الدين لغة حوار أم تناحر

. محمد القويز

    "الدين متى يكون لغة للحوار ومتى يصبح مبرراً للتناحر، وهل للمثقف من دور لتعزيز الحوار أو تجنيب المجتمع الكثير من الكوارث التي لا تحصد في العادة غير البسطاء..."

الدين بُني على الحوار ولدينا دلائل قوية لعل أهمها ذلك الحوار الطويل بين الله سبحانه وتعالى وبين إبليس الذي أبى أن يسجد لآدم. أو حواره مع الملائكة الذين أبدوا استغرابهم من استخلاف آدم في الأرض.

أمثلة أخرى على الحوار المنطقي الذي دار بين موسى النبي المرسل مع فرعون المدعي الربوبية. وكذلك خطاب لوط مع قومه الذين جاؤوه يطلبون ضيوفه لفعل الفاحشة بهم فإذا به يعرض بناته عوضاً عن ضيوفه أمام قومه الشاذين. وخطاب محمد عليه الصلاة والسلام مع كفار قريش الذين طردوه من مكة، ومع المنافقين في المدينة. والشواهد كثيرة في الكتب السماوية.

إن الانفتاح والحرية من صميم التعاليم الدينية، فلو أخذنا الدين الإسلامي كمثال لوجدنا أنه يضمن حرية الاعتقاد وينهى عن الإكراه في الدين. ثم يقرر حقيقة كونية تتمثل في وجود الخلاف على امتداد العصور، ويحذر أتباعه من محاولة جمع كل الناس على "الهدى" بل يخبرهم باستحالة ذلك.

ولكن أتباع الأديان السماوية انخرطوا في عملية إقصاء وتجريم لكل مخالف، مما ساهم في تقسيم المجتمع إلى طوائف متناحرة تزداد تنافراً مع مرور السنين واخترع المسيحيون مصطح هرطقة بينما قابلته الزندقة ومترادفاتها لدى المسلمين. ولأن هناك من يستفيد من الخلافات فإنها تجد تشجيعاً على أكثر من صعيد. وهكذا أصبح أتباع الأديان ينشرون الكراهية ويمارسون التخوين والقتل، لدرجة أن الدين أصبح أهم عوامل الشرذمة في العالم العربي كما هو مشاهد.

ولم يكن حال كثير من المثقفين بأحسن من متشددي الأديان حيث انخرط مجموعة منهم في جدل عقيم حول قضايا فرعية مع رموز دينية مما وسع دائرة الخلاف وساعد على التقاطب المَرضيّ للمجتمع وساهمت وسائل الإعلام الحديثة بنشر هذا المرض.

وكان الأحرى بالمثقف أن يفهم الآخر وأن يستوعبه وأن يحترم معتقده وأن يستغل الاختلاف بين أطياف المجتمع لزيادة ثراء المجتمع وعمق رصيده الثقافي والمعرفي.

لا يكفي الفهم والاستيعاب بل يحتاج المثقف إلى تقنية التواصل مع أطياف المجتمع لإقامة حوار مباشر مع من يصنفهم خصوماً، مع التأكيد على نقاط الالتقاء والاهتمام المشترك ليصبحوا شركاء في بناء مجتمع سوي بينما يحتفظ كل منهم بمعتقده.

وهذه بعض أمثلة على نقاط الالتقاء. فالكل يتفق على الإتقان وسرعة الإنجاز ورخاء العيش وجودة التعليم وقوة الاقتصاد وتطوير الرعاية الصحية وتشجيع النزاهة ومحاربة الفساد وأشياء كثيرة جداً.

http://www.alriyadh.com/938769

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك