صعود الإسلام السياسي... بوابة الدِّين

 بقلم: محمد الشيوخ

ميدل ايست أونلاين

الدين شكل للحركات الإسلامية عاملاً مهماً للتحشيد والتأثير، خصوصاً من خلال العمل الدعوي والتطوعي عبر المساجد والمواقع العبادية، فنفوذ الحركات الإسلامية في ساحاتها الاجتماعية.

يقصد بالحركات السياسية الاسلامية أو ما يطلق عليه بالإسلام السياسي، هي تلك الجماعات الإسلامية التي تتطلع للحكم ولديها أهداف مشتركة، نابعة من تصورهم الخاص للإسلام والحياة، ومن ثم تحاول تجسيد تلك القيم على الأرض، من خلال أنشطتها المتنوعة، بشتَّى الوسائل والطرق وفق ما هو متاح لها من إمكانات وقدرات، لتكون هي القيم السائدة والحاكمة في المجتمع.

إن وصول الاسلام السياسي لسدة الحكم عكس في جانب منه مدى النفوذ الواسع التي تتمتع به الحركات الإسلامية في محيطها،الى جانب ما تتمتع به تلك القوى من حالة "براغماتية" أبان الثورات العربية. لذلك فإن عدم وصول تلك الحركات لسدة الحكم، في حال إنها جرت انتخابات حرة ونزيهة ولم يتم، سيكون هو المثير للدهشة والاستعراب وليس العكس.

قبل التعرض إلى الأسباب التي أدت إلى وصول حركات الاسلام السياسي لسدة الحكم، بعد سقوط الانظمة الدكتاتورية، نشير إلى بعض الملاحظات ذات الصلة:

1- إن عملية توسع النفوذ للإسلام السياسي، أو الوصول إلى سدة الحكم، لم يأت فجأة، أي أنه ليس وليد فعل الثورات العربية التي اندلعت قبل عامين، وإنما هو نتاج عمل تراكمي سابق، وبالتالي فان عملية الوصول إلى السلطة هو تتويج لذلك العمل النضالي الطويل، كما انه ترجمة حقيقية لمستوى النفوذ الذي تتمتع به تلك الحركات في الوسط الاجتماعي.

2- أنشطة وبرامج الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي، تعتبر الرافعة الأساس لها، كما أنها تعطي فكرة عن مدى قوة وفاعلية وديناميكية تلك الحركات في بيئاتها، مع الاقرار بأن لكل حركة خصوصياتها الخاصة وأنشطتها التي تتباين مع بقية أنشطة سائر الحركات الأخرى.

3- لقد سعت قوى الإسلام السياسي جاهدة لتوفير الأسباب الموضوعية الكافية لصعودها إلى سدة الحكم في البلدان العربية؛ التي أجريت فيها لأول مرة انتخابات حرة ونزيهة، بعد الإطاحة بالأنظمة هناك، وتوج ذلك السعي بالفوز الكاسح على مختلف القوى الاجتماعية والسياسية، في الاستحقاق الانتخابي.

4- هناك العديد من الأسباب التي ساهمت في وصول حركات الاسلام السياسي لسدة الحكم، في كل من مصر وتونس؛ لكن سيتم الاكتفاء هنا بالتركيز على الأسباب المشتركة التي أدت الى اتساع نفوذ الحركات الاسلامية في مجتمعاتها أولا، مما سهل من عملية وصولها الى سدة الحكم أبان الثورات العربية لاحقا.

أبرز الأسباب:

1- انسجام خطاب الاسلام السياسي مع البيئة الاجتماعية:

بما أن البيئات التي تولدت منها الحركات الإسلامية هي بيئات إسلامية في الأساس، وبما أن الدين يمثل عاملا محورياً ومؤثرا في المجتمعات الإسلامية، لذلك سعت حركات الاسلام السياسي منذ نشوئها الى توظيف الدين لخدمة تطلعاتها،كما تبنت خطابا متسقا مع البيئات التي نشأت فيها وليس مغايراً أو صادما لها، ومن ثم أصبح خطابها ينسجم مع ما يتطلع إليه الإنسان المسلم في بيئته الاجتماعية.

ولا تختلف حال العديد من الحركات اللادينية، بحسب كثيرين،عن تلك الأنظمة السياسية الحاكمة التي فرضت بعض القوانين والأنظمة المعاكسة لقناعات الشعوب العربية والإسلامية والمضادة أحيانا لتوجهاتها الدينية، الأمر الذي أحدث اضطرابا وصراعا داخليا بين الشعوب والأنظمة الحاكمة.شكلت هذه الثغرة فرصة ثمينة لحركات الإسلام السياسي التي رفعت شعارات"تطبيق الشريعة" و"الاسلام هو الحل" في بلدانها، لتطرح نفسها كبديل افضل عن الأنظمة "العلمانية" بحسب وصف الإسلامين لها، فلاقت القبول الاجتماعي الواسع في محيطها.

زد على ذلك فأن حركات الإسلام السياسي، في مختلف الساحات الاسلامية، تبنت في شعاراتها حمل لواء الدفاع عن كرامة الأمة ليس لأغراض تكتيكية أو أهداف فئوية أو شخصية ضيقة، بحسب شعاراتها،ودفعت ثمن موقفها هذا، وجادت بأرواح خيرة أبنائها في سبيل الدفاع عن الحقوق، فحازت بسبب ذلك على مصداقية عالية من شرائح المجتمع، فكانت بذلك العنوان الحقيقي والممثل الأمين لكرامة الأمة.

2- مناهضتها للاستبداد الداخلي والاحتلال الخارجي:

لقد قاومت الحركات الإسلامية الأنظمة المستبدة الحاكمة، ودفعت الثمن المقابل لهذه المقامة المتمثل في اعتقال وتعذيب ونفي أفرادها، ولم تكتف بمقاومة الاستبداد الخالي، فهي كانت على الدوام أيضا تقاوم كل أشكال الاحتلال والاستعمار والوصاية الخارجية، مما جعلها مظلة للدفاع عن الأمة وكرامتها ورافعة أساسية لنيل حقوقها وحريتها.

مما لا شك فيه فأن الحركات الاسلامية تتمتع بقوة شعبية حقيقية واسعة متمثلة في قاعدتها الجماهير العريضة العابرة للحدود؛ والتي تعبر عن قناعتها ومواقفها في مختلف الظروف الحرجة والاوقات الحاسمة.ففي مصر مثلا، حدث صدام بين متمثلين بالإخوان المسلمين، مع الجمهوريين المصريين،بداية النصف الثاني من القرن العشرين، ما أدى في النهاية إلى تعاطفٌ الرأي العام العربي معهم، بعد ما أصابهم التنكيل والاضطهاد والتشريد والقتل، على أيدي الجمهوريين الدكتاتوريين، في أنحاء متفرقة من العالم العربي.

فقد تمَّ شنق قيادات الإخوان المسلمين بالجملة على يد الجمهوريين في العام 1955. كما تم شنق سيّد قُطب في العام 1966، وشنق صالح سرية في العام 1974، وشنق شكري مصطفى في العام 1977، وشنق محمد عبد السلام فرج زعيم تنظيم "الجهاد"، وكذلك قتل الآلاف من الإخوان المسلمين في سوريا، في حوادث حلب وحماة في العام 1982.

وكان لافتا أن الحركات الإسلامية قد استفادت، بدون بذل الكثير من الجهد في الدعاية لنفسها والانتشار، من صدام الأنظمة الحاكمة والحروب التي شنتها القوى الغربية الكبرى على المنطقة، كما استفادت من الأنظمة المدعومة من الغرب التي تسلطت على شعوبها طيلة سنوات ما بعد الاستعمار الغربي. فمن جهة كانت حملات التطهير العرقي في البلقان، وما مورس ضد المسلمين في الشيشان ودول الاتحاد السوفيتي السابق، وما مارسته وتمارسه إسرائيل من انتهاكات وجرائم في فلسطين، وما ارتكبته أمريكا في أفغانستان والعراق والصومال وباكستان، وكذلك موجات العداء الغربي والتطاول السافر على مقدسات ورموز الإسلام في وسائل الإعلام والصحف والمجلات الغربية.

كل ذلك أدى إلى غضب جماهيري مضاد، وإلى فوران الحمية الإسلامية، وإلى شعور متنامٍ بالانتماء الإسلامي، وضرورة التمسك بالثوابت والتشبث بالأصول والثقافة والمعاملات الإسلامية - وحتى المظهر الإسلامي - شكلاً من أشكال الدفاع عن الهوية المستهدفة. ومن جهة أخرى، ظل فساد الأنظمة الحاكمة الديكتاتورية الفاسدة المدعومة من أمريكا والغرب عائقًا أمام الإصلاح والتغيير الذي تنشده الشعوب. وكانت هذه الحركات هي الجبهة المقاومة لهذا التحدي، مما ساهم في رفع رصيدها لأنه كان ولازال ينظر لها على أنها تمثل الجبهة المدافعة عن هوية الأمة من مختلف الأخطار المحدقة.

3- الاتكاء على أرضية الدين والعمل التطوعي الإنساني

السمة الأساسية للمجتمعات الإسلامية هي التدين، وأن الدين كان ومازال يمثل عاملا أساسياً ومؤثراً في الناس. الحركات الإسلامية هي إنعكاس وتجسيد للتدين، لذلك هي متكيفة معه في عملها ومشروعاتها وخطاباتها. وقد شكل الدين للحركات الإسلامية عاملا مهما للتحشيد والتأثير، خصوصا من خلال العمل الدعوي والتطوعي عبر المساجد والمواقع العبادية الأخرى. إن نفوذ الحركات الإسلامية في ساحاتها الاجتماعية، وقدرتها على التمدد والتوسع، يأتي من بوابة الدين أولا، والخدمات المقدمة للمجتمع ثانيا.

يتضح من استعراض تجربة الجماعات الإسلامية سواء في مصر والأردن وفلسطين مدى تأثيرها في المشهد السياسي وقدراتها على التغلغل في بنية المجتمعات العربية والإسلامية، ليس بالضرورة عبر البوابة السياسية، اي عن طريق الانتخابات، أو عبر البوابة الثقافية من خلال الكتب والمحاضرات والندوات، أو عبر البوابة الإعلامية من خلال الصحف والبرامج الإذاعية أو ألتلفاز، أو عبر البوابة التعليمية من خلال المناهج والمعلمين، فحسب، وإنما عبر التغلغل العميق في المجتمع من خلال الاتكاء على أرضية الدين، وخدمة الناس، سيما الفقراء. وهو أحد أهم الاسباب الذي ساهم بلا شك في تعميق صلة الناس بالحركات الإسلامية والثقة بها وتوسيع نفوذها وترسيخ شعبيتها، ومن ثم إيصالها لسدة الحكم عبر صناديق الانتخابات، بعد سقوط الانظمة في دول الربيع العربي.

4- استبداد الأنظمة العربية وفسادها

في الوقت الذي تتمتع الانظمة العربية بمزيد من القوة الفائضة احيانا على صعيد أجهزتها الامنية والعسكرية والمخابراتية، هي ضعيفة إلى حد الهشاشة على الصعيد الشعبي، بل إن شرعيتها المنقوصة مهزوزة ومهترئة أيضا، وذلك بسبب إيغالها في الفساد بمختلف أشكاله الى جانب احتكارها للسلطة والثروة، وإقصائها للشعب عن المشاركة، في حين انه مصدر الشرعية والسلطة.

عدم مشاركة الشعب في ادارة الدولة، الذي يعني انفراد النخبة الحاكمة بالسلطة، هو مصدر ضعف الانظمة العربية جميعها، وهو الأمر الذي يقوض شرعيتها، خصوصا اذا ترافق معه الامعان في الفساد والافساد، كما هو حال معظم الأنظمة. لذلك فأن ضعف الأنظمة وعدم مقدرتها على تلبية حاجات المجتمع واشباعها، إلى جانب فسادها واستئثارها بالسلطة والثرورة، ساهما بشكل كبير في نفور واشمئزاز المجتمع منها.وكانت الحركات الإسلامية، التي طرحت نفسها كبديل واقعي عن الأنظمة القائمة، حتى وان لم تصرح هي بذلك، كانت هي الرابح الأول من تلك السياسات الفاشلة.

لم تكتف الانظمة العربية بحالة البدخ وممارسة سياسية التجويع لشعوبها، بل دخلت في صدام مباشرة مع القوى الإسلامية، وزجت ببعض أعضائها في السجون، أو تمَّ طردهم من الحلبة السياسية، أو نفيهم خارج الوطن. السياسات الفاسدة لم تورث الفشل في التنمية والنهوض في الاوطان، وإنما خلفت كرها ونفورا شعبيين حيال تلك الانظمة الحاكمة. في مقابل ذلك، تبنت معظم الحركات الاسلامية في الاوطان العربية أسلوب المواجهة المباشرة لتلك الساسيات والانظمة الفاسدة، فقوبلت باحتضان شعبي والتفاف جماهيري واسع.وقد أفسحت تلك السياسة المجال أمام الجماعات الإسلامية، لكي تملأ الفراغ في المجتمع وتحوز بثقته.

إن ولادة معظم الحركات الإسلامية وزيادة شعبيتها، هو رد فعل على سياسات الانظمة الحاكمة الاقصائية ونتيجة طبيعية لفسادها. فسياسات الانظمة الحاكمة، هي التي خلفت اوضاعا سيئة، وهيأت الفرصة الملائمة لتقدم الحركات الاسلامية نفسها كبديل عنها، ما جعل المواطن العربي ينظر إليها بوصفها "خشبة" الخلاص من الواقع الموبوء. وقد ترجم ذلك فعلاً، اثناء الانتخابات التي حدثت أبان الثورات العربية، حيث تم منحها غالبية الاصوات اثناء عملية الانتخابات التي تمت في دول الربيع العربي.

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك