العولمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدّه الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أنّ لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله.

المقدمة:
لقد كثر الحديث عن العولمة في السنوات العشر الأخيرة من القرن العشرين بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، فتناولتها بالحديث الأوساط الجامعية والإعلامية والتيارات الفكرية والسياسية المختلفة، وأصبحت حديث الاجتماعيين والفلاسفة الأوربيين وعلماء البيئة والطبيعة وكثرت أعداد الندوات والمؤتمرات والمحاضرات التي تحمل عناوينها "العولمة " أو النظام العالمي الجديد أو المتغيرات الدولية الجديدة أو الكونية.
وأوّل من تبنى فكرة مفهوم العولمة بعد عالم السسيولوجيا الكندي "مارشال ماك" من جامعة تورنتو- "زبيغنيو بريجينسكي" مستشار الرئيس الأمريكي كارتر (1977- 1980م) الذي أكدّ على ضرورة أنّ تقدّم أمريكا- التي تمتلك 65% من المادة الإعلامية على مستوى العالم- نموذجا كونيا للحداثة، يحمل القيم الأمريكية التي يذيعونها دوما في الحرية وحقوق الإنسان.( )
ولقد صدرت كثير من المؤلفات باللغات الأوربية والعربية التي تتناول هذه الظاهرة، لدرجة أن المرء يكاد يحار في كيفية دراسة هذه الظاهرة والإلمام بموضوعها، خاصة أن كل كاتب أو متحدث يتناولها بالدراسة والتحليل من جانب معين مثل الجانب الاقتصادي أو الثقافي أو السياسي أو الإعلامي.
ومعظم الأفكار والأطروحات الغربية التي تتناول دراسة ظاهرة العولمة تقوم على ما طرحه الكاتب الأمريكي الياباني الأصل "فرانسيس فوكاياما" في كتابه (نهاية التاريخ والإنسان الأخير)،( ) والتي يزعم فيه أننا وصلنا إلى نقطة حاسمة في التاريخ البشري تتحدد بانتصار النظام الرأسمالي الليبرالي والديمقراطية الغربية على سائر النظم المنافسة لهما وأنّ العالم قد أدرك بعد فترة حماقة طويلة أن الرأسمالية هي أفضل أنواع النظم الاقتصادية، وأن الليبرالية الغربية هي أسلوب الحياة الوحيد الصالح للبشرية، وأن الولايات المتحدة الأمريكية وامتدادها الاقتصادي القيمي (النظام الرأسمالي المادي) أوربا يمثلان الدورة النهائية للتاريخ وأنّ الإنسان الغربي هو الإنسان الكامل الأخير.( )
ومن هنا وجدت الفلسفة الإعلامية الغربية في أفكار وأطروحات (فوكوياما) مادة تسوِّغ بها سياسات الغرب الرعناء تجاه العالم المعاصر( ).
والعولمة ترتبط في أذهان الكثير من الناس بالتقدم والرقي والانفتاح الاقتصادي، ومع أن مفهوم العولمة لا يقتصر على الجانب الاقتصادي بل يشمل الجوانب الاجتماعية والبيئية، والثقافية،والسياسية،إلاّ أنّ الجانب الاقتصادي هو أبرز مظاهر العولمة.
تعريف العولمة:-
المهتمون بقضية العولمة متفقون تقريباً على أنّ الكلمة جديدة ولكنّ ما تصفه ليس بجديد، بل يرى بعضهم أنّ السير نحوها بدأ منذ مئات السنين.
ولقد أصبح مصطلح العولمة متداولاً منذ بداية التسعينات،وأصبح علماً على الفترة الجديدة التي بدأت بتدمير جدار برلين عام 1989م وسقوط الاتحاد السوفييتي وتفككه، وانتهت بتغلّب النظام الرأسمالي الغربي على النظام الشيوعي، وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم المعاصر.
العولمة لغة:-
العولمة ثلاثي مزيد، يقال: عولمة على وزن قولبة،وكلمة "العولمة " نسبة إلى العَالم -بفتح العين- أي الكون، وليس إلى العِلم -بكسر العين- والعالم جمع لا مفرد له كالجيش والنفر، وهو مشتق من العلامة على ما قيل، وقيل: مشتق من العِلم، وذلك على تفصيل مذكور في كتب اللغة. فالعولمة كالرباعي في الشكل فهو يشبه (دحرجة) المصدر، لكن (دحرجة) رباعي منقول، أمّا (عولمة) فرباعي مخترع إن صح التعبير وهذه الكلمة بهذه الصيغة الصرفية لم ترد في كلام العرب،والحاجة المعاصرة قد تفرض استعمالها، وهي تدل على تحويل الشيء إلى وضعية أخرى ومعناها: وضع الشيء على مستوى العالم وأصبحت الكلمة دارجة على ألسنة الكتاب والمفكرين في أنحاء الوطن العربي.( ) ويرى الدكتور أحمد صدقي الدجاني أن العولمة مشتقة من الفعل عولم على صيغة فوعل واستخدام هذا الاشتقاق يفيد أن الفعل يحتاج لوجود فاعل يفعل، أي أنّ العولمة تحتاج لمن يعممها على العالم.( )
وننّبه إلى أن ّمجمع اللغة العربية بالقاهرة قرّر إجازة استعمال العولمة بمعنى جعل الشيء عالمياً.( ) والعولمة ترجمة لكلمةMondialisation الفرنسية، بمعنى جعل الشيء على مستوى عالمي، والكلمة الفرنسية المذكورة إنّما هي ترجمة“Globalisation” الإنجليزية التي ظهرت أولاً في الولايات المتحدة الأمريكية، بمعنى تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل الكل. فهي إذا مصطلح يعني جعل العالم عالمًا واحدًا، موجهًا توجيهًا واحدًا في إطار حضارة واحدة، ولذلك قد تسمى الكونية أو الكوكبة.( ) ومن خلال المعنى اللغوي يمكننا أن نقول بأنّ العولمة إذا صدرت من بلد أو جماعة فإنها تعني: تعميم نمط من الأنماط التي تخص ذلك البلد أو تلك الجماعة، وجعله يشمل الجميع أي العالم كله( ). جاء في المعجم العالم الجديد ويبستر” WEBSTER “ أنّ العولمة “Globalisation” هي: إكسابُ الشيء طابعَ العالمية،وبخاصة جعل نطاق الشيء، أو تطبيقه،عالمياً.( )
العولمة إذاً من حيث اللغة كلمة غريبة على اللغة العربية ويقصد منها عند الاستعمال- اليوم- تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل العالم كله.
ومن الجدير بالذكر أن تعبير "العولمة" في التداول السياسي قد طرح من قبل كتاب أمريكان في السبعينات وبالتحديد من كتاب "ماك لولهان وكينتين فيور:"حول "الحرب والسلام في القرية الكونية"، وكتاب "بريجسكي: "بين عصرين- دور أمريكا في العصر الإلكتروني"( )
اصطلاحاً: إن كلمة العولمة جديدة، وهي مصطلح حديث لم يدخل بعد في القواميس السياسية والاقتصادية. وفي الواقع يعبر مصطلح العولمة عن تطورين هامين هما:1- التحديث (Modernity) ، 2- الاعتماد المتبادل(Inter-dependence)، ويرتكز مفهوم العولمة على التقدم الهائل في التكنولوجيا والمعلوماتية، بالإضافة إلى الروابط المتزايدة على كافة الأصعدة على الساحة الدولية المعاصرة.
لقد ظهرت العولمة أولاً كمصطلح في مجال التجارة والمال والاقتصاد، ثم أخذ يجري الحديث عنها بوصفها نظاماً أو نسقاُ أو حالة ذات أبعاد متعددة، تتجاوز دائرة الاقتصـاد، فتشـمل إلى جانب ذلك المبادلات والاتصال والسياسة والفكر والتربية والاجتماع والأيديولوجيا.( )
وقد أطلق على العولمة بعض الكتاب والمفكرين "النظام العالمي الجديد"- New World Order- وهذا المصطلح استخدمه الرئيس الأمريكي جورج بوش-الأب- في خطاب وجهه للأمة الأمريكية بمناسبة إرساله القوات الأمريكية إلى الخليج (بعد أسبوع واحد من نشوب الأزمة في أغسطس 1990م) وفي معرض حديثه عن هذا القرار, تحدّث عن فكرة :عصر جديد، وحقبة للحرية، وزمن للسلام لكل الشعوب. وبعد ذلك بأقل من شهر أشار إلى إقامة (نظام عالمي جديد) يكون متحرراً من الإرهاب, واكثر أمنا في طلب السلام, عصر تستطيع فيه كل أمم العالم أن تنعم بالرخاء وتعيش في تناغم.( )
وربّما يوحي هذا الإطلاق- النظام العالمي الجديد- بأن اللفظة ذات مضامين سياسية بحتة، ولكن في الحقيقة تشمل مضامين سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية وتربوية،( ) بمعنى آخر تشمل مضامين تتعلق بكل جوانب الحياة الإنسانية. ولقد فرضت العولمة نفسها على الحياة المعاصرة، على العديد من المستويات، سياسياً واقتصادياً، فكرياً وعلمياً، ثقافياً وإعلامياً، تربوياً وتعليمياً.( ) يقول الرئيس الأمريكي السابق كلينتون: "ليست العولمة مجرد قضية اقتصادية بل يجب النظر إلى أهمية مسائل البيئة والتربية والصحة".( )
والنظام العالمي الجديد هو في حقيقة أمره وطبيعة أهدافه، نظامٌ صاغته قُوى الهيمنة والسيطرة لإحداث نمط سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وإعلامي واحد وفرضه على المجتمعات الإنسانية كافة، وإلزام الحكومات بالتقيّد به وتطبيقه.( )
ولقد كثرت التعاريف التي توضح معنى العولمة، نذكر هنا بعضاً منها، ثم اذكر التعريف الذي أرى أنّه يعبر عن المعنى الحقيقي لظاهرة العولمة.
ومن هذه التعريفات:-
* يقول جيمس روزانو أحد علماء السياسة الأمريكيين عن العولـمة: "إنّها العلاقة بين مستويات متعددة لتحليل الاقتصاد والسياسة والثقافة والأيديولوجيا، وتشمل: إعادة الإنتاج، وتداخل الصناعات عبر الحدود وانتشار أسواق التمويل، وتماثل السلع المستهلكة لمختلف الدول نتيجة الصراع بين المجموعات المهاجرة والمجموعات المقيمة".( )
* الكاتب الأمريكي الشهير ـ وليم جريدرـ في كتابه الصادر عام 1977م بعنوان( عالم واحد..مستعدون أم لا), وصف العولمة "بأنها آلة عجيبة نتجت عن الثورة الصناعية والتجارية العالمية, وأنّها قادرة علي الحصاد وعلي التدمير, وأنّها تنطلق متجاهلة الحدود الدولية المعروفة, وبقدر ما هي منعشة، فهي مخيفة. فلا يوجد من يمسك بدفة قيادتها، ومن ثمّ لا يمكن التحكم في سرعتها ولا في اتجاهاتها ".
* " نظام عالمي جديد يقوم على العقل الإلكتروني، والثورة المعلوماتية القائمة على المعلومات والإبداع التقني غير المحدود، دون اعتبار للأنظمة والحضارات والثقافات والقيم، والحدود الجغرافية والسياسية القائمة في العالم" ( ).
* "إنها حرية حركة السلع والخدمات والأيدي العاملة ورأس المال والمعلومات عبر الحدود الوطنية والإقليمية"( ).
*ويعرفها الدكتور مصطفى محمود فيقول: " العولـمة مصطلح بدأ لينتهي بتفريغ الوطن من وطنيته وقوميته وانتمائه الديني والاجتماعي والسياسي، بحيث لا يبقى منه إلاّ خادم للقوى الكبرى".( )
* العولمة هي: " العملية التي يتم بمقتضاها إلغاء الحواجز بين الدول والشعوب، والتي تنتقل فيها المجتمعات من حالة الفرقة والتجزئة إلى حالة الاقتراب والتوحد، ومن حالة الصراع إلى حالة التوافق، ومن حالة التباين والتمايز إلى حالة التجانس والتماثل، وهنا يتشكل وعي عالمي وقيم موحدة تقوم على مواثيق إنسانية عامة"( ).
والمواثيق الإنسانية الواردة في هذا التعريف هي المواثيق التي يصنعها الغرب الكافر وأساسها نظرة علمانية مادية للوجود لتحقيق مصالحه الخاصة، ثم تصدر للعالم على أنها مواثيق إنسانية لصالح البشرية، ولا بأس أن تصدر بها القرارات الدولية من هيئة الأمم المتحدة باعتبارها مؤسسة حامية للحقوق الإنسانية.
* "هي تعاظم شيوع نمط الحياة الاستهلاكي الغربي، وتعاظم آليات فرضه سياسياً واقتصادياً وإعلامياً وعسكرياً، بعد التداعيات العالمية التي نجمت عن انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط المعسكر الشرقي" أو هي "محاولة لفرض الفلسفة البراجماتية النفعية المادية العلمانية، وما يتصل بها من قيم وقوانين ومبادئ وتصورات على سكان العالم أجمع". ( )
هي" العمل على تعميم نمط حضاري يخص بلداً بعينه هو الولايات المتحدة الأمريكية بالذات على بلدان العالم أجمع" وهي أيضاً أيديولوجياً تعبر بصورة مباشرة عن إرادة الهيمنة على العالم وأمركته".( ) أي محاولة الولايات المتحدة إعادة تشكيل العالم وفق مصالحها الاقتصادية والسياسية، ويتركز أساسا على عمليتي تحليل وتركيب للكيانات السياسية العالمية، وإعادة صياغتها سياسيا واقتصاديا وثقافيا وبشريا، وبالطريقة التي تستجيب للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية.
* العولمة : منظومةً من المبادئ السياسية والاقتصادية، ومن المفاهيم الاجتماعية والثقافية، ومن الأنظمة الإعلامية والمعلوماتية، ومن أنماط السلوك ومناهج الحياة، يُراد بها إكراه العالم كلِّه على الاندماج فيها، وتبنّيها، والعمل بها، والعيش في إطارها.( )
وبعد دراسة متأنية لظاهرة العولمة وأهدافها ووسائلها وتأثيراتها في واقع المجتمعات والشعوب يمكن أن تعرف العولمة بما يلي:-
" العولمة هي الحالة التي تتم فيها عملية تغيير الأنماط والنظم الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ومجموعة القيم والعادات السائدة وإزالة الفوارق الدينية والقومية والوطنية في إطار تدويل النظام الرأسمالي الحديث وفق الرؤية الأمريكية المهيمنة، والتي تزعم أنها سيدة الكون وحامية النظام العالمي الجديد ".
والشيء الذي لابد من الوقوف عنده كثيراً هو أنّ العولمة كظاهرة اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية ترتبط أساسا بالمفهوم الاقتصادي الرأسمالي- وفق الرؤية الأمريكية- في مراحله المتطورة،إن لم يكن في أعلى حالات تطوره، أو لنقل سيطرته على الاقتصاد العالمي وبالتالي السيطرة على كافة أشكال ومظاهر التطور الإنساني.
نشأتها : -
اختلف الباحثون في التأريخ لنشأة العولمة على قولين:-
الأول: يرى هؤلاء الباحثون أن ظاهرة العولمة قديمة، عمرها خمسة قرون، أي ترجع إلى القرن الخامس عشر- زمن النهضة الأوربية الحديثة-. حيث التقدم العلمي في مجال الاتصال والتجارة، ويدل على ذلك: أن العناصر الأساسية في فكرة العولمة وهي: ازدياد العلاقات المتبادلة بين الأمم، سواء المتمثلة في تبادل السلع والخدمات، أو في انتقال رؤوس الأموال، أو في انتشار المعلومات والأفكار،أو في تأثر أمة بقيم وعادات غيرها من الأمم يعرفها العالم من ذلك التاريخ .
ولكن يقال: ثمّة أمور مهمة جديدة طرأت على ظاهرة العولمة في السنوات الثلاثين الأخيرة منها:
- اكتساح تيار العولمة مناطق مهمة في العالم كانت معزولة، ومن هذه المناطق الدول الأوربية الشرقية والصين.
- الزيادة الكبيرة في تنوع السلع والخدمات التي يجري تبادلها بين الأمم والشعوب، وتنوع مجالات الاستثمار التي تتجه إليها رؤوس الأموال.
- سيطرة تبادل المعلومات والأفكار على العلاقات الدولية.
- ارتفاع نسبة السكان -في دخل كل دولة- التي تتفاعل مع العالم الخارجي.
- النشاط المتزايد والفعال للشركات المتعددة الجنسيات في مجال تبادل السلع وانتقال رأس المال والمعلومات والأفكار، واتخاذها العالم كله مسرحاً لعملياتها في الإنتاج والتسويق،وما تبع ذلك من هدم الحواجز الجمركية وإلغاء نظام التخطيط وإعادة توزيع الدخل، والنظر في دعم السـلع والخدمات الضرورية للسكان، وتخفيض الإنفاق على الجيوش والجانب العسكري.( )
الثاني: يرى فريق آخر أنً العولمة ظاهرة جديدة، فما هي إلا امتداد للنظام الرأسمالي الغربي بل هي المرحلة الأخيرة من تطور النظام الرأسمالي العلماني المادي النفعي، وقد برزت في المنتصف الثاني من القرن العشرين نتيجة أحداث سياسية واقتصادية معينة منها: انتهاء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية عام 1961م ثم سقوط الاتحاد السوفيتي سياسياً واقتصادياً عام 1991م، وما أعقبه من انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالتربع على عرش الصدارة في العالم المعاصر وانفرادها بقيادته السياسية والاقتصادية والعسكرية ومنها: بروز القوة الاقتصادية الفاعلة من قبل المجموعات المالية والصناعية الحرة عبرة شركات ومؤسسات اقتصادية متعددة الجنسيات مدعومة بصورة قوية وملحوظة من دولها.( )
يرى توماس فيردمان الصحافي اليهودي الأمريكي الذي يكتب في (نيويورك تايمز) : "إن العولمة الحالية هي مجرد جولة جديدة بعد الجولة الأولى التي بدأت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بحكم التوسع الهائل في الرحلات البحرية باستخدام طاقة البخار والتي أدت إلى اتساع حجم التجارة الدولية بشكل لم يسبق له مثيل"( ). ويرجع صاحبا كتاب فخ العولـمة البداية الحقيقية للعولمة إلى عام 1995م، حيث وجّه الرئيس السوفيتي السابق غوربا تشوف الدعوة إلى خمسمائة من قادة العالم في مجال السياسة والمال والاقتصاد في فندق فيرمونت المشهور في سان فرانسيسكو لكي يبنوا معالم الطريق إلى القرن الحادي والعشرين. وقد اشترك في هذا المؤتمر المغلق أقطاب العولـمة في عالم الحاسوب والمال وكذلك كهنة الاقتصاد الكبار، وأساتذة الاقتصاد في جامعات ستانفورد، وهارفرد وأكسفورد. واشترك فيها من السياسيين، الرئيس الأميركي جورج بوش الأب، ووزير خارجيته شولتز، ورئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر، ورئيس وزراء مقاطعة سكسونيا وغيرهم.( )
"إنّ معظم الكتاب يجمعون على أن هناك أربعة عناصر أساسية يعتقدون أنها أدت إلى بروز تيار العولمة، وهي:-
1) تحرير التجارة الدولية:ويقصدون به تكامل الاقتصاديات المتقدمة والنامية في سوق عالمية واحدة، مفتوحة لكافة القوى الاقتصادية في العالم وخاضعة لمبدأ التنافس الحر.
2) تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة: حدثت تطورات هامة خلال السنوات الأخيرة تمثلت في ظهور أدوات ومنتجات مالية مستحدثة ومتعددة ، إضافة إلى أنظمة الحاسب الآلي ووسائل الاتصال والتي كفلت سرعة انتشار هذه المنتجات،وتحوّلت أنشطة البنوك التقليدية إلى بنوك شاملة، تعتمد إلى حد كبير على إيراداتها من العمولات المكتسبة من الصفقات الاستثمارية من خارج موازنتها العمومية ويرجع ذلك إلى سببين رئيسيين هما:-
* تحرير أسواق النقد العالمية من القيود .
* الثورة العالمية في الاتصالات الناجمة عن الوسائل والأدوات التكنولوجية الجديدة.
3) الثورة المعرفية:وتتمثًل في التقدم العلمي والتكنولوجي،وهو ميزة بارزة للعصر الراهن،وهذا التقدم العلمي جعل العالم أكثر اندماجاً، كما سهّل حركة الأموال والسلع والخدمات،وإلى حد ما حركة الأفراد، ومن ثمّ برزت ظاهرة العولمة، والجدير بالذكر أنّ صناعة تقنية المعلومات تترّكز في عدد محدود ، ومن الدول المتقدمة أو الصناعية دون غيرها.
4) تعاظم دور الشركات متعددة الجنسيات: هذا العصر بأنّه عصر العولمة فمن الأصح وصفه بأنه عصر الشركات متعددة الجنسيات باعتبارها العامل الأهم لهذه العولمة.ويرجع تأثير هذه الشركات كقوة كبرى مؤثرة وراء التحولات في النشاط الاقتصادي العالمي إلى الأسباب التالية:-
أ- تحكّم هذه الشركات في نشاط اقتصادي في أكثر من قطر وإشاعتها ثقافة استهلاكية موحدة.
ب- قدرتها على استغلال الفوارق بين الدول في هبات الموارد.
ج- مرونتها الجغرافية".( )
أقول:وإن كانت هـذه العولمة تسـتهدف هيمنة دولة واحدة-وهي الولايات المتحدة الأمريكية-على دول العالم أجمع فإن هذه الصورة من العولمة لم تكن لتظهر فجأة دون بدايات أو مقدمات مهدت لها بصورة فاعلة ومخطط لها من القوى الرأسمالية ذات النزعة الاستعمارية. ومن ذلك إنشاء منظمة الأمم المتحدة،وما تبعها من مؤسسات مالية دولية: البنك الدولي للإنشاء والتعمير، وصندوق النقد الدولي،ثمّ اتفاقية "الجات" (الاتفاقية العامة على الرسوم الجمركية والتجارة) التي تعود في تاريخها إلى سنة 1947م حيث اجتمعت ثلاث وعشرون دولة صناعية في جنيف للنظر في تحرير التجارة وفتح الأبواب بين هذه الدول ، وبدأت سريان هذه الاتفاقية منذ أول يناير 1948م، وبلغ عدد الدول الموقعة عليها سنة 1993م مائة وسبع عشرة دولة.
ثمّ معاهدة "ماستريخت" التي ضمت خمسة عشر بلداً صناعياً وظهور المناطق التجارية الحرة، والاتحادات الجمركية، ثم الأحداث السياسية التي تتمثل بانتهاء الحرب الباردة، ثم قيام الرئيس السوفيتي الأسبق-ميخائيل غورباتشوف-وبدعم أمريكي ملحوظ-عام 1985م بالإعلان عن إصلاح النظام الاقتصادي الشيوعي الذي سمي وقتها "البيروستويكا" وقد كان هذا الإعلان بمثابة الإعلان عن سقوط الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفيتي سياسياً واقتصادياً،وما تلاه من سقوط حائط برلين عام 1989م،واتحاد الألمانيتين،ثم حرب الخليج الثانية عام 1991وما أسفرت عنه من تثبيت القواعد الأمريكية العسكرية في منطقة الخليج العربي. كل هذه الأحداث ساهمت إلى حد بعيد في تربع الولايات المتحدة الأمريكية على عرش النفوذ العالمي، وبالتالي برز مصطلح "النظام العالمي الجديد" و"الأحادية القطبية والعولمة".
وظهر أوّل نظام تجاري دولي ملزم للأقطار المنضوية تحت لوائه في شهر نيسان سنة 1995م، حيث أعلن عن إنشاء المنظمة العالمية للتجارة (w.t.o) بمدينة مراكش المغربية، وهي امتداد لاتفاقية الجات. وهذه المنظمة تمثل أحد أركان النظام الاقتصادي العالمي الجديد،وتختص بأعمال إدارة ومراقبة وتصحيح أداء العلاقات التجارية،وستكون عامل مساعد للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتنفيذ وإقرار النظام الاقتصادي العالمي الجديد. وأخيراً تم دعم صرح العولمة بالتوقيع- في شباط عام 1997م بمدينة جنيف بسويسرا-على أول اتفاق دولي يتعلق بتحرير المبادلات الخدماتية المتطورة،وخاصة فيما عرف "بالتكنولوجيا المعلوماتية" أو ثورة الاتصالات.( )
وممّا ساعد على سرعة انتشار ظاهرة العولمة انضمام كثير من دول شرق أوربا إلى الحلف الأطلسي، وانفتاح دول أخرى على الحلف نفسه،وانضمام كثير من الدول العربية إلى المنظمة العالمية للتجارة،( )-وبقية الدول تتفاوض للانضمام- ثم المؤتمرات الاقتصادية المتلاحقة التي تنظر لهذه العولمة كأمر حتمي لا مفر منه، وإظهار مزاياها الاقتصادية والتنموية ومن أشهرها "منتدى دافوس الاقتصادي" ثم المشروعات الاقتصادية الإسرائيلية التي تستهدف عولمة الشرق الأوسط لصالح المشروع الصهيوني الذي يتمثل في دولة إسرائيل الكبرى، التي تسعى لتحقيقه اقتصادياً وثقافياً عبر بوابات اتفاقيات السلام التي تعقدها منفردة مع الدول العربية، والاتفاقيات الاقتصادية الثنائية مع دول المنطقة وعبر بوابات التطبيع، التي تهيأ لها بكل قوة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في المنطقة العربية، وقد أضفى ذلك كله بعداً استراتيجياً جديداً على دعم الدور الأمريكي -ومن ورائه القوى الصهيونية المتحكمة في السياسة والقيادة الأمريكية- لقيادة النظام العالمي الجديد.
"ومؤخراً، ساهمت ثلاثة عوامل في الاهتمام بمفهوم العولمة في الفكر والنظرية،وفي الخطاب السياسي الدولي:-
1- عولمة رأس المال أي تزايد الترابط والاتصال بين الأسواق المختلفة حتى وصلت إلى حالة أقرب إلى السوق العالمي الكبير، خاصة مع نمو البورصات العالمية.
2- التطور الهائل في تكنولوجيا الاتصال والانتقال والذي قلّل- إلى حد كبير- من أثر المسافة، وانتشار أدوات جديدة للتواصل بين أعداد أكبر من النّاس كما في شبكة الإنترنت.
3- عولمة الثقافة وتزايد الصلات غير الحكومية والتنسيق بين المصالح المختلفة للأفراد والجماعات، فيما يسمى الشبكات الدولية Networking حيث برز التعاون استنادًا للمصالح المشتركة بين الجماعات عبر القومية مما أفرز تحالفات بين القوى الاجتماعية على المستوى الدولي، خاصة في المجالات النافعة مثل: الحفاظ على البيئة، أو في المجالات غير القانونية كتنظيف الأموال والمافيا الدولية للسلاح".( )
* ممّا سبق يتضح أنّ العولمة تتكون من العناصر الرئيسية التالية:-
1- تعميم الرأسمالية: إن تغلّب الرأسمالية على الشيوعية جعلها تعمم مبادئها على كل المجتمعات الأخرى، فأصبحت قيم السوق، والتجارة الحرة، والانفتاح الاقتصادي، والتبادل التجاري، وانتقال السلع ورؤوس الأموال، وتقنيات الإنتاج والأشخاص، والمعلومات، هي القيم الرائجة، وتقود ذلك أمريكا وتفرضها عن طريق المؤسسات العالمية التابعة للأمم المتحدة، وخاصة مؤسسة البنك الدولي ، ومؤسسة النقد الدولي، وعن طريق الاتفاقات العالمية التي تقرها تلك المؤسسات كاتفاقية الجات والمنظمة العالمية للتجارة وغيرها .
2- القطب الواحد: تفردت أمريكا بقيادة العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وتفكيك منظومته الدولية المسمى (حلف وارسو)، إنه لم تبلغ دولة عظمى في التاريخ قوّة أمريكا العسكرية والاقتصادية، مما يجعل هذا التفرد خطيراً على الآخرين في كل المجالات الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والاجتماعية.
3- ثورة التقنيات والمعلومات: مرّت البشرية بعدّة ثورات علمية منها ثورة البخار والكهرباء والذرّة، وكان آخرها الثورة العلمية والتكنولوجية وخاصة في مجال التطورات السريعة والمدهشة في عالم الحاسوب الآلي (الكمبيوتر)، وتوصل الحاسوب الآلي الحالي إلى إجراء أكثر من مليارين عملية مختلفة في الثانية الواحدة، وهو الأمر الذي كان يستغرق ألف عام لإجرائه في السابق، أما المجال الآخر من هذه الثورة فهو التطورات المثيرة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتي تتيح للأفراد والدول والمجتمعات للارتباط بعدد لا يحصى من الوسائل التي تتراوح بين الكبلات الضوئية،والفاكسات ومحطات الإذاعة، والقنوات التلفزيونية الأرضية والفضائية، التي تبث برامجها المختلفة عبر حوالي 2000 مركبة فضائية،بالإضافة إلى أجهزة الكمبيوتر،والبريد الإلكتروني،وشبكة المعلومات الدولية،التي تربط العالم بتكاليف أقل،وبوضوح أكثر على مدار الساعة، لقد تحولت تكنولوجيا المعلومات إلى أهم مصدر من مصادر الثروة،أو قوة من القوى الاجتماعية والسياسية والثقافية الكاسحة في عالم اليوم.( )

بين العولمة وعالمية الإسلام :-
إنّ الإسلام دين يتميز بالعالمية. والعالمية تعني:عالمية الهدف والغاية والوسيلة، ويرتكز الخطاب القرآني على توجيه رسالة عالمية للناس جميعًا، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء 107 وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)سـبأ:28، ووصف الخالق عز وجل نفسه بأنه "رب العالمين" وذكر الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم مقترنًا بالناس والبشر جميعاً قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة:21، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) البقرة:143، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) النساء:170، (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)الأعراف:158.
إنً الحضارة الإسلامية قامت على القاسم المشترك بين حضارات العالم، فقبلت الآخر، وتفاعلت معه أخذأً وعطاءً، بل إنّ حضارة الإسلام تعاملت مع الاختلاف بين البشر باعتباره من سنن الكون، لذلك دعا الخطاب القرآني إلى اعتبار الاختلاف في الجنس والدين واللغة من عوامل التعارف بين البشر. اتساقًا مع نفس المبادئ، إنّ الإسلام يوحّد بين البشر جميعاً رجالاً ونساءً، في قضايا محددة: أصل الخلق والنشأة، والكرامة الإنسانية والحقوق الإنسانية العامة،ووحدانية الإله،وحرية الاختيار وعدم الإكراه، ووحدة القيم والمثل الإنسانية العليا.
ومن هنا تظهر الاختلافات جلية بين مفهوم عالمية الإسلام ومفهوم "العولمة" فبينما تقوم الأولى على رد العالمية لعالمية الجنس البشري والقيم المطلقة، وتحترم خصوصيته،وتفرد الشعوب والثقافات المحلية، ترتكز الثانية:على عملية نفي أو استبعاد لثقافات الأمم والشعوب ومحاولة فرض ثقافة واحدة لدول تمتلك القوة المادية وتهدف عبر العولمة لتحقيق مكاسب السوق لا منافع البشر.( )
يؤكّد الدكتور محسن عبد الحميد- أستاذ التربية بجامعة بغداد- وجود فرق كبير بين المصطلحين (العالمية والعولمة) فيقول: إنّ أبناء هذا العالم بمختلف قبائله وشعوبه ولغاته وملله ونحله يعيشون على هذه الأرض، ولذا فلا بد أن يتفاهموا فيما بينهم، تمهيداً للتعاون الدائم على خير الجميع، ولا مانع من أن يأخذ بعضهم من بعض. ولا يجوز أن يفرض وبالإكراه بعضهم على بعض لغته أو دينه أو مبادئه أو موازينه. فالاختلاف في هذا الإطار طبيعي جداً والتعاون ضروري أبداً، لمنع الصدام والحروب والعدوان. ويضيف: إنّ تاريخ البشرية عامة وتاريخ الإسلام خاصة، لم يرد فيه دليل على أنّ المسلمين خطوا للبشرية طريقًا واحدًا، ووجهة واحدة وحكمًا واحدًا ونظامًا واحدًا، وعالماً واحدًا بقيادة واحدة، ليس بالإجبار والإكراه.بل اعترفوا بواقع الأديان واللغات والقوميات عاملوها معاملة كريمة، بلا خداع ولا سفه ولا طعن من الخلف، ولذلك عاش في المجتمع الإسلامي من أهل الملل الأخرى من اليهود والنصارى والصابئة والمجوس، وغيرهم بأمان واطمئنان، وأما الأمم التي كانت تعيش خارج العالم الإسلامي، فقد عقدت الدولة الإسلامية معها مواثيق ومعاهدات في قضايا الحياة المتنوعة. والتوجيه الأساس في بناء العلاقات الدولية في الإسلام قوله تعالى:( يا أيها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم)ْ الحجرات:.11. وأما العولمة التي هي الترجمة العربية للكلمة الإنجليزية(GLOBALIZATION) فهي مصطلح يعني جعل العالم عالمًا واحدًا، موجهًا توجيهًا واحدًا في إطار حضارة واحدة، ولذلك قد تسمى الكونية أو الكوكبة.( )
وثمة فرق بين عالمية الإسلام والعولمة، فالإسلام يقوم على العدل وإنصاف المظلوم، ويرفض الاعتداء، ويعترف بحق الأخر في الدين والرأي المخالف، أما العولمة فتقوم على الظلم، وتفتقد للعدل، وتهدف لصالح الاستكبار الغربي، وضد مصالح الشعوب الفقيرة الأخرى، وفقا لسياسة التبعية التي تفسر العلاقة بين الغرب المتقدم، وبين العالم الثالث المتأخر.
يقول أحد الكتاب الفرنسيين عن النظام الرأسمالي الأمريكي: كلما ازداد هذا النظام الرأسمالي الجشع إمعانًا وانتشارًا بالعولمة، ازدادت الانتفاضات والحروب العرقية والقبلية والعنصرية والدينية للتفتيش عن الهوية القومية في المستقبل. وكلما تَفَشت المعلوماتية والأجهزة التلفزيونية والسلكية واللاسلكية، تكبّلت الأيدي بقيود العبودية، وازدادت مظاهر الوحدة والانعزال والخوف والهلع دون عائلة ولا قبيلة ولا وطن. وكلما ازداد معدل الحياة سوف تزداد وسائل القتل، وكلما ازدادت وسائل الرفاهية سوف تزداد أكثر فأكثر جرائم البربرية والعبودية.( )
ثمّ إنّ الإسلام يدعو إلى طلب العلم النافع الذي يفيد الإنسان، ويحقق والخير،ويحق الحق، وكلّ ما جاءت به المدنية الحديثة من علوم ومخترعات وابتكارات، مما فيها نفع للناس، ويحارب كل علم ضار فيه فساد الإنسان أو هلاكه،أو إشاعة الشر في حياته، بينما العولمة بخلاف ذلك، فرغم ما أنتجته من المخترعات والابتكارات إلا أنها ابتدعت علوماً ضارةً أو ابتكرت ابتكارات مخربة للأخلاق والقيم، ومفسدة بل ومهلكة للإنسان.
وأيضاً فغزو المسلمين للعالم كان بدافع حضاري فريد، لقد كانوا يعُدُّون أنفسهم أصحاب رسالة عالمية موجهة للناس كافة، كلّفوا هم بتبليغها إليهم بالوسائل السِّلميّة، والذين كانوا من المسلمين يهاجرون إلى البلاد الأخرى إنما هاجروا طلباً للرزق، وكانت مهمة الشهادة على الناس وتبليغهم الإسلام ماثلةً أمامهم، فأثَّروا في البلاد التي هاجروا إليها تأثيراً كبيراً، ونقلوا إليها دينهم وأخلاقهم وقيمهم ولغتهم، ولم يتأثروا بهم إلا في أمور لا تتعارض مع دينهم، بل قد يكون بعضها من مقتضيات الدعوة إليه، أما غزو الغرب للعالم فقد كان في أساسه لأسباب استعمارية ولمصالح اقتصادية، وقائم على التعصب العنصري، كان الغربيون أيضاً يرون أنّ لهم رسالة أخرى وهي أن يجعلوا العالم نصرانياً،يكفر بالدين الحق الذي اختاره الله تعالى للبشرية.
أهداف العولمة وآثارها:-
لقد روَّج دعاة العولمة في الغرب وعملاؤهم في المنطقة العربية مجموعة من المقولات لصالح العولمة،ومن ذلك: أنّ العولمة تبشر بالازدهار الاقتصادي والتنمية والرفاهية لكل الأمم والعيش الرغيد للناس كلهم، والانتعاش،ونشر التقنية الحديثة، وتسهيل الحصول على المعلومات والأفكار عبر الاستفادة من الثورة المعلوماتية الحديثة، وإيجاد فرص للانطلاق للأسواق الخارجية، وتدفق الاستثمارات الأجنبية التي تتمتع بكفاءة عالية، وبالتالي ينتعش الاقتصاد الوطني والقومي.
ولكن سرعان ما اكتشف الباحثون والمفكرون أن تلك المقولات ما هي إلا شعارات استهلاكية جوفاء.يقول أ.د محمد حسن رسمي(عميد كلية الحاسبات والمعلومات-جامعة القاهرة) :"إنّ العولمة طوفان كاسح لن يقف في طريقها رافض أن يتفهم فكرها وفلسفتها وآلياتها، إذا كان يملك سداً منيعاً يهزم ويلاتها ويسخر لنفسه, ونظام العولمة في حد ذاته يدعم الأقوياء، ويطحن الضعفاء،ويضحك الأصحاب،ويبكي الضعفاء،بل يمكن صنّاعها من التحكم والسيطرة، وامتلاك مقدرات ومستقبل المتفرجين المذهولين الصامتين المنتظرين لمعجزات السماء".( )
ولقد أدركت الدول الفقيرة والنامية أن طغيان العولمة واحتكارات الشركات الدولية إنما يزيدها فقراً،وخضوعاً للسياسات الرأسمالية الغربية فأخذت تستنفر جهودها للدفاع عن حقوقها في مواجهة هذه العولمة، فلقد حذّر مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا من العولمة في المجال الاقتصادي،وقال: "إن منظمة التجارة العالمية تسمح للدول الغنية بابتلاع الدول الفقيرة ".( )
ومن الأقوال التي تؤكد المخاطر الجدية للعولمة على مقدرات الحكومات والشعوب، ما جاء في كلمة للرئيس الفرنسي جاك شيراك ألقاها بمناسبة اليوم الوطني الفرنسي (14 يوليو 2000م)، حيث قال : "إنّ العولمة بحاجة إلى ضبط، لأنّها تنتج شروخاً اجتماعيةً كبيرةً وإن كانت عاملَ تقدُّمٍ فهي تثير أيضاً مخاطر جدّية ينبغي التفكير فيها جيداً ومن هذه المخاطر ثلاثة: أولها أنها تزيد ظاهرة الإقصاء الاِجتماعي وثانيها:أنها تنمي الجريمة العالمية،وثالثها:أنها تهدد أنظمتنا الاقتصادية".( ) وأيضاً ما ذكره الكاتب الأمريكي الشهير وليم جريدر في كتابه الصادر عام 1977م: "عالم واحد مستعدون أم لا"OneWorldReadyOrNo-حيث ببّن صفات العولمة، وكشف خطورة آثارها، فوصف العولمة, بأنها آلة عجيبة نتجت عن الثورة الصناعية والتجارية العالمية, وإنّها قادرة علي الحصاد وعلي التدمير, وإنها تنطلق متجاهلة الحدود الدولية المعروفة, وبقدر ما هي منعشة فهي مخيفة، فلا يوجد من يمسك بدفة قيادتها، ومن ثم لا يمكن التحكم في سرعتها ولا في اتجاهاتها، وهو يري إنّ تلك الثورة المادية التي حررت رأس المال وجعلت المادة تسبق الفكر،وتتخطي جمود السياسات, كانت نتيجتها ظهور تحولات عظمي في العالم أجمع, وبقدر ما بعثت وأنعشت الطموح والرغبة في تكديس الثروات,خلفت وراءها عدم الاستقرار وعدم الأمان وبقدر ما أتاحت من تكنولوجيات حديثة, فإنها بعثت البربرية من جديد.
وعندما نعود إلى مفهوم العولمة كما يطرحه الغرب فإنّ أول ما يستوقفنا هو:أنّ الذين يطرحونه ينظرون إلى التفاعل البشري على أنّه تفاعل بين طرف ذكي قوي وطرف غبي ضعيف.طرف يمتلك، وطرف يجب أن يكون فاقداً للتملك.وإذا نظرنا إلى آلية هذه العولمة يبرز لنا على الفور مفهوم إلغاء الآخر. وليس بالضرورة أن يكون هذا الإلغاء هو الإفناء التام للوجود. إنما تدل الآلية الغربية على أن العولمة هي الفرز الحقيقي بين سيد وعبد، بين منتج ومستهلك، بين من يصنع التكنولوجيا ويؤسس لتقدم علمي سريع وبين من يُراد له أن ينسلخ عن ماضيه الحضاري تماماً،وعن عقيدته وينبهر بمعالم التقدم العلمي الغربي السريع.( )
والأهداف الحقيقية للعولمة يمكن تلخيصها فيما يلي:-
أولاً: الأهداف والآثار الاقتصادية:
ترتبط عملية العولمة بتدويل النظام الاقتصادي الرأسمالي، حيث تمّ توحيد الكثير من أسواق الإنتاج والاستهلاك، وتمّ التدخل الأمريكي في الأوضاع الاقتصادية للدول، وخاصة دول العالم الثالث، عبر المؤسسات المالية الدولية: كصندوق النقد الدولي،والبنك الدولي،التي تمارس الإملاءات الاقتصادية المغايرة لمصالح الشعوب، وبالتالي تحقق العولمة لأصحابها عدة أهدف كبيرة في المجال الاقتصادي هي:-
أولاً: السيطرة على رؤوس المال العربية،واستثماراتها في الغرب فالعالم العربي الذي تتفاقم ديونه بمقدار (50) ألف دولار في الدقيقة الواحدة هو نفسه الذي تبلغ حجم استثماراته في أوروبا وحدها (465) مليار دولار عام 1995م، بعد أن كانت (670) ملياراً عام 1986م فنتيجة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والتبعية النفسية للغرب تصب هذه الأموال هناك لتدار حسب المنظومة الغربية.( )
ثانياً: الهيمنة الأمريكية على اقتصاديات العالم من خلال القضاء على سلطة وقوة الدولة الوطنية في المجال الاقتصادي، بحيث تصبح الدولة تحت رحمة صندوق النقد الدولي، حين تستجدي منه المعونة والمساعدة عبر بوابة القروض ذات الشروط المجحفة،وخاضعة لسيطرة الاحتكارات والشركات الأمريكية الكبرى على اقتصاد الدول( )، ولعل تركيا والمكسيك وماليزيا من النماذج الواضحة للدول التي عصف بها تيار العولمة لصالح المستثمرين الأمريكيين( ).يقول رئيس وزراء ماليزيا: مهاتير محمد الذي عانت بلاده من آثار العولمة في السنوات الأخيرة: "إنّ العالم المعولم لن يكون أكثر عدلاً ومساواة. وإنما سيخضع للدول القوية المهيمنة. وكما أدى انهيار الحرب الباردة إلى موت وتدمير كثير من الناس، فإنّ العولمة يمكن أن تفعل الشيء نفسه، ربّما أكثر من ذلك في عالم معولم سيصبح بإمكان الدول الغنية المهيمنة فرض إرادتها على الباقين الذين لن تكون حالهم أفضل مما كانت عليه عندما كانوا مستعمرين من قبل أولئك الأغنياء".( )
ويقول الدكتور عماد الدّين خليل:" إنّ العولمة تجعل العالم كله قرية صغيرة تتحكم فيها الزعامة الأمريكية وبطانتها اليهودية بمصائر الأمم والدول والشعوب، وتضع مقدراتها المالية والاقتصادية -في نهاية الأمر- تحت قبضتها، تفعل بها ما تشاء من أجل تحقيق أهداف نفعية (براغماتية) صرفة لصالح مراكز الهيمنة الغربية على حساب الأمم والدول والشعوب".( )
إنّ الدول العربية ـ كإحدى المناطق المستهدفة بالعولمةـ بلغت ديونها الخارجية عام 1995م: (250) مليار دولار، وتتفاقم ديونها بما مقداره (50) ألف دولار في الدقيقة الواحدة، ولا شك أنّه كلما ارتفعت وتيرة الديون كلما ترسّخت التبعية ووُجدت الذريعة للتدخل، وبسبب هذه الديون ـالتي بدأت بتشجيع من الغرب عن طريق البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذين يعملان على إغراق الدول المستهدفة بالديون ـ أصبح اقتصاد معظم هذه الدول متخبطاً، يستطيع وبصعوبة بالغة ملاحقة خدمة الديون وفوائدها المتراكمة، فهي في الحقيقة وسيلة لبسط النفوذ على البلاد تماماً كما كانت في الماضي.( ) وللعلم فقد أكد التقرير الاقتصادي الصادر عن مجلس الوحدة الاقتصادي العربي أن الجزائر مثلاً ستخسر سنوياً ما بين 1.5 إلى2 مليار دولار بانضمامها وتطبيقها لقرارات اتفاقية التعريفة الجمركية "الجات".( )
ثالثاً: تحقيق مصالح المجموعات الغنيّة في الدول الغربية والقوى المتحالفة معها في الدول الأخـرى علـى حسـاب شـعوب العالـم، وممّا يدل على ذلك فشل تجربة "النمور الآسيوية":ومنها إندونيسيا وماليـزيا،حيث لم تسـتطع تحقيـق المصالح الاقتصـادية المطلـوبـة لشـعوبها، إذ عملت الشركات المتعددة الجنسيات على إحداث هذا الفشل، وقام أحد المستثمرين الأجانب-أحد رموز العولمة- الملياردير "جورج سورش" باللعب في البورصة مما أدى إلى ضرب التجـارة التنمويـة وإحباطهـا.( ) ولقد أدلى جورج سوروش نفسه بشهادة لاذعة أمام الكونغرس الأميركي فقال فيها:بدلا من أن تتصرف أسواق المال مثل البندول فإنها تصرفت مثل كرة التهديم المعدنية،وراحت تقوض دولة تلو الأخرى، وعليه فإنّ استخلاصنا الأخير بأن أسواق المال سوف تواصل تقريب العالم بعضه إلى بعض هو استخلاص مثير للجدل والخلاف.( )
إنّ هذه الشركات تعد الأرض كلها سوقًا كبيراً لها، بما فيها ومن فيها بحيث تتنافس في اقتسام هذه الأراضي دون أي اعتبار لقيم أو أخلاق، وهي نادراً ما تدخل في شكل استثمارات مباشرة طويلة الأمد وإنما تدخل بما يعرف بالأموال الطائرة، في استثمارات قصيرة الأجل وسريعة الفوائد والتي تحقق لها عوائد هائلة، دون أن يكون لذلك مردود على التنمية المحلية. وإن حدث وقدمت استثمارات مباشرة، فإنّها قبل ذلك تأخذ ما يكفيها من التسهيلات والضمانات السياسية والاقتصادية التي لا تحظى بها رؤوس الأموال المحلية،وهو ما يعرقل الاقتصاد المحلي،زيادة على ذلك، فإن معظم أنشطتها تقتصر على السلع الاستهلاكية ذات العائد الأسرع نتيجة للنمط الاستهلاكي السائد.( ) يقول الدكتور مجدي قرقر: "إنّ الشركات المتعددة الجنسيات أدى تطورها وتضخمها إلى تعميق العولمة اقتصادياً، وتعدد أنشطتها في كل المجالات: الاستثمار والإنتاج والنقل والتوزيع والمضاربة، ووصل الأمر إلى أنّها قد صارت تؤثر في القرار السياسي والبعد الثقافي والمعرفي، وفي ظل العولمة استطاعت هذه الشركات الاستفادة من فروق الأسعار، من نسبة الضرائب، من مستوى الأجور لتركيز الإنتاج في المكان الأرخص وبعد ذلك ينقل الإنتاج إلى المكان الذي يكون فيه مستوى الأسعار أعلى ويتم تسويقه هناك".( )
في يوم 19/6/2000م عقد في القاهرة مؤتمر ضمّ الدول الخمسة عشر-أفريقية وآسيوية-من الدول النامية- أكدّ المتحدثون فيه أنّ الاقتصاد العالمي الجديد هو لصالح فئة قليلة تزيدها غنى فوق غناها، على حساب الدول الكثيرة الفقيرة، وهو يدفع الدول النامية إلى مقبرة الفقر.
وترتّب على هذا الهدف ما يلي: لقد كانت نتيجة العولـمة خطيرة في حياتنا الاقتصادية، فضلاً عن الجوانب الأخرى، وقد حصرها بعض الاقتصاديين العرب بالنقاط الآتية:-
1-إنهاء دور القطاع العام وإبعاد الدولة عن إدارة الاقتصاد الوطني.
2- عولـمة الوحدات الاقتصادية وإلحاقها بالسوق الدولية لإدارتها مركزياً من الخارج.
3- العمل على اختراق السوق العربية من قبل السوق الأجنبي.
4- إدارة الاقتصاديات الوطنية وفق اعتبارات السوق العالمية بعيداً عن متطلبات التنمية الوطنية.
5-العمل على إعادة هيكلة المنطقة العربية في ضوء التكتلات الدولية.( )
ويمكن أن يضاف إلى ذلك:-
6- " الإغواء الاقتصادي: ويعني إغواء الدول المتواضعة تقنيًّا وعلميًّا واقتصاديًّا بمشاركة العمالقة في مشاريع عابرة القارات، وهذه المشاريع كل مكوناتها من الخارج، وربما فتحوا لهم بعض الأسواق، وبعد أن يكون البلد الفقير قد دفع دم الشعب، وضحى بحاضره ومستقبله في مثل هذه المشاريع تتم عملية السيطرة أو الإجهاض، إنّ شيئًا من هذا قد تم في ماليزيا وإندونيسيا.
7- السيطرة الاقتصادية ذات المظاهر المتعددة، منها: شراء موارد الدول المستضعفة وموادها الخام بأقل الأسعار، وإعادة تصنيعها ثمّ بيعها لها في صورة جديدة بأغلى الأسعار، وفي حالة البترول يضيفون إليه ضريبة يسمونها ضريبة الكربون، وهي تعني ضريبة تلوث أجوائهم نتيجة الشطط التصنيعي".( )
ومن أخطار هذه العولمة أيضاً:
أ- تركيز الثروة المالية في يد قلة من الناس أو قلة من الدول، فـ 358 ملياردير في العالم يمتلكون ثروة تضاهي ما يملكه أكثر من نصف سكان العالم. و 20% من دول العالم تستحوذ على 85% من الناتج العالمي الإجمالي، وعلى 84% من التجارة العالمية، ويمتلك سكانها 85% من المدخرات العالمية.إذاً نكتشف إنّ 5،19% من الاستثمار المباشر و08% من التجارة الدولية تنحصر في منطقة من العالم يعيش فيها 82% فقط من سكان العالم.
ب- سيطرة الشركات العملاقة عملياً على الاقتصاد العالمي، إنّ خمس دول -الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وفرنسا وألمانيا وبريطانيا- تتوزع فيما بينها 172 شركة من أصل مائتي شركة من الشركات العالمية العملاقة.( ) ويمكن هنا أن نعرض إحصائية أولية لقوة تلك الشركات المتعددة الجنسيات. فهناك 350 شركة كبرى لتلك الدول تستأثر بما نسبته 40% من التجارة الدولية. وقد بلغت الحصة المئوية لأكبر عشر شركات في قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية 86% من السوق العالمي، وبلغت هذه النسبة 85% من قطاع المبيدات، وما يقرب من 70% من قطاع الحاسبات و60% في قطاع الأدوية البيطرية، و35% من قطاع الأدوية الصيدلانية، و34% في قطاع البذور التجارية.( )
ج- تعميق التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين الناس بل بين المواطنين في الدولة الواحدة، واختزال طاقات شعوب العالم إلى طاقة دفع لماكينة الحياة البراجماتية الاستهلاكية للقوى الرأسمالية والسياسة الغربية المسيطرة.( ) لقد كان المدافعون- بحسن نية عن العولمة- يراهنون على أن العولمة ستؤدي إلى ارتفاع مستوى دخل الفرد على المستوى العالمي، وبالتالي تخف ظاهرة الفقر التي تعاني منها كثير من دول العالم, لكن الحقائق والأرقام، تكشف عن واقع مؤلم مختلف, ففي الوقت الذي ازداد معدل دخل الفرد، فإنّه صاحب هذه الزيادة اتساع في الهوة الشاسعة بين مستوى الدخل في الدول الغنية والدول الفقيرة، فمازال دخل أكثر من مليارين إنسان لا يزيد على 60 دولاراً في الشهر، ما يعني أن خطر الفقر مازال يطل برأسه القبيح على دول كثيرة في العالم.
وقد أرجع تروس سكوت الأستاذ الجامعي في إدارة الأعمال – في بحثه عن أسباب التفاوت بين النظرية والواقع في مفهوم العولمة- إلى سببين, السبب الأول: أن الدول الغنية مازالت تصرّ على وضع العوائق في وجه هجرة العمالة من الدول الفقيرة إليها، ففي العام 1997م سمحت الولايات المتحدة الأميركية بهجرة 737 ألف وافد فقط، في حين لم تسمح الدول الأوروبية إلا بهجرة 665 ألفاً، ومجموع العددين لا يمثل سوى 4 في المائة من العمالة المهاجرة المتوقعة، إلى جانب ذلك ترفض الدول الغنية استيراد المنتجات الزراعية من الدول الأفقر, أما السبب الثاني: فيعود إلى أن الدول الفقيرة فشلت نتيجة لسوء حكوماتها في اجتذاب رؤوس الأموال من الخارج.( )
د- استئثار قلة من سكان الدولة الواحدة بالقسم الأكبر من الدخل الوطني والثروة المحلية، في الوقت الذي يعيش أغلبية السكان حياة القلة والشقاء ويوضح ذلك أن عشرين بالمائة من الفرنسيين يتصرفون فيما يقرب من سبعين بالمائة من الثروة الوطنية، وعشرين بالمائة من الفرنسيين لا ينالون من الدخل الوطني سوى نسبة ستة بالمائة.( )
هـ- النمو المطرد للبطالة، وانخفاض الأجور وما يرتبط بها من تقليص في قدرة المستهلكين واتساع دائرة المحرومين، وقد دلت الإحصائيات على حقائق خطيرة، ففي العالم (800) مليون شخص يعانون من البطالة وهذا الرقم في ازدياد، وفي السنوات العشرة الأخيرة عملت 500 شركة من أكبر الشركات العالمية على تسريح أربعمائة ألف عامل -في المتوسط- كل سنة، على الرغم من ارتفاع أرباح هذه الشركات بصورة هائلة، فإحدى هذه الشركات منحت للمساهمين فيها مبلغ خمسة مليون دولار لكل منهم( )والشركات الأمريكية تسرِّح مليونين من العمال.( )
ونتيجة لذلك ظهرت عدائية كثير من منظمات المجتمع المدني الغربية،وخاصة في الولايات المتحدة للعولمة، وخاصة المنظمات العمالية، واتحادات الشغل التي تراقب أثر عولمة الاقتصاد على معدلات أجور العمال، وعلى نسبة البطالة في الغرب.( )
وإنّ الفقر الناتج عن البطالة حتما يقود إلى اتساع دائرة الجريمة فالعولمة تسمح وبيسر للعصابات بأنّ تشكل شبكة دولية عبر (الإنترنت) وتمكن المتهربين من دفع الضرائب من نقل أموالهم إلكترونيا إلى أمكنة أخرى، فمن روسيا وحدها وصل إلى العالم الغربي منذ عام 1990م خمسون مليار دولار بطريقة غير شرعية، ويقدر خبراء الأمن أن ثروة منظمات المافيا في النمسا وحدها تتجاوز تسعة عشر مليار دولار، كل هذا يجري على حساب الدولة التي بدأت تئن تحت ضائقة الفقر لتقلص الضرائب وهروبها، وهذا يعني ضعف الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية التي تقدمها الدولة، وتتضاعف حدة مشكلة الفقر،وتصبح أشدّ خطورة،وبالنتيجة فإنّ شرعية هذه الدولة واستقرارها يصبحان مهددان.( )
و- فرض السياسات الاقتصادية والزراعية على دول العالم -وخاصة النامية- بهدف تعطيل التنمية الاقتصادية، وإبقائها سوقاً استهلاكية رائجة للمنتجات الغربية، وتسليم إرادتها السياسية للقوى الحاكمة في أمريكا. ففي بعض الدول انخفضت معدلات النمو عام 98م بأكثر من 100% وارتفعت معدلات البطالة بنسبة خطيرة أدت إلى حدوث مشكلات اجتماعية عديدة من أهمها زيادة نسبة الفقر والأمية( ). يقول ساكيكو فوكيربار: "ما دام الاقتصاد ومفاهيم السوق من العناصر الأساسية في العولمة فإن التنمية البشرية لن تأخذ حظها الذي تستحق من هذه العولمة".( )
ز- إضعاف قوة موارد الثروة المالية العربية المتمثلة في النفط حيث تم إضعاف أهميته كسلعة حينما تم استثناؤه من السلع التي تخضع لحرية التجارة الدولية -أسوة بتجارة المعلومات- من تخفيض الضرائب والقيود الجمركية المفروضة عليه من الدول المستهلكة، فما زالت هذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ترفض اعتبار النفط والمشتقات البتروكيماوية من السلع التي يجب تحريرها من القيود الجمركية والضرائب الباهضة التي تفرضها الدول المستهلكة، وبذلك تجني هذه الدول الأرباح الهائلة من وراء ذلك، وهي تعادل ثلاثة أمثال العائدات إلى الدول المنتجة في الوقت الحاضر، بل أصدر الكونجرس الأمريكي تشريعاً يقضي بفرض العقوبات على دول في منظمة أوبيك إذا شاركت في رفع أسعار النفط أو تثبيتها.( )
ح- ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الدول الإسلامية، نتيجة إلغاء هذه الدول الدعم المالي الذي كانت تقدمه للسلع الغذائية، وبسبب الاحتكار والمنافسة غير المتكافئة من الدول الكبرى، وبسبب قيود الجودة وشروط المواصفات العالمية التي تفرضها الاتفاقيات التجارية والصناعية الدولية، وهي شروط لا تقدر الدول الإسلامية النامية على الوفاء بها( ). ويترتب على ذلك ابتعاد الحكومات عن التدخل في النشاط الاقتصادي وقصر دورها في حراسة النظام.وأن تبقى الأسواق الإسلامية سوقاً مفتوحاً رائجاً أمام المنتجات والبضائع الأوربية والأمريكية، وأن تقّوض المصانع والمؤسسات الوطنية والاقتصاد الوطني.( )
ط- عملية الإغراق :ومن مخاطر العولمة ظهور عملية الإغراق التي ترتبط بالسعر, وذلك بأن تطرح في الأسواق سلع مستوردة بأسعار تقل كثيراً عن سعر المثيل في السوق المحلي, أو عن سعر المثيل في سوق الدولة المنتجة لهذه السلعة وتصدرها, أو انخفاض سعر البيع عن سعر تكلفة الإنتاج , ويتم تداولها لفترة زمنية, بهدف استرداد نفقاتها وتحقيق الربح, تلك هي الحالات الثلاث التي تعتبر فيها السلع المستوردة بمثابة سلع أو واردات إغراق. وهذه المشكلة ظهرت مع دخول العولمة وإلغاء التعرفة الجمركية, أو الحد منها على بعض السلع, حيث كان قديماً لا يمكن حدوث ذلك لان الدول كانت تتحكم في سعر السلعة بزيادة سعر الجمارك, مما يؤدي إلى زيادة سعر المنتج المستورد عن المنتج المحلي أو على الأقل يساويه في الثمن, ولكن مع فتح الأسواق أمام التجارة العالمية, فإننا سنشهد حالات إغراق كثيرة، وكذلك تجاوزات لا نضمن إلى أي مدى ستصل عواقبها".( )
ثانياً: الأهداف والآثار السياسية:-
1- فرض السيطرة السياسية الغربية على الأنظمة الحاكمة والشعوب التابعة لها، والتحكم في مركز القرار السياسي وصناعته في دول العالم لخدمة المصالح الأمريكية والقوى الصهيونية المتحكمة في السياسة الأمريكية نفسها،على حساب مصالح الشعوب وثرواتها الوطنية والقومية وثقافتها ومعتقداتها الدينية.( ) يقول جون بوتنغ رئيس المدراء التنفيذيين السابق في بنك بنسلفانيا "في العولمة نحن نقرر من الذي سيعيش ونحن نقرر من الذي سيموت".( )
إنّ العولمة الأمريكية الصهيونية تخطط للتدخل العسكري وإعلان الحرب في أية بقعة من العالم، تفكر بالخروج على سيطرتها وتحكمها لأن العالم يراد له أن يقع تحت براثن الاستبداد الأمريكي والقانون الأمريكي والقوة العسكرية الأمريكية. وهو أمر يكشفه تقريران خطيران كانا سريين للغاية،ثم نُشرا بعد ذلك،وهما تقريرا "جريميا وولفوفتيز"( ). ولا شك في أنّ نصيب العالم الإسلامي- في أفغانستان،وفلسطين والعراق- قد كان كبيراً في ضوء تلك السياسة الأمريكية الظالمة. يقول صموئيل هنتنغتون( )في دراسته المسماة "المصالح الأمريكية ومتغيرات الأمن"، التي نُشرتها "مجلة الشؤون الخارجية" في حزيران 1993م-:" إنّ الغرب بعد سقوط الاتحاد السوفيتي بحاجة ماسّة إلى عدو جديد يوحد دوله وشعوبه، وأن الحرب لن تتوقف، حتى لو سكت السلاح وأُبرمت المعاهدات، ذلك أن حرباً حضاريةً قادمةً ستستمر بين المعسكر الغربي الذي تتزعمه أمريكا وطرف آخر، قد يكون عالم الإسلام أو الصين".( )
2- إضعاف فاعلية المنظمات والتجمعات السياسية الإقليمية والدولية والعمل على تغييبها الكامل كقوى مؤثرة في الساحة العالمية والإقليمية ومن ذلك: منظمة الدول الأمريكية،ومنظمة الوحدة الأفريقية،والجامعة العربية،ومنظمة المؤتمر الإسلامي،والمتابع لنشاطات هذه المنظمات يلاحظ أنها لا تستطيع اتخاذ أي موقف تجاه القضايا السياسية المعاصرة وتجاه الأحداث الجارية مثل قضايا:فلسطين،والبوسنة والهرسك، وكشمير وألبان كوسوفو، والشيشان، والعراق.( )
جاء في خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش- الابن- عن حال الاتحاد اليهودي المسيحي في 29 يناير عام 2002مـ: "نعتبر جميع المنظمات الدولية التي تعارض أيّ هدف يتعلق بالمصلحة الوطنية الأمريكية الإسرائيلية (غير ذي صلة) ويشمل هذا منظمات: كالأمم المتحدة،والاتحاد الأفريقي،والجامعة العربية،التي يجب في اعتقادي أن يتم حلها فوراً،واللجنة الدولية للصليب الأحمر،والفاتيكان،وجميع المنظمات الإسلامية".( )
3- إبقاء الدول الإسلامية -خاصة- منقوصة السيادة، حتى تبقى هذه الدول ضعيفة وتابعة للهيمنة السياسية الغربية.
4- إضعاف سلطة الدولة الوطنية، أو إلغاء دورها وتقليل فاعليتها، وقتل روح الانتماء في نفوس أبنائها، فالعولمة نظام يقفز على الدولة والوطن والأمة، واستبدال ذلك بالإنسانية، إنّها نظام يفتح الحدود أمام الشبكات الإعلامية، والشركات المتعددة الجنسيات( ) ويزيل الحواجز التي تقف حائلاً دون الثقافة الرأسمالية المادية والغزو الفكري، الذي يستهدف تفتيت وحدة الأمة، وإثارة النعرات الطائفية،وإثارة الحروب والفتن داخل الدولة الواحدة كما في السودان. يقول ريتشارد كاردز المستشار السابق لوزارة الخارجية الأمريكية: "إنّ تجاوز السيادة الوطنية للدول قطعة قطعة يوصلنا إلى النظام العالمي بصورة أسرع من الهجوم التقليدي".) (
5- إضعاف دور الأحزاب السياسية في التأثير في الحياة السياسية في كثير من دول العالم -خاصة الدول الإسلامية- في الوقت التي بدأت فيه المنظمات غير الحكومية والجمعيات الأهلية تمارس دوراً متزايداً في الحياة السياسية( ).
6- إنّ العولمة لا تكتفي بواقع التجزئة العربية والإسلامية الآن، بل تحاول إحداث تجزئة داخلية في كل بلد عربي أو إسلامي،حتى ينشغلوا بأنفسهم وينسوا تماماً أنهم أمة عربية واحدة، ينتمون إلى جامعة إسلامية واحدة.وهذا معناه بعثرة الشعوب المسلمة وتفرقها، والقضاء على مقومات الوحدة والتضامن الإسلامي، وتفريغ المنظمات والتجمعات الإسلامية من مضامينها الحقيقية حتى تبقى عاجزة عن تحقيق آمال وأماني المسلمين ولتصبح أداة طيعة في خدمة المخططات الاستعمارية الغربية.
إذاً المشروع السياسي للنظام العالمي الجديد الذي انتهت إليه العولمة هو: تفتيت الوحدات والتكوينات السياسية- الدول - إلى تجمعات ودويلات صغرى ضعيفة ومهزوزة، ومبتلاة بالكوارث والمجاعات والصراعات الداخلية،والفتن.( ) وفي يوليو 2002م طرح بعض الساسة الأمريكان فكرة تقسيم السعودية إلى عدة دول صغيرة .
ثالثاً: الأهداف والآثار الثقافية:-
تقوم العولمة في الجانب الثقافي علي انتشار المعلومات، وسهولة حركتها، وزيادة معدلات التشابه بين الجماعات والمجتمعات، أي تقوم علي إيجاد ثقافة عالمية، وعولمة الاتصالات،عن طريق البث التليفزيوني عبر الأقمار الصناعية، وبصورة أكثر عمقا خلال شبكة الإنترنت التي تربط البشر بكل أنحاء المعمورة. كما تعني العولمة الثقافية توحيد القيم وخاصة حول المرأة والأسرة، باختصار تركز العولمة الثقافية علي مفهوم الشمولية ثقافة بلا حدود، وآلة ذلك الإعلان والتقنيات.( )
ولعلّ من أخطر أهداف العولمة ما يعرف بالعولمة الثقافية فهي تتجاوز الحدود التي أقامتها الشعوب لتحمي كيان وجودها، وما له من خصائص تاريخية وقومية وسياسية ودينية، ولتحمي ثرواتها الطبيعية والبشرية وتراثها الفكري الثقافي، حتى تضمن لنفسها البقاء والاستمرار والقدرة على التنمية ومن ثمّ الحصول على دور مؤثر في المجتمع الدولي. فالعولمة الثقافية تقوم على تسييد الثقافة الرأسمالية لتصبح الثقافة العليا، كما أنها ترسم حدوداً أخرى مختلفة عن الحدود الوطنية مستخدمة في ذلك شبكات الهيمنة العالمية على الاقتصاد والأذواق والثقافة.هذه الحدود هي: "حدود الفضاء (السبرنيتي) والذي هو بحق وطن جديد لا ينتمي لا إلى الجغرافيا ولا إلى التاريخ، هو وطن بدون حدود، بدون ذاكرة، إنّه وطن تبنيه شبكات الاتصال المعلوماتية الإلكترونية ".( )
إنّ العولمة لا تكتفي بتسييد ثقافة ما، بل تنفي الثقافة من حيث المبدأ، وذلك لأنّ الثقافة التي يجري تسييدها تعبر عن عداء شديد لأي صورة من صور التميز، إنّ الثقافة الغربية تريد من العالم أجمع أن يعتمد المعايير المادية النفعيةالغربية،كأساس لتطوره،وكقيمة اجتماعية وأخلاقية وبهذا فإنّ ما تبقى يجب أن يسقط، وما تبقى هنا هو" ليست خصوصية قومية بل مفهوم الخصوصية نفسه، وليس تاريخا بعينه بل فكرة التاريخ، وليس هوية بعينها وإنما كل الهويات،وليس منظومة قيمية بل فكرة القيمة وليس نوعا بشريا، وإنّما فكرة الإنسان المطلق نفسه ".( )
يقول العالم الأمريكي المعروف ناعوم تشومسكي: "إنّ العولمة الثقافية ليست سوى نقلة نوعية في تاريخ الإعلام، تعزز سيطرة المركز الأمريكي على الأطراف، أي على العالم كله".( ) يقول بلقيزر: "العولمة كما يدعي روادها هي انتقال من مرحلة الثقافة الوطنية إلى ثقافة عليا جديدة "عالمية"، وهي في حقيقتها اغتصاب ثقافي وعدوان رمزي على سائر الثقافات الأخرى،وهي اختراق تقني يستخدم وسائل النقل والاتصال لهدر سيادة الثقافات الأخرى للشعوب، وفرض الثقافة الغربية".( )
ويقول د.عبد الفتاح أحمد الفاوي:" ليست العولمة انتقالاً من ظاهرة الثقافة الوطنية والقومية إلي ثقافة عليا جديدة هي الثقافة العالمية بل إنّها فعل اغتصاب ثقافي وعدواني رمزي علي سائر الثقافات خاصة ثقافتناالعربيةوالإسلامية".( )
ودعا دافايد روشكويف (أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كولومبيا والمسئول السابق في حكومة الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون) الولايات المتحدة إلى استغلال الثورة المعلوماتية الكونية للترويج للثقافةوالقيم الأمريكية على حساب الثقافات الأخرى، لأنّ الأمريكان أكثر الأمم عدلاً وتسامحاً وهم النموذج الأفضل للمستقبل، والأقدر على قيادة العالم.( )
ويقول شتراوس هوب في كتابه(توازن الغد):"إنّ المهمة الأساسية لأمريكا توحيد الكرة الأرضية تحت قيادتها، واستمرار هيمنة الثقافة الغربية، وهذه المهمة التي لا بد من إنجازها بسرعة في مواجهة نمور آسيا وأيّ قوى أخرى لا تنتمي للحضارة الغربية".( ) إذاً من الأهداف الثقافية للعولمة: الترويج لفلسفة النظام الغربي الرأسمالي النفعي البرجماتي، وفرض الثقافة الغربية الوافدة وجعلها في محل الصدارة والهيمنة في العالم وقهر الهوية الثقافية للأمم والشعوب الأخرى، على أن تظل الثقافات الأخرى محدودةً في نطاق السلوك الفردي لا تتعداه، فالدساتير والنظم والقوانين والقيم الأخلاقية يجب أن تستمد من الفلسفة المادية النفعية، ومن ثقافة الرجل الأبيض العلمانية، المناهضة للعقائد والشرائع السماوية.( )
يقول المفكر الإسلامي الألماني الدكتور مراد هوفمان :العولمة تتبنى الوسائل المريبة الزاحفة لتمزيق الأمة الإسلامية،والطغيان على قيمها السامية بالعمل على شيوع القيم المتدنية التي تصاحب بالغزو الفكري، والاستهلاكي مثل:طغيان الاستهلاك والنهم المادي،وشيوع العنف والجنس،والمادية،والفردية،والافتتان بالثروة والسعي إليها بأي سبيل والتخلي عن القيم.
ويقول الباحث د. محمد أمخرون: "ومن المؤكد أن المستهدف بهذا الغزو الثقافي هم المسلمون. وذلك لما يلي:-
أ – ما تملكه بلادهم من مواد أولية هائلة يأتي على رأسها النفط والغاز وثروات طبيعية أخرى.
ب – ما ثبت لهم عبر مراكزهم وبحوثهم وجامعاتهم ومستشرقيهم من أنّ هذه الأمة مستعصية على الهزيمة، إذا حافظت على هويتها الإسلامية ومن ثم فالطريق الوحيد لإخضاعها يتمثل في القضاء على تفرد شخصيتها وإلغاء دينها الذي يبعث فيها الثورة والرفض لكل أشكال الاحتلال والسيطرة ".( )
جـ – الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني في قلب العالم الإسلامي، وهو من أهم أهداف العولـمة في بلاد العرب والمسلمين.
د – الحضارة الإسلامية بعقيدتها وشريعتها ونظام أخلاقها وإنجازاتها التاريخية هي النقيض الوحيد الشامل لفلسفة العولـمة ودينها وأنظمتها وقيمها الهابطة في هذه الدنيا التي نعيش فيها.
وترجع قوة تأثير الثقافة الأمريكية إلى مجموعة من الأسباب منها:-
"*هيمنة شركات الإعلام الأمريكية على التسويق العالمي، واعتماد اقتصاديات دول أخرى كثيرة على الاقتصاد الأمريكي.فمعظم مواد وتجهيزات الصناعة التقليدية،والإعلام الورق، الحبر،آلات الطباعة، آلات التصوير بيد الدول المصنعة،وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
* جميع مواد وتجهيزات الاتصال الحديثة بيد المجموعة نفسها ويتحكم فيها كلياً مركز واحد للهيمنة،وجميع وسائل تجهيزات المعلومات والحاسوب، وغزو الفضاء.
* التفوق الأمريكي في صناعة الأفلام والموسيقى،وتمتعها بسوق خارجية ضخمة في ظل انتشار التلفزيون، والأقمار الصناعة،وقنوات الفضاء التي أدخلت البث التلفزيوني إلى كل بيت في العالم.
تشير إحصاءات منظمة اليونسكو عن الوطن العربي إلي أنّ شبكات التليفزيون العربية تستورد ما بين ثلث إجمالي البث كما في سوريا ونصف هذا الإجمالي كما في تونس والجزائر، أما في لبنان فإن البرامج الأجنبية تزيد علي نصف إجمالي المواد المبثوثة إذ تبلغ 58,5% وتبلغ البرامج الأجنبية في لبنان 69% من مجموع البرامج الثقافية، ولا تكتفي بذلك، بل وغالب هذه البرامج يبث من غير ترجمة، وثلثا برامج الأطفال تبث بلغة أجنبية من غير ترجمة في معظمها.( )
* القابلية التسويقية التي تتمتع بها المنتجات الثقافية الأمريكية الهابطة والمكونة من مزيج ثقافات وافدة من أنحاء العالم، وليست لها هوية ذات جذور محددة.
* قيام أمريكا بتطوير صناعة ثقافية موجهة لشريحة الشباب داخل وخارج أمريكا، وهم الشريحة الأوسع على مستوى العالم، وهم رجال المستقبل الذين سيشغلون في مجتمعاتهم مواقع التأثير والنفوذ.ولقد فتحت أمريكا معاهدها وجامعاتها أمام الطلبة من أنحاء العالم، وهؤلاء يشكلون النخب في بلدانهم بعد عودتهم إليها بما يحملون من الأنماط الثقافية وطرق التفكير المقتبسة من أمريكا ".( )
إنّ عملاء الغرب في العالم الإسلامي الذين يروجون العولمة يحاولون جادين تعميم الفلسفة المادية والفكر الغربي العلماني ليصبح العالم الإسلامي جزءاً من المنظومة العلمانية العالمية التي تتميّز بخصائص معينة وتظهر بثقافة واحدة، تتجاوز الفكر الإسلامي بكل أبعاده الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والخلقية. "وإذا كان العالم الإسلامي يوجد تحت تأثير ظاهرة العولمة الثقافية، بالنظر إلى أوضاعه الاقتصادية، والاجتماعية،والتعليمية والثقافية والعلمية،والإعلامية التي هي دون ما نطمح إليه، فكيف يتسنى له أن يواجه مخاطر هذه العولمة ويقاوم تأثيراتها ويتغلب على ضغوطها؟.
إنّ الواقع الذي تعيشه بلدان العالم الإسلامي يوفّر الفرص المواتية أمام تغلغل التأثيرات السلبية للعولمة الثقافية، لأن مقوّمات المناعة ضد سلبيات العولمة، ليست بالدرجة الكافية التي تقي الجسمَ الإسلاميَّ من الآفات المهلكة التي تتسبَّب فيها هذه الظاهرة العالمية المكتسحة للمواقع والمحطّمة للحواجز".( )
ومن آثار العولمة في الهوية الثقافية:-
* شيوع الثقافة الاستهلاكية -لأنّ العولمة تمجِّد ثقافة الاستهلاك- التي استخدمت كأداة قوية فاعلة في إطلاق شهوات الاستهلاك إلى أقصى عنان ومن ثمَّ تشويه التقاليد والأعراف السائدة في العالم الإسلامي.
* تغريب الإنسان المسلم وعزله عن قضاياه وهمومه الإسلامية،وإدخال الضعف لديه،والتشكيك في جميع قناعته الدينية،وهويته الثقافية.( )
* إشاعة ما يسمى بأدب الجنس وثقافة العنف التي من شأنها تنشئة أجيال كاملة تؤمن بالعنف كأسلوب للحياة وكظاهرة عادية وطبيعية.( ) وما يترتّب على ذلك من انتشار الرذيلة والجريمة والعنف في المجتمعات الإسلامية، وقتل أوقات الشباب بتضييعها في توافه الأمور وبما يعود عليه بالضرر البالغ في دينه وأخلاقه وسلوكه وحركته في الحياة، وتساهم في هذا الجانب شبكات الاتصال الحديثة والقنوات الفضائية وبرامج الإعلانات والدعايات للسلع الغربية وهي مصحوبة بالثقافة الجنسية الغربية التي تخدش الحياء والمروءة والكرامة الإنسانية ولقد أثبتت الدراسات الحديثة خطورة القنوات الفضائية-بما تبثه من أفلام ومسلسلات جنسية فاضحة-على النظام التعليمي والحياة الثقافية والعلاقات الاجتماعية ونمط الحياة الاقتصادية في العالم الإسلامي.( )
وفي دراسة أعدها مركز دراسات المرأة والطفل بالقاهرة على1472: فتاه، وسيدة مصرية..تبين أنّ الأفلام التي يشاهدنها:85% أفلاماً جنس، 75% بها مشاهد جنسية، 85% أفلام عنف وحروب،23% أفلام فضاء، 68% أفلاماً عاطفية قديمة وحديثة، 21% أفلاما أخرى،6% فقط من عينة البحث يشاهدن نشرات الأخبار وبرامج ثقافية وترفيهية،ولم يذكرنّ الأفلام العلمية، لأنها لم تنل منهن أي اهتمام يذكر.( )
كما أثبتت الدراسات الحديثة أن شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) أكبر قوة دافعة للعولمة المدوية لصناعة الجنس.ويرى معهد فوريستر للأبحاث (كيمبردج ماساشوسيتس)أنّ صناعة البورنو على شبكة المعلومات الدولية تبلغ نحو مليار دولار سنويا من حيث القيمة،وإنّها مرشحة للتعاظم. فشبكة المعلومات الدولية تزيل بضربة واحدة، أكبر عقبتين تعترضان بيع الصور والخدمات الجنسية: الخجل والجهل.فالأمر لا يحتاج أكثر من أن يلقي نظرة على "دليل الجنس في العالم"،وهو موقع على شبكة معلومات الدولية،ليجد عروضاً مفصّلة عن المواخير،ووكالات تأجير المرافقات والنوادي الليلية في مئات المدن الكبرى حول العالم. وتتيح شبكة معلومات الدولية أيضا للناس تجاوز الرقابة المحلية والحصول على صور يرغبونها من أي مكان في أرجاء المعمورة.( )
* ومن آثار عولمة الثقافة انتشار نوعية مميزة من الثقافة المادية والمعنوية الأمريكية حيث سيطرت الثقافة الأمريكية الشعبية على أذواق البشر فأصبحت موسيقى وغناء مايكل جاكسون،وتليفزيون رامبو، وسينما دالاس هي الآليات والنماذج السائدة في مختلف أنحاء العالم وأصبحت اللغة الإنجليزية ذات اللكنة الأمريكية هي اللغة السائدة.( )
*ومن آثار العولمة في طمس الهوية الثقافية للأمة الإسلامية انتشار الأزياء والمنتجات الأمريكية في كثير من الدول الإسلامية، لأنّ هذه السلع تحمل في طياتها ثقافة مغايرة تسحق ثقافات الأمم المستوردة لها وظهور اللغة الإنجليزية على واجهات المحلات والشركات، وعلى اللعب والهدايا وعلى ملابس الأطفال والشباب.

ولقد أثبتت الإحصائيات الصادرة لعام 1995م أنّ النساء في السعودية: استهلكن:538 طناً من أحمر الشفاه،43 طنا من طلاء الأظافر41 من مزيلات الطلاء، 232 طناً من مسحوق تجميل العيون 445 طناً من مواد صبغة الشعر، إنفاق 1200-1500 مليون ريال سعودي على العطور. وأربعة آلاف وأربعمائة امرأة مصاريفهن خلال الصيف فقط:110 ملايين ريال فساتين الحفلات، و8 آلاف ريال متوسط كلفة الفستان وما تنفقه المرأة الواحدة على كل زينتها خلال الحفلة25 ألف ريال.
وحسب إحصائيات 1997م على نساء الخليج: 799 مليون دولار أنفقت على العطور،4 مليون دولار على صبغات الشعر،واستهلكن 600 طن من أحمر الشفاه، و50 طناً من طلاء أظافر، و1,5 مليار دولار تنفقها المرأة الخليجية على مستحضرات التجميل.( )
واستهلكن:298 ألف كيلو جرام وزن مستحضرات تجميل العيون 96 ألف كيلو جرام لتلميع الأظافر، 334 ألف كيلو جرام لطلاء الوجه599 ألف كيلو مستحضرات وقاية الجلد من الشمس، 4 ألف كيلو جرام مستحضرات تطرية الجلد،401 ألف كيلو جرام مستحضرات تجعيد الشعر أو تنعيمه، 784 ألف كيلو جرام مستحضرات صبغ الشعر.( )
قد ينبري بعض السذج من الناس فيقول: وأي خطر حقيقي يمكن أن يهدّد المسلمين إذا شاعت هذه المطاعم والأزياء والتقاليد والمنتجات الأوربية والأمريكية؟! والجواب: هو المثل الفرنسي المشهور الذي يقول: (أَخبرْني ماذا تأكل أُخبرْك مَن أنت!)؛ فالأزياء,والمطاعم،والمأكولات والمشروبات، وغيرها من المنتجات تجلب معها مفاهيم بلد المنشأ، وقيمه وعاداته ولغته، وذلك يوضح الصلة الوثيقة بين هذه المنتجات وبين انفراط الأسرة،وضعف التدين،وانتشار الكحول والمخدّرات،والجريمة المنظمة.وأيضا فإنًّ أي مطعم أو متجر من (الماركات) الغربية المشهورة يقام في بلادنا- ينهار أمامه عشرات المؤسسات الوطنية الوليدة،التي لا تملك أسباب المنافسة، ممّا يزيد من معدلات الفقر والبطالة.( )
ولقد ثبت أنّ الأزياء الأوربية والأمريكية قد كتبت عليها عبارات باللغة الإنجليزية( ) تحتوي على ألفاظ وجمل جنسية مثيرة للشهوات ومحركة للغرائز الجنسية، وأيضاً لا دينية تمس المشاعر والمقدسات والأخلاق الإسلامية وتروج للثقافة الغربية التي تقوم على الإباحية والحرية الفوضوية في مجال العلاقات بين الرجل والمرأة.( )
ولقد أدركت بعض الدول خطورة الآثار الثقافية للعولمة في بلدانها ومن هذه الدول فرنسا، فهذا وزير العدل الفرنسي جاك كوبون يقول: "إن الإنترنت بالوضع الحالي شكل جديد من أشكال الاستعمار،وإذا لم نتحرك فأسلوب حياتنا في خطر، وهناك إجماع فرنسي على اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة لحماية اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية من التأثير الأمريكي".( ) بل إن الرئيس الفرنسي جاك شيراك عارض قيام مطعم "ماكدونالدز( ) الذي يقدم الوجبات الأمريكية، مسوغًا ذلك أن يبقى برج أيفل منفردًا بنمط العيش الفرنسي.( ) كما قام وزير الثقافة الفرنسي بهجوم قوي على أمريكا في اجتماع اليونسكو بالمكسيك، وقال: "إني أستغرب أن تكون الدول التي علّمت الشعوب قدراً كبيراً من الحرية، ودعت إلى الثورة على الطغيان، هي التي تحاول أن تفرض ثقافة شمولية وحيدة على العالم أجمع...إن هذا شكل من أشكال الإمبريالية المالية والفكرية، لا يحتل الأراضي، ولكن يصادر الضمائر، ومناهج التفكير، واختلاف أنماط العيش".( )
رابعاً: الأهداف والآثار الدينية:
العولمة آتية من الغرب الصليبي الكافر الذي يعتمد الأنظمة والمفاهيـم العلمانية اللادينية.ولقد حذرنا الله تعالى من اليهود والنصارى فقال عز وجل: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) البقرة:120 وقال:(وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا ) البقرة:217.وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة:51.
يقول الدكتور جلال أمين: "وهناك من يكره العولمة لا لسبب اقتصادي، بل لسبب ديني. فالعولمة آتية من مراكز دينها غير ديننا، بل هي قد تنكرت للأديان كلها، وآمنت بالعلمانية التي لا تختلف كثيراً في نظر هؤلاء عن الكفر، ومن ثمَّ ففتح الأبواب أمام العولمة هو فتح الأبواب أمام الكفر، والغزو هنا في الأساس ليس غزواً اقتصادياً، بل غزو من جانب فلسفة للحياة معادية للدين، والهوية الثقافية المهددة هنا هي في الأساس دين الأمة وعقيدتها، وحماية الهوية معناها في الأساس الدفاع عن الدين".( )
فمن أهداف العولمة الدينية:-
1- التشكيك في المعتقدات الدينية وطمس المقدسات لدى الشعوب المسلمة لصالح الفكر المادي اللاديني الغربي، أو إحلال الفلسفة المادية الغربية محل العقيدة الإسلامية.
2- استبعاد الإسلام وإقصاؤه عن الحكم والتشريع،وعن التربية والأخلاق وإفساح المجال للنظم والقوانين والقيم الغربية المستمدة من الفلسفة المادية والعلمانية البرجماتية.( )
3- تحويل المناسبات الدينية إلى مناسبات استهلاكية، وذلك بتفريغها من القيم والغايات الإيمانية إلى قيم السوق الاستهلاكية، فعلى سبيل المثال: استطاع التقدم العلمي والتقني الحديث أن يحوّل شهر رمضان(شهر الصوم والعبادة والقرآن)وعيد الفطر خاصة من مناسبة دينية إلى مناسبة استهلاكية.( )
ومن آثار العولمة في هذا الجانب: التحدي الخطير الذي تواجهه الشريعة الإسلامية من القوى المحلية العلمانية التي تتلقى الحماية الدولية المعنوية والمادية باسم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان،ولقد انتشرت الجمعيات الأهلية المدعومة غربياً،التي تقوم بمحاربة الهوية الثقافية الإسلامية، وإثارة الشبه والشكوك حول النظم والتشريعات الإسلامية،وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين المرأة والرجل وقضايا المرأة المسلمة،وتطالب بعضها جهاراً نهاراً الحكومات والمجالس البرلمانية إصدار القوانين وفق مواثيق الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان بعيداً عن النظم والتشريعات الإسلامية. ولكن أخطر ما في العولمة نسبية الحقيقة التي تقوم عليها،وهي التي تتصادم تصادماً مباشراً مع ثوابت الدين الإسلامي المستمدة من النص:القطعي الثبوت القطعي الدلالة، لذلك نجد أن قوى العولمة تدعم كل من يروج لنسبية الحقيقة، فقد امتدح "بللترو"وكيل وزارة الخارجية الأمريكية الأسبق ثلاثة من الكتّاب العرب ودعا إلى ترويج كتاباتهم واعتمادها، وهم:- محمد شحرور من سورية ومحمد سعيد العشماوي من مصر، ومحمد أركون من الجزائر،وإنّ ما يجمع هؤلاء الثلاثة هو إيمانهم بنسبية الحقيقة، وتفسيرهم النص القطعي الثبوت القطعي الدلالة الذي يتناول ثوابت الدين الإسلامي:العقائد والحدود،والميراث،وتشريعات الأسرةكالزواج،والطلاق..على أنه انعكاس لبيئة العرب الجاهلية، وربطهم بينه وبين الواقع الجاهلي، ولذلك فنحن لسنا ملزمين به،وعلينا أن نفسّر هذه النصوص على ضوء واقعنا الجديد ونعطيها مضموناً وبعداً جديداً- أي حسب أهوائهم- أي بمعنى ثبوت النص وتغيّر المعنى، وبالإضافة إلى ذلك فإن كثيراً من المعارك الثقافية التي دارت أخيراً هي تجسيد للصراع بين نسبية الحقيقة التي تقوم عليها العولمة وبين ثوابت ديننا الإسلامي، ومن أبرز هذه المعارك ما ذكره د. نصر حامد أبو زيد عن النصوص القطعية الثبوت والدلالة التي تتناول قضايا عقائدية:كالكرسي،والعرش، والميزان، والصراط والملائكة،والجن والشياطين، والسحر،والحسد…فقد اعتبرها ألفاظاً مرتبطة بواقع ثقافي معين، ويجب أن نفهمها على ضوء واقعها الثقافي، واعتبر أنّ وجودها الذهني السابق لا يعني وجودها العيني،وقد أصبحت ذات دلالات تاريخية، والدكتور نصر حامد أبو زيد في كل أحكامه السابقة ينطلق من أن النصوص الدينية نصوص لغوية تنتمي إلى بنية ثقافية محدودة، تمّ إنتاجها طبقاً لنواميس تلك الثقافة التي تعد اللغة نظامها الدلالي المركزي وهو يعتمد على نظرية عالم اللغة "دي سوسير" في كل ما يروّج له وينتهي الدكتور أبو زيد إلى ضرورة إخضاع النصوص الدينية إلى المناهج اللغوية المشار إليها سابقاً؟( )

خامساً: الأهداف والآثار الاجتماعية والخلقية:-
من مخاطر العولمة في الجانب الاجتماعي: أنها تركز على حرية الإنسان الفردية إلى أن تصل للمدى الذي يتحرر فيه من كل قيود الأخلاق والدين والأعراف المرعية، والوصول به إلى مرحلة العدمية, وفي النهاية يصبح الإنسان أسيراً لكل ما يعرض عليه من الشركات العالمية الكبرى التي تستغله أسوأ استغلال، وتلاحقه به بما تنتجه وتروج له من سلع استهلاكية أو ترفيهية، لا تدع للفرد مجالا للتفكير في شيء آخر وتصيبه بالخوف.( )
وأيضاً تكريس النزعة الأنانية لدى الفرد، وتعميق مفهوم الحرية الشخصية في العلاقة الاجتماعية، وفي علاقة الرجل بالمرأة، وهذا بدوره يؤدي إلى التساهل مع الميول والرغبات الجنسـية، وتمرد الإنسان على النظم والأحكام الشرعية التي تنظم وتضبط علاقة الرجل بالمرأة. وهذا بدوره يؤدي إلى انتشار الإباحية والرذائل والتحلل الخلقي وخدش الحياء والكرامة والفطرة الإنسانية.
إنّ ثقافة العولمة ثقافة مادية بحتة لا مجال فيها للروحانيات أو العواطف النبيلة، أو المشاعر الإنسانية، إنها تهمل العلاقات الاجتماعية القائمة على التعاطف والتكافل والاهتمام بمصالح وحقوق الآخرين ومشاعرهم. فهي تشكل عالماً يجعل من الشح والبخل فضيلة، ويشجع على الجشع والانتهازية والوصول إلى الأهداف بأي وسيلة دون أدنى التفات إلى القيم الشريفة السائدة في المجتمع.( ) إنّ وسائل العولمة في مجال الإعلام والاتصالات-و خاصة الأقمار الصناعية- التي تلف حول العالم في كل لحظة، وتتسلل إلى البيوت على وجه الأرض كلها، دون استئذان،وتلعب بشخصية الأفراد والأمم جميعاً تثير في برامجها وأنشطتها الشهوات الجنسية، وتزين عبادة الجسد، وتشيع أنواع الشذوذ، وتحطم قيم الفطرة الإنسانية الرفيعة، فتتناقض بذلك مع النظام الإسلامي الاجتماعي والأخلاقي الذي أراد الإسلام في ظله أن يبني مجتمعاً نظيفاً،مؤمناًً فاضلاً عفيفاً. جاء في خطاب الرئيس بوش-الابن-عن حال الاتحاد اليهودي المسيحي في 29 يناير عام 2002مـ : "ومن الآن فصاعداً يحق للعالم: تناول الخمر والتدخين، وممارسة الجنس السوي أو الشذوذ الجنسي، بما في ذلك سفاح القربى واللواط، والخيانة الزوجية،والسلب،والقتل،وقيادة السيارات بسرعة جنونية، ومشاهدة الأفلام والأشرطة الخلاعية داخل فنادقهم أو غرف نومهم".( )
ولتنفيذ مخططاتهم في هدم كيان المجتمع الإسلامي من خلال المرأة- لأهمية دورها في بناء كيان الأسرة والمجتمع- ساروا في ثلاثة مسارات في آن واحد، وهي:-
أ- التمويل الأمريكي والأوربي للجمعيات والمنظمات الأهلية النسائية العلمانية،والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان،والمؤتمرات العالمية للتعليم والمرأة من أجل تنفيذ مخططات إخراج المرأة المسلمة من الأخلاق الإسلامية، وتمردها على أحكام الشريعة الربانية.
ب - الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية حقوق الإنسان، وإزالة آثار كافة أشكال التمييز ضد المرأة ، وإلزام الدول الإسلامية بالتوقيع عليها، مقابل إعفائها من بعض الديون المترتبة عليها.وهنالك محاولات لتضليل الرأي العام وإيهام المرأة المسلمة أنّ الظلم كله واقع عليها، وأن هذه الاتفاقية سترفع عنها الجور والظلم، وأنّ الأمم المتحدة ستحررها من سطوة مجتمعها، مع أنّها في حقيقة الأمر تريد هلاكها وهلاك مجتمعها.
ج- المؤتمرات النسائية والتي يقصد بها هدم المجتمعات البشرية، ولا سيما المجتمعات الإسلامية. وبمراجعة البحوث التي ألقيت في المؤتمرات النسائية التي عقدت في بعض البلاد الإسلامية، نجدها جميعها تريد إخراج المرأة المسلمة من النظام الاجتماعي الإسلامي الذي ينظر إلى المرأة من خلال فطرتها واستعداداتها وكرامتها.( )
يقول الباحث الدكتور عماد الدين خليل: "وفي الجانب الاجتماعي تسعى العولمة إلى تعميم السياسات المتعلقة بالطفل والمرأة والأسرة وكفالة حقوقهم في الظاهر، إلا أنّ الواقع هو إفساد وتفكيك الأفراد واختراق وعيهم، وإفساد المرأة والمتاجرة بها،واستغلالها في الإثارة والإشباع الجنسي، وبالتالي إشاعة الفاحشة في المجتمع، وبالمقابل تعميم فكرة تحديد النسل، وتعقيم النساء، وتأمين هذه السياسات وتقنينها بواسطة المؤتمرات ذات العلاقة:(مؤتمر حقوق الطفل)،(مؤتمر المرأة في بكين),(مؤتمر السكان)،وما تخرج به هذه المؤتمرات من قرارات وتوصيات واتفاقيات تأخذ صفة الدولية،ومن ثمّ الإلزامية في التنفيذ والتطبيق...وما تلبث آثار ذلك أن تبدو واضحة للعيان في الواقع الاجتماعي استسلامًا وسلبية فردية، وتفككًا أسريًا واجتماعيًا، وإحباطات عامة، وشلل تام لدور المجتمع الذي تحول إلى قطيع مسير ومنقاد لشهوته وغرائزه، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكراً، متحللا من أي التزامات أسرية واجتماعية، إلا في إطار ما يلبي رغباته وشهواته وغرائزه ".( )
إنّ العولمة تجيز الشذوذ الجنسي والعلاقات الجنسية الآثمة بين الرجل والمرأة، بل بين الرجل والرجل. ولبيان هذا الجانب الخطير المدمر للحياة الاجتماعية في العالم الإسلامي،ويظهر ذلك عند مراجعة وثيقة مؤتمر الأمم المتحدة المسمى المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي عقد في القاهرة من 5-13 سبتمبر عام 1994م وأذكر هنا بعض الأمور التي ركزت عليها هذه الوثيقة :-
* الفرد هو الأسـاس،ومصالحـه ورغباتـه هـي المعيـار، لا الديـن ولا الأمة،ولا العائلة،ولا التقاليد،ولا العرف. ومن حق الفرد التخلص من القيود التي تفرض من جانب تلك الجهات.
* تتحدث عن ممارسة الجنس دون أن تفترض وجود زواج،وعن ممارسة الجنس بين المراهقين دون أن تستهجنه، والمهم في نظر الوثيقة ألا تؤدي هذه الممارسة إلى الوقوع في الأمراض، والواجب توعية المراهقين وتقديم النصائح المتعلقة بممارسة الجنس ومنع الحمل، وتوفير منتهى السرية لهم، واحترام حقهم في الاحتفاظ بنشاطهم الجنسي سراً عن الجميع.
* تستهجن الوثيقة الزواج المبكر لأنه يؤدي -في نظرها- إلى زيادة معدل المواليد.
* الإجهاض: لا تدين الوثيقة الإجهاض حتى ولو لم يكن ثمة خطر على صحة الأم،المهم أن يكون الإجهاض آمناً لا يهدد حياة الأم."إنّ الإجهاض الذي تدعو إليه منظمة الأمم المتحدة من خلال مؤتمرها هذا، صلته وثيقة بالإباحية للجنس، المسقطة للقيود والالتزامات، دونما شرع أو قواعد آمرة ضابطة، وعلينا الوعي بأنّ الحديث عن الإجهاض في هذا المؤتمر لم يكن حديثاً عن كونه حكماً، أو فتوى لحالة أو حالات معينة وإنّما كان الحديث عنه بحسبانه سياسة عامة، مما يعني أنّ الإجهاض بهذا المعنى إسناد للإباحية".( )
* استهجنت الوثيقة الأمومة المبكرة -دون أن تميز بين ما إذا كانت هذه الأمومة قد حدثت في نطاق الزواج الشرعي أم خارجه- لأنها في نظرها تزيد من معدلات النمو ، وتقيد المرأة من العمل والمساهمة في الإنتاج.
* استخدمت الوثيقة لفظ "قرينين" بدلاً من زوجين، فلفظ قرينين أكثر حياداً، لأنّه لا يفترض وجود رباط قانوني معين. وهذا الحياد يجعل الشذوذ الجنسي( ) والعلاقات الجنسية دون زواج أمراً جائزاً ومقبولاً.
* المساواة بين المرأة والرجل: تدعو الوثيقة إلى المساواة التامة بين الطرفين، وحثت المرأة على إلغاء الفوارق الطبيعية بينها وبين الرجل، ومن ذلك: اشتراك الرجل في الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال أسوة بالنساء، دون النظر إلى اختلاف الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين الرجال والنساء( ).
* استخدم مشروع برنامج عمل المؤتمر في فقرات عديدة مصطلحات كثيرة، منها على سبيل المثال:‏1ـ الصحة الجنسية Sexual Health.
2 ـ صحة التكاثــر Reproductive Health
3 ـ حقوق التكاثر Reproductive Rights
وذلك دون بيان مراده من حقيقة هذه المصطلحات، أو بيان ماهيتها بيانًا جامعًا مانعًا، كما يقول أهل الأصول عندنا، أو حتى الإشارة إلى طبيعتها أو محتوياتها، أو مدى حدودها، وإنما ربط هذا الخطاب الغربي للعالم، هذه المصطلحات العجيبة بممارسة الجنس، على مستوى الأفراد،وليس داخل نطاق الأسرة فقط.( )
* "إنّ قارئ الوثيقة الأساسية محل التعليق، والمكونة من أكثر من مائة وإحدى وعشرين صفحة، من القطع الكبير، يلاحظ أنه ورد بها مكررًا،بل مئات المرات،عبارات مثل الخدمات الصحية التناسلية، والجنسية النشاط الجنسي للأفراد،اعتبار ممارسة الجنس والإنجاب حرية شخصية، وليست مسؤولية جماعية... إلخ،هذا الذي يفوح خبثًا، وكأن المؤتمر يُعنى بصورة أساسية بأمور الجنس، والتناسل، وليس بالسكان والتنمية".
وقد أفصح المفكر الفرنسي المسلم رجاء جارودي عن نوايا مقررات مؤتمر القاهرة في الرسالة التي وجهها للمؤتمر ونشرتها صحيفة الشعب في القاهرة بعددها 16/9/1994م.( ) ومن المدهش أنّ رئيسة جمعية "الأمهات الصغيرات في أمريكا" حذرّت المسلمين في مؤتمر القاهرة من خطورة الأمركة،فقالت:" لقد دمّروا المجتمع الأمريكي وجاءوا الآن بأفكارهم للمجتمعات الإسلامية، حتى يدمروها،ويدمروا المرأة المسلمة ودورها فيها".( )
ومن آثار العولمة في الجانب الاجتماعي زيادة معدلات نسبة الجريمة ليس في الدول النامية وحدها، بل في كل الدول الأوربية الغنية وقد أكّد هذا الأمر الكاتبان الألمانيان (هانسبيتر مارتين، وهارالدشومان) حيث قالا: "ينتفع مرتكبو الجرائم متعدية الجنسيات أيضاً من إلغاء القيود القانونية المفروضة على الاقتصاد، فعلى مستوى كل البلدان الصناعية تتحدث دوائر الشرطة والقضاء عن طفرة بينة في نمو الجريمة المنظمة وكان أحد موظفي الشرطة الدولية قد أشار إلى هذه الحقيقة بعين العقل حينما راح يقول: "إنّ ما هو في مصلحة التجارة الحرة، هو في مصلحة مرتكبي الجرائم أيضاً".( ) ويضيفان: "إنّ النتائج المترتبة تثير الرعب بلا شك، ففي منظور الخبراء أضحت اليوم الجريمة المنظمة عالمياً، أكثر القطاعات الاقتصادية نمواً، إنه يحقق أرباحاَ تبلغ خمسمائة مليار دولار في العام".( )
ويمكن أن نمثّل بالولايات المتحدة الأمريكية أبرز قلاع الرأسمالية، فالجريمة اتخذت هناك أبعاداً بحيث صارت وباءً واسع الانتشار. ففي ولاية كاليفورنيا - التي تحتل بمفردها المرتبة السابعة في قائمة القوى الاقتصادية العالمية – فاق الإنفاق على السجون المجموع الكلي لميزانية التعليم. وهناك 28 مليون مواطن أمريكي،أي ما يزيد على عشر السكان قد حصّنوا أنفسهم في أبنية وأحياء سكنية محروسة. ومن هنا فليس بالأمر الغريب أن ينفق المواطنون الأمريكيون على حراسهم المسلّحين ضعف ما تنفق الدولة على الشرطة.( ). في سنة 1965م وقعت خمسة ملايين جريمة، ثم ازدادت الجرائم الخطيرة أسرع أربع عشرة مرة من الزيادة السكانية (187 % مقابل 13 %).وفي أمريكا: تحدث جريمة كل 12 ثانية،وجريمة قتل كل ساعة، وجريمة اغتصاب للعرض كل 25 دقيقة -مع أن الجنس مباح- وجريمة سرقة كل خمس دقائق، وسرقة سيارة كل دقيقة.( ) واتَّهَمَ الرئيس نكسون (هوليود) بتدمير المجتمع الأمريكي،من خلال ما تنتجه من مادة إعلامية تدعو للإباحية الجنسية.واجتمع الرئيس كلينتون مع 400 سينمائي من هوليود والتمس منهم الرحمة بالمجتمع الأمريكي،عن طريق الكف عن إنتاج الأفلام الجنسية الإباحية.‏( )
ومن آثار العولمة في الجانب الاجتماعي أيضاً زيادة معدلات الفقر والبطالة،( ) وتوهين العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، والظلم الاجتماعي الذي يصيب الأسر الفقيرة نتيجة تقليص الدولة للدعم الاجتماعي لهذه الأسر، ستؤدي العولمة إلى تشغيل خمس المجتمع وستستغني عن الأربع الأخماس الآخرين نتيجة التقنيات الجديدة المرتبطة بالكمبيوتر، فخمس قوة العمل كافية لإنتاج جميع السلع، وسيدفع ذلك بأربعة أخماس المجتمع إلى حافة الفقر والجوع ، ومن مخاطر العولمة أيضاً قضاؤها على حلم مجتمع الرفاه، وقضاؤها على الطبقة الوسطى التي هي الأصل في إحداث الاستقرار الاجتماعي وفي إحداث النهضة والتطور الاجتماعي.( ) ولقد أصدرت الأمم المتحدة أخيراً تقريراً يفيد بأنّ قوى العولمة رغم إتاحتها فرص لم يحلم بها لمنفعة بعض الشعوب وبعض الدول إلا أنها قد أسهمت في الوقت نفسه في كثير من دول العالم في رفع معدلات الفقر والظلم،والقلق على فرص العمل، وإضعاف المؤسسات التي تقدم الدعم الاجتماعي للفقراء كما أسهمت في تفتت القيم والعادات السائدة منذ زمن بعيد.( )
بعض النتائج الخطيرة التي بدأت تظهر في العالم أجمع بفعل العولمة:-
أجمع الباحثون على ظهور نتائج خطيرة بفعل تيّار العولمة الذي اكتسح العالم المعاصر، ومن هذه النتائج:-
* حوار الشمال والجنوب قضى نحبه، كما قضى نحبه صراع الشرق والغرب. فقد أسلمت فكرة التطور الاقتصادي الروح، فلم تعد هنالك لغة مشتركة،بل لم يعد هناك قاموس مشترك لتسمية المشكلات. فالمصطلحات من قبيل الجنوب والشمال، والعالم الثالث،والتحرر لم يبق لها معنى.( )
* من وجهة مُنظري العولـمة: إن المجتمعات العاجزة عن إنتاج غذائها أو شرائها بعائد صادراتها الصناعية مثلاً، لا تستحق البقاء، وهي عبء على البشرية، أو على الاقتصاد العالمي، ويمكن أن يعرقل نموها الذي يحكمه قانون البقاء للأصلح. ولذلك يجب إسقاطها من الحساب.ولا ضرورة بالتالي لوقوف حروبها الأهلية أو مساعدتها أو نجدتها.( )
* عاد الاستعمار الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي من جديد في صورة العولـمة بالاقتصاد الخ، واتفاقية الجات، والمنافسة، والربح، والعالم قرية واحدة، والتبعية السياسية، وتجاوز الدولة القومية، ونشر القيم الاستهلاكية، مع الجنس والعنف والجريمة المنظمة.( )
* لقد غدا العالم الذي خضع للعولمة، بدون دولة، بدون أمة، بدون وطن لأنه حوّل هذا العالم إلى عالم المؤسسات والشبكات، وعالم الفاعلين والمسيرين،وعالم آخر،هم المستهلكون للمأكولات والمعلبات والمشروبات والصور،والمعلومات،والحركات،والسكنات التي تفرض عليهم.أما وطنهم فهو السيبرسبيس: أي (الواقع الافتراضي الذي نشأ في رحاب شبكة المعلومات الدولية وسائر وسائل الاتصال، ويحتوي الاقتصاد والسياسة والثقافة).( )
يقول أحد الكتاب الفرنسيين عن النظام الرأسمالي الأمريكي: "فكلما ازداد هذا النظام الرأسمالي الجشع إمعاناً وانتشاراً للعولمة ازدادت الانتفاضات والحروب العرقية والقبلية والعنصرية والدينية للتفتيش عن الهوية القومية في المستقبل. وكلما تَفَشَّت المعلوماتية والأجهزة التلفزيونية والسلكية واللاسلكية، تكبّلت الأيدي بقيود العبودية، وازدادت مظاهر الوحدة والانعزال والخوف والهلع دون عائلة ولا قبيلة ولا وطن. وكلما ازداد معدل الحياة سوف تزداد وسائل القتل،وكلما ازدادت وسائل الرفاهية سوف تزداد أكثر فأكثر جرائم البربرية، العبودية".( )
وسائل العولمة:-
لجأت القوى الرأسمالية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية إلى الوسائل التالية من أجل تحقيق الأهداف المنشودة من وراء العولمة.
1- إنشاء التكتلات والمنظمات الاقتصادية والتجارية التي تمرّر من خلالها السياسات والإملاءات لصالح العولمة، ومن ذلك اتفاقية الجات" (الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية) "أعضاؤها 117 دولة،وتكتل "النافتا" المكون من كندا وأمريكا والمكسيك، والسوق الأوربية المشتركة و"إيباك" المكون من دول "النافتا" واستراليا ونيوزلندة واليابان وإندونيسيا وماليزيا،ومنظمة التجارة العالمية التي تنتمي إليها كثير من دول العالم.( )
2-استخدام الشرعية الدولية الزائفة وعبر استغلال الأمم المتحدة. "ومن أبرز وسائل العولمة الأمريكية:إنشاء منظمة الأمم المتحدة، وأجهزتها السياسية والمالية والثقافية كالبنك الدولي،ومنظمة اليونسكو ومنظمة حقوق الإنسان، وغيرها، وكلها تخضع للتوجيه الأمريكي الواضح أو المستتر، وقد وضح الآن أنّ من أهداف إنشاء الأمم المتحدة هو منع قيام المحاور الجديدة، بدعوى الحفاظ على السلام والاستقرار الدولييْن، أما الغرض الحقيقي فهو تنفيذ السياسة الأمريكية، وكان أول البراهين على ذلك: ولما يمضِ على إنشاء المنظمة سوى بضع سنين - إصدار قرار تقسيم (فِلسطين) بإنشاء الدولة العبرية خلافاً لمنطق العدالة والتاريخ 1947م، ثمّ الهجوم الأمريكي على كوريا الشمالية تحت أعلام الأمم المتحدة (1950) ولا تزال الأمم المتحدة-حتى اليوم- تقوم بدور الغطاء الدولي لسياسات الولايات المتحدة في مهاجمة الدول الصغيرة، أو فرض الحصار عليها لأتفه الأسباب وحين تحاول الكتل الدولية أو الإقليمية أن تعيد منظمة الأمم المتحدة إلى الدور الذي حدده ميثاقها المعلَن تبادر الولايات المتحدة إلى استخدام حق النقض، وإبطال أي قرار لا ترضى عنه، وخصوصاً فيما يتعلق بإسرائيل، ويساعدها على ذلك وجود مقر المنظمة الدولية وأكثر المؤسسات المعاوِنة على الأراضي الأمريكية، وقد أشهرت الولايات المتحدة سلاح التهديد عند أول مبادرة استقلالية من جانب الأمم المتحدة ؛ فقلّصت اشتراكاتها المالية لسنوات طويلة، أما اليونسكو فقد حرصت علي أن تغطي هذه المؤسسة الجانب الثقافي من المخطط الأمريكي وحين حاول مديرها العام السنغالي أحمد مختار أمبو أن يسلك طريقاً محايداً في مسألة (إسرائيل) والقدس أوقفت دفع اشتراكاتها السنوية لإحراج المدير العام، ثمّ عملت على إخراجه من المنظمة"،ومن مؤسسات المالية: منظمة الأمم المتحدة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومهمتهما فرض وتنفيذ الإملاءات والقرارات السياسية والاقتصادية التي تضر بالدول والشعوب وتحقق المصالح العليا لأمريكا وحلفائها.( )فالمؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تضغط جاهدة على دول العالم الثالث لكي تلغي الحواجز في وجه التجارة الدولية، والتركيز على الاستيراد بدلا من الإنتاج المحلي.( )
3- تقديم الدعم الاقتصادي والمعنوي للأنظمة والحكومات المعادية للإسلام، فرض سياسة الحصار والتجويع على الأنظمة المتمردة على الإرادة الأمريكية،أو الأنظمة التي تسعى إلى اتخاذ الإسلام منهجاً وشريعةً للحياة. استخدم العقوبات الدولية التي تفرضها أمريكا- من خلال الأمم المتحدة- طبقاً لمعاييرها الخاصة التي تحقق أهداف العولمة.
4- تقييد الحكومات في العالم الإسلامي بالاتفاقيات المجحفة الظالمة كاتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية والكيماوية في الوقت الذي يسمح فيه لليهود ومن على شاكلتهم بامتلاك تلك الأسلحة وتطويرها.
5- تسخير القوى العلمانية الداخلية من الكتاب ورجال الإعلام والتربية لصالح العولمة والاستفادة من جهود المستشرقين وقادة الغزو الفكري.
6- كتم الصوت الإسلامي المعبر عن آمال الأمة وتطلعاتها في الحرية والاستقلال وعدم التبعية للسيطرة الغربية.
7- الإكثار من المنظمات والجمعيات والمؤسسات الخدماتية الأهلية ذات الأهداف اللادينية ودعمها مالياً ومعنوياً.
8- إحلال الثقافة الغربية من خلال نشر اللغة الإنجليزية، من خلال الأزياء،والمأكولات،والمنتجات الغربية، وإقامة المطاعم الأمريكية (ماكدونالدز) وإقامة شركات إنتاج المواد الغذائية الأمريكية ومن أمثلتها شركة (كوكا كولا) للمشروبات الغازية.
9- استخدام وسائل الدعاية والإعلام وشبكات الاتصال الحديثة: كالأقمار الصناعية، والقنوات الفضائية، وشاشات الحاسوب ،لإحداث التغيرات المطلوبة لعولمة العالم. ( )
يقول العالم الأمريكي المعروف ناعوم تشومسكي: "إنّ العولمة الثقافية ليست سوى نقلة نوعية في تاريخ الإعلام، تعزز سيطرة المركز الأمريكي على الأطراف، أي على العالم كله".( ) إنّ هيمنة أمريكا ناتجة من أنّ 65% من مجمل المواد والمنتجات الإعلامية والإعلانية والثقافية والترفيهية تحت سيطرتها، ومن إنتاجها. هذا الأمر الذي أدّى إلى توجس بعض الدول الغربية وخوفها على أجيالها. إنّ طغيان الإعلام والثقافة الأمريكيتين في القنوات الفضائية دفع وزير العدل الفرنسي جاك كوبون أن يقول: "إنّ شبكة المعلومات الدولية بالوضع الحالي شكل جديد من أشكال الاستعمار، وإذا لم نتحرك فأسلوب حياتنا في خطر، وهناك إجماع فرنسي على اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة لحماية اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية من التأثير الأمريكي"( ).كما هاجم وزير الثقافة الفرنسي هجوماً قوياً أمريكا في اجتماع اليونسكو بالمكسيك وقال:" إنّي أستغرب أن تكون الدول التي علّمت الشعوب قدراً كبيراً من الحرية ودعت إلى الثورة على الطغيان هي التي تحاول أن تفرض ثقافة شمولية وحيدة على العالم أجمع. ثمّ قال: إنّ هذا شكل من أشكال الإمبريالية المالية والفكرية،لا يحتل الأراضي، ولكن تصادر الضمائر، ومناهج التفكير واختلاف أنماط العيش".( ) وتبعاً لهذه السياسة قررت فرنسا أن تكون نسبة الأفلام الفرنسية المعروضة باللغة الفرنسية في التلفاز الفرنسي60%.( ) وفي المقاطعات الكندية بلغت الهيمنة الأمريكية في مجال تدفق البرامج الإعلامية والتلفاز إلى حد دعا مجموعة من الخبراء إلى التنبيه إلى أن الأطفال الكنديين، أصبحوا لا يدركون أنّهم كنديون لكثرة ما يشاهدون من برامج أمريكية.( )
10- التوسع في قبول الطلاب الأجانب في الجامعات والمعاهد الغربية ففي أمريكا وحدها أكثر من عشرين ألف جامعة ومعهد مهمتها القيام بالبرامج الثقافية التي ترسخ لديهم الثقافة الغربية،وتستخدمهم وسائل للعولمة.
11- استخدام ما يسمى بالديمقراطية وحقوق الإنسان واعتبارات الحياة المعاصرة ومواثيق الأمم المتحـدة في محاربة منظومة القيم والأخلاق والتشريعات السائدة في المجتمعات الإسلامية.
12- المؤتمرات الاقتصادية، ومؤتمرات التنمية والسكان، التي تعقد في كافة دول العالم، واستخدامها للترويج لثقافة وفكرة العولمة.
13- تنظيم المهرجانات الفنية الغنائية والموسيقية واللقاءات الشبابية التي تشترك فيها فرق ووفود من كل أنحاء العالم.
14- استغلال المرأة عبر دعوات لتحقيق المساواة بينها وبين الرجل وسن قوانين عالمية بحجة حماية حقوق المرأة.
15- سياسة السوق وفتح المجال أمام الشركات الأمريكية والشركات الكبرى متعددة الجنسيات للقيام بالاستثمار غير المباشر في دول العالم والاعتماد على خوصصة الشركات والمؤسسات الاقتصادية والخدماتية الوطنية والحكومية، أي نزع ملكية الوطن والأمة والدولة لها، ونقلها للخواص من الداخل والخارج، لإضعاف سلطة الدولة والتخفيف من حضورها لصالح ظاهرة العولمة، ومن ثمّ إحداث هزات مالية في أسواق العالم، وفتح الأسواق المحلية أمام السلع ورؤوس الأموال والمعلومات الوافدة، وهدم الأسوار الجمركية والقيود أمام التجارة الدولية،وعدم إعطاء الدعم لبعض السلع بحجة أن ذلك يضر التنمية، وتسريح الجيوش أو الحد من أعدادها وخوصصة القطاع العام، وتخلي الدولة عن دورها في إدارة اقتصادها وحمايته وفق رؤيتها ومصالحها الخاصة.( )

من وراء العولمة؟؟
هناك تساؤل كبير يحتاج إلى إجابة قاطعة وهو: من وراء العولمة؟؟
وللإجابة على هذا السؤال يمكن أن يقال هناك جوابان :
الأول: يقول الدكتور مصطفى رجب ( ): " إنّه على الرغم من أن هذا السؤال يشيرـ بصورة غير مباشرة - إلى طرف خفي هو الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها تحتل- في هذه المرحلة التاريخية من مراحل تطور النظام العالم-مركز الصدارة. كما أنها تمثل الدولة العظمى الوحيدة التي تنفرد بالتفوق العسكري والذي يسمح لها بالتدخل في مختلف أرجاء المعمورة,إلا أنها ليست الدولة التي تقود العولمة.والأصح إنّ العولمة تدار من خلال السياسات الاقتصاديةوالتفاعلات المالية،والضغوط السياسية لمجموعة متنوعة من الفاعلين.وهؤلاء الفاعلون يضمون دولاً وشركات ومؤسسات دولية. أمّا الدول فهي الدول المتقدمة التي وصل فيها التطور التكنولوجي إلى ذراه،وفي مقدمتها بطبيعة الحال الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وألمانيا والاتحاد الأوروبي باعتباره كتلة واحدة, أمّا الشركات فهي الشركات دولية النشاط التي برزت قوتها الاقتصادية الكاسحة حوالي الستينيات، ووصلت الآن إلى السيطرة على نسبة عالية من الدخل القومي العالمي.
وهناك أخيراً المؤسسات الدولية الكبرى أبرزها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي,وأخيراً أحدث هذه المؤسسات:وهيمنظمة التجارة الدولية, ويمكن القول إنّ هذه المنظمة الأخيرة التي تأسست حديثا وكانت نتاج تطور محادثات اتفاقية الجات التي استمرت عقودا ستلعب الدور الحاسم في مجال العولمة الاقتصادية في المستقبل القريب, بحكم سياساتها المعلنة وهي حرية التجارة, وفي ضوء الآليات القانونية الملزمة للدول التي وقعت على معاهدتها, والتي تتضمن جزاءات اقتصادية رادعة لمن يخالف قواعدها".
الثاني:يرى أنّ الصهيونية العالمية مؤسسة الماسونية هي وراء العولمة والأدلة التي يسوقونها هي:
1- لقد لعبت الصهيونية دورها في الولايات المتحدة الأمريكية، واستطاع اليهود في مطلع القرن العشرين -ولا يزالون- أن يسيطروا على القرار السياسي في تلك الدولة، وأصبح الزعماء السياسيون يخشون سلطان الصهيونية التي تستطيع إسقاطهم عن كراسيهم لقدرتها على نشر الفضائح والإشاعات عبر دور الدعاية والإعلان ووسائل الإعلام التي يسيطر عليها اليهود ولذا فإن كل من يفكر في الوصول إلى البيت الأبيض يجب عليه أن يسترضي اليهود ويخضع لابتزازاتهم، وينحني صاغراً أمام الصهيونية، وإذا كانت مؤسسات الأمم المتحدة من أهم الوسائل التي تستخدمها الولايات المتحدة في العولمة، فأنا نجد اليهود قد استطاعوا السيطرة على الأمم المتحدة منذ إنشائها، وتغلغلوا إلى معظم مؤسساتها ودوائرها ومكاتبها المختلفة، يقول الكاتب الأمريكي دوجلاس ويد:(إنّ رؤساء أمريكا ومن يعملون معهم ينحنون أمام الصهيونية كما لو كانوا ينحنون أمام ضريح له قداسته)،( ) بل تمكّن بعض اليهود من الوصول إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.( )
لقد استطاع اليهود أن يسيطروا على معظم المؤسسات الاقتصادية فمن شركات البترول إلى الشركات الصناعية والبنوك والبورصة وسيطروا على الإعلام ووسائله المختلفة وأسسوا دور السينما وصناعة الأفلام وتولوا أماكن الصدارة في مجلس الشيوخ والنواب، وعملوا كمستشارين للرؤساء الأمريكيين في الشؤون المالية والسياسية والأمنية ولقد مكن لهم بعض الرؤساء الأمريكان اليهود أصلاً أمثال- روزفلت - من السيطرة على اقتصاديات البلاد ومواردها، والوصول إلى الوظائف العامة في وزارات الدفاع والخارجية والاقتصاد والمخابرات.
وفي عهد الرئيس كلنتون سيطر اليهود على القرار السياسي والاقتصادي والمالي والشؤون الأمنية في الولايات المتحدة الأمريكية وكما هو معلوم فإن سبعة أعضاء تبوءوا أعلى مراكز الصدارة في البيت الأبيض، وكانوا يرسمون السياسة الداخلية والخارجية لأمريكا، خمسة منهم من اليهود، ومن هؤلاء السيدة مادلين أولبرايت في وزارة الخارجية، ووليم كوهين في وزارة الدفاع، وساندي بيرغر مستشار الرئيس كلنتون لشئون الأمن القومي.
2- لقد استطاع اليهود أن يتغلغلوا في عقلية الشعب الأمريكي وأن يغزوه في عقيدته الدينية، حيت استغلوا المجامع الكنسية والمؤتمرات الدينية ووضعوا التفسيرات والشروحات الدينية للعهد القديم، وتمكنوا من أن يجعلوا الرأي العام الأمريكي ينطلق من المرتكزات الصهيونية في السياسة والفكر والدين.
3- إن اليهودية العالمية لها نفوذ واضح في كثير من الدول الأوربية خاصة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا، فهم يسيطرون في هذه الدول على كثير من المؤسسات الاقتصادية كالبنوك والشركات الصناعية والتجارية والمناجم وأسهم شركات البترول، وامتلكوا كثيراً من الصحف الكبرى التي تسير الرأي العام بل وتصنعه لصالح السياسة الصهيونية العامة في الشرق الأوسط.
4- ولمّا أنشئت هيئة الأمم المتحدة تغلغل اليهود والماسونيون إلى دوائرها ومكاتبها المختلفة وبالتالي استغلالها لتحقيق أهدافهم الشريرة في السيطرة على العالم، ومن ذلك: مكتب السكرتارية لهيئة الأمم المتحدة الذي هو أهم شعبة فيها، ومراكز الاستعلامات، وشعبة الأقسام الداخلية ومؤسسة التغذية والزراعة، ومؤسسة التعليم والثقافة والفن "اليونسكو" وبنك الإعمار الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومؤسسة الصحة العالمية ومؤسسة اللاجئين الدولية، ومؤسسة التجارة الدولية.( )
5- ومن خلال دراسة الوثائق اليهودية يتبين للقارئ دور اليهودية العالمية في صناعة الأحداث أو في استغلالها لصالح مخططاتهم التي تستهدف السيطرة على العالم كله من خلال تأسيس جمهورية ديمقراطية عالمية. إذ أنّ من أهداف الحركة الماسونية -التي أسسها ويديرها اليهود- إقامة دولة عالمية لا دينية، وقد نص على ذلك الهدف المؤتمر الماسوني العالمي المنعقد في باريس سنة 1900م. ( )
6- ومن المعلوم أنّ اليهود وضعوا مخططاتهم للسيطرة على العالم فيما يسمى (بروتوكولات حكماء صهيون)، ومن يدرس هذه البروتوكولات يستطيع أن يعقد وبكل سهولة مقارنة دقيقة بين ما تضمنته هذه البروتوكولات، وما يسود العالم من أوضاع سياسية واقتصادية الآن، فكل وسائل العولمة التي سبق ذكرها قد نصت عليها البروتوكولات الأربع والعشرون.وأكثر وسيلة ركزت عليها في الوصول إلى حكم العالم وجعله خاضعاً لحكومة واحدة: النشاط الاقتصادي والتحكم في حركة التجارة العالمية، وإيجاد أزمات اقتصادية عالمية، والسيطرة على مقدرات الأمم ومواردها المالية.( )وتحدثت بروتوكولات حكماء صهيون عن المخطط اليهودي لحكم العالم من خلال الحكومة اليهودية العالمية وللوصول لهذا الهدف لا بد من استغلال النشاط الاقتصادي والصناعي والتجاري،وإتاحة الحرية لرأس المال لكي يصل إلى مرحلة سيادة الاحتكار في كل مجالات التجارة والصناعة،وتخريب الاقتصاد للحكومات والشعوب الأخرى عن طريق المضاربة والقروض وزيادة الأسعار للسلع الأساسية الضرورية ولصناعة الرأي العام لصالح اليهود لا بد من السيطرة على وسائل الإعلام.
7- ومن الوثائق اليهودية القديمة التي تكشف عن حقيقة مشروع العولمة وأنّه ضمن خطة يهودية هدفها الهيمنة على العالم، ما نشرته جمعية "القبالاه" اليهودية. جاء فيها: "وبفضل قرية السلام العامة التي جعلناها بمنزلة الصلاة اليومية للإنسانية جمعاء لكثرة ما تحدثت عنها إذاعتنا سوف نحطم أعصاب البشرية برمتها، وسنركز جهدنا على تذكير الناس بالأهوال المرتقبة من الحروب لنرهبهم، ونجعلهم يلتمسون تجنبها مهما كان الثمن، عندها سنخرج عليهم بفكرة الدولة العالمية الواحدة، بحجة أنها الوسيلة الفريدة للحيلولة دون قيام الحرب، بينما سيكون هدفنا الحقيقي منها التمهيد لإزالة الفوارق العنصرية والدينية لتنصرف الشعوب المعادية لنا عن مراقبتنا، والتحري عن خفايا مناهجنا، ومن ثم إضعاف النزعات القومية والوطنية بين أفرادها، ولإيهامها بنبل مقاصد دعوتنا سنروج لفكرة التعاون الاقتصادي بين الدول بحجة السعي لرفع مستوى الشعوب المختلفة، وسنشجع الدول الرأسمالية الخاضعة لنا على منح القروض للدول الأخرى، ولإغفالها عن مراقبتنا سنبادر إلى الإسهام بقسم من هذه القروض، ومن المؤكد أن الدول الكبرى ستلبي دعوتنا لتظهر بمظهر المحبة للخير والإنسانية ومن جهة ثانية لتسيطر -بزعمها- على الدول التي ستتلقى منها القروض وإن صحَّ زعمها هذا فتكون في الواقع قد أخضعت تلك الدول لمشيئتنا بصورة غير مباشرة، باعتبارها هي نفسها خاضعة لنا، وبهذه الطريقة سنوزع ما تبقى من الثروات في حوزة الشعوب الأخرى، دون أيّ أمل في تحقيق الغاية الاقتصادية المرجوَّة من هذا التوزيع على العالم".( ).
إسرائيل والعولمة:-
"ولقد وجدت الدولة الصهيونية في العولمة فرصتها، فهي تحاول أن تستثني نفسها من هذه الميزة فهي تبدي السياسات العكسية تماماً. فالدولة الصهيونية طرحت تصورها الخاص للعولمة، وتحاول فرضه على الدول المحيطة بها،وهو تصور "الشرق أوسطية" فهذا المشروع الذي روج له الكيان الصهيوني هو عولمة مصغر".( )
لم تنصاع إسرائيل إلى تيار العولمة الذي اكتسح دول العالم الإسلامي،فما زالت إسرائيل كدولة تتدخل في الاقتصاد والمجتمع وتتمسك بقوتها العسكرية وتعمل على تنميتها، وزيادتها عدداً وعتاداً وترفض بشدة وقف أي نشاط وتقدم في عملية التسلح، وترفض بشدة التوقيع على اتفاقيات منع السلاح النووي والأسلحة الكيماوية، وهي لا تتلقى التوجيهات من صندوق النقد الدولي ومن البنك الدولي للإنشاء والتعمير، كشأن كثير من دول العالم، ويخضع القطاع الخاص في مجالي الاقتصاد والصناعة ونحوهما باستمرار للاعتبارات التي تمليها مصالح الدولة العليا ولا تسمح بتجاوزها.
وتطرح إسرائيل تصورها الخاص للعولمة فيما يعرف بمشروع الشرق أوسطية( ) وتروج له،( ) وتحاول فرضه على دول الشرق الأوسط المحيطة بها. وإذا كانت هذه العولمة تعني انتهاء عصر الأيديولوجيا (الدين والعقيدة) والانفتاح على الآخر وعدم التمسك بالولاء للوطن أو الأمة، فإن إسرائيل تتمسك بأيديولوجيتها وترفض الانفتاح على الآخر والتفاعل معه، بل تريد من الآخر الانفتاح عليها لتعمل هي على التأثير فيه وفق مصالحها ومخططاتها الاستراتيجية المستقبلية. وتتمسك بالولاء التقليدي للوطن (إسرائيل)،والأمة(اليهود شعب الله المختار) وتمارس الحروب باستمرار لإثبات سطوتها وفرض هيمنتها في المنطقة وتتلقى الدعم المادي والسياسي من القوى الاستعمارية الغربية.( )
إنّ إسرائيل تسعى جادة لعولمة الشرق الأوسط لحسابها الخاص ولقد طرح شمعون بيرز رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مشروع الشرق الأوسطية، وفكرة هذا المشروع قديمة إذ طرحها الأمريكان كما يذهب جورج المصري-الباحث بالمركز العربي للأبحاث الاستراتيجية بمصر- حيث وضّح ذلك فقال :"ويتضح ملامح المشروع الشرق أوسطي من الوثيقة التي أعدتها وكالة التنمية الأمريكية في الثمانينات تحت عنوان (دور التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط)وقدمتها إلى الكونجرس وشاركت في إعدادها ثماني وزارات، وعشرة مراكز أبحاث، في مقدمتها الأكاديمية الأمريكية للعلوم، وأكدّت الوثيقة على أهمية العمل لبناء تعاون إقليمي في الشرق الأوسط يقوم على مرتكزين جغرافي واقتصادي،كبديل عن التعاون الإقليمي المبني على أساس قومي سياسي(القومية العربية)،ويشمل ما سبق اعتراف العرب بإسرائيل ودمجها في النظام الإقليمي للمنطقة. ومن ناحية البعد الجغرافي تتجه الوثيقة إلى التأكيد على قيام بنية إقليمية، تضم دول المشرق العربي بجانب إسرائيل وتركيا".( ) ومشروع بيرز للعولمة يستند إلى فكرة أنّ الإنسان العربي إنسان اقتصادي مستهلك وأيدي عاملة، وأنّ الإنسان الإسرائيلي إنسان اقتصادي مفكر ومنتج. ولقد صرح شمعون بيرز بأفكاره في عولمة المنطقة لحساب إسرائيل في كثير من الندوات واللقاءات الإقليمية والدولية، ففي لقائه مع المثقفين المصريين قال بيرز: "إنّ الشعب اليهودي يريد فقط أن يشتري ويبيع ويستهلك وينتج، وعظمة إسرائيل تكمن في عظمة أسواقها". فالسوق في نظر بيرز هو المعيار الأساسي وهو المكان الذي نتبادل فيه السلع والأفكار،( ) ولما كان معلوماً أن إسرائيل تتفوق على جيرانها في استخدام التقنية الجدية في الإنتاج فمعنى ذلك أنّ بيرز يريد من الأسواق العربية أن تصبح أسواقاً استهلاكية للسلع والمنتوجات الإسرائيلية وما يصاحبها من ثقافة وفكر صهيوني، يريد أن يتسلل من خلالها إلى حصون وقلاع المسلمين في عقر دارهم.
وأفكار عولمة الشرق الأوسط ليست وليدة أفكار جديدة لشمعون بيرز، وليست نشأتها مرتبطة بعقد اتفاقيات السلام مع إسرائيل التي بدأت بمعاهدة كامب ديفيد مع مصر سنة 1979م، ثمّ باتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير واتفاقية وادي عربة مع الأردن، بل تخيل هرتزل في يومياته قيام كومنولث شرق أوسطي يكون لدولة اليهود فيه شان قيادي فاعل ودور اقتصادي قائد. ووضع الصهاينة في مطلع الأربعينات مذكرات ودراسات حول الشرق أوسطية وأنجزوا في عامي 1941- 1942م مشروعا صهيونيا يدمج فلسطين بأسرها في نظام إقليمي شرق أوسطي يحقق لليهود السيطرة على فلسطين وبقية بلدان المشرق العربي.( )
وظهرت الشرق أوسطية كفكرة إسرائيلية في وثيقة أصدرها اتحاد اليهود بتاريخ 28/3/1948 وتضمنت التصاق فلسطين في اتحاد شرق أوسطي واسع".( ) وأيضاً نشأت أفكار العولمة الإسرائيلية منذ أكثر من ثلاثين سنة من خلال دراسات علمية جادة قام بها الخبراء الإسرائيليون في المجالات العسكرية والاقتصادية والعلمية ومن أهمها:
-أولاً:الدراسات المستقبلية:-
1- دراسة الشرق الأوسط عام 2000م: أصدرتها رابطة السلام في تل أبيب سنة 1970م، وتتضمن تصور مجموعة من الأكاديميين والمفكرين الإسرائيليين للحياة في منطقة الشرق الأوسط في نهاية القرن، انطلاقاً من فرضية إحلال السلام الاقتصادي في المنطقة، ويترتب على ذلك: إزالة العوائق والحدود بين إسرائيل والدول العربية،وحرية انتقال السلع والخدمات وعناصر الإنتاج سواء من خلال سوق مشتركة للشرق الأوسط، أم سوق مشتركة لدول البحر المتوسط تضم إسرائيل والدول العربية والدول الأوربية المطلة على البحر المتوسط،على أن تستحوذ إسرائيل على النصيب الأكبر في إدارة هذه السوق، وأن تكون قلب المنطقة ومركز إدارتها وأساس تطورها الاقتصادي والتكنولوجي،وفي مجال البحوث العلمية، واقترحت الدراسة إقامة المجمّعات الصناعية بين إسرائيل ودول الجوار العربي.
2- دراسة لمعهد "هورفينز للسلام" نشرت عام 1972م تناولت الأوضاع الاقتصادية في إسرائيل والعالم العربي في السبعينات، وذكرت فرضيات لقوة إسرائيل الاقتصادية المستقبلية.
3- دراسة أعدها معهد "فان لير" في القدس عام 1978م بعنوان عندما "يأتي السلام..الاحتمالات والمخاطر" شارك في إعدادها مجموعة مختارة من الباحثين والكتاب في إسرائيل من أصحاب الخبرات في مجال الدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية.
ثانياً: الدراسات التخطيطية:
مع تزايد احتمالات السلام في المنطقة وبخاصة منذ زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات انشغلت مراكز الأبحاث الإسرائيلية في الوزارات بإعداد عشرات الدراسات التخطيطية حول علاقة إسرائيل بالوطن العربي. منها:-
1- دراسة أعدتها وزارة المالية وهي تطوير لبحوث "افرايم ديبرت" المستشار للوزارة التي كان أعدها سنة 1970م.
2- دراسة من بنك إسرائيل بتطوير أبحاث "عيزر سيفر" التي أعدها من قبل.
3- مشروعات ودراسات أعدتها وزارات الصناعة والسياحة والتجارة والطاقة والزراعة.
4- مشروعات الجامعات ومراكز الأبحاث العلمية ومن أشهرها مشروع بحث التعاون الاقتصادي في الشرق الأوسط الذي أعدته جامعة تل أبيب.
وأهم المشروعات التي نالت أهمية خاصة:-
1- مشروع مركز الإرصاد التكنولوجي المتفرع عن دائرة الاقتصاد بجامعة تل أبيب الذي بدأ العمل به في عام 1981م وهو يتناول مجالات الطاقة والمواصلات والصناعة والمياه بالشرق الأوسط.
2- مشروع التعاون الاقتصادي في الشرق الأوسط الذي يعرف بـ "مشروع مارشال الخاص بشمعون بيرز"( ). وقد بدأت فكرة المشروع تظهر للوجود بعد اتفاقية كامب ديفيد من قبل سياسيين ورجال أعمال وأصحاب رؤوس أموال ، وجرى تبادلها في عدد من الاجتماعات في أمريكا وفرنسا وإسرائيل.( )
المواقف العربية من مشروع الشرق أوسطي :-
اختلف العرب في اتخاذ موقف موحد من هذا المشروع، وانقسموا إلى ثلاثة فرق مختلفة:
* الفريق الأول: يطالب بإيجاد بديل عربي قومي للمشروع، بحيث يكون النظام العربي هو البديل عن النظام الإقليمي، والسوق العربية المشتركة هي البديل عن السوق الشرق أوسطية .
* الفريق الثاني: يطالب بإقامة نظام عربي جديد، ينطلق من إعلان دمشق والعودة إلى التضامن والتنسيق والتعاون العربي، مع ضرورة مراعاة ما تمخض عنه الواقع الجديد بعد حرب الخليج .
* الفريق الثالث: يوافق على المشروع الشرق أوسطي، بل ويتحمّس له وكرّس بعضهم موافقتهم عليه في اتفاقيات هزيلة مع العدو الصهيوني أوسلو ووادي عربة.( )

أهداف العولمة الإسرائيلية:-
لقد فصّلت إسرائيل وبرعاية أوربية أمريكية خاصة مشروع الشرق أوسطي الجديد لخدمة الأهداف الإسرائيلية ولتحقيق الأطماع اليهودية في المنطقة حيث يحقق المشروع الإسرائيلي فرصة الهيمنة على اقتصاديات دول الشرق الأوسط،والتحكم في مواردها النفطية والمالية والمائية، وإلغاء فكرة التكامل الاقتصادي العربي،وغزو المنطقة ثقافياً والقضاءعلى مقوماتهـا العقائديـة والأخلاقية والاجتماعية.( ) ويقوم هذا المشروع على دعامتين اثنتين:-
الأولى: الانفتاح الاقتصادي الكامل على العالم عامة وعلى دول منطقة الشرق الأوسط خاصة شاملة الدول العربية وغير العربية وإسرائيل ضمن العولمة القائمة على نظام سوق التجارة الدولية الحرة والمتعددة الأطراف.
الثاني: التعاون الإقليمي المتعدد الأطراف، الذي يستند إلى الانفتاح الكامل بين دول المنطقة تجارياً، ويستهدف إسرائيلياً وأمريكياً إقامة تجمع إقليمي شرق أوسطي بديل من تجمع إقليمي عربي، تشغل فيه إسرائيل مركزاً متفوقاً ومتميزاً اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وتقوم فيه بدور القوة الإقليمية المهيمنة والعظمى.( )
لقد نشر شمعون بيرز رئيس وزراء إسرائيل الأسبق مخطط الشرق أوسطي في كتابه الذي أصدره عام 1993م تحت عنوان "الشرق الأوسطي الجديد" وأهم أفكار بيرز هي:-
1- استخدام الاقتصاد في غزو دول الشرق الأوسط بدل الدبابة "الخبز مقابل الدبابة". وتقوم نظرية بيرس على مقولة: إن الاقتصاد هو مفتاح السياسة، وأن من يسيطر على مشاريع الاقتصاد في بلد ما يستطيع في النهاية إملاء السياسة التي يراها مناسبة.
2- إنّ إسرائيل ستقوم بدور المركز والقائد والقوة الأساسية لتحويل النظام الإقليمي الجديد إلى قوة عظمى على غرار الاتحاد الأوروبي وبالتعاون والتنسيق معه.وبهذا تكون قيادة إسرائيل للمنطقة،وكقوة عظمى مدعومة أمريكيا،وتتمتع بتفوق عسكري يمكنها من فرض هيمنتها أمنيا وسياسيا واقتصاديا على كامل المنطقة،مع التركيزعلى جعل إسرائيل بوابة العبور للشركات الأمريكية والأوربية من والى الدول العربية.( )
3- التعاون الإسرائيلي العربي: فالعرب يملكون المال والنفط والأيدي العاملة وإسرائيل تملك العلم والعقل.وهذا بدوره يؤدي إلى ترسيخ تخلف الهيكل الاقتصادي العربي، مع حرص إسرائيل على التخصص في أعلى الصناعات ربحا وإنتاجية،وترك المستويات الصناعية المتدنية للعرب،( ) وتحويل أموال النفط العربية للأسواق الإسرائيلية.
وهذا كلّه يحقّق لإسرائيل أن تصبح القوة الاقتصادية الأولى في المنطقة،وبالتالي تحقق حلمها بأن تكون الدولة العظمى اقتصاديا بدل إسرائيل الكبرى جغرافياً،ولقد صرّح بهذا الهدف شيمون بيرز حرفياً عندما قال:"إنّ إسرائيل تواجه خياراً حاداً أن تكون إسرائيل الكبرى اعتماداً على عدد الفلسطينيين الذين تحكمهم أو أن تكون إسرائيل الكبرى اعتماداً على حجم السوق التي تحت تصرفها". ويعتبر بيرز أن الشرق أوسط الجديد هو الذي يحل مشاكل المنطقة ويقضي عليها، يقول:"أنا أقول أنّه لن يكون هناك أي حل دائم إذا لم يصبح هناك شرق أوسط جديد".( )

وأيضاً من أهداف العولمة الإسرائيلية:
* تكريس الغزو الفكري والثقافي والحضاري للمنطقة.( ) وتهديد الهوية الثقافية العربية والإسلامية والعمل على إذابتها.( )
* إيجاد دور قيادي مركزي لإسرائيل " في تحديد صياغات وترتيبات الأمن الإقليمي، وفي أداء دور أمنى بارز في الدفاع عن منابع النفط في الخليج العربي،عن طريق اشتراك إسرائيل في توجيه أرصدة النفط، ومن اجل تنمية مشتركة تقلل من تفاوت الثروة بين عرب اليسر وعرب العسر".( )
* تصفية التراث الديني (التاريخي والسياسي والثقافي) القائم على رفض الفكر الديني للصهيونية،وتغيير نمط التحالفات في المنطقة،وبروز التحالفات الثنائية بين إسرائيل والعرب.( )
وسائل العولمة الإسرائيلية :-
1- التعاون الأمني، ونزع السلاح المؤثر وفرض مناطق أمنية وإقامة أجهزة الإنذار المبكر داخل الدول العربية وخاصة الدول المجاورة،وتقييد تطوير القدرات الدفاعية العربية، وتقليل النفقات العسكرية، وإحباط أي جهود لتنمية القدرات النووية.
2- تطبيع العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين إسرائيل والدول العربية.
3- الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية، وفتح الأسواق للمنتجات الإسرائيلية ذات الجودة والمواصفات القياسية العالمية.
4- إقامة المشاريع الإقليمية المشتركة في المجالين الصناعي والتجاري والطرق البرية والموانئ البحرية والمطارات.
5- استثمار مزيد من الأموال الإسرائيلية في دول المنطقة من خلال إقامة المصانع والمؤسسات الاقتصادية وشراء العقارات وأسهم شركات القطاع الخاص الناجحة، ومن ذلك قيام مركز بيرس للسلام بشراء أسهم في شركة الاتصالات الفلسطينية وهي من كبرى شركات القطاع الخاص الفلسطيني على الإطلاق.( )
6- تغيير المناهج الثقافية في الدول العربية لتحقيق الهدفين التاليين:-
أ- طمس روح العداء والكراهية تجاه اليهود. ومودة اليهود ومحبتهم وموالاتهم.
ب- الإقرار بوجود اليهود وحقهم التاريخي في أرض فلسطين، والقبول بالأساس العقائدي الصهيوني لدولة إسرائيل.
7- إقامة اللقاءات الشبابية بين الشباب اليهودي وغيرهم من الشباب العربي، يقول نحميا ستراسلر- أحد أبرز المعلقين الاقتصاديين اليهود- إنّ أكثر من سبعين في المائة من الأموال التي يجمعها مركز بيرس للسلام من الدول المانحة واليابان - (استطاع بيرس أن يجمع ثلاثمائة مليون دولار من هذه الدول) - لصالح مشاريع في الأراضي الفلسطينية من أجل تعزيز فرص السلام بين الشعبين اليهودي والفلسطيني وإنعاش الاقتصاد الفلسطيني تصرف على برامج اللقاءات الشبابية وآليات التطبيع الثقافي والسياسي والاجتماعي، ومن ذلك إقامة المخيمات الصيفية في المنتجعات الأوربية والأمريكية.( )
8- السماح بتدفق الأفكار والأدبيات الإسرائيلية داخل العالم العربي وإيجاد علاقات إنسانية وطبيعية وتلقائية بين اليهود وشعوب المنطقة.
9- عقد المؤتمرات الاقتصادية الدولية في المنطقة العربية بمشاركة إسرائيل، وكلها تروج لأفكار إسرائيل في عولمة الشرق الأوسط اقتصادياً ومن ذلك:-
أ-القمة الاقتصادية الأولى في المغرب من 30/10/94-1/11/1994م.( )
ب- القمة الاقتصادية الثانية في عمان من 29/10/95- 31/10/1995م.
ج- القمة الاقتصادية الثالثة في القاهرة من 12/11/96-14/11/1996م.
د- القمة الاقتصادية الرابعة في الدوحة بقطر من 16/11/97-18/11/1997م.
وقد عرضت في هذه المؤتمرات عشرات المشاريع الاقتصادية والصناعية التي تصب في مصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى.
10- استخدام المعونات الأمريكية بربطها بتنمية اتجاهات موالية للسياسة الأمريكية الداعمة للمشروع الإسرائيلي وتعزيز أهدافها لدى الجهات المتلقية للمعونة.
11- إيجاد مجال للتواصل مع بعض التيارات السياسية والفكرية، وتجلى ذلك في حركات السلام الفلسطينية والمصرية، الزيارات المتبادلة التي يقوم بها رجال الإعلام والصحافة، وإقامة المعارض الفنية بالتبادل. وزيارة البرلمانيين بالتبادل، ومشاركة المؤسسات العلمية والأدبية والعلماء اليهود في المؤتمرات العلمية وزيارتهم للمؤسسات التربوية والأكاديمية.
12- التحالف مع الأقليات الدينية والعرقية في المنطقة، كالعلاقة المميزة لإسرائيل مع موارنة لبنان وكالتحالف الوثيق مع النصارى في جنوب السودان ومساعدتهم عسكرياً في حربهم ضد الحكومة السودانية.
13- محاربة الحركات والجماعات الإسلامية المجاهدة وتجفيف منابع ومصادر الصحوة الإسلامية التي تحمل روح العداء لإسرائيل عبر مشاريع عدة منها:-
أ- إقامة علاقات جوار ولقاءات متعددة مع جامعة الأزهر.
ب- إجراء حوار ديني وثقافي على المستوى الشعبي، عبر لقاءات مؤتمرات لأتباع الأديان الثلاثة.
ج- إقامة اللقاءات الثقافية والترويحية بين الشباب، لإجراء عمليات غسيل دماغ لصالح الوجود اليهودي وإثارة العداء ضد أعدائها وتشويه الفكر الإسلامي الرافض لوجود دولة لليهود في قلب العالم الإسلامي.
د- التخويف المستمر من الجماعات الإسلامية والتأكيد على دورها في عرقلة السلام والتطبيع والتنمية الاقتصادية.
هـ- المواجهة المباشرة لهذه الحركات بالقتل والاعتقال والمطاردة والمحاكمات الظالمة والقمع المنهجي المنظم المستمر لأبنائها، وإسكات الصوت الإسلامي في الجامعات والنقابات والاتحادات المهنية والطلابية.
و- تشويه الجهاد الإسلامي، واعتباره إرهاباً وتخريباً وأعمال عنف، والتقليل من فاعليته في المواجهة.
ز- الاستفادة من التعاون الأمني المشترك لمحاصرة الجهاد الإسلامي وتطويقه ومنعه.( )

المسلمون ومواجهة أخطار العولمة الأمريكية واليهودية:-
اتضح معنا أنّ العولـمة تستند استناداً مباشراً إلى الحضارة الغربية المعاصرة التي توجهها المبادئ اللادينية الوضعية التي لا تؤمن بالله تعالى، ولا الإيمان بالنبوات، ومنها نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولا باليوم الآخر، ولا بالغيبيات الدينية الثابتة في الكتاب والسنة.ومن هنا تشيع الحياة المادية والإلحادية عبر شبكاتها وأجهزتها العالمية بأساليب ووسائل- تقوم على الإغراء والخداع- في غاية التأثير في النفس الإنسانية، إنًها تؤثر في مئات الملايين من المسلمين مباشرة أو بصورة غير مباشرة، فتؤدي إلى الإنكار والتشكيك، إنها تفقد الإنسان المسلم كيانه وشخصيته، تفقده عقله وقلبه وروحه، وتفرغه من أصول الإيمان والأخلاق الحميدة. إنّه ليست هنالك حضارة أو أمّة على وجه الأرض ستتأثر بالعولمة كما سيتأثر بها المسلمون والحضارة الإسلامية. ودراسة العولمة بكل بأبعادها دراسة واعية متفحصة تثبت ولا شك أن المسلمين جميعاً هم الهدف الأهم للعولمة الصهيونية الأمريكية الرأسمالية.
إنّنا ندعو إلى احتفاظ المسلمين بهويتهم الإسلامية وشخصيتهم المستقلة المتميزة حسب القرآن والسنة، والمحافظة على الفكر الإسلامي في منابعه الأصيلة،وإعادة تماسك الجماعة الإسلامية، مع الإفادة من خير ما أنجزته المدنية الغربية والعلم الغربي، مع عدم الأخذ من الثقافة نفسها إلا ما كان منها لا يتعارض مع هوية الأمة الإسلامية وشخصيتها وثقافتها الأصيلة.
ونرى أيضاً ضرورة مواجهة العولمة، وتحدّياتها بشجاعة وإيمان، ومعاملتها كمادة خام يستفاد منها للخير أو للشر، أي لابد من الفحص والتمحيص والنقد والاختيار، فالمسلم صاحب عقيدة، ورسالة عالمية، وثقافة أصيلة، ومنهج شامل في الحياة، وعليه أن يحمل رسالته الربانية للناس جميعاً، وعليه أن يجمع بين حسنات ما عنده وحسنات ما عند الآخرين، فالنافع والصالح يبحث عنه ويأخذ به، مع المحافظة على الأصول الإسلامية، مع ضرورة نقد قوي جريء للعولمة واتجاهاتها وثقافتها المادية، ومواجهتها وجهاً لوجه.
يقول وزير الأوقاف الأردني السابق الأستاذ كامل الشريف: "لكي يستطيع المسلم أن يحدد دوره إزاء العولمة-النظام العالمي الجديد-لا بد أن يعرف أولاً موقف الإسلام- كعقيدة-من هذه التبدّلات فمن المفروض أن الإنسان المسلم يبني مواقفه كلها على أساس الفهم الصحيح للإسلام والالتزام بتعاليمه ومبادئه، وأول آثار الالتزام أنه يمنح صاحبه مقياساً ثابتاً يزن به الأمور، ويحدد الجوانب التي تتفق مع نظرة الإسلام الكلية للحياة والناس، كما يحدد المصلحة الإسلامية أيضاً وفي قضية شديدة التعقيد كثيرة المداخل والشبهات (كالعولمة) تزداد الحاجة لهذا الميزان العقائدي الثابت".( )
يقول المفكر الفرنسي المسلم رجاء جارودي عن هـذه العولمة الأمريكية الصهيونية: "هــذه الوحدة التي أسسها الحكام الأمريكان واللوبي الصهيوني "الآي باك"-AIPAC- وساسة دولة إسرائيل، تقوم اليوم- أكثر من أي وقت مضى- على وحدة الهدف الذي هو محاربة الإسلام،وآسيا اللذين يعدان أهم عقبتين في وجه الهيمنة العالمية الأمريكية والصهيونية".( ) ويقول جارودي عن العولمة: نظام يُمكّن الأقوياء من فرض الدكتاتوريات اللاإنسانية التي تسمح بافتراس المستضعفين بذريعة التبادل الحر وحرية السوق.( )
ويقول باحث آخر: "ومن المؤكّد أنّ المستهدف بهذا الغزو الثقافي هم المسلمون. وذلك لعاملين:-
أ – ما تملكه بلادهم من مواد أولية هائلة يأتي على رأسها النفط والغاز وثروات طبيعية أخرى.
ب – ما ثبت لهم عبر مراكزهم وبحوثهم وجامعاتهم ومستشرقيهم إن هذه الأمة مستعصية على الهزيمة،إذا حافظت على هويتها الإسلامية،ومن ثمّ فالطريق الوحيد لإخضاعها يتمثل في القضاء على تفرد شخصيتها،وإلغاء دينها الذي يبعث فيها الثورة والرفض لكل أشكال الاحتلال والسيطرة.( )
والأمّة العربية والإسلامية بالرغم من أنها تعيش حالة تجزئة سياسية وحالة تخلف اقتصادي وتقني إلا أنها تمتلك إمكانيات متعددة اقتصادية وثقافية وغيرها، إذ ما أحسن توظيفها وإعادة ترتيبها وتنسيقها يمكن أن تشكل حالة مؤثرة وفاعلة، وبالتالي تشكل حالة أمان قوي في مواجهة العولمة."وإنّ المقوّمات الثقافية والقيم الحضارية التي تشكّل رصيدنا التاريخي، لن تُغني ولن تنفع بالقدر المطلوب والمؤثر والفاعل في مواجهة العولمة الثقافية، مادامت أوضاع العالم الإسلامي على ما هي عليه، في المستوى الذي لا يستجيب لطموح الأمة. ولا يحسُن بنا أن نستنكف من ذكر هذه الحقيقة، لأن في إخفائها والتستّر عليها، من الخطر على حاضر العالم الإسلامي ومستقبله، ما يزيد من تفاقم الأزمة المركبة التي تعيشها معظم البلدان الإسلامية على المستويات السياسية والاِقتصادية والاِجتماعية والثقافية والعلمية ".( )
إنّ المشروع الإسلامي العالمي هو الذي نستطيع به مواجهة خطر العولمة. لأنّه وحده الذي يملك مواصفات عقائدية، وتشريعية وثقافية وأخلاقية سليمة وصحيحة وقوية، ولأنّها وحدها التي تنسجم مع السنن الربانية في الكون، وتتفق مع الفطرة الصحيحة والعقل الصريح ويملك بالإضافة إلى ذلك تجربة تاريخية غنية صاغت حضارة عالمية متميزة،ما زالت آثارها ماثلة في كل مكان. والأهمّ من ذلك أنّ هناك أمّة عربية إسلامية ما زالت قائمة موجودة – رغم كل محاولات الإفساد والتضليل،والتشرذم والتقطيع،والتجهيل،والإفقار الذي مارسه الأعداء نحوها- يجمعها دين واحد،وقبلة واحدة وكتاب واحد،ولغة واحدة،وتاريخ واحد، وعادات وتقاليد واحدة، ولديها إمكانات مادية واقتصادية هائلة. إنّ هذه الأمة العربية الإسلامية التي تمتد على مساحة واسعة من الأرض في آسيا وأفريقيا ذات النسيج الاجتماعي المتقارب والبنية الثقافية الواحدة، تشكّل زاداً قيّماً لمواجهة أخطار العولمة،وهو ما يفتقده الآخرون. وأوروبا خير مثال على هذا، فهي مؤلفة من أمم مختلفة ولغات متعددة، وشعوب متنافرة،وتاريخ متشابك، ومع ذلك فهي تسعى إلى إيجاد أوروبا واحدة.
ويمكن للعالم الإسلامي أن يواجه خطر العولمة من خلال حملة إسلامية شاملة متكاملة، عبر مخطط حضاري معاصر،تشترك فيها جميع الدول الإسلامية،ومؤسساتها الرسمية،والشعبية والجمعيات والأحزاب جميعاً. لأن مواجهة العولـمة من الخطورة بحيث يجب أن نتعامل معها من مراكز قوية تدلل على وحدة الأمة، وقوتها وتكاملها وأهدافها النبيلة لخيرها وخير البشرية جميعًا.

ويمكن للمسلمين مواجهة خطر العولمة بتحقيق ما يلي:-
* التمسك بالشريعة الإسلامية التي ارتضاها الله تعالى لنا،فوفقها ننظم حياتنا، ونربي أجيالنا، ونتبصر بحقائق الحياة. إن مجرد كوننا مسلمين جغرافيين لا يكفى لإنجاز وعد الله لنا بالنصر في مواجهة أخطار العولمة، لأنّ الله سبحانه وتعالى يقول: (إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) سورة محمد:7، فهل نحن نصرنا الله تعالى فيما أمر به ونهى عنه؟
* تبني المنهج الشمولي في فهم الإسلام الذي يجمع بين العقيدة والشريعة والسلوك والحركة والبناء الحضاري، وفق منهج واع،أصولي سليم يعتمد فقط على العلم والعقل. وهذا يتطلب تغيير حياتنا منطلقين من قوله تعالى:) إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ(الرعد:11.( )
* تغيير طبيعة النظام السياسي السائد في العالم الإسلام، من الاستبداد إلى الشورى، ومن مصادرة الرأي إلى الحرية في الرأي والمعارضة ومن مصالح الأفراد والأسر الحاكمة إلى مصالح الأمة، من حيث هي كل لا يتجزأ، ومن حكم الحكام إلى حكم المؤسسات الدستورية.
* تحقيق الوحدة الشاملة في العالم العربي والإسلامي.أي وحدة الأمّة التي تتحقق بوحدة العقول، والقلوب والعواطف الإيمانية، والمصالح والأهداف، والتضامن الكامل في إطار جامعة إسلامية واحدة أو في إطار المؤتمر الإسلامي الحالي، والذي تتولد منه قوة سياسة ومعنوية واحدة على أساس وحدة الأمة الواحدة، والمصير المشترك.
* وفي المجال الاقتصادي يمكن للعالم الإسلامي أن يواجه خطر العولمة بتحقيق السوق الإسلامية المشتركة.وتقوية المؤسسات العربية المنبثقة عن الجامعة العربية،ومؤتمر القمة الإسلامي، لأنّه يمتلك مخزوناً جباراً من رؤوس الأموال ومن الثروات الحيوية والمعدنية، بالإضافة إلى التلاحم الجغرافي، والتكامل في الموارد، ولهذا لو قامت تجارة فعلية بين العالم الإسلامي لأمكننا الاستغناء عن العالم الخارجي-على الأقل- في الاحتياجات الإستراتيجية، هذا على المستوى الخارجي.أما على المستوى الداخلي لكل دولة فيمكن أن تواجه خطر العولمة بزيادة التكافل الاجتماعي الذي ترعاه الدولة، وزيادة الرعاية الاجتماعية، والتأمينات الاجتماعية، وتقوية المجتمع المدني،وتعزيز المشاعر والأحاسيس الدينية.وتقوية الجوانب الفكرية والاقتصادية والفنية والاجتماعية وفق الثوابت الدينية(العقائدية والتشريعية).( ) ولقد حذّر الرئيس حسني مبارك في هذا الصدد من أن العولمة تفرض علينا أن نسارع في إقامة تجمّعنا الاقتصادي العربي، وإلاّ ضاعت مصالح الدول العربية فرادى وأغلقت مصانعها، وفقد الناس فرص العمل المتاحة لهم.
*وفي المجال الاقتصادي أيضاً لا بد من وجود التكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي، لأنّه هو الذي ينتهي إلى التوازن.ولابدّ من تكافؤ الفرص أمام الجميع،وعدم تعطيل الطاقات الإنسانية..وتغليب الاتجاه الجماعي في الاقتصاد الإسلامي،لتغليب مصالح الأكثرية الفقيرة الكادحة. والتأكيد على حرمة كنز الأموال وحبس الثروات،إذ لابد من توظيفها لأداء وظيفتها الاجتماعية.كما أنّ الدولة لها الحق في التدخل في الحياة الاقتصادية، كلّما رأت الضرورة في تحقيق مصالح العباد. واعتبار أنّ العمل هو المعيار الأساسي، وهو نابع من فكرة الاستخلاف،ويلتزم المجتمع بإيجاد عمل لكل قادر.ولابد من المحافظة على رأس المال وإنمائه، وعدم إضاعته. يقول الاقتصادي الفرنسي جاك أوستروي: "إنّ طريق الإنماء الاقتصادي ليس مقصوراً على المذهبين المعروفين الرأسمالي والاشتراكي، بل هنالك مذهب اقتصادي ثالث راجح، هو المذهب الاقتصادي الإسلامي، ويقول: "إنّ هذا المذهب سيسود عالم المستقبل، لأنّه أسلوب كامل للحياة ".( )
يقول أستاذ الاقتصاد الإسلامي في الجامعات المصرية الدكتور عبد الحميد الغزالي:"بعد سقوط الاشتراكية،وتبني جوربا تشوف- الرئيس السوفيتي السابق- البيريسترويكا، التي أراد من خلالها أن يبحث عن طريق غير الرأسمالية، لأنّه أعلم بمشاكلها- أرسل وفداً ليدرس النظام الإسلامي للاستفادة منه، وشكّلت لجان في مركز الاقتصاد الإسلامي التابع لجامعة الأزهر من المتخصصين، وعكفت هذه اللجان على صياغة برنامج متكامل للنظام الإسلامي في شكل بنود وفقرات، قدّمنا فيه نظاماً اقتصادياً تشغيلياً، يبدأ بفلسفة النظام،والعمل،والأجور،ونظام الملكية المتعددة،والاستهلاك، والاستثمار، والادخار، والشركات،وصيغ الاستثمار والسياسة النقدية،والسياسة المالية....إلى آخر مكونات النظام الاقتصادي الفاعل. وعندما قدّمنا هذا النظام للوفد،تساءل رئيسه الوزير "بافلوف": "لديكم مثل هذا النظام، وأنتم على هذه المسألة من التخلف؟ وأسندت أمانة المؤتمر الردّ إليّ، فكان ردّي:" لأننا بعيدون تماماً عن هذا النظام".( )
* الاستفادة من رصيد الأمة العربية الإسلامية في ولوج عصر العولمة، وهذا يقتضي أن تسعى الشعوب المسلمة، وقياداتها العلمية والدعوية إلى ترجمة حقيقة الأمة المسلمة الواحدة على أرض الواقع، وذلك بتحصين الثوابت العقائدية التي قامت عليها هذه الأمة.
* الاجتهاد في تلافي الأمراض والسلبيات، والبناء على الإيجابيات.لا شك أن هناك بعض الأمراض والسلبيات التي تعاني منها هذه الأمة، لذلك فالمطلوب من مفكري الأمة وعلمائها، وقادتها: معرفة ودراسة أمراضها وحصر سلبياتها،ووضع الدواء الشافي لعلاجها ومعافاتها.
* دراسة السّنن الكونية دراسة علمية موضوعية،وتسخير هذه السّنن في الكون والحياة - للدخول إلى العصر الحضاري الإسلامي الجديد-وفق الفهم الصحيح لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. والاستفادة منها في تسخير إمكانات العالم الإسلامي المادية والمعنوية وثرواته المتنوعة الهائلة، كي نحدث تنمية حضارية واجتماعية شاملة تحفظ علينا شخصيتنا المعنوية المتميزة وكياننا المادي المستقل.
*محاربة مظاهر البدع والخرافات، والتبعية، والتواكلية، التي أخرّت تقدّم الأمّة ونهضتها عبر العصور الأخيرة.
* الردّ على الغزو الثقافي للعولمة الأمريكية الصهيونية من خلال الفكر الإسلامي، وفق المنهج العلمي السليم، بجميع الوسائل التي يعتمد عليها من خلال كافة الجوانب الفكرية والفنية والأدبية التي يعرضونها من خلال أفكارهم المناقضة للإسلام( ).ونقترح في هذا المجال إيجاد أكثر من قناة فضائية تبث برامجها المخصصة لمواجهة تيار العولمة، بمختلف لغات المسلمين.
* الاهتمام بتربية الأسرة المسلمة وتثقيف أفرادها وتوعيتهم، وتوجيههم من خلال أجهزة الدولة المختلفة.ومن خلال الوسائل والبرامج التي تشترك جميعاً في تكوين أجيال تشعر بانتمائها الإسلامي،وانتسابها الحضاري للأمة العربية والإسلامية.إنّها التربية الإسلامية التي تهدف إلى صياغة الفرد صياغة إسلامية حضارية، وإعداد شخصيته إعداداً كاملاً من حيث العقيدة،والأخلاق والقيم،والمشاعر والذوق،والفكر،والمادة حتى تتكوّن الأمّة الواحدة المتحضرة التي لا تبقى فيها ثغرة تتسلل منها إغراءات العولمة اللادينية الجنسية الإباحية.( )
* ترشيد وتوجيه الصحوة الإسلامية- التي جاءت تعبيراً عن العودة إلى الإسلام،ورفض التغريب– والاستفادة منها في مواجهة أخطار العولمة. وتهيئة صفوف الأمة للبناء، والتعمير، والجهاد، والحركة والتغيير.
* "إن المنظمات الإسلامية الشعبية - التي تتميز بأنها تضم أعداداً كبيرة من القادة الناضجين الواعين الذين صقلتهم التجربة، ولهم حضورهم المؤثر ونفوذهم الواسع في بلادهم ، وتمنحهم صلتهم المباشرة بقطاعات واسعة من الشعب المسلم- هذه المنظمات تستطيع أن تمارس ضغوطاً مؤثرة على مواقف الحكومات، شريطة أن تنسِّق خطواتها ضمن برامج مدروسة تضمن الاستمرار والمتابعة،ومواكبة ظروف الحركة وتطوّراتها الكثيرة المعقدة.
إنّ بعض الأسلحة المعاوِنة للعولمة- بقصد أو غير قصد- هي تشجيع الفساد والانحلال والاستغراق في الشهوات، وتبذير المال القليل على مسايرة المظاهر وحُمّى الاستهلاك، ويُحسن الشباب المسلم صُنعاً إذا تعاون على مكافحة هذه الأوبئة من خلال المساجد، والمراكز الثقافية ووسائل النشر المتاحة. وواجب الشباب المسلم أن يُقبِل بشجاعة وحماس على العلم النافع، واكتساب المعارف والمهارات، ولا سيما استخدام التقنية الحديثة التي باتت تفتح آفاقاً واسعة لإنسان الغد".( )
* إعادة النظر في مشكلاتنا الاجتماعية في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية العامة، ومقاصدها وغاياتها الحكيمة، في الحياة لتحديد أولاً مسؤولية الأسرة, والمدرسة والجامعة ومعاهد التعليم، ومؤسسات المجتمع المدني في القيام بواجباتها في هذا الجانب.
* إقامة المجتمعات الإسلامية على القاعدة الإيمانية التي تجمع بين المسلمين جميعاً دون الالتفات إلى اختلاف اللغة أو اللون أو العرق. ومعاملة أهل الأديان جميعاً وفق القاعدة التالية:( لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين ) أي تحقيق العدالة المطلقة للجميع، إلاّ فيما يخصّ القضايا التشريعية الخاصة بكل أهل دين، فالبشر جميعاً كرامتهم مصانة في إطار المجتمع الإنساني.
* رفض المخططات الصهيونية اليهودية والأمريكية،وعدم الاعتراف بأية تسوية سياسية مع الكيان الصهيوني على حساب أرض فلسطين المقدسة والعمل الجاد على إعداد الأمّة للجهاد، مع الإيمان الكامل بأنّ ما أُخذ بالقوة العسكري- في فلسطين بالذات- لا يمكن أن يسترد إلاّ بالقوة نفسها ولو طال الأمر عشرات أخرى من السنين، باعتبار أنّ القضية الفلسطينية هي قضية المسلمين الأولى.( )
وصلّى الله تعالى وسلّم على سيدنا محمد...وآخر دعوانا إن الحمد لله ربّ العالمين،والله تعالى نسأل السداد والتوفيق لجميع إخواننا المسلمين.

ملحق يكشف بعض نوايا أعمال أمريكا في العالم الإسلامي
خطاب بوش عن حال الاتحاد اليهودي المسيحي في 29 يناير عام 2002 مـ( )
السيد الرئيس، أعضاء الكونجرس، المواطنون الأمريكيون: أود بكل اعتزاز عميق ومن دون تحامل أن أقول لكم الليلة أن حال الاتحاد اليهودي المسيحي الأبيض والثري قوية تماماً، ولم يحدث أبداً في تاريخنا أن كانت القوة الأمريكية والهيمنة الأمريكية والقيم الأمريكية، قوة ومهابة ومحترمة ومقبولة في العالم كما هي اليوم فاليوم، يوجد العلم الأمريكي والقوات المسلحة الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي.أي إيه) ومكتب التحقيقات الفيدرالي في أكثر من 100 دولة لضمان السلام والإذعان والتحرر من الخوف والإرهاب، وينبغي أن يكون الأمريكيون فخورين بي وبحكومتهم وبرجال القوات المسلحة ونسائها الذين يضحون بمباهج الحياة من أجل ضمان أسلوب حياتنا الأمريكية.
الأخوة المواطنون الأمريكيون:
إنني فخور بأن أبلغكم أن طالبان قد اندحرت، وأن كابول تحررت، وأن أسامة بن لادن والملا عمر إمّا أن يكون قد قتلا، أو أنّهما يحتضران، أو يختفيان ولكن ليس لوقت طويل، إذ إننّي مصمّم على تقديمهما للعدالة (حيين أو ميتين)، وأن أبلغكم بأن النساء الأفغانيات تخلين عن براقعهن إلى الأبد، وأن الفتيات الأفغانيات رجعن إلى المدارس ليطالعن كيف ظفرنا بالغرب الأمريكي، وأنّ رمز الحضارة الغربية الثقافي الأكثر أهمية، وهو التليفزيون عاد للحياة الأفغانية، والأفغان سعداء الآن، وأحرار في التنقل في أنحاء بلادهم لزراعة الأفيون، ويجب على الأمريكيين، والأطفال الأمريكيين على نحو خاص، الشعور بالفخر بكرمهم المتمثل في إرسالهم المال والطعام إلى أفغانستان، ومما يثلج صدري أن أرى الأطفال الأفغان وهم يستمتعون بأطعمتنا المفضلة،وهى: زبدة الفول السوداني والجلي والبسكويت العقدي، وعلى الرغم من أنّ الحرب في أفغانستان توشك على نهايتها، فإنّ أمامنا طريقاً طويلاً ينبغي أن نسيره في العديد من الدول العربية والإسلامية، ولن نتوقف إلى أن يصبح كلّ عربي ومسلم مجرداً من السلاح، وحليق الوجه، وغير متدين، ومسالماً، ومحباً لأمريكا، ولا يغطى وجه امرأته نقاب، وأنّني مصمم على استخدام جميع مواردنا لتحقيق ذلك قبل انتخابي لفترة رئاسية ثانية.وتقول رؤيتنا الجديدة للحكم، أن الحكومة ينبغي أن تكون فعالة ولكنها يجب أن تكون محدودة، وينبغي أن تتولى جميع المهام من دون أن تكون متغطرسة، والتعليم لا يمثل الأولوية الأكثر أهمية بالنسبة إليّ، وبتأييدكم لهذه الموازنة سيجعلون منه أولويتكم الأكثر أهميةً أيضاً، ونحن نواجه مشكلة خطيرة في الطاقة تتطلب سياسة قومية في مجال الطاقة، ولدى أمريكا فرصة لتوسيع سلامنا الحالي، وتأمينه عن طريق الترويج لدولية أمريكية متميزة، وسنعمل مع حلفائنا وأصدقائنا لنكون قوة للخير ومناصرين للحرية،وسنعمل من أجل الأسواق الحرة والتجارة الحرة والتحرر من القمع،والشعوب التي تحقق تقدماً نحو الحرية، ستجد في أمريكا صديقة لها،وسنعزز قيمنا والسلام،ونحن بحاجة لقوات مسلحة قوية للمحافظة على السلام وعموماً، لم يكن في مقدور أحد التنبؤ بقدوم ابن لادن، وبالتأثير الذي سيحدثه في أمتنا وسياستها الداخلية والخارجية وعلى أية حال، وعلى الرغم من مرتكبي الأفعال الشريرة،حافظت على وعودي التي قطعتها للشعب الأمريكي، باستثناء أمر واحد، فقد أرغمتني حربنا ضد الإرهاب، على توسيع موازنة حكومتنا بدرجة كبيرة في ما يتعلق بالأمن الداخلي ووزارة الدفاع (البنتاجون)،وكان يتعيّن علينا توسيع دورنا في مجال الأمن والاستخبارات ومراقبة مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة (س أي إيه) للأمريكيين المسلمين الذين تم اعتقال الآلاف منهم واحتجازهم من دون أمر قضائي، وقد قيّدنا الحقوق والحريات المدنية تقييداً شديداً، وفرضنا قيوداً على وسائل الإعلام وحرية التعبير هنا، وفي قناة تلفزيون الجزيرة- التي تبث من دولة قطر- وجعلنا مهمّة الكشف على المسافرين وأمتعتهم في المطارات شأناً فيدرالياً،والأمريكيون يؤيدونني في هذه الإجراءات الأمنية المهمة، ويمثل وجود غير البيض وغير اليهود والمسيحيين في بلادنا، سواء كان ذلك الوجود شرعياً أو غير شرعي، خطراً على شعبنا، وبصفتي رئيساً لكم فإنّني مسؤول عن ضمان سلامتكم وستتغير سياستنا الخاصة بالهجرة، لتعكس اهتماماتنا الأمنية، وفي الوقت المناسب، ستصبح مدينة نيويورك، التي عانت كثيراً، مدينة بيضاء متجانسة مرة أخرى. وبمساعدة وزير الدفاع دونالد رامسفيل (الفحل) (ضحك وتصفيق) والدكتورة رايس، وبول فولفويتز، وريتشارد بيرل،ووفد الكونجرس اليهودي واللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة (إيباك) طوّرنا سياسة خارجية دولية أمريكية فريدة، ولن تكون أمريكا بعد الآن طرفاً في معاهدة دولية تعرض أهدافنا الاقتصادية أو العسكرية للخطر، واستخدم هنا عبارة صديقي شارون (ذلك غير ذي صلة)، نعتبر جميع المنظمات الدولية التي تعارض أي هدف يتعلق بالمصلحة الوطنية الأمريكية الإسرائيلية (غير ذي صلة) ويشمل هذا منظمات كالأمم المتحدة والاتحاد والجامعة العربية التي يجب في اعتقادي أن يتم حلها فوراً، واللجنة الدولية للصليب الأحمر والفاتيكان وجميع المنظمات الإسلامية، وعلى الرغم من أن محاربة مرتكبي الأعمال الشريرة استهلك معظم الفائض، إلا أنني أقترح إنفاق 5 مليارات دولار وهو مبلغ يقل عما ندفعه سنوياً إلى إسرائيل لمساعدة مواطنينا المتقدمين في السن بتوفير تكاليف الدواء لهم، وبالنسبة لأي مبالغ أكثر من ذلك فيجب أن تأتي من برنامج مساعداتنا الخارجية الخاصة إلى إسرائيل. وسنبدأ على الفور بالحفر في أرجاء أراضينا للتنقيب عن النفط، وسنبدأ العمل في مشروع طموح لبناء خط أنابيب مباشر تحت الماء من المملكة العربية السعودية والخليج والعراق وإيران إلى نيويورك وعلى نفقتهم لضمان إمدادات نفطية غير منقطعة كما قلت لهذه الهيئة في 20 سبتمبر/أيلول 2001 وسواء قدمنا أعداءنا للعدالة، أو طبقنا العدالة على أعدائنا، فسوف تتحقق العدالة وعموماً فالانعطاف لعبة عادلة، وقد حان دورنا كما قال رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير دعونا نعيد تشكيل العالم ليصبح على صورتنا وهكذا، وبفضل إلهنا سنقوم نحن، شعوب العالم من الجنس الأبيض المتحضر، بفرض معتقداتنا الرزينة والودودة والتحريرية على عالم جائع لأموالنا ورسالتنا، ولن يخضع الرجال بعد الآن لشرط إطلاق اللحى، ولن تخضع النساء لشرط تغطية وجوههن وأجسادهن، ومن الآن فصاعداً يحق للعالم تناول الخمر والتدخين وممارسة الجنس السوي أو الشذوذ الجنسي، بما في ذلك سفاح القربى واللواط والخيانة الزوجية والسلب والقتل وقيادة السيارات بسرعة جنونية، ومشاهدة الأفلام والأشرطة الخلاعية داخل فنادقهم أو غرف نومهم،وبالنسبة لشركاتنا التي تنتج مثل هذه المنتجات فسيحق لها الوصول من دون أي عقبات للدول المتخلفة التي منعت تلك الحريات عن شعوبها، والإرهابيون المسلمون خونة لعقيدتهم، وهم يحاولون في الواقع خطف الإسلام ذاته، ولهذا السبب نفصل نحن في العالم اليهودي المسيحي سياستنا عن عقيدتنا،ونفصل حروبنا وإرهابنا عن العقيدة، ولهذا السبب لا ترون في وسائل الإعلام تغطية للإرهاب اليهودي أو الكاثوليكي، فعندما نقتل، لا يتم هذا باسم الإيمان، وإنما يتم للدفاع عن حريتنا وحضارتنا، فلماذا يكرهوننا؟ إنهم يكرهون ما أراه ماثلاً هنا في هذا المجلس، الرجال والنساء الذين تم انتخابهم ديموقراطياً بوساطة أموال من شركة أنرون وشركات النفط والاتصالات اللاسلكية والتأمين ومكاتب المحامين، وأكثر ما يكرهونه هو أن مواطنينا من اليهود الأمريكيين ينفقون الملايين للحصول على تأييدكم الأبدي لحليفتنا الوحيدة في العالم إلى جانب إنجلترا،وهى إسرائيل والاختلاف مع بعضنا بعضاً،وهم يريدون الإطاحة بحكومات قائمة في العديد من الدول الإسلامية ولن نسمح بحدوث ذلك، ويريد أعداؤنا طرد إسرائيل من الشرق الأوسط، وإرسال اليهود إلى ولايتنا اليهودية، نيويورك، وهم يريدون طرد المسيحيين واليهود من غير البيض من مناطق واسعة في آسيا وإفريقيا وإرسالهم إلى هنا، ولكن هذا لن يتم إلا على جثتي وحربنا ضد الإرهاب لا تستخدم وسائل قابلة لأن تخاطب العقل الباطن، وهذه الحملة لم تتضمن قتل الأفغان فقط، بل حرمان الإرهابيين من الأموال عن طريق إغلاق كل الهيئات الخيرية والبنوك ومكاتب الصرافة غير اليهودية ـ المسيحية هنا وحول العالم، ولن يتم بعد الآن تصديق وتحمل أعذارهم عن إطعام الأطفال الجياع، وقد لاحقنا كل دولة في نصف الكرة الجنوبي للقضاء على، وتدمير أي معارضة ضد حكومتنا الراهنة، ويتعين على كل دولة أن تختار بين أن تكون أو مع الإرهابيين، وإنني سعيد بإبلاغكم أن كل واحدة من هذه الدول انصاعت لطلبنا، وأن الحكومات في كل تلك الدول اتخذت إجراءات حاسمة ضد أعدائها الداخليين الذين يعارضون ولاء تلك الحكومات لأمتنا إن أمريكا لم تكسب الحرب الباردة فقط بقيادة (دادي) (بوش الأب) ولكن لدينا الآن فرصة لتشكيل تحالفات قوية ودائمة مع أعدائنا السابقين، ومن روسيا والصين وحتى الهند، أقامت أمريكا شراكة ذات مدى عالمي لاستئصال أي وجه شبه وأمل لانفصاليين (إسلاميين) أو توق لتحقيق الاستقلال في هذه الدول وهذه الدول التي تضم نصف سكان العالم تقريباً، تحظى الآن بدعمنا الكامل لما تقوم به بجميع السبل لقمع واستئصال (الأصولية الإسلامية) في الشيشان وكشمير وأويجورز في مقاطعة شينجيانج الصينية، ولكن، وقبل كل شيء، أريد أن أعلن للعالم أن خضوعنا الكامل وتحالفنا مع إسرائيل) قوي كالحديد، وإنني أؤيد بقوة وعلى نحو كلي (الحرب ضد الإرهاب) التي يشنها شارون وتدميره للسلطة الفلسطينية وعرفات، وإنّني أعلن اليوم أنّ الولايات المتحدة ستوقف جميع اتصالاتها مع عرفات وأتباعه من (مرتكبي الأعمال الشريرة) الذين يقتلون ويفجرون إخواننا وأخواتنا من اليهود ولن نؤيد بعد اليوم قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي صوتت أمريكا بالموافقة عليه في عام 1967 كأساس لعملية سلام، وقد أوضح لي شارون أننا لا نستطيع أن نكيل بمكيالين بخوضنا حرباً ضد الإرهاب الإسلامي بزعامة ابن لادن، ومعارضة الحرب المماثلة التي تخوضها إسرائيل،وقد عانت إسرائيل لمدة 53 عاماً من تهديد الجيوش العربية والاحتلال الفلسطيني لأرضها، وإنني أعرف أن وزارة الخارجية في عهد وزيرها الجنرال الحالي عمدت في بعض الأحيان على نحو غير صحيح إلى انتقاد إسرائيل كلما استخدمت طائرات (أف ـ16) التي نزودها بها لقصف مدرسة أو كنيسة في بيت لحم، ولكنني أستطيع القول بكل ثقة أنني والجنرال ندرس هذا معاً، ولذلك فسوف يمضي بقية فترته في الوزارة لضمان سلام إسرائيل وأمنها، وسندفع لإسرائيل مبلغ ملياري دولار لمساعدتها على تعويض خسائرها الاقتصادية الناتجة عن هجمات 11سبتمبر(أيلول) ونحن لا نستطيع أن ندع الجهات الإرهابية والدول المارقة تعادي هذه الدولة أو حلفاءنا وقد توصلت أمريكا أخيراً لمصيرها الواضح، ولن نتعامل بعد الآن بردود الأفعال، ولن نسمح بجرنا إلى صراعات، ولن نكون بعد الآن الدولة التي يأتي إليها العالم لتصنع السلام وتبني الدول، فمصير أمريكا الآن واضح أمام العالم، فنحن سنكون من يشن الحروب على كل من نختاره هدفاً لنا، ونحن الذين سندمر قبل أن نعيد البناء،ولن نقف بعد الآن مكتوفي الأيدي والعالم يغرق في دمائه فأمريكا تعمل من أجل السلام، ولكننا إذا رأينا هناك حاجة لإراقة الدماء فسنقوم بذلك بأنفسنا، ومن الآن فصاعداً ستقرر أمريكا متى وأين وكيف ولماذا تشن الحرب أو تحقق السلام، وقد انتقلت دولتنا بكل فخر من (غضب الشوارع) إلى (الغضب الخارجي)، وقد نجح هذا في حالة (إسرائيل) وهو ناجح الآن بالنسبة لنا ولحليفاتنا روسيا والصين والهند.
والدي: وكما قال (دادى) في خطابه عن حال الاتحاد في 29 يناير كانون الثاني عام 1991م أجيء إلى مجلس الشعب هذا لأتحدث إليكم ولجميع الأمريكيين وأنا على ثقة من أننا نقف عند لحظة حاسمة، ففي بقاع مختلفة من العالم، نخوض كفاحاً عظيماً في الفضاء والبحار وعلى الرمال، ونحن نعلم لماذا نحن هناك، فنحن أمريكيون وجزء من شيء أكبر منا بكثير ولمدة قرنين أنجزنا العمل الشاق الخاص بالحرية، والليلة، نحن نقود العالم في مواجهة خطر يهدد الأصول والبشرية، وفي ما عدا استثناءات قليلة، فإن العالم يقف كوحدة واحدة.
يا (دادى): إنني آمل أن أكون قد حافظت على إرث آل بوش حياً بمحاربة العرب والمسلمين كل عشر سنوات، لضمان استمرار الفوضى في بلادهم، ولن يجبرنا ملك أو أمير عربي نفطي على تحسين كفاية وقود سياراتنا المتطورة، وهذا ما لن يحدث وأنا رئيس للولايات المتحدة وعلى العكس، سيضطرون لزيادة الإنتاج وتخفيض الأسعار. وينبغي أن تتاح الفرصة لجميع الأمريكيين ليكسبوا المال خلال انتقامنا من ابن لادن وأعوانه من مرتكبي أعمال الشر المسلمين وهذا هو أقل ما يمكن أن نقوم به لتكريم أبطالنا الذين سقطوا في 11 سبتمبر(أيلول). هذا عالم تفوق ضبابيته كثيراً عما كان في الماضي، لقد كنا وقتذاك على ثقة من أننا في مواجهة مع الروس، ولأننا كنا على ثقة فقد كانت لدينا ترسانات أسلحة نووية هائلة موجهة إلى بعضنا بعضاً من أجل المحافظة على السلام، وكان ذلك هو ما كنا متأكدين منه .. وكما ترون، وعلى الرغم من أنه عالم ضبابي، فإننا كنا على ثقة بشأن بعض الأمور، وكنا متأكدين أنه على الرغم من أن (إمبراطورية الشر) ربما لا تزال، إلا أن الشر لا يزال موجوداً، ونحن على ثقة من وجود أناس لا يستطيعون تحمل ما ترمز إليه أمريكا .. ونحن متأكدون من وجود رجال مجانين في هذا العالم، ومن وجود إرهاب، وهناك صواريخ وإنني على ثقة من هذا أيضاً، وإنني متأكد من قدرتي على المحافظة على السلام والأفضل بالنسبة لنا أن تكون لدينا قوات مسلحة تتمتع بروح معنوية عالية وإنني واثق من أن الروح المعنوية في ظل هذه الإدارة، متدنية بصورة خطيرة. شكراً لكم وليبارك الله أمريكا...

الدكتور: صالح الرقب- الجامعة الإسلامية

الأكثر مشاركة في الفيس بوك