البائع والمشتري لأوكرانيا!

يوسف الكويليت

    «سايكس بيكو» جديد يمزق أوكرانيا، ومثلما فعل الغرب وأمريكا بتمزيق خارطة العرب وأوجدوا الحدود الوهمية بين الدول من أجل استمرار الحروب، ثم الوصول إلى حرب سرية وعلنية مع السوفييت لتفتيت آخر قلاع القوة التي تنافسهم، بدأ بوتن يسقيهم من نفس الكأس بإعادة دور روسيا لأن تكون القوة الموازية، وهذه المرة تحريم الاقتراب من نطاق نفوذ بلده حتى من الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي وبدأت تذهب بعيداً. الدخول أعضاء في حلف الأطلسي والوحدة الأوروبية لتطويق الروس بحزام عسكري واقتصادي، يعيدها إلى قوقعتها وحدودها الطبيعية فقط، فكان لابد من خلق زعيم بمواصفات قوة عظمى، ويبدو أن الخيار على بوتن كان الإيجابي والمهم..

فقد استطاع بعملية صغيرة ودون سابق إنذار أو خوف من طرف دولي مثل الولايات المتحدة الأمريكية، أن يقوم بفصل أستونيا الجنوبية عن جورجيا، والنتيجة مجرد احتجاجات لا تستوفي شروط هيبة الخصم، ثم جاءت أوكرانيا كحجر الزاوية في صراع جديد وكان وهم الأوكرانيين أن أي عمل روسي ضدها سوف يقيم حرباً عالمية جديدة، غير أن المنطق فرض المهادنة أولاً في البحث عن حلول سياسية تبعد شبح تصعيد المواقف، لكن الروس ضموا القرم، ويستعدون الآن لضم شرق أوكرانيا باستفتاءات قيل إنها صورية، ومع ذلك فرضت الأمر الواقع وبأن روسيا ليست الجدار القصير للقفز عليه، ولذلك لم تكن هناك أي فاعليات للمقاطعة الاقتصادية أو التهديد بمضاعفاتها، لأن للغرب استثمارات هائلة في روسيا ويحتاجون طاقتيها النفطية والغازية اللتين لابديل عنهما، ثم إن أوكرانيا نفسها رهينة ديون وحاجة لابديل عنها لموارد الطاقة من روسيا، وبالتالي فكل الأطراف يقعون في المحبس الروسي وحاجتهم لموارده..

لعبة النفط دخلت ساحة الصراع على أوكرانيا، فقد حاول الرئيس الأمريكي بيع فائض احتياطياتها من أجل خفض الأسعار، والتي قوبلت بالرفض من أجل الضغط على روسيا، وقيل إن السعودية أرادت أمريكا إدخالها طرفاً في المشكلة لزيادة إنتاجها لنفس الغاية، ومع أننا لسنا أصدقاء ولا أعداء مع روسيا، فلم نقبل أن ندخل صراعاً ليس لنا غاية فيه، مع أن روسيا استغلت فترة حظر النفط على أمريكا والغرب أثناء حرب 1973م بين العرب وإسرائيل بزيادة إنتاجها وصادراتها لتحقيق مكاسب مادية وإشعار العالم أنها الاحتياطي الرافد لوقف شح الطاقة، ومع أن استخدام هذا السلاح مغرٍ في حالة خلافنا مع الروس حول سورية إلاّ أن ذلك لن يكون لأن النفط غير قابل للتسييس باعتباره سلعة دولية قابلة للعرض والطلب..

بلا شك فإن الصراع الغربي - الشرقي بدأ يأخذ حجماً يثير العالم كله، لكن بموازين القوى، فالضحية أوكرانيا أولاً لأنها ساحة الصراع التي قد تؤدي إلى حرب أهلية تنفع روسيا ولا تضر بالغرب، والأخير لن يدخل في منافسات تؤدي إلى حروب بالنيابة لأنه ليس قادراً على تحمل المصاريف الهائلة لها، والداعي الآخر أن الخيارات السياسية المطروحة تبقى الحيلة الوحيدة لطمأنة أوكرانيا من الغرب، وإعلان الغضب من روسيا، وفي كلتا الحالتين لن تجد من يغطي عجزها بحل جدي آخر، فهي ضحية جديدة ل«سايكس بيكو» مستنسخة من الأولى.

http://www.alriyadh.com/935480

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك