غطرسة الغرب
إن الفرق يتجلى بين الطامح والمتهور فالأول يقود نحو نجاح مضمون، والثاني إلى هلاك محتوم، وترشدنا بعض الأفعال والتصرفات إلى طرق قد سلكها كثير قبلنا، ولكن لكل تجربة ملامح مختلفة، وفوارق متباينة.
فإن قوة الإنسان تفوق قوة باقي المخلوقات مهما كان اسمها ونوعها، لأن للعقل قوانين ومذاهب تصنع حياة مختلفة إما ملائمة أو غير صالحة، ولذلك تجد الناس درجات متفاوتة في البنية والمكانة والفكر والحالة، لأن مقدار القوة والوعي يختلف من شخص إلى آخر، ثم علينا إيجاد الكيفية التي تحدد نسب النجاح نحو هذه الإشكاليات التي تعتبر محورا في لعبة الإنتاج والقياس والحدود الذاتية والحداثة.
فنجد الكثير من النخب في العالم لا يحسن التداول في مجمله، رغم تغيير الأزمنة والحقب، وينحاز في رؤيته إلى داخل التاريخ ليصارع أغلب الأبجديات للمصداقية المشروعة، بينما يستثمر التقنية بشكل مكثف حتى ألغت الدينامكية الإنسانية، جدواها.
ولا جدال أن الأشياء المختلفة تربطها عناصر مشتركة، عدا الانسجام والغاية، ثم إن الدور الذي يقوم به الفرد حيال ذلك مجرد اختيار مسبق واستنتاج يتفق مع الأزمنة التي يعيشها بوعي، لأن الوعي نقطة انطلاق الفكر كما يعلم الجميع، فإذا كانت المعطيات تنتمي لمطلب عفوي لدى الإنسان الكوني، ويسعى إلى تحقيقه، فهو يروم الوضوح، ويحاول بناء المفاهيم في قالب مختلف، وينسج من الواقع روايات وقصصا قصيرة جميلة، رغم المعاناة التي توجد في بعض فصولها.
فالعالم الأول يملك الوجاهة الفكرية والثقافية والاقتصادية والصناعية وعمق الدلالات، ومفاهيم تدين ما سواه،، فالحقائق النهائية تشير إلى تأويل يائس كرس جهوده للادعاء الأحادي، والارتحال نحو الممكنات بغير التزام مسبق، وترك الجانب الأضعف للحرب والتجارب والفتن والاقتتال، والفشل في إعادة مشروع السلام للعالم ككل.
فإن لهذا النوع من التقدم والتطور والتطلع إلى اليقين، ضريبة مكلفة إن لم تستثمر في تمهيد الطرق إلى استعادة سيادة السلام، وإيجاد مذكرة تفاهم تحت مظلة المصالح العامة وإحياء نسيج العلاقات الإنسانية مع دول العالم الآخر، وإيقاف شبح الدكتاتوريات ضد الشعوب، كحرب بعض الأنظمة ضد شعوبها، ولابد من الوقوف أمام الفهم المتناهي الذي هيمن على الإنسانية، وفرض على الرأي العام المصالح المطلقة، دون اعتبار للحقائق الكاملة، والتعالي على أهمية الروح البشرية، وتتابع الانتهاكات التي تمارس ضدها.
ونقلا عن سيرة وآراء (برنارد لويس التي اتسمت بالسلبية تجاه العرب والمسلمين، حيث عزى تأخرهم عن أوروبا لأسباب ثقافية ودينية. كما رأى بأن العالم الإسلامي في حالة صراع مستمرة مع المسيحية، وإن فترات السلم ليست إلا استعدادا لفترات حرب قادمة).
أما آن لهذا العالم المتغطرس الاندماج إنسانيا في القضايا المشروعة، والعمل على كشف الذات بذاتها دون مساعدة لرؤية الخلل، ما أفضى إلى سلام، يعاني من عدم انسجام مع الأمم الأخرى، وتسلط اقتصادي وسياسي وتكنولوجي، رجح كفته، وزج به في قائمة انفتاح الذات على المستقبل بفكر متغطرس آحادي.
بقدر ما للتنافس من أهداف وطموحات، إلا أنه أوجد خطا فاصلا بين الطبيعة والمخلوقات، والميراث والتاريخ، وألقى بظلاله على إنسانيته واتسعت هلامية حضوره على حساب الشرق الأوسط، الذي انشغل بالخطابات الدينية المتنوعة والسياسات المتقلبة، فكلما تقادم به الزمن حصر اهتمامه في النزاعات الداخلية، والغموض والمؤامرات، والنزوع نحو سلوك نرجسي ينحاز للتاريخ القديم وأمجاد الأولين دون فاعلية تُذكر، في ذات الوقت سئم النمط الواحد والمتكرر من كل شيء، والآمال المخيبة التي ارتكزت عليها سيكيولوجية الانفعالات، إذ لنا فيما كتب هذا الزمن محتوى حقيقي، يعبر عن روح حائرة لها مقومات وخصائص متذبذبة.