنشاء الدول دون أن تتأثر بها، حتى أن الحرب على الفلسفة ومحاربة المناطقة وحرية الرأي شكلت أزمة هذا الإنسان منذ أزمنة طويلة، وصار تقليداً راسخاً تبنى عليه الدولة الدينية، أو الوطنية ولكن بلا تشريعات ونظم متطورة بحيث تُرسم السياسات الاقتصادية والسياسية والقضائية بإجماع وطني من خلال برلمانات منتخبة انتخاباً حراً مجسدة مفهوم الدولة الحديثة؟

المرحلة العربية الراهنة تخرج من مأزق لتدخل آخر حتى أن إحداث تغييرات جوهرية في بنية الإنسان لم تحدث ليقع الفراغ الذي ملأته جماعات راديكالية بغطاء ديني كبديل لا ندري هل يطول زمنه ليحل بديلاً عن الدولة المركزية إلى دولة الطائفة وهو ما يعيد سيرة تاريخية لحكومات الطوائف في الأندلس.

http://www.alriyadh.com/953869

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك