ثقافة الصراخ

محمد جعفر الكيشوان الموسوي

قد نغض الطرف ونلتزمُ الصمت حيال بعض سلوكياتنا في المجالس التي نحييها في المراكز الإسلامية والحسينيات والمجمعات الإسلامية، إبتداءا بملابس العمل التي نرتديها وصيحات"الله بالخير" ولعب الأولاد وسط المجلس مع إبتسامات أولياء أمورهم المشجعة. قلّما لاحظت مِن أعزتنا الآباء مَن يجالس ولده في المجلس شارحا له بلغة مبسطة آداب المجالس وكيفية الأستفادة منها. لم تعد مجالس اليوم مدارس الأمس، وإنما أصبحت مكانا لصراخ الكبار ولعب الصغار،مكانا للتنفيس عن هموم السياسة والإخفاق في جمع المال الذي لاتنفع معه مليون ختمة"إنا أنزلناه في ليلة القدر". متناسين ونحن نقرأ كل ليلة جمعة"اللّهم إغفرْ لي الذنوب التي تغيّر النِّعَم". الذي يثير القلق هو أن تنمو تلك السلوكيات لتصبح ثقافة عامة يقتدي بها الأولاد الذين هم الأمتداد الطبيعي لنا. أنا أول الآباء الذين لايهتمون بأولادهم وأكثرهم تقصيرا وضياعا للوقت.فكم ضيّعتُ من الوقت الثمين وصرفته في غير موضعه.كم من ليلة قضيتها متصفحا للإنترنت حيران لاأدري مالذي أريده تحديدا.فتارة أقرأ مقالاتٍ لاتُسمنُ ولاتُغني عن جوع، وتارة أبحث عن موضوع معروض للنقاش أو أي شيء يشغلني عن الأولاد. أتواصل مع الأصدقاء عبر النت ولا أتواصل مع أولادي في البيت أو في المجالس ولا حتى في الأسواق.

لم نعد نفهم شيئا من هذه المجالس سوى الصراخ والضجيج اللذان يورثان الشعور بالتعب والأرهاق. كم من عائدٍ إلى بيته وعياله وقد إحولت عيناه وإرتعشت يداه وعلى وجهه علامات التشنج والتذمر وكأنه كان في إحدى جلسات برلماننا العصري الذي لايجيد هو الآخر الحوار الهاديء والنقد البنّاء من أجل حياة أفضل لأبناء هذا الوطن العزيز..لم نعد نفهم شيئا من هذه المجالس فلا إستماع للقرآن الذي يُتلى على مسامعنا ولاإهتمام للخطيب الذي يحاول أن يوجهنا لما فيه الخير لأنفسنا ولا خشوع في صلاتنا بل الأدهى من ذلك هو أني في إحدى المرّات كنت من المصلين خلف أحد الصالحين وكنت في الصف الثاني ولكني لا أسمع إمام الجماعة ماذا يقول لشدة الصخب والصراخ والتحدث بأجهزة الموبايل وحينما طلبتُ برفق من أحدنا أن يخفض من صوته قليلا لأننا في الصلاة أجابني:" وهل تريد منا عدم الحضور إلى هنا". قلتُ حاشا لله ولكني أريد أن أفهم شيئا من صلاتي ياأخ. إلتفتُ بعدها يمينا وشمالا فقال لي: هل تبحث عن شيءٍ ما؟ قلت نعم.. أريد التأكد بأني فعلا في مكان مخصص للعبادة فلربما دخلتُ مكانا آخر بالإشتباه.

في الطائرة من ستوكهولم إلى النجف الشرف:

قبل أكثر من شهرين تقريبا توجهت إلى النجف الأشرف، وفي الطائرة المتجهة من ستوكهولم إلى النجف الأشرف أثار فضولي أحد المسافرين وكان رجلا في الستين من عمره وقد تختم بالعيق والفيروز ودر النجف وفي يده مسبحة يسر. إبتسمتُ له إبتسامة تدل على أنزعاجي من تصرفه في هذا المكان العام، حيث كان يستمع لزيارة الجامعة الكبيرة من حاسوبه المحمول بصوت عالٍ جدا. كان يجلس خلفي مباشرة وكنتُ لسوء الحظ متعبا جدا فقد قضيت وقتها ليلة كاملة بخدمة ولدي المريض ولم أنم لحظة واحدة. بدأ قائد(كابتن) الطائرة بذكر بعض الملاحظات فطلبت منه أن يخفض من صوت حاسوبه أو أن يستعمل سماعة الأذن إن أمكن. فقال لي : للأسف هذا أعلى صوت ولو كان بإمكاني أن أجلب معي مكبرات صوت لفعلت. إبتسمت له مرّة أخرى إستنكارا على سوء خلقه ولكنه فسّر ذلك بالجبن والخنوع. تكررت محاولاتي لأقناعه بخفض صوت الحاسوب قليلا ولكنه كان يزداد عنادا كطفل في السادسة من عمره. طلبت من المضيّف المحترم أن يجد لي مقعدا شاغرا في مكان بعيد عن هذا الرجل بعد أن تناولت حبوب الصداع. قلت مع نفسي: انا الذي إعتدتُ حضور مراسيم الدعاء والزيارة إنتابني صداعٌ شديدٌ ولم يعد بإمكاني أن أخلد إلى الراحة بعض الوقت، فما بالُ من كان على غير ديننا!!

مَن قال أن التبليغ يكون بالإكراه أيها الأخوة!؟

مجرد سؤال..

 

 

- See more at: http://www.alnoor.se/article.asp?id=245015#sthash.YLZYSjj0.dpuf

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك