التفكير خارج الببغاوية

شريفة الشملان

    في رواية الغيمة الرصاصية، للشاعر علي الدميني تأتي عبارة صغيرة ضمن سياق الحديث عن الحرب الخليجية الثانية، ودخول المنطقة لأتون حروب تزداد يوما بعد يوم. لست متأكدة من نص العبارة بالضبط ولكن ما معناه (أصبح كل واحد يحمل مذياعا) بمعنى يردد ما يقوله الإعلام .

ما يردده الإعلام، ذلك يعتمد على أي إعلام يتابع المرء. وهل نترك عقولنا لنعيرها لمن يعبث بها!!، ترى كم واحدا فينا يحمل في رأسه صدى المذياع، ومن ثم يعيد تكراره، حتى يظن أنه هو القائل ؟

لأكن أكثر دقة كم نسبة من تدور تلك المذياعية في عقله ثم يعيد انتاجها بأسلوب آخر؟ ربما الأغلبية، تتعالى الأصوات، وتتنافس بالصراخ، حتى كل واحد يكون ببغاء بطريقة ما..

إذا فكرنا بعيدا عن الببغاوية، ترى كم واحدا يحلل وكم واحدا يعرف أو يحاول الاستنباط لما خلف ذلك الحقن الجماعي، هذا الذي يفكر خارج الصندوق الذي تنثره محطات الإذاعات أيا كانت . هذا الذي يحاول أن يفصل السم والغث من السمين عبر غربال قوي وهذا الغربال لابد له من تجديد .

سنجد النسبة قليلة جدا، ممن يبحثون خارج الصندوق المغلق الذي تدور به العبارات. ورغم قلتها فإن حراكا خاصا يكون ضدها، لأنها ممكن أن تعاكس التيار العام والضخ الإعلامي.. خاصة أنها تعاكس فكرة (لاترون إلا ما أرى ولا تسمعون إلا ما أريد). من هنا تكون حرية التفكير شبه محرمة ما عدا الصوت الببغاوي

الصوت الببغاوي يعاكسه بشدة التفكير الحر، ولهذا يعتبر شاذا عن القطيع من يفكر خارج الببغاوية. هذا التفكير إن لم ينر لنا طرقا ويفتح عناوين نستدل بها على طرق العيش النقي، فهو على الأقل يحرك أفكارنا ويلُقحها نحو تفكير مستقل، وواضح المعالم بدلا من الترديد الذي يحكرنا في قالب واحد لا نستطيع منه فكاكا، حيث الصوت الواحد..

لقد ظهر بيننا مفكرون كثر قديما، حورب بعضهم عبر التاريخ كثيرا والبعض الآخر سلم ووصل إنتاجه لنا، وفي أحايين كثيرة لا تسلم هذه الكتب رغم ما تحمله من تراث من الحرق والمنع وما إليه.

إذا كان قديما برزت نجوم في عالمنا فما زالت تتوقد في دنيانا نجوم تتوالد، حيث يكسرون حواجز الصناديق، يطلقون أفكارهم لتخرج للناس كمصابيح منيرة لا يُهتدى بها فقط، لكن تشجع على الانطلاق منها لما هو أوسع بمختلف العلوم البحتة منها أو بالثقافة والدين أو الاقتصاد والسياسة، مع تلاقح الأفكار التي يمكن تزاوجها لتكوّن لنا نتاجا علميا وعقليا بعيدا عن التلقين المطلق إلى التفكير المطلق وخارج المقرر الإعلامي والضخ التعليمي، الذي قد يجعلنا قبل النتائج السيئة نبتعد عن أسبابها ومسبباتها..

وكل ذلك لا يتم إلا بدحر الببغاوية في عقولنا، والبحث العلمي الدقيق والتفكير السليم، ومن ذلك نمنع الأسباب كي لا تكون النتائج مؤلمة لنا.

إذا كنا نحصن أنفسنا كل ليلة، فعلينا تحصين عقولنا من لهب يحرقها.

http://www.alriyadh.com/950499

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك