هل يغلب وحش العولمة فرسان التاريخ؟
إن الشاب حليق الرأس (Skinhead) الذي يمارس سلوكه العدواني اليومي (المبرّر من جهته) نحو الأجانب يرى أن الحقّ كل الحقّ معه للاعتداء على أيّ محجّبة مسلمة إنْ صدف ورآها تسير إلى جامعتها أو عملها في شوارع نيويورك أو لندن أو برلين. وكذلك لا تختلف الحال مع فارق الظرف والمكان مع ذلك الشاب الذي يقطع رؤوس (المخالفين) من الفصائل الأخرى في سوريّة ومن حوله رفاقه يكبّرون وهم يصورون فعلته لبثّها على شاشات اليوتيوب. موقفان مختلفان ولكنهما يلخصان تاريخا يغصّ بالتأييد ويمتد إلى حاضر مكتظ بعشرات الكتب والنصوص والأفلام المحمّلة بكل أدوات الصراع والخصومة مع مسلّمات كونيّة تجادل بالتلبيس والتدليس ما أقره "الحكيم" "الرحيم".
وللعودة إلى الجذور فيمكنك أن تبدأ بمطالعة مشاهد التحضير للحروب الصليبيّة قديما وعرّج بعدها على منصّات محاكم التفتيش في الأندلس ثم اقفز إلى مقدمات ونتائج الحرب الغربيّة الأولى (يسمونها الحرب العالميّة الأولى!) التي أنهت الإمبراطوريات الكبرى وأحيت في أرواح الشعوب مفهوم الدولة الوطنيّة والكيانات القوميّة ثم زيّفتها قوى السوء برسم حدود سياسيّة عالميّة اصطناعيّة وقّع عليها زعماء الحرب وتجار المصائب دون إدراك لعواقب التاريخ وحتميّة انتفاضة الجغرافيا والثقافة.
لم تكن تلك الحدود الجغرافيّة والتقسيمات البشريّة ظالمة فحسب بل بقيت عبر العقود مواطن فتنة واقتتال وطموحات. وحيث ربما نجحت الحرب الباردة في تأجيل الحروب الصغيرة إلا أن وحش العولمة الذي أطلقه (الكبار)أيقظ مارد الحس التاريخي والايدلوجي عند (الصغار) وهو يكتسح الحدود المعنويّة ثم وهو يتجاوز نقاط التفتيش على الحدود الماديّة.
ولعل أبرز عيب ارتكبه "دهاقين" العولمة أنهم لم يتركوا حتى ولو ركنا صغيرا لهواة الخصوصيات لينشغلوا بها فكان ما كان من عنف وتطرف برسم واسم الثقافة العالميّة وأدوات القوة الناعمة. نعم لقد انتقلت القوة من الإمبراطوريات إلى الجمهوريات قديما وها هي القوة في عصرنا ألعوبة بأيدي الجماعات والفرق في الشرق والغرب مدعومة بسخط الجماهير التي لا يربطها بالتاريخ سوى الإحساس بالضيم والإذلال أما المستقبل فصورته عند هؤلاء تتلخّص فيما يمكن أن تصنع الدماء بالدماء.
من جهتها أدركت الشعوب الصفراء على وهج نار الذرّة في "هيروشيما وناغازاكي" أن للقوة معادلات أخرى فأخلصوا للمعامل والمصانع فقلبوا معادلة (الموت) الغربيّة إلى نظريّة الإنتاج فقدموا (الحياة) للعالم على شكل منتجات تميزت بالرشاقة كرشاقة صانعيها.
ولأن الشعوب العربيّة لم تمتلك مهارة الإنتاج ولم تصنع آلات القوة الماديّة وأهملت المعرفة على حساب المعلومات فقد نشأت الأجيال الجديدة وهي "تشحن" قوتها المعنويّة من مصادر ثانويّة ومراجع يحرّكها التاريخ وحده ويغيظها العجز عن صناعة المستقبل فاندفع الشباب العربي في ضوضائها بلا وعي نحو كل صوت وبايعوا كل مجهول وسلّوا السيوف بلا راية ولا رويّة.
وفي المقابل كانت هجمات الغرب للحرب على الإرهاب مغموسة في عقد الأيدلوجيات ففاز (التطرف) (يمينا) في البرلمانات وفي قيادة الجيوش الغربيّة.
وأخيرا ها هو المستعمر القديم يطلّ علينا بوجهه المعاصر من نافذة قمره الاصطناعي ليأخذ دور المخرج الخبير بدخائل القوميات وخصائص المذهبيات التي يعرفها حق المعرفة لأنه أخلص لمهنته الجديدة المتمثلة في استخلاص المعرفة من مخازن "قوقل" وتويتر" التي أنشأها.
* مسارات..
قال ومضى: أقصى حدود العلم أن تعرف مقدار جهلك.