المناصحة.. البراءة وإلحاح التجديد؟

د.عبد الله بن موسى الطاير

    شاهدتُ كغيري عبر مقطع مرئي نسوة لاتخطئ الأذن لهجتهن السعودية، وكن يبايعن الخليفة "الأهطل" البغدادي، ونسين هداهن الله أن هناك خليفة آخر في بلاد الشام نصّب نفسه في مقابل البغدادي، ولذلك فعليهن مراجعة حساباتهن هل سيبايعن خليفة العراق أم الشام، وقد يكون غير بعيد إعلان إمام في شمال اليمن، وخليفة في جنوبه، ولعلهن يسحبن بيعتهن حيث يحمل المستقبل عدة خيارات ربما أفضل من البغدادي!!

عندما نقول بأن الأم مدرسة، فإن ذلك ليس مجازا، وإنما هو حقيقة، وإذا كان لفكر تلك النسوة امتداد، ومريدات بنفس توجههن فإن البيئة التي يتربى فيها أبناؤنا وبناتنا غير آمنة. وإذا كانت شبيهاتهن يعملن في التعليم فعندها يجب أن نشعر بالخوف وليس القلق على فلذات أكبادنا وعلى مستقبل هذا الوطن.

من هذا المنعطف ندلف إلى موضوع المناصحة؛ فكون الإرهابيين الذين هاجموا غدرا رجال الأمن في شرورة وقت صلاة الجمعة من خريجي برنامج المناصحة، فإنه عدوان لايجب أن نعتبره حكما بفشل ذلك فالبرنامج غدا علامة سعودية مسجلة تستفيد منه عدة دول وجدت نفسها في مأزق داخلي لم يكن الحسم الأمني وحده كافيا لإعادة الطمأنينة والثقة إلى تلك المجتمعات.

عزل برنامج المناصحة عن بيئته ومن ثم مصادرة ما تحقق فيه من تقويم لسلوكيات عدد كبير من الملتحقين به فيه إجحاف كبير بما يبذل من جهود، وليس من شك أن صدمتنا كبيرة في أبنائنا الذين أخذهم العقوق بعيدا ليتنكروا لبلدهم ويستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، وبدلا من العيش في نعيم الوطن اختاروا بمحض إرادتهم الارتماء في جحيم العدو يتصرف فيهم كيفما شاء، ويستلب منهم حقهم في الحياة بوعود وصكوك غفران لجنة يدخلونها باستحلال الدماء التي حرم الله سفكها إلا بالحق، وجعل القتلة مخلدين في نار جهنم، فأية جنة ينشدون إذا كان الله سبحانه وتعالى قد توعدهم بنار الحريق؟

حتى تنجح المناصحة يجب أن نوفر لها بيئة مناسبة وأن يكون المجتمع داعما لها، كما هو التعليم والإعلام، أما أن يناصح شخص وهو يتغذى في بيته ومجتمعه على الكراهية وعلى الأوهام، فإنه بدون شك سيمارس التقية وسوف يظهر صلاحا وعودة إلى دينه ووطنه حتى تتاح له أول فرصة للنكوص والغدر، وتلك سمات المنافقين، فالمؤمن لايكذب. الناصحون لايطلعون وليس مطلوبا منهم الاطلاع على النوايا، وإنما يحسنون الظن بمن أظهر إقبالا على الله وصحح مسار حياته واختار وطنا يحكم بشرع الله ويخدم الحرمين الشريفين، ويتشرف بأنه ينتمي لوطن هو قبلة المسلمين. أولئك الذين يظهرون بوادر أمل في عودتهم إلى الله وإلى مجتمعهم يفرح بهم الناصحون، ويفتحون لهم أبواب الحياة الكريمة في مجتمع متسامح، فإن اختاروا غير ذلك وبدلوا ما أعلنوه فذلك دليل خسة لايعاقب به الناصحون.

ولأن الاحتياط واجب، والمراجعة لأي برنامج مناصحة تتطلب التجديد في الدماء والمحتوى والأدوات فإن القائمين على برنامج المناصحة مطالبون بأن يخضعوه بين الفينة والأخرى للتقويم. وليس من شك أن العلوم الحديثة تقدم الكثير من الاختبارات النفسية التي يمكن أن تسند المحتوى الشرعي الذي يقدم للمناصحين، وسيجد القائمون على البرنامج أن توظيف منهج متكامل يهتم بالمعرفة والسلوك والنفس والسمات الشخصية سيكون أكثر فائدة من برنامج يركز على المعرفة وحدها.

ما نشهده اليوم شبيه بأجواء الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي، وسبر أدبيات تلك المرحلة ربما يشي لنا بعدد من الأفكار الجديدة، ويقيني أن أمام الباحثين الجادين مخزونا من التجربة -الغربية تحديدا- يساعد على تبني أساليب أكثر فعالية في تغيير المواقف. فالنظرية الوظيفية مثلا استخدمت في الغرب وبخاصة أمريكا لتغيير مواقف المتعاطفين مع الفكر الشيوعي، على اعتبار أن تغيير موقف ما، يتطلب فهم الحاجات النفسية الأساسية التي تخدم ذلك الموقف ومن ثم تقديم البديل الذي يحقق الرضا النفسي للمستهدف بالإصلاح. وبناء على ذلك تُطور العديد من البرامج والنشاطات والوظائف التي تستجيب لتلك المتطلبات النفسية وتنعكس على التربية والتعليم والتوظيف والترفيه وغيرها ما يمس حياة الإنسان اليومية.

التغيير الحقيقي يتطلب جهدا تكامليا وليس مجرد عدد من المواعظ والدروس العقدية والفقهية أو حوارات إقامة الحجة. لابد أن نعرف لماذا اعتنقوا ذلك الفكر، وماذا يرغبون تحقيقه منه، وما هي محفزات تفشيه بين الشباب وأنصاف المتعلمين تحديداً، ومن هم الذين يروجون له ولماذا؟

http://www.alriyadh.com/952705

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك