اقتتال المسلمين مطلب لسلامة الأمريكيين

د.عبد الله بن موسى الطاير

    سبق لي أن استعرضت في هذه الزاوية قبل نحو ثلاث سنوات مقتطفات من كتاب مثير للجدل صدر في الولايات المتحدة بعنوان "المئة سنة القادمة"، للأكاديمي الأمريكي جورج فريدمان عام 2009م وترجم ملخصا وافيا له السيد مصطفى عبدالرازق. وهو محاولة لقراءة مستقبل هذا العالم بناء على معطيات حالية وتاريخية، يهدف إلى كشف "آلية عمل النظام الدولي اليوم، بالشكل الذي يمكننا معه من تصور كيف سيعمل في المستقبل".

وبالعودة إلى التاريخ يتخيل المؤلف أننا نعيش خلال عام 1900م في "لندن حيث مركز حكم العالم ... حيث كان "التفاعل بين الأوروبيين كبيرا بالشكل الذي يجعل البعض يؤكد أن الحرب بين الدول الأوروبية مستحيلة وأنها إذا لم تكن كذلك فإنها ستنتهي خلال أسابيع، نظرا لصعوبة تحمل الأسواق العالمية مثل هذا الوضع بما ستلقيه من آثار كارثية على الأوروبيين". ثم ينتقل بنا إلى عام 1920م حيث بدا المشهد مختلفا "فأوروبا تمزقت بحرب مدمرة كما أن الإمبراطوريات النمساوية المجرية ، والروسية والألمانية والعثمانية قد زالت وقتل ملايين الأشخاص بسبب الحرب التي استغرقت أعواما".

وقياسا على ذلك يؤكد المؤلف بأن العالم يعيش العصر الأمريكي الجديد وهو القرن الواحد والعشرين الذي بدأ مختلفا بذلك مع "الكثير من الرؤى والتحليلات العميقة التي تؤكد على أن الولايات المتحدة تواجه خطر التراجع على صعيد النظام الدولي لتكون مجرد قوة كبرى بين مجموعة قوى". وفي حين لايقلل من وجود اعتقاد راسخ داخل أميركا بأنها على حافة الهاوية، الأمر الذي يكشف عنه العديد من المظاهر، ويمكن ملاحظته من رسائل القراء للصحف، أو عبر شبكة الإنترنت، أو حتى مجمل الخطاب العام. ويقوم هذا الاعتقاد على أساس أن الحروب الكارثية والعجز المتواصل الذي أفلت من السيطرة، وارتفاع أسعار الوقود وحالات إطلاق النار في الجامعات والفساد في القطاع والحكومة ذاتها.. كل ذلك يوحي بأن الحلم الأميركي قد انهار وأن أفضل أيام أميركا في الماضي وليس المستقبل". إلا أنه يبرر ذلك بحالة "خوف مستمرة من أن الازدهار والقوة الأميركية قاب قوسين أو أدنى من الزوال. ويوضح أن هذا الشعور لا يرتبط بأيديولوجية معينة، ولكنه موجود بين المسيحيين المحافظين ...والنشطاء من أجل البيئة ... وأن هناك حالة من الحنين للخمسينات ... لكن التاريخ يشير إلى أن الخمسينات كانت عصر القلق والتشاؤم العميق". وللمؤلف تبرير يراه منطقيا ويقوم على أساس أن أمريكا لما تبلغ الحلم بعد "فهي مجتمع غير ناضج"، وأنها تعيش "مرحلة مبكرة من قوتها ولم تكمل تحضرها وأنها مثل أوروبا في القرن السادس عشر ما زالت بربرية... وفي مرحلة البربرية لثقافة الشعوب يعتقد أهل القرية أن عاداتهم هي قانون الطبيعة وكل من يخالفها يستحق الاحتقار". وهي نفس القناعة التي سبقه إليها عراب السياسة الخارجية الأمريكية كيسنجر في كتابه "السياسة الخارجية الأمريكية" الذي قرر فيه أن أمريكا لاتملك سياسة خارجية وإنما ثقافة تروق للشعوب وقوة قادرة على فرضها.

وعند السيد فريدمان فإن العصر الأمريكي بزغ "في ديسمبر عام 1991 عندما انهار الاتحاد السوفيتي ... وبدأ حقيقةً مع 11 سبتمبر 2001م ... ويضيف أنه قد يكون من الجوانب المثيرة للجدل ما إذا كانت الولايات المتحدة انتصرت أم لا في الحرب التي خاضتها على خلفية تلك الهجمات، غير أنه من المؤكد أنها حققت أهدافها الإستراتيجية ... وأنهت "فترة تنظيم الأوضاع فيما بين الحرب الباردة وبداية الحقبة الجديدة".

وفي تفسر خطير لما يجري في عالمنا الإسلامي اليوم كشف المؤلف قبل 4 سنوات من الآن "أن بقاء العالم الإسلامي الذي تنطلق منه الحرب على الولايات المتحدة في حالة فوضى هو بمثابة تحقيق هدف إستراتيجي أميركي .... وما دام المسلمون يقاتلون بعضهم البعض فإن الولايات المتحدة تعتبر قد كسبت الحرب".

هذه القراءة الاستشرافية للمستقبل تفسر لنا الكثير من الأحداث التي نعيشها والتي تنتظر منطقتنا، وقد لانتمكن من الحكم على صدق توقعاته من عدمها إلا أن أجيال المستقبل تستطيع ذلك. أما نحن العرب والمسلمون فإن قدرنا أن ننتظر قاطرة الأحداث دون أن يكون لنا الخيار في امتطائها، فنحن مجرد ميدان المعركة، وكل ما يجري من فوضى وسفك للدماء في عالمنا الإسلامي وما سيحدث إنما يحقق التفوق الأمريكي في القرن الواحد والعشرين. ومن ينتظر من القراء عام 2050م فسيشهد وفقا للمؤلف حربا كونية ثالثة وحينها تظهر قوى جديدة قد لاتكون تحت لواء الأمريكيين.

http://www.alriyadh.com/852426

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك