ما بين صفحتي كتاب

ندى الطاسان

    أثناء دراستي الجامعية ولتمضية الوقت حتى ينتهي حظر الخروج في الساعة الثانية عشرة كنت وبعض الزميلات نشغل أنفسنا بقراءة روايات مختلفة، كنا نحرص على تبادلها والحصول عليها في وقت لم نحظَ فيه برفاهية الكتب الإلكترونية. إحدى الزميلات ذات الصوت العالي والأسلوب الغريب في فرض آرائها التفتت نحونا يوماً وهي تقول:(لماذا تضيعون وقتكم في قراءة هذه التفاهات؟ الروايات لا علاقة لها بالثقافة هي مجرد مضيعة للوقت وهي ليست بكتب جادة). من طبعي أني لا أعير اهتماماً للتعليقات التي تخترق مساحتي الشخصية، لكنني شعرت بالأسف لهذه السيدة التي تقضي معظم وقتها تلاحق أزياء الممثلات في الأوسكار وفي الجولدن جلوب على صفحات المجلات وتسفه إنتاجاً أدبياً عالمياً ترك أثراً كبيراً في مجال الأدب. لن أسرد لكم تفاصيل النقاش معها وهي تحقر إنتاجاً أدبياً ترجم لأكثر من أربعين لغة، ولا أعتقد أنكم ستهتمون بتفاصيل هذا النقاش. لكن لنتحدث عن الراوية وتأثيرها عليك كمتلقي.

اللغة وجدت كي تصبح جسراً تتواصل به مع الآخرين، ولعل الألفاظ وطريقة توظيفها وسلاستها هي ما يجذبك لإكمال الكتاب والانتقال من صفحة لأخرى. كانت الروايات التي تقرؤها إحدى زميلاتي منذ صغرها بإحدى اللغات الأجنبية سبباً لإثراء مخزونها اللفظي في هذه اللغة خارج إطار الفصل الدراسي وكتب اللغة الاجنبية. الرواية هنا بأسلوبها الوصفي وحوارات شخصياتها أعادت تكوين اللغة داخلها، حيث توسعت دائرة قراءتها الاستمتاعية او الإبداعية لتشمل تعليما ذاتيا او لنقل تعليما إضافيا. في نطاق العملية التعليمية تصبح صفوف القراءة الخارجية مهمة جداً في توسيع مدارك الطالب فهي تفتح مجالاً للنقاش ومجالاً لتنمية الخيال كما أنها تساعد على تطوير اللغة، تعرُّف الطالب ضمن الإطار الرسمي للعملية التعليمية على الأدب العالمي والمحلي بكل صوره يربطه بالكتاب ويجعله يشعر بأهميته في صياغه فكره وذهنه وايضا يخرجه من إحساسه التقليدي بالمدرسة، فمثلا يتعلم الصغير صياغة الجمل من خلال القراءة التعريفية البسيط، يمكن أيضاً استثمار الرواية للتعرف على القواعد اللغوية وايضا تعليم الطالب أساسيات البحث في مجال الادب والتعرف على الكاتب والفترة التاريخية التي عاش فيها وتأثيرها الأدبي. أثناء حوار سريع لي مع سائق تاكسي كان يحدثني عن تأثير رواية قرأها في المرحلة الإعدادية وكيف تعلم منها معلومات تاريخية كثيرة لم تستطع صفوف التاريخ ان ترسخها في ذهنه. شخصياً أجد انجذاباً للكتب او القراءة العلمية خارج اطار القراءة التي يفرضها العمل خاصة حين تكون في مجال تخصصي الدقيق فمثلا رواية (هنيرتا لاكس، حياتها الخالدة) تتحدث عن امرأة ساهمت في إثراء البحث العلمي، حيث استخدمت خلاياها دون ان تدري في البحث العملي، الكتاب يتحدث عن هذه السيدة وحكايتها بصورة مختلفة. خلاياها لا يخلو اي معمل منها، لكن الكتاب هنا يذكرنا بها كإنسانة ويناقش مبادئ مهمة. حين تمسك بكتاب وتقرؤه، فأنت تحفز خيالك وتفكيرك وخلايا عقلك هذا ما تبحث عنه بين صفحات كتاب.

http://www.alriyadh.com/951859

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك