الأسرة المسلمة في زمن العولمة

لقد شملت العولمة «النظام العالمي الجديد» كل جوانب الحياة، البشرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، وسيطرت تقريباً على كل المجتمعات، ودخلت بأنظمتها وقوانينها الجديدة كل بلد وكل حي، بل كل بيت، وقد بات هذا الأمر واضحاً ومؤكداً لا يخفى على عاقل.
ومن الملاحظ أن العولمة استهدفت في العقود الأخيرة من القرن العشرين عولمة الاجتماع والثقافة، وركزت تركيزاً خاصاً على الأسرة، - نواة المجتمع - وسعت جاهدة لضرب مواطن القوة في المجتمعات بفرض أنظمة وقوانين من شأنها أن تجعل النظام الأسري والاجتماعي واحداً.
وقد كان تركيز أعداء الإسلام أيضاً على شخص "المرأة" ،إذ أنها حجر الزاوية في الأسرة وهي بيت القصيد. فقد علموا علم اليقين أنهم إن استطاعوا عولمة عقلها وسلخها عن دينها ومخزونها العقائدي فإنهم سينجحون لا محالة في ضرب الأسرة في مقتل، وسيقضون على مواطن القوة الحقيقية في المجتمعات الإنسانية بصفة عامة والإسلامية بصفة خاصة، واستخدموا الجمعيات النسائية التي يمّولونها، ومؤتمرات المرأة والإسكان ووسائل أخرى كثيرة للوصول إلى غاياتهم وأهدافهم، وبذلك استطاعوا فرض سياسات ووثائق خاصة ألزموا دول العالم بها.
وقد بلغ بهم الأمر إلى أن وصلت أياديهم إلى العبث بمصداقية أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بالأسرة، من زواج وطلاق وحضانة وميراث وشهادة ومهر وقوامة وتعدد زوجات، فشككوا في صلاحيتها وكثّفوا عمليات الهدم لإبعاد المسلمين والمسلمات عن دينهم وعدالة منهج السماء، وقد ساعد على ذلك مخالفة الكثير من المسلمين تطبيق تعاليم دينهم فيما يخص النساء وقضاياهنّ، حيث عوملت النساء في كثير من المجتمعات التي تنتمي للإسلام وفق عادات وتقاليد قبلية بعيدة عن سماحة الشريعة وعدالتها وتعاليمها الوضّاءة، منتقصة حقوقهنّ الفكرية والاجتماعية.
كان من نتائج هذه المعاملة السيئة للنساء أن هبط مستوى تربية الناشئة وظهرت صور مشوّهة للمسلمين فأساءوا بذلك للدين الإسلامي الذي ينتسبون له، مما جعل النظام العالمي الجديد يعمق وجوده في المجتمعات الإسلامية. رغم أن قضايا النساء لم تخل ساحتها من رجال مصلحين غيورين على دينهم تصدوا للظلم الذي لحق بحقوق النساء وامتد إلى كافة أنشطتهن، ولكن نظام العولمة استخدم في تحقيق أهدافه جميع الوسائل الإعلامية والثقافية والاقتصادية مستخدماً في ذلك كل وسائل النفوذ والسلطان فاستطاع بذلك أن يكسب الجولة.
إن الأمر الذي دفعني للكتابة في هذا الموضوع تحذير للمسلمين والمسلمات من الأخطار المحيطة بهم، وحثهم على اتخاذ الخطوات اللازمة، ووضع الخطط المحكمة لمواجهة هذه التحديات، والعودة بهم إلى تبني الفكر الصحيح وأحكام الشريعة السمحاء، لتكون بمثابة خطوط دفاع أوليّة للأفكار الوافدة التي تتعرض لها الهويّة الثقافية الدينية، وتهدد البني التحتية بوسائل قد تخفى على الكثير من خلال السيطرة الاقتصادية والإعلامية والثقافية والنظم الاجتماعية.
إن التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة اليوم كثيرة، فقد أصبح العالم أشبه بالقرية الصغيرة في ظل تطور وسائل الاتصال ووسائل الإعلام وسيطرتها، وسوف يسكن الفسق والفساد بيوتنا وأخلاقنا إن لم نتمسك بعقيدتنا وأخلاقنا الإسلامية.
ولقد اهتم الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة اهتماماً بالغاً واعتنيا عنايةً فائقةً بالأسرة وأحكامها وقضاياها، وقد بهرتني المعلومات والأحكام التفصيلية التي هي بمثابة كنوزٍ حقيقيةٍ لم تصل إليها المرأة المسلمة بعد، بل لم تتعرف عليها غالبية النساء في العالم. فأحببت أن أنبهها إلى ذلك، خاصة وقد آلمني أن أراها تركض خلف الغرب الكافر تطلب منه النجدة والعون، وتقف في مدرجات المؤتمرات وأروقة هيئة الأمم تنتظر أن يمن عليها المشرعون البشر بنظرة شفقة أو عون في مسألة أو تعديل في قانون تظن أنه سينقذها ويحقق لها مطالبها ويرفع عنها الظلم ويمكنها من حقها، فتقف المرأة العربية والمسلمة مع مئات النساء الغربيات تردد ما يقلن وتؤمن على مطالبهن، ظانّة أن هذا هو الحق وأن الفرج سيأتي من هناك، تاركة وراء ظهرها الدستور الإلهي والميثاق الرباني الذي أنزله الله والذي فيه عزها وكرامتها، والذي يمدها بالعون الحقيقي والفرج والنصر والخير حيث الفلاح والنجاح وتحقيق الأماني والآمال. فما عليها إلا أن تقرأ وتتدبر وتتعلم وتعلٍّم الأخريات ما منحه شرع ربها للمرأة من حقوق لم تصل إليها الأحلام.
إن أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية جاءت مفصلة، ابتداءً من أولى الخطوات في بناء الأسرة من كيفية اختيار الزوج ومروراً بأحكام الخطبة ووصولاً إلى أحكام الزواج وما يرتب عليه من نفقة ومهر وكسوة وسكن وانتهاءًه بالوفاة أو الطلاق وما يترتب على ذلك من عدة ونفقة وميراث أو حضانة، وما يتعلق من حقوق وواجبات مالية وأدبية لكلا الطرفين.
وقد وضعت الشريعة أحكاماً خاصةً بثمرة هذا النكاح (الأولاد)؛ فالطفل له حقوق كاملة في كل مراحل نموه، توفر له العناية والرعاية والحنان والأمان.
وقد قسمت البحث إلى مقدمة وأربعة فصول:
الفصل الأول: تعريفات.
1- المبحث الأول: الرسالة العالمية.
2- المبحث الثاني: العولمة.
الفصل الثاني: حقائق:
1- المبحث الأول: الأسرة في منظور العولمة.
2- المبحث الثاني: العولمة وأثرها السيئ على الأسرة.
3- المبحث الثالث: الرسالة العالمية ونظرتها للأسرة.
الفصل الثالث: مراعاة الرسالة العالمية في أحكامها للفوارق الفسيولوجية والنفسية الخاصة بالرجل والمرأة:
1- الميراث.
2- الطلاق.
3- تعدد الزوجات.
4- القوامة.
5- العنف ضد المرأة.
6- الشهادة.
الفصل الرابع: الحلول العملية العاجلة للحفاظ على الأسرة والمجتمع والطفولة.
الخاتمة.
وأسأل المولى -عز وجل- أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم وأن يتقبله مني خدمة للكتاب والسنة ودعماً للبحوث الإسلامية.

فاطمة عمر نصيف

الفصل الأول
تعريفـــات

المبحث الأول
الرسالة العالمية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرسالة في اللغة: من أرسل وإرسال. ويقال تراسل القوم أي أرسل بعضهم إلى بعض.
الرسول: الرسالة والمرسل.
وأنشد الجوهري في الرسول:
ألا أبلغ أبا عمــــر رسولاً
بأني في فتاحتــــكم غني

والرسول معناه في اللغة: الذي يتابع أخبار الذي بعثه. قال تعالى: ﴿     ﴾ أي ذوي رسالة رب العالمين( ).
والرسالة في الاصطلاح: هي الرسالة التي جاء بها خاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبد الله -عليه أفضل الصلاة والسلام-، وهي (الإسلام) وسميت الرسالة العالمية لقوله تعالى: ﴿      ﴾( )، ولقد بعثه الله للناس كافة، قال تعالى: ﴿     ••   ﴾( ). وهذه الآيات تدل دلالةً واضحةً أن الرسول × قد بعثه رب العالمين لكل الشعوب والقبائل بمختلف أشكالها وألوانها، بمختلف مللها ومذاهبها في شتى البقاع ومختلف الأزمان بالدين الكامل والتشريعات الصالحة لكل زمان ومكان، وهذا ما شهد به الحق- تبارك وتعالى-، فقد أكد- سبحانه- هذه الحقيقة في مواضع كثيرة وبأساليب عديدة وفي سور متعددة ومناسبات مختلفة، قال تعالى: ﴿   •     • ﴾( ).
فالدين الإسلامي هو دين الإنسانية العام ولا يقبل الله من الناس ديناً غيره، وقد وعد الله بأن يظهره على سائر الأديان كلها ولو كره الكافرون. وهذه الدعوة العالمية تتطلب شخصيةً عظيمة، ورسولاً كريماً مصطفىً مختاراً يحمل من الصفات الإنسانية أجلّها وأكرمها ليتحمل تبليغ هذه الرسالة العالمية.
فاختار الله محمد بن عبد الله سيد ولد آدم إماماً للأنبياء وخاتماً للمرسلين فكان خير خلق الله أجمعين.
فالنداء في قوله "يا أيها الناس" يؤكد على عالمية هذه الدعوة، وأن الرسول × مكلف بتبليغ دعوة التوحيد لجميع الناس.
والغاية من بعثته هي إبلاغ رسالة ربه، ونشر رسالة الحضارة الإسلامية الكاملة الشاملة لجوانب الحياة المادية والروحية في توازن واتساق، ولأنها الرسالة العالمية ولابد وأن تبلّغ لكل من يعيش على هذه الأرض.
قال تعالى: ﴿                  ﴾( ). قيل معناه بلّغ أي أظهر التبليغ. قال ابن عباس: المعنى بلغ جميع ما أنزل إليك من ربك فإن كتمت شيئاً منه فما بلغت رسالته( ).
وهذا توجيه للنبي × ولأمته كافة بنشر رسالة الإسلام وإبلاغها للبشرية كلها، وأكدّ على هذا بقوله: ﴿           •  ﴾ ( ).
وبهذه الآية يتوجب على كل مسلم مكلف -حسب قدرته- تبليغ ما جاءت به الرسالة العالمية لجميع الناس بكل الوسائل المشروعة المتاحة.
وقد خص القرآن أهل الكتاب (اليهود والنصارى) بالنداء. قال تعالى: ﴿                                 ﴾( ).
وقد نفَّذ الرسول × أمر ربه ودعا أهل الكتاب إلى دين الله، فكتب إلى الملوك والأمراء في الأمصار وأرسل لهم الرسل، فقد روى البخاري ضمن حديث طويل نص الكتاب الذي كتبه
النبي × إلى ملك الروم هرقل:
«بسم الله الرحمن الرحيم.. من محمد بن عبد الله ورسوله
إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين»( ).
وقد أقر هذه الحقيقة الكثير من المستشرقين واعترفوا بها ونشروا اعترافاتهم للناس، ومن هؤلاء الكاتب الفرنسي الكبير (أديسون) الذي قال: وبلّغ محمد الدعوة إلى أكثر ملوك الأرض، ذلك أن الإسلام لم يكن ديناً للعرب، وإنما دين الإنسانية من أدنى الأرض إلى أقصاها .. ويستنكر المؤرخ الإنجليزي (أرنولد) قول من يزعم بأن الدعوة الإسلامية ليست دعوة عالمية فيقول: (ومن الغريب أن ينكر بعض المؤرخين أن الإسلام قد قصد به مؤسسه في بادئ الأمر أن يكون ديناً عالمياً برغم هذه الآيات البينات. وتقول الدكتورة (لورا فيشيا فاغليري) الإيطالية (إن حكمة الله وحده كانت مسئولة عن رسالة محمد، آخر الأنبياء الكبار حملة الشرائع، والنبي الذي ختم سلسلتهم إلى الأبد.
إن مثل هذه الرسالة كان يتعين عليها أن تكون رسالة عالمية لجميع أفراد الجنس البشري من غير تمييز، وعلى اختلاف الجنسيات والأوطان والأعراق).
ولقد بلغ الرسول × الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة بما ينفعهم في معاشهم ومعادهم . وعلينا نحن كمسلمين أن نقوم بهذا الواجب فنبّلغ هذه الرسالة العالمية، ذات المعالم الواضحة والمبادئ العظيمة والأحكام القيّمة، فهي الرسالة ذات الخصائص الفريدة التي تميزت بها على كل الرسالات، والتي من أهمها:
1- أنها جاءت بتشريع واضح لكل جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية، وبميزان دقيق يبين الحقوق والواجبات.
2- أن قانونها منضبط، بميزان العدل الذي لا يحابي أحداً ولا يظلم أحداً.
3- أن المساواة هي المنظور الواقعي الذي تتعامل به مع كافة الشعوب والأفراد الذين ينضمون إليها ويعيشون تحت لوائها.
4- أن نظامها السياسي يقوم على الشورى والعدل والوفاء بالعهد.
5- أن عمارة الأرض ونفع الناس من أهم أهدافها.
6- أن القوانين المالية تحكمها الدقّة في الضبط والطهارة في التعامل على قاعدة «لا ضرر ولا ضرار».
أن العلم هو أول منطلقاتها، فأول الواجبات في هذه الرسالة القراءة. لقوله تعالى: ﴿  ﴾( )، ليخدم العلم الحضارة الإنسانية وليقبل الناس عليه بعقيدة وحب ليبرزوا في كل المجالات.
7- أن الأخلاق الفاضلة هي المرتكز الأساسي في العقيدة والعبادات وكل العلاقات الاجتماعية وكل أنواع المعاملات.
هذه الخصائص هي التي أهّلتها لأن تكون الرسالة الإنسانية العالمية والحضارة العلمية الأخلاقية التي تقدم للناس كل ما ينفعهم.

***

المبحث الثاني
العولمـــة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

أثار هذا المصطلح العولمة (Globalization) جدلاً واسعاً لأكثر من عقد من الزمان، ثم انتقل هذا المصطلح إلى الدول النامية، ومن بينها الدول العربية في الآونة الأخيرة، وتزايد الاهتمام به من قبل العديد من المراكز البحثية والإعلامية.
فالكلمة الإنكليزية Globalization مشتقة من كلمة Globe بمعنى الكرة، أي الكرة الأرضية، ومن خلال هذا المعنى ترجم هذا المصطلح إلى العولمة وسماها بعضهم "الكونية" لانتشار وسيادة الثقافة الأحادية أو المميزة لأقطار بعينها في أنحاء كثيرة من العالم ( ).
ومصطلح العولمة له تعريفات عديدة فعالِم الاجتماع ينظر إليه بمنظور معين وعالِم الاقتصاد ينظر إليه بمنظور آخر، وهكذا.
يقول جيمس روزنا ( ): "وإن كان مبكّراً وضع تعريف للعولمة يلائم التنوع الضخم في العلاقات فيمكن القول بأن مفهوم العولمة يقيم علاقة بين مستويات متعددة للتحليل تتمثل في الاقتصاد -السياسة- الثقافة- الأيدلوجيا. وهذه المستويات تتمثل في إعادة تنظيم الإنتاج وانتشار الأسواق والتحويل عبر الحدود وتماثل السلع بمختلف الدول وتستفيد من الصراع بين المجموعات المقيمة والمجموعات المهاجرة".
وعرفها الأستاذ عمر عبد الكريم( ): على أنها الاتجاه المتنامي الذي يصبح به العالم كرة اجتماعية بلا حدود، أو أنها: (تكثيف العلاقات الاجتماعية عبر العالم حيث ترتبط الأحداث المحلية المتباعدة بطريقة تبدو كما لو كانت تتم في مجتمع واحد).
يقول: أ.عمر عبد الكريم: "لقد شملت دلالة مصطلح العولمة على أنها ظاهرة تتداخل فيها أمور الاقتصاد والسياسة والثقافة والسلوك والاجتماع" ( ).
ويكون الانتماء فيها للعالم كله عبر الحدود الدولية وتحدث فيها تحولات على مختلف الصُعد تؤثر على حياة الإنسان في كوكب الأرض أينما كان( ).
من التعريفات السابقة: نرى أن العولمة شملت جميع جوانب الحياة الاقتصادية والثقافية والإعلامية والاجتماعية بغرض هيمنة الدول ذات النفوذ وفرضها أنماطاً حضارية جديدة تخدم مصالحها بشتى الوسائل. ونضرب لذلك مثلاً:
1- عولمة الإعلام:
تعريفها: هي الأثر المقصود الذي تمارسه مجموعة محددة من المؤسسات الإعلامية الدولية على إعلام دول العالم.( )
وهي كذلك اتحاد مجموعة من الوسائل التي تروج بقوة شمولية وعنيفة ومتسلطة لمضامين العولمة، فتكون صورة مسيطرة على الذهن ومؤثرة على السلوك ومشجّعة على الانتشار التطبيعي السريع ( ).
ومن أهدافها؛ السيطرة على الرأي العام وصولاً إلى سيادة الفكرة الواحدة – تعميم الفكر الإباحي، تذويب الجانب الديني والأخلاقي، تصنيع ذات وهويّة وشخصية الإنسان في كل مجتمع.
من أبرز وسائل الإعلام: الفضائيات بأنواعها، الإذاعة ووكالات الأخبار العالمية، الإنترنت، المجلات، الجرائد، القصص، المسرح، السينما.
2- عولمة الثقافة:
تعرف عولمة الثقافة بأنها: الانتشار الثقافي الفكري لجهات قومية ومؤسسات دولية ذات أثر ملموس في مجتمعات العالم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب( ).
وهي كذلك إعادة صياغة الإنسان ضمن معايير المنفعة المادّية والجدوى الاقتصادية لصالح الدول القوية.
أهدافهـــا:
 تعبئة الإنسان في كل الأرض بمضمون موحد.
 سيادة ثقافة الدول الأقوى اقتصادياً.
 عولمة جسد المرأة -وهو قلب المعركة-.
ومن أبرز وسائلها: التربية والتعليم والمحتوى الثقافي المبثوث في كل المجتمعات والمؤتمرات الدولية والمحلية.
3- عولمة الاقتصاد:
تعريفها:
تيار فكري يمهِّد لتعميم مبدأ الانفتاح الاقتصادي الحر ويكون لمنتجات الغرب وعمالته والاستحواذ على مواد الدول الفقيرة بأدنى تكلفة وتحقيق عائد متنام سنوياً.
من أهم أهدافها التأكيد على المصير المشترك للشعوب وأن يكون في يد دول النفوذ.
أولاً: الوسائل المستخدمة لعولمة الاقتصاد:
أولاً: استخدام منظمات عالمية مثل: صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة التجارة العالمية، منظمة العفو وحقوق الإنسان الدولية وغيرها.
ثانياً: استخدام قوانين دولية مثل: القانون الدولي للاستثمار الأجنبي، القانون الدولي للعمل، هيئة التحكيم الدولية لفض المنازعات، لجان فحص الأداء.
ثالثاً: تأسيس شركات كبرى تسيطر على: تدفق رؤوس الأموال، أنواع الاستثمارات، الخدمات الأساسية لأفراد المجتمعات.
4- العولمة الاجتماعية:
تعريفها: فرض النظام الاجتماعي والحضارة الغربية بكل أنماطها على مجتمعات العالم دون مراعاة الخصوصيات الحضارية والثقافية وخاصة الأسرة، لأنها اللبنة الأساسية وقاعدة المجتمع وموطن قوته وتماسكه.
وقد كان تركيزهم الأكبر على المرأة لأنها محور الأسرة. وهذا التعريف هو أهم التعريفات ذات العلاقة المباشرة بهذا البحث، إلا أنه كان من الضروري ذكر التعريفات الأخرى لاتصال بعضها ببعض اتصالاً وثيقاً.
وهذا يفسر لنا مبعث تركيز قادة النظام العالمي الجديد على قضايا المرأة والأسرة من خلال ما يعرف بالمؤتمرات الدولية للمرأة، حيث تسعى هذه القوى إلى توظيف تلك المؤتمرات كإحدى وسائل الدعاية والتأثير في تدويل نموذجها الحضاري وإلى صياغة عقد اجتماعي عالمي جديد، من خلال خلق وتشكيل أنماط اجتماعية تحاكي النمط الغربي بقيمه وسلوكياته ونظرته
إلى الإنسان والكون والحياة، بما يتفق مع الأهداف الخفية المقررة في أجنداتهم.
إذن.. فالعولمة معناها باختصار شديد "إكساب الشيء طابع العالمية" وذلك بفرض نظام يطبق على مجتمعات العالم كله، حتى المسلمين، في محاولة للهيمنة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والدينية من قبل الدول ذات النفوذ على دول العالم أجمع لتذوب في بوتقة واحدة فينحسر الاستقلال الذاتي للمجتمعات وتلغى الهوية الذاتية فيتم بذلك إلغاء حق التنوع الديني والثقافي والاجتماعي، وتصبح المجتمعات نسخاً مكررة فلا استقلال
ولا تميز لأية ثقافة أو تراث أو قانون أو اقتصاد أو تعليم
أو دين أو قيم أو مبادئ، فيقضى بتلك على الإثراء الفكري والقيمي والثقافي.
وكل ذلك يتم عن طريق استخدام: وسائل الإعلام والثقافة وأدوات المعرفة وشبكات المعلومات وأجهزة الإعلام والسيطرة عليها، وأيضاً من خلال الأخبار والمعلومات التي تبث إلى مختلف دول العالم على مدار الساعة ومن خلال المؤتمرات الدولية لإضفاء الصفة الشرعية والصبغة الدولية لما يصدر عنها من توصيات لعولمة عقل المرأة والأسرة المسلمة، ليتم إقناع العالم بنزاهتهم وموضوعيتهم حتى يتسنى لهم فرض نظم وعقائد العولمة على العالم أجمع.
إن الاهتمام الدولي المعاصر بقضايا المرأة هو في حقيقته امتداد لحركات التحرر النسائية ذات الأصول الغربية التي انطلقت لمواجهة استحواذ الرجل على الفرص في المجتمع الغربي المادي المعتمد على التجارة وإعادة هيكلة الاقتصاد في العالم، وقد استخدموا من أجل تحقيق أغراضهم الشبكات والتحالفات النسائية، فكان أول اجتماع لهم في 8 مارس 1908 (بكوبنهاجن) ومن حينها أصبح ذلك اليوم يوماً عالمياً للمرأة. ثم توالت المؤتمرات والمواثيق الدولية تباعاً كالتالي:
 ففي يوم (26/6/1945م) تم توقيع الدول الحديثة على ميثاق هيئة الأمم المتحدة ودستورها في مادتيه الأولى والثامنة على مبدأ عدم التفرقة بين الناس بسبب الجنس، وأن المنظمة لا تفرض قيوداً على اختيار الرجال والنساء للمشاركة بأي صفة في فروعها الرئيسية أو الثانوية.
 وفي عام (1946م): أنشئت لجنة مركز المرأة في منظمة الأمم المتحدة وهي هيئة رسمية دولية تتألف من خمس وأربعين دولة من الدول الأعضاء تجتمع سنوياً بهدف عمل مسودات وتوصيات وتقارير خاصة بالمرأة وتقويم ذلك.
 وفي عام (1948م): تم إقرار "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" وفي مادته الثانية ينص على أن: لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دونما تمييز لأي نوع، ولاسيما بسبب العنصر أو اللون أو الجنس. والأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع لها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة.
ويلاحظ هنا أن المجتمع الدولي حينذاك كان لا يزال يرى الأسرة الفطرية الطبيعية وحدة المجتمع الأساسية ثم حصل التحول في مرحلة العولمة المعاصرة.
 وفي عام (1952): تم إقرار الحقوق السياسية للمرأة في هيئة الأمم.
 وفي عام (1966م): تم صدور العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان وفيهما: تتعهد الدول الموقعة بضمان مساواة الذكور والإناث في حق التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها في هذا العهد.
 ثم في عام (1967م) تم صدور الإعلان العالمي الخاص بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
 ثم عام (1968م) تم صدور إعلان طهران عن حقوق الإنسان، والذي نص في بنده الـخامس عشر على أنه يتحتم القضاء على التمييز الذي لا تزال المرأة ضحية له في العديد من أنحاء العالم، إذ أن بقاء المرأة في وضع دون وضع الرجل يناقض ميثاق الأمم المتحدة.
 وكان في عام (1974م): المؤتمر العالمي الأول للسكان في (بوخارست) لكن مجمل معالجاته تصب بتأثير مباشر على المرأة والأسرة، تلاه في عام (1975م) أول مؤتمر دولي للمرأة في (مكسيكو سيتي).
وتوجت المؤتمرات في عام (1979م) بتوقيع اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة بصيغة ملزمة قانونياً للدول الموقعة عليها ولأهميتها سأذكرها وهي كالتالي:
وثيقة القضاء على جميع أشكال التمييز المعروفة اختصاراً باسم سيداو (CEDAW):
اعتمدت هذه الوثيقة الجمعية العامة في هيئة الأمم المتحدة في 18 ديسمبر 1979م، وحددت مبادئ وتدابير معترف بها دولياً لتحقيق مساواة المرأة بالرجل في كل مكان، وتضمنت (30 مادة) بصيغة ملزمة قانونية، وجاء اعتماد الجمعية العامة لها تتويجاً لمشاورات أجرتها طوال فترة خمسة أعوام فرق عاملة متنوعة أشرفت عليها لجنة المرأة في هيئة الأمم والجمعية العامة.
وتدعو هذه الاتفاقية الشاملة في 16 مادة منها إلى المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل بغض النظر عن حالتها الزوجية في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية. وتدعو أيضاً إلى سنّ تشريعات وطنية لحظر التمييز ضد المرأة، وتوصي باتخاذ تدابير خاصة مؤقتة للتعجيل بالمساواة بين الرجل والمرأة وباتخاذ خطوات لتعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية التي تجعل من التمييز عرفاً دولياً، وتنص تدابير أخرى على منح المرأة حق المساواة في الحياة السياسية والعامة، وعلى تكافؤ فرص التحاقها بالتعليم وحق اختيارها نفس البرامج المقررة للرجل، وعلى عدم التمييز في فرص التوظيف والأجر، وعلى ضمانات العمل الاجتماعية في حالتي الزواج والأمومة، وتركز الاتفاقية على ما للرجل والمرأة من مسؤوليات متساوية في إطار حياة الأسرة، وهي تبرز أيضاً ما تدعو إليه الحاجة من خدمات اجتماعية، ولاسيما مرافق رعاية الأطفال لتمكين الوالدين من الجمع بين التزاماتهما الأسرية وبين مسؤوليات العمل والمشاركة في الحياة العامة.
و في الاتفاقية -فضلاً عن ذلك- ثمّة مواد تدعو إلى عدم التمييز ضد المرأة عند تقديم الخدمات الصحية، بما في ذلك الخدمات المتعلقة بتنظيم الأسرة، وإلى منحها أهلية قانونية مماثلة لأهلية الرجل مع موافقة الدول الأطراف على اعتبار جميع العقود وسائر أنواع الصكوك الخاصة التي تحد من أهلية المرأة القانونية باطلة وملغاة. وقد أوليت مشكلة المرأة في المناطق الريفية اهتماماً خاصاً ووضعت الاتفاقية آلية للإشراف دولياً على الالتزامات التي تكون الدول قد أقرتها بعد تصديقها على الاتفاقية أو الانضمام إليها، وتضطلع لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة المكونة من 23 خبيراً يعملون بصفتهم الشخصية وتنتخبهم الدول الأطراف في الاتفاقية برصد التقدم المحرز في مجال تنفيذها( ).
إن أهم سمات وخصائص العولمة تظهر في صياغة هذه المواثيق المنبثقة عن المؤتمرات، وعلى رأسها "وثيقة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة".
وقد تضمنت الوثيقة بعض الجوانب الإيجابية لتنمية المرأة كما تضمنت بعض النقاط السلبية التي أثرت بشكل كبير وسلبي على الأسرة وعلى التركيبة الاجتماعية عموما،ً وأصبح ضررها أكثر من نفعها.
أولاً: إيجابيات الوثيقة:
فمن الإيجابيات التي تضمنتها، إذا أحسنا الظن بمراميها:
1- التأكيد على وجوب تطوير المرأة وضمان ممارستها لحقوق الإنسان والحريات الأساسية (مادة 3).
2- القضاء على الانحياز والعادات القائمة على فكرة "دونية المرأة وتفوق الرجل عليها" (مادة 5 فقرة أ).
3- اتخاذ جميع التدابير لمكافحة جميع أشكال الإتجار بالمرأة، واستغلالها في الدعارة أو المتاجرة بها في سوق الرقيق الأبيض (مادة 6).
4- منح النساء الحق في إكساب أطفالهنّ جنسياتهنّ، وأن لا يترتب على الزواج من أجنبي مساس بجنسية المرأة (مادة 9).
5- التأكيد على حق المرأة في التعليم في كل المراحل والتخصصات (مادة 10).
6- المساواة بين الرجال والنساء في ميدان العمل والمساواة أيضاً في الأجر، فمن العدل استحقاق أجر متساو لعمل متساو (مادة 11).
ثانياً: سلبيات الوثيقة:
أما عن الجوانب السلبية في الوثيقة فتتلخص في الآتي:
1- إن المصطلحات المستخدمة في صياغتها غامضة وغير ثابتة، وأغلبها ألفاظ عامة تحمل أكثر من معنى، وذلك بغية تفسير تلك المصطلحات على النحو الذي يريدون.
وقد وضحت ذلك السيدة ديل أوليري(Dale O'Leary) في بحث لها في هذا الخصوص تحت عنوان "الصحة والحقوق الجنسية والتناسلية" حيث قالت: "تنص الوثيقة على أن حق حرية الاختيار في أمور التناسل وأسلوب الحياة يعتبر حقاً أساسياً للمرأة، كما يعتبر التمتع بالحقوق الجنسية والتناسلية مطلباً ضرورياً لكي يكون لديها حق حقيقي في تقرير المصير) وعلقت بقولها: "إن حرية الاختيار في التناسل" يقصد بها الحصول على حق الإجهاض عند الطلب، وأسلوب الحياة يقصد به الشذوذ الجنسي وجميع الأشكال الأخرى للجنس خارج نطاق الزوجية.
كما استخدموا لفظ (تفضيل جنسي أو ميل جنسي) عِوضاً عن الشذوذ الجنسي، ولفظ (شريك Spouse) بدلاً من زوج أو زوجة، حتى يتم زواج المرأة بمن شاءت دعماً لتعددية أنواع الزواج الشاذ، ولفظ (طفل الحب والجنس) عوضاً عن الطفل غير الشرعي أي ثمرة العلاقة غير الشرعية. وأصروا على استخدام لفظ «جندر» في كل الوثيقة والمقصود به النوع ليتم إلغاء مصطلح ذكر وأنثى ليتم لهم بذلك إضفاء الصفة الشرعية لكل الأشكال الأخرى الشاذة. وكان من المفترض في صياغة الوثيقة أن تلتزم بضبط المصطلحات والألفاظ ،خاصة وأنها دولية، حتى تكون واضحة ومفهومة لدى الجميع، فهي من الأمور المنهجية الهامة التي تحتل أولوية متقدمة في تأسيس المرتكزات، لأن المصطلحات هي الوعاء الذي تطرح من خلاله الأفكار، فإذا ما اضطرب ضبط هذا الوعاء أو اختلّت دلالته التعبيرية أو تميعت اختل البناء الفكري وخفيت حقائقه وأدى إلى نتائج فكرية ومنهجية خطيرة، وهذا ما حصل تماماً.
2- إن العدل -الذي يدّعونه- مقنن لخدمة مصالحهم، فالحقوق تفسر وتمنح حسب أهواء ورغبات معدِّي الوثيقة، ويدل على ذلك التناقضات الواضحة في الوثيقة:
‌أ- يستخدمون لفظ المساواة عوضاً عن العدل ليتم الظلم بصورة قانونية، فمثلاً تطرح الاتفاقية قضية المساواة المطلقة والتماثل التام بين الرجل والمرأة في جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقانونية كحل أوْحد وأساسي بما في ذلك ممارسة جميع المهن الشاقة واليسيرة حتى المهن الحرفية. ويتجاهلون عمداً الأعمال المكلفة بها المرأة غالباً بشكل إلزامي من حمل وولادة ثم رضاعة وتربية .
‌ب- أعطت الوثيقة ضمانات قانونية وإجرائية ورقابية لحقوق النساء فقط وتركت حقوق الرجال دون ضمانات.
‌ج- إطلاق لفظ الدولية على هذه الاتفاقية مع أنها تتجاهل وجود المسلمين، فلا تشركهم في رأي أو أمر، وهم ربع سكان العالم، ولا تراعي في صياغة نصوص هذه الاتفاقية ما يتعارض مع دينهم وموروث عاداتهم وتقاليدهم. فبالرغم من أن المادة (17) نصت على مراعاة مبدأ التوزيع الجغرافي العادل وتمثيل مختلف الأشكال الحضارية والنظم القانونية الرئيسية في العالم، إلا أن الأمر لم يتجاوز النص المكتوب.
‌د- التأكيد في الوثيقة على (مراعاة الخصوصيات الحضارية والثقافية والقانونية) وعند شرح النصوص بالعبارات التفصيلية نجدها تؤكد على إلزام الدول تطبيق الوثيقة دون اعتبار لدين أو أعراف أو تقاليد.
هـ- وعلى نفس المنوال، تتمتع الفتيات الصغيرات اللاتي يمارسن الجنس منذ الطفولة بقدر كبير من الاحترام والرعاية، ويلقبن "بالمراهقات الحوامل" أما إذا تزوجت الفتاة منهن زواجاً شرعياً وهي في مثل هذه السن فإن الزواج يلقب (بانتهاك الطفلة الأنثى) وأنه اعتداء عليها يجب أن يجرّمه القانون.
ثم تتوالى المؤتمرات مؤكدة على الوثيقة ومتابعة بجدية واهتمام مدى التزام الدول بها، فما أن حل عام (1995م) إلا وقد وقعت مائة وثلاثون دولة من بينها سبع دول عربية على هذه الاتفاقية ثم استمرت المؤتمرات تعقد تباعاً ففي عام (1984م) عقد المؤتمر العالمي الثاني للسكان في المكسيك وفي عام (1985م) عقد المؤتمر الدولي الثالث عن المرأة في( نيروبي) بكينيا لاستعراض وتقويم منجزات عقد الأمم المتحدة للمرأة. وفي عام (1994م) عقد المؤتمر الدولي الثالث للسكان والتنمية في القاهرة، وفي عام (1995م) عقد المؤتمر الدولي الرابع للمرأة في (بكين).
ومن عام (1996 – 1999م) تم عقد 4 مؤتمرات دورية سنوية لمتابعة توصيات مؤتمر (بكين) تحت مسميات بكين (1 ) بكين(2 ) بكين(3 ) بكين(4 )، وكانت غير مغطاة إعلامياً، وفي عام (2000م) عقد المؤتمر العالمي الخامس للمرأة في (نيويورك) تحت عنوان بكين(5 )، وما أن انتهى عام (2001م) إلا وكانت كل دول العالم قد أقرت ووقعت على الاتفاقية فتم لهم بذلك ما أرادوا. وقد تخلل هذه المؤتمرات اجتماعات دورية تحضيرية لها. وأهم ما تميزت به هذه المؤتمرات النقلة النوعية والسافرة في موادها ووثائقها، والجدية والمتابعة في تنفيذها، وإلزام الدول الأعضاء ببنود اتفاقياتها، والتقييم الدوري لما تم إنجازه. ومن المقرر أن يعقد في عام (2005م) المؤتمر العالمي السادس للمرأة في القاهرة لإكمال مسيرتهم.
***

الفصل الثاني
حقائــــق

المبحث الأول
الأسرة في منظور العولمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إن الأسرة المعروفة (زوج وزوجة) في منظور العولمة نظام رجعي قديم وليس نظاماً فطرياً وإنما الاتصال الحر هو النظام الفطري، فعن طريق " مؤتمرات المرأة " روجت العولمة لما يسمى بأنماط الأسرة، فللمرأة -في نظرهم-الحق في أن تمارس رغباتها الجنسية دون الحاجة إلى الزوج أو الأولاد، لذلك نادت بتفكيك الأسرة بادعاءات باطلة ليبرروا لأنفسهم حق إلغاء نظام الأسرة المتعارف عليه. فمن هذه النظريات التي أخذوا يروجون لها من مؤتمر بكين وما بعده: أن الأسرة نظام من وضع المجتمع وليست شيئاً له علاقة بالطبيعة البشرية أو أصلاً من أصول الإنسانية بل إنها كأي نظام اجتماعي يخضع للتفكير الاجتماعي فهي وليدة ما يسمونه "العقل الجمعي". وانبرت لهذه الفكرة الحركة الأنثوية (النسوية) حيث نادت بتفكيك الأسرة باعتبارها مؤسسة مصطنعة وليست طبيعية، وانتقدت حصر دور المرأة في الأمومة والإنجاب واعتبرت أن قيم العفة والأمومة وضعت لتزيف وعي المرأة لتقنع بالمجال الخاص، ونادت باعتماد المرأة على نفسها اقتصادياً وطرحت الشذوذ والتلقيح الصناعي كأحد البدائل( ).
وبذلك انحازت هذه الحركة لإشباع رغبات المرأة في مقابل القضاء على الاستقرار الأسري فطرحت مفهوماً جديداً على قواميس اللغة كلها ومصطلحاً غريباً وهو (جندر) Gender. وتزعمت هذه الحركة هيئة الأمم المتحدة وأيدتها بكل قوة من خلال مؤتمرات المرأة التي عقدت ولا زالت تعقد سنوياً، فأخذت تركز على قضايا المرأة للهيمنة على عقلها وفكرها وثقافتها وأخذت تروج وتسوق لأفكارها والتي منها:
1) إن صياغة التشريعات والمواثيق الخاصة بالمرأة من اختصاصها وهو الحل الأمثل لمشكلاتها.
2) إقناع المرأة بأنها في حالة صراع وتنافس دائم مع الرجل.
3) تصوير الأسرة والزوج والأمومة على أنها أسباب لقهر المرأة.
4) تحقير عملها في بيتها ودورها كزوجة وأم.
5) إقرار العلاقات المحرّمة بحجة الصحة التناسلية.
6) تأكيد تعددية أشكال الأسرة بل وتدعو إليها لإشاعة الإباحية والفوضى الجنسية والممارسات الشاذة التي تهدد بقاء الجنس البشري.
ومن الأطروحات الغريبة التي تطرحها على سمع العالم وعينه دون حياء؛ أنها تمنع مثلاً أي معاملة فيها نوع من التمييز أو القسوة ضد الحوامل الشابات اللاتي حملن سفاحاً وتعطيهن حق الإجهاض إذا أردن، بل إن الفتيات الصغيرات اللاتي يمارسن الجنس منذ الطفولة ويحملن سفاحاً يتمتعن بقدر كبير من الاحترام لدى هذه المنظمات النسائية بينما تشن الحرب الجسور ضد زواج الصغيرات، الزواج الشرعي المعروف، وكأنها بذلك تجعل المعيار هو الرغبات والشهوات فقط.
فللمرأة الحق في أن تمارس رغبتها الجنسية دون الحاجة إلى الزواج أو الأولاد فهناك من وسائل الطب ما يمنع الحمل، لذلك قامت بإنكار الدعوات الدينية أو الدعوات المحافظة التي تدعو إلى العفاف والحفاظ على البكارة، وبالتالي تمت المطالبة بإلغاء العقود المدنية في الزواج من خلال تلك المؤتمرات بمسميات براقة زائفة وهي المساواة والحرية. ولا عجب، فالأدلة على ذلك كثيرة منها: التحلل والإباحية وانتشار العلاقات الشاذة وتولي السحاقيات المناصب البارزة في منظمة الأمم المتحدة وإدارة المؤتمرات العالمية، وهذا ما كشفته السيدة (ديل أوليري) وهي مسيحية في بحث لها قدمته في مؤتمر بكين بعنوان (مفهوم النوع وعملية تدمير المرأة)، حيث أكدت ذلك بالأدلة والبراهين وهذا يكفي كما قال تعالى:
﴿     ﴾( ).
أما الأدلة المشاهدة فكثيرة منها:
1) استشراء أدب الجنس والأدب الرخيص والقصص الإباحية باعتبارها ظاهرة طبيعية في المجتمع.
2) ظهور أندية العراة وظهور النساء والرجال على الشواطئ عراة تحت اسم الحرية والتقدميّة.
3) التمرد على المبادئ والقيم بحجة أنها تقاليد بالية وموروثات قديمة ليتم للنساء الانطلاق دون اعتبار لخلق أو دين أو آداب.
وفي الوقت الذي أخذت فيه مؤتمرات الأمم المتحدة تروِّج وثائق تعدد أنماط الأسرة ،حاولت كثير من بلدان العالم والدول العربية والإسلامية والفاتيكان وبعض دول أمريكا اللاتينية والصين التأكيد على أن الزواج هو العقد المبرم بين الرجل والمرأة والذي تكون الأسرة فيه كجهاز اجتماعي مسئول عن إنجاب وتربية الأطفال، وتجدد الصراع مرة أخرى في مؤتمر "بكين" عندما أكدت وثيقته أن للأسرة أنواعاً وأنماطاً تختلف حسب المجتمع، وحاولت الدول المعارضة لهذا التعريف –عبثاً- إضافة وصف (التقليدية) في وصف الأسرة وأنماطها. ولكنها لم تنجح أمام موقف الدول الغربية المتحكمة في جلسات التوصيات الرافضة لإدخال كلمة (التقليدية) كوصف للأسرة وأنماطها.
لقد قدمت وثائق الأمم المتحدة مفهوماً للأسرة غير الذي تعارفت عليه الأديان جميعها -وهو مفهوم الأسرة القائمة على الزواج الشرعي بين ذكر وأنثى- فهي تتحدث عن "اقتران" لا يقوم على الزواج -وهو ما يشيع في العلاقات المحرمة دينياً بين العشيق والعشيقة، أو بين رجلين أو امرأتين- عند الشواذ.
ونجد وثيقة برنامج عمل مؤتمر القاهرة للسكان لا تقف عند إباحة هذه الأشكال من "الأسرة" وإنما ترتب عليها "حقوق"، بل وتدعو إلى إزالة كل العقبات التي تمنع تطبيق مثل هذه الأشكال والأنماط وألوان التمييز بين هذه العلاقات الشاذة والمحرمة وبين الأسرة القائمة على الزواج. فتقول الوثيقة: وينبغي القضاء على أشكال التمييز في السياسات والمتعلقة بالزواج وأشكال الاقتران الأخرى. واستخدمت الوثيقة لذلك مصطلحاً هو (The Family In All Its Forms). وجعل المؤتمر من أهدافه وضع سياسات وقوانين تقدم دعماً أفضل للأسرة بمفهومهم وتسهم في استقرارها وتأخذ في الاعتبار تعددية أشكالها. ثم جاء بعد ذلك في الوثيقة ما يفسر هذه التعددية بمثل: زواج الجنس الواحد والمعاشرة بدون زواج والكل في الحقوق متساو.
وفي مؤتمر اسطنبول للمستوطنات البشرية عام 1996 تفجر الصراع مرة أخرى حول تعريف الأسرة بشكل يثبت إصرار الجهات المنظِّمة والداعمة لهذه المؤتمرات على نشر الإباحية الجنسية من خلال تفتيت الأسرة وتحريف مفهومها، إذ استمر الصراع أياماً عديدة حول: هل الأسرة (خلية اجتماعية يجب تدعيمها؟) أو هي (الخلية الاجتماعية الأساسية التي يجب تدعيمها؟) أي حول إضافة (الـ) التعريف مع إضافة كلمة الأساسية، وكالعادة وقفت الدول الغربية ضد هذه الإضافة تماماً. كذلك لم ينته الصراع حول مفهوم الأسرة عند حد الصراع اللغوي، بل امتد مرة أخرى إلى إثارة: (هل للأسرة أنماط مختلفة؟)، لينتهي الأمر أمام إصرار كندا ودول الاتحاد الأوروبي إلى وجود أنماط من الأسرة ( )..

***

الفصل الثاني

المبحث الثاني
العولمة وأ ثرها السيئ على الأسرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في ظل العولمة اشتد الهجوم على نظام الأسرة – كما بينت سابقاً – فتناول الأعداء هذا النظام بالهمز واللمز وإثارة الشبهات حول قوانينه وأحكامه لتشكيك الناس في أهميته. وسعوا جاهدين إلى إزالة الملامح الواضحة التي تقررها الشريعة الإسلامية وذلك عبر سلسلة من العادات والقيم والوسائل التي تتآزر فيما بينها لتجعل هذه اللبنة نسخة مكررة من الأسرة في الغرب. وتستهدف هذه المنظومة الفكرية الجديدة الهجوم على جميع الجوانب التي تتصل بالنشء والتربية والاستقرار النفسي والسكن الروحي والمتعة المنظمة الشرعية والسمو الخلقي والرفاهية واللهو الراقي المهذب والعلم النافع والمتجدد، حيث إن ذلك كله لا يكون إلا من خلال الأسرة، فالأسرة هي المحضن الأساسي للنشء لا بديل له في الشريعة الإسلامية، والأم تتلقى التأهيل والإعداد للحياة الزوجية من منظور المسؤولية وليس تحقيق اللذة فقط، كما
قال ×: $كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته#( ).
لقد نجحوا في هذه الحملة إلى حد كبير، حيث بثوا أفكارهم وثقافتهم في أقطار الإسلام وصدقهم كثيرٌ من المثقفين الذين ساروا وراءهم يحملون راياتهم ويدافعون عن أفكارهم. ولما كانت المرأة هي الدعامة الأساسية في الأسرة كان الهجوم الأكبر موجهاً لها لتغيير فكرها وتشكيكها في دينها.
وتتمثل أبرز معطيات العولمة في تعبئة المرأة لمصارعة الرجل وجعله نداً وخصماً تريد أن تفوز عليه، مما دفعها إلى التنكر لأنوثتها وخصوصيتها في مؤهلاتها وقدراتها جرياً وراء هذه الندية، فعقدت اتفاقية (نيروبي) و(مؤتمر بكين) وغيره من المؤتمرات والندوات الرامية إلى إثبات مساواتها الكاملة ومماثلتها للرجل سواءً بسواء، كما أدخلت مفهوم (الجندر) ليتسرب من خلاله الشواذ والمنحرفون أخلاقياً ليأخذوا مكاناً متكافئاً في المجتمع بجوار الأسوياء بحيث يمكنهم الاستمرار في انتهاكهم لحرمات الأبرياء والشرفاء دون أن يضرب على أيديهم، وعملت على نشر الزنا وإشاعته بين الناس الذي ظهر من خلال:
1- تأجيج الغرائز الجنسية على مدار ساعات اليوم الواحد في المجلة والجريدة والتلفزيون والفضائيات والنوادي وفي السوق والعمل. فعرضت الأجساد بثمن بخس، وبه أصبحت العلاقة الجنسية حقاً من حقوق الأفراد لا الأزواج.
التجهيل المعرفي بأخطار إشاعة الزنا في المجتمعات وحرمته في كل الأديان، وهو ما أشار إليه الشيخ جاسم المطوع في مقالته (عولمة الزنا) ( ).
2- حيث يقول: «حتى وصل الأمر إلى حد أصبح يتفاخر الناس فيه بارتكاب الفاحشة على المستوى الشخصي والإعلامي بعدما كانت هذه الجريمة يتستر من يفكر بفعلها. وظهر أثر هذه الظاهرة واضحاً على رابطة الأسرة وعلى العلاقة الزوجية بشكل ملحوظ؛ فكثرت الخيانات الزوجية من الطرفين فانهارت الأسر وتشرد الأطفال وضاعوا وضاعت حقوقهم وتأثرت نفسيتهم».
إن للعولمة وسائلها في نشر (مشروع الزنا) بين الشعوب دور كبير، فالفضائيات تعمل بالليل والنهار على إشاعة مفهوم الزنا والتفنن في عرضه حتى أصبح لأشكال الزنا وأنواعه قنوات متخصصة، فالأولى في الشذوذ والثانية في العلاقات النسائية (السحاق) والثالثة في الجنس مع الأطفال والرابعة مع الحيوان وهكذا.. وأثر ذلك على شبابنا وبناتنا حتى جاءت النتيجة الخطيرة والتي عرضت في مؤتمر في بريطانيا عقد في الفترة من (26 – 29/6/2002م)، عن وضع الجنس في العالم العربي والإسلامي وذكر في المؤتمر أن دولة عربية (أتحفظ عن ذكر اسمها) فقدت البنات فيها عذريتهنّ بنسبة (70%) ودولة أخرى (لا أريد أن أذكر اسمها كذلك) نسبة الفقد فيها (50%) فكيف بالشباب الذين مارسوا الفاحشة فيها.؟!
وإذا دخلنا عالم الإنترنت يتبين لنا أن (15%) من المرتادين يترددون على مواقع جنسية و (5%) منهم يدمنون تلك المواقع. وقد أثبتت دراسة أخرى في بريطانيا أن نسبة الراشدين الذين يتحرشون جنسياً بالأطفال (1:5) من خلال اتصالهم بغرف الدردشة.
وإذا انتقلنا إلى المحطات التلفزيونية وجدنا فيها المسلسلات والأفلام التي تشيع الخيانة الزوجية والعلاقات الغرامية المشبوهة بين الزوجة والعشيق أو بين المتزوج والفتاة العزباء، بالإضافة إلى القصص والروايات الأدبية التي تنسج الحب والغرام بين الجنسين فتؤجج المشاعر وخاصة بين المراهقين، بل في الغرب مسرحيات جنسية تخرج الفتاة فيها عارية على خشبة المسرح وُيمارس الجنس علانية أثناء تقديم المسرحية ويمجد الإعلام بطلة المسرحية!
ومن ناحبة أخرى نرى الأفلام العربية فقد انتشرت فيها موجة الداعرات العربيات بعدما كان الانتشار سائداً للداعرات الأجنبيات، وهذه مصيبة كبيرة.
فالفضائيات والإنترنت والمجلات والأفلام والسينما والمسرح والقصص والروايات هذه كلها من الوسائل التي تستخدمها (عولمة الزنا)، بل حتى الهاتف لم يسلم؛ إذ أن هناك ابتكاراً جديدا لهذه المعصية من خلال المكالمات الممتعة وهي عبارة عن ارتكاب الفاحشة من خلال استخدام الخيال عبر الهاتف -نسأل الله تعالى أن يحفظنا ويحفظ أبناءنا من «عولمة الزنا»-، وقد قال رسول
الله ×: «لا تقوم الساعة حتى يتسافدوا في الطريق تسافد الحمير» ( )، أي يرتكب الزنا بالشوارع سواء كان حقيقياً أو إعلامياً أو غير ذلك من الوسائل التي تعرض علينا في الليل والنهار.
3- تسهيل اللقاء بين الرجل والمرأة، ويتمثل ذلك في: التعليم المختلط، وفي الأسواق والمقاهي ومكاتب العمل المختلفة وفي إدخال المرأة في كل ميدان من ميادين العمل لا لتزاحم الرجل بل لتبقي قريبة منه وفي متناول يده.
4- توظيف الإعلام لعولمة جسد المرأة المتمثل في: دور الفن والأزياء وفي سوق ملكات الجمال التي تنظم سنوياً وتكريم الممثلين وجعلهم قدوة بارزة وتسليط الأضواء على الحياة الجنسية للعاملين في هذه المجالات.
ونتيجة لهذه المعطيات يعزف الشباب عن إقامة أسر فاضلة وتستبدل بلقاءات عابرة لا تلزمهم بالمسؤولية أو الرعاية لأي من الطرفين، يقضي كل منهما وطره ثم ينصرفون، ولنا أن نعرف ونستنتج الدمار الاجتماعي الذي تحدثه هذه الظواهر. لقد تعالت صيحات المفكرين في بعض الدول كفرنسا وأسبانيا وألمانيا واليابان وإيطاليا بأن شعوبهم توشك على الانقراض ولابد من المسارعة إلى علاج مشكلة ضعف الإنجاب السوي في هذه المجتمعات. إن الأسرة تقوم أساساً على المرأة فهي صانعة الأجيال ولذلك لم يكن من المستغرب على كل ذي عقل رشيد أن يتم التركيز على استهلاك هذه الركيزة والدعامة الأساسية، فتفريغ المرأة من عقيدتها ومسخ هويتها وتذويب عاداتها وقيمها لتصبح نسخة مكررة من أذواق وعادات وقيم وعقائد شعوب بعينها يؤدي إلى استعباد عاداتها وتصرفاتها، ومن ثمّ سلخها عن مفاهيمها الإسلامية، وبعدها يكون ارتقاء صهوة رغباتها وتوجيهها إلى الشر والفساد حتى لا تميز بين الحق والباطل، لأنها ترى:
أن التقدم هو قبول كل فكر مستورد، فتفقد السلوك الواثق، وبالتالي يفقد المجتمع المربية الفاضلة والقدوة فيولد الجيل الهش الذي لا يتخذ قراراً ولا يلتزم بثوابت دينه وقيم عقيدته المنهزم داخلياً بل والجاهل بمسئوليته في تحمل واجباته الأسرية والاجتماعية . والواقع العملي يثبت ذلك:-
فقد تضاءل معدل الزواج الذي يعتبر حجر الأساس للأسرة ويكبر في ظلها الأطفال. أما معدل الطلاق في أمريكا فقد تضاعف بين عامي 1960م و 1996م وتلك هي أبرز ملامح تطور الأسرة في المجتمع الأمريكي.
وقفز معدل الولادات التي تتم لأمهات غير متزوجات باطراد من 5% عام (1960م) إلى 32% عام (1996م) ويتضح تأثير ذلك في التغير الحاد الذي طرأ على تركيبة العائلات الأمريكية حيث كانت نسبة الأطفال الذين يعيشون مع والدين متزوجين منذ البداية حوالي 72% في عام (1972م) لتنخفض هذه النسبة حتى عام (1998م) إلى 52% فقط ،ذلك.. وعلى الصعيد نفسه نجد أن الشكل الأسري المعتاد من عام (1972م) والذي كان يتكون من زوجين وأطفال قد انخفض من 45% إلى 26% فقط. والآن أصبح أكثر الأشكال الأسرية انتشاراً هو نموذج العشيقين اللذَين يعيشان معاً دون زواج ودون أطفال والذي تضاعفت نسبته بين عامي (1972م) و (1998م) من 16% إلى 32% من الأسر الأمريكية، كما أن الغالبية العظمي من الأسر الأمريكية الآن لا يعيش أطفالها في البيت نفسه، (62%) مقارنة بما كانت تمثله هذه الأسر في عام (1972م) 45% فقط.
ويزيد عدد النساء الأمريكيات اللائي يفضلن العيش مع شريك قبل الزواج عن عشرة أضعاف من كن يفضلن ذلك ممن ولدن قبل ثلاثين عاماً. وقد تغيرت صورة الأسرة الأمريكية المعتادة حيث الرجال يذهبون للعمل وتبقى زوجاتهم لرعاية المنزل من 53% في عام (972م)إلى 21% فقط في عام (1998م)من إجمالي الأسر، واليوم تقترب نسبة النساء اللائي يزيد دخلهن عن دخل أزواجهن عن ربع عدد الزوجات الأمريكيات. ولكن هناك على الأقل بعض الأشياء التي لم تتغير فهناك 6% من أسر المتزوجين تعمل فيها الزوجة فقط بينما الزوج في المنزل ليرعى شؤونه.( )
كذلك فقد طالبت مجموعة من السيدات البحرينيات وزير العدل والشؤون الإسلامية في البحرين بإلغاء سلطة القضاء الشرعي في قضايا الأسرة وعرض هذه القضايا أمام القضاء المدني وتحت مظلة قانون الأحوال الشخصية مع الأخذ بأحكام الدستور واتفاقية منع جميع أشكال التمييز ضد المرأة. كما عبر بيان صدر عن لجنة العريضة النسائية عن القلق من سوء أوضاع المرأة أمام القضاء الشرعي متهماً إياه بضعف الأحكام الشرعية التي يصدرها والانحياز السافر للرجل ضد المرأة)( ).

الفصل الثاني

المبحث الثالث
الرسالة العالمية ونظرتها للأسرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إن التضليل المتعمَّد لتعريف " الأسرة " وعدم الاعتراف بها كأصل راسخ من أصول الحياة البشرية في مؤتمرات الإسكان والمرأة ووسائل الإعلام يدفعنا إلى أن نذكر الحقائق الكبرى في الحياة البشرية، والتي منها نتعرف على نظرة الرسالة العالمية للأسرة.
إن الأسرة في الحقيقة أصل راسخ من أصول الحياة البشرية، وهي قاعدة الحياة الاجتماعية، وهي الوضع الطبيعي الفطري الذي ارتضاه الخالق كنظام حياة للبشر منذ بدء الخليقة.
فقد شاء الخالق أن تبدأ الحياة، بأسرة واحدة فخلق ابتداءً نفساً واحدة ثم خلق منها زوجها فكانت أسرة من زوج وامرأة)، وهكذا بدأت الحياة في الأرض من سلالة هذين الزوجين
ومن هذه الأسرة. قال تعالى: ﴿  ••                ﴾( ). كما كان للأولاد من بعد آدم - عليه السلام- أُسر. قال تعالى ﴿        
  ﴾( ).
وكل نبي كانت له زوجة وأولاد وأحفاد، أي أنهم كانوا يعيشون ضمن النظام الأسري المعروف. يقول الإمام القرطبي( ): (إن اليهود لما عابوا على الرسول × الزواج وعيروه بذلك أنزل الله هذه الآية وذكرهم أمر داوود وسليمان - عليهما السلام- وأكد –سبحانه- هذا المعنى في قوله: ﴿             ﴾( ).
يقول ابن كثير: «بنفس الطريقة استمرت الحياة: زوجة وأولاد وأحفاد، أسر تليها أسر».( )
فالنظام الأسري هو أساس الحياة، والبشرية عموماً أسرة كبيرة، ولن يستطيع الإنسان تحقيق الاستخلاف في الأرض وأداء واجباته وتحمل مسؤولياته إلا من داخل أسرة. والخطاب في هذه الآية لم يخص المسلمين فقط، بل هو خطاب موجه للناس كلهم بقوله ﴿  •• ﴾.
«ومن نعم الله على عباده أن جعل لهم من أنفسهم أزواجاً من شكلهم وجنسهم، ولو جعل الأزواج من نوع آخر ما حصل الائتلاف والمودّة والرحمة»( ).
تلك فطرة الله التي فطر الناس عليها مهما حاولوا أن ينكروا ذلك. قال تعالى: ﴿     ••       ﴾ ( ).
فمن أراد تغيير الدين أو تبديل الفطرة فلا مفر له من أن يغير خلق الله ليكون الخلق الجديد مطابقاً للتبديل الجديد. وهذا ما قاله «هارك لاسكي» أحد كبار المفكرين البريطانيين في أحد كتبه: «إن علينا أن نخلق إنساناً إذا أردنا أن نشرع له».
فالإنسان يحتاج إلى التعاون وتبادل مشاعر المحبة ويحتاج أن يحقق الشعور بالأمن الاجتماعي، وهذا لا يكون إلا بنظام الأسرة بالمفهوم الفطري (الطبيعي). ومن الحقائق المعلومة بالضرورة والموجودة في كل الكتب السماوية حتى المحرف منها ما يؤكد أن كل نبي كانت له أسرة (زوجة وأولاد) من نوح -عليه السلام- مروراً بإبراهيم ثم موسى إلى آخر الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.
إن الأسرة في حقيقتها محضن لمعاني الإنسانية والقيم والمبادئ، وفيها يتعلم الإنسان كيف يعمل في مجموعة بشرية صغيرة وكيف ينشئ علاقات اجتماعيه ليتبادل من خلالها الحب والحنان، ويتعلم حب الخير والمسؤولية والتحمل والتضحية والإحسان والإيثار ثم ينقلها معه إذا خرج إلى الأسرة الكبيرة ،المجتمع الأكبر، إلى العالم، إلى كل الناس.
والسكن والمودّة والرحمة لا تأتي إلا من المسكن حيث الزوجة، قال تعالى: ﴿             ﴾( ).
فالزوجان نفس واحدة في طبيعتها وتكوينها وإن اختلفت الوظيفة بين الذكر والأنثى، فهذا الاختلاف إنما هو لحكمة التكامل بينهما ليسكن الزوج لزوجته ويستريح إليها، وهذه هي نظرة الإسلام لحقيقة الإنسان، وهي نظرة صادقة كاملة جاء بها هذا الدين يوم أن كانت الديانات -بعد التحريف- تعد المرأة أصل بلاء الإنسان ثم من هذين الزوجين تكون الثمرة -الأبناء- ليستمتعوا بهذا الاستقرار والأنس والأمان فينشأ الجيل الجديد (الإنتاج البشري) المتميز في الجودة والنوعية والذي يكون خيراً عظيماً لأمته.
يقول سيد قطب -رحمه الله-: «الأصل في التقاء الزوجين السكن والاطمئنان والأنس والاستقرار ليظل السكون والأمن جواً محضناً للفراخ الزغب وينتج فيه المحصود البشري الثمين ويؤهل فيه الجيل الناشئ لحمل تراث التمدن والإضافة إليه. ولم يجعل هذا الالتقاء لمجرد اللذة العابرة والنزوة العارضة كما أنه لم يجعله شقاقاً ونزاعاً وتعارضاً بين الاختصاصات والوظائف أو تكراراً للاختصاصات والوظائف كما تتخبط الجاهليات في القديم والحديث»( ).
إن الإنسان البشري (ذكراً كان أو أنثى) مفتقر إلى تلك النعمة (الأسرة) في كل مراحل حياته. فالطفل مثلاً احتياجه للأسرة أشد، وحاجته إلى أمه وأبيه حاجة أساسية فإن حُرم منها نشأ (غالباً) مبتور العاطفة، محروماً من السلام النفسي، غير سوي في سلوكه وتعامله. ولا تستطيع أي مؤسسة - كدور الحضانة أو الكفالة أو الملاجئ - أن تقوم مقام المنزل (الأسرة) مهما توفرت أسباب الرعاية والعناية والإيواء اللازمة له.
ففي (رومانيا) في أوائل التسعينيات وُجد أن آلافاً من الأطفال الذين أٌدخلوا ملاجئ للأيتام وترك بعضهم في أمهادهم وحدهم لمدة يومين – قد أصيبوا بإعاقات شديدة( ). وبفضل الحياة في أسرة تتكون لدى الفرد المشاعر وتنمو العواطف وتقوى العلاقات الاجتماعية والأسرية. فالإنسان محتاج إلى أن يعيش في أسرة، قال تعالى: ﴿             ••   •      ﴾( ).
وهو في مراحل حياته المختلفة (الشباب والكهولة والشيخوخة) يحتاج إلى السكن والمودة والرحمة كاحتياجات أساسية فإذا حُرم منها اتّسمت حياته بالجفاف والشوق إلى الحنان والألفة، فيعبر عن هذا الاحتياج بالرغبة العارمة للانتقام والشر وتنمو لديه مشاعر الحقد والرفض للمجتمع والرغبة في اقتراف الجريمة. لقد عبر عن ذلك الأستاذ عباس محمود العقاد حيث قال: (إن أول الآثار التي تشاهد في هذه الحالة هي أن الناس يخلفون الأسرة بما يشبهها وينوب عنها، فلا يكفيهم مجرد الاجتماع في مكان واحد ولا يغنيهم أنهم يشتركون في المأكل والمشرب مئاتٍ وألوف، كما يحدث في الجيوش والأديرة والمدارس الداخلية، ولكنهم (يقصد من هذه الملاجئ) يخلقون حنان الأسرة ورعاية الأبّوة والأمومة خلقاً يعلمون أنه مصطنع، ولا يستغنون عنه مع علمهم بأنه اصطناع، وإذا فقد الإنسان هذا الشعور الحميم، لم يكن قصارى الأمر عنده أنه يعاني " النقص الاجتماعي " في أخلاقه القومية أو أخلاقه الإنسانية، بل كان من جراء ذلك أنه يعاني نقصاً "بيولوجياً" يؤثر في الغريزة والعقل ويدل على أن المسألة في أصولها مسألة الحياة، ومسألة الأوضاع والأنظمة والقوانين( ).
إن نظام الأسرة في الإسلام نظام بالغ الروعة والإحكام، جدير بالنظر والتدبر، إنه جزءٌ من النظرة الإسلامية الشاملة للحياة والأحياء، وفيها يتكامل الرجل والمرأة ليصبحا الشقين المتكاملين.
ولم يعرف العالم نظاماً للأسرة أسعد من النظام الإسلامي وإليه يرجع الفضل في بقاء الأمة الإسلامية واستعصائها على الفناء رغم ما قاسته من نوازل وخطوب.( )
فالأسرة المسلمة مازالت حتى اليوم تؤدي واجبها في المجتمع، تثبِّت دعائمه، وتقوى بنيانه. فهي من أكثر الأنظمة الاجتماعية استقراراً. وهي العامل الأول في انخفاض الجريمة وتدني نسبة الأمراض الخطيرة بين المسلمين.
والأسرة في ضوء الإسلام نالت من الاهتمام الشيء الكثير، فقد أولتها الرسالة العالمية، رسالة الإسلام، رعاية خاصة وعناية فائقة، فجاءت التشريعات الخاصة بها في غاية الدقة والإحكام بقاعدة التوازن الحقيقي للحياة ونزلت هذه التشريعات قرآناً يتلى من لدن خالق السموات والأرضين والبشر أجمعين، قال تعالى:
﴿        ﴾( ).

***

الفصل الثالث
مراعاة الرسالة العالمية في أحكامها للفروق الفسيولوجية والنفسية الخاصة بالرجل والمرأة

إن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وإن كان ظاهرها مناصرة المرأة إلا أنها سنت من القوانين والأحكام ما لا يتناسب أصلاً معها، متجاهلةً تركيبها الفسيولوجي واحتياجاتها كأنثى. ففي المادة الرابعة نجد أنها تحظر وضع أي أحكام أو معايير خاصة بالمرأة «أي للرجل وللمرأة نفس القوانين» ( ).
وفي هذه المادة تجاهل للاختلافات الفسيولوجية بين الرجل والمرأة ولدور المرأة في الأمومة والنظر للجنسين باعتبارهما شيئاً واحداً( ).
ويعبر ذلك عن فكر الحركة الأنثوية الراديكالية "Feminism" التي شككت في مضمون الذكورة والأنوثة واعتبرتها راجعة للبيئة والتنشئة، لا لحقيقة قدرات الطرفين، وبذلك انحازت الحركة الأنثوية للعام على حساب الخاص الذي هو الاستقرار الأسري وإشباع حاجة المرأة للأمومة، واعتبرت الذكورة هي المثال الذي يجب أن تحتذي به الأنوثة. ويعزى هذا الشطح الفكري إلى الخواء الروحي وغياب المرجعية الدينية لدى دعاة الحركة الأنثوية، إذ قدّمت هذه الحركة مفاهيم جديدة: مثل مفهوم النوع "gender" في مقابل مفهوم الجنس،( ) (ذكر أو أنثى). فالاتفاقية بهذا المفهوم تقود إلى الفوضى الاجتماعية، ففي المادة "5 (أ)" تنص الاتفاقية على أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتحقيق ما يلي: تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة بهدف تحقيق القضاء على التحيز والعادات والأعراف التي تقوم على فكرة أن أحد الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، أو على أي أدوار نمطية للمرأة أو الرجل ( ).
وكأنهم أرادوا بذلك الإشارة من قريب أو بعيد لأحكام الشريعة التي ظاهرها تفضيل الرجل على المرأة، ولكن الحقيقة غير ذلك فلو قرأنا قوله تعالى ﴿       ﴾( ).
تبدو هذه الآية في ظاهرها أنها تدل على تفضيل جنس على آخر، ولكن الآية لو تأملناها تعني أن كليهما يتميز على الآخر في بعض الجوانب، ونظراً لاختلاف طبيعة كل نوع عن الآخر التي أثبتها الطب والعلم الحديث وتكلمت بذلك الصحف والدوريات فإن ذلك يؤدي إلى اختلاف المهام والأعمال. لذا فإن هذه الاتفاقية لن تحقق للمرأة ما تصبو إليه من عدالة أو مساواة أو تقدم لتناقضها مع حقائق الحياة! وليت الأمر اقتصر على وضع القوانين أو سن التشريعات بل إنه تجاوز ذلك بكثير، ففي البندين (و- ز) من المادة الثانية من الاتفاقية مطالبة باتخاذ جميع التدابير بما في ذلك التشريع لإبطال كافة الأحكام واللوائح والأعراف التي تميز بين الرجل والمرأة في قوانينها واستبدالها بقوانين تؤكد القضاء على هذه الممارسات، سواءً كانت صادرة عن أشخاص أو ناتجة عن تقاليد أو أعراف أو دين. وبذلك فإن هذه المادة تخوّل لاتفاقيات الأمم المتحدة حق إلغاء التشريعات الوطنية، وفي ذلك مساس بسيادة الدول، كما أنه يعني إبطال قوانينها وأعرافها وتقاليدها دون استثناء حتى تلك التي تقوم على أساس ديني.
ومَكْمن الخطورة أن هذه القوانين تشمل قوانين المرأة والأسرة أيضاً( ) وبمقتضى هذه المادة تصبح جميع أحكام الشريعة الخاصة بهما ملغاة وباطلة ولا يصح الرجوع إليها أو التعويل عليها، ويبدو الأمر كما لو نسختها هذه الاتفاقية الدولية. فالمادة (16) من الاتفاقية تدعو إلى المساواة بين الرجل والمرأة في الزواج، حيث يكون لهما نفس الحقوق في عقد الزواج وفي أثناء الزواج وعند فسخه ونفس الحقوق في الولاية و القوامة. وقد دعت اللجنة من خلال التوصية العامة رقم 24 لعام 1994م الدول الأطراف إلى إلغاء القوامة وتعدد الزوجات وأحكام الميراث التي تعطي المرأة نصيباً أقل من نصيب الرجل. كما دعت التوصية العامة رقم (24) الدول إلى الامتثال لأحكام الاتفاقية بدلاً من القانون الديني أو العرفي، ونرى اللجنة تطالب دولة أندونيسيا المسلمة بإلغاء أحكام الطلاق والميراث وإلغاء القوانين التي تطالب المرأة بموافقة الزوج للعمل ليلاً أو السفر أو عند إجراء الزوجة لعمليتي التعقيم أو الإجهاض لأنها تتعارض مع أحكام المادة (1)، كما طالبتها بمنح نساء أإندونيسيا الحق في الاحتكام للقوانين المدنية بدلاً من الشرعية. وطالبت المادة (15) بمساواة المرأة بالرجل في حقوق السفر والنقل واختيار محل السكن والإقامة واعتبرت اللجنة (في شرح هذه المادة) ضرورة منح المرأة الحق في أن تقيم في أي بلد شاءت بغض النظر عن حالتها الزوجية، وإن إلزام المرأة بالسكن في مسكن الزوجية يعتبر تمييزاً ضدها. والواقع الاجتماعي اليوم يثبت جدية الأمر وأن التطبيق يتم على قدم وساق في أغلب الدول الإسلامية، وأسوق على سبيل المثال لا الحصر ما كتبه الأستاذ كمال حبيب تحت عنوان (مشاريع هدم الأسرة المسلمة من التخطيط إلى التنفيذ) جاء فيه: (في مصر تم إقرار قانون الأحوال الشخصية الجديد وهو قانون أعدته بالأساس وزارة العدل المصرية، ووفق معلوماتنا فإن مشروع القانون جاء استجابة لتلبية مطالب "اللوبي النسائي المصري" الذي يرتبط بالتيار النسوي الغربي، وهو التيار الذي اشترك في صياغة أجندة مؤتمر السكان والتنمية الذي عقد في القاهرة عام 1994م ثم شارك في صياغة أجندة " وثيقة مؤتمر بكين " في الصين عام 1995م والتي تستهدف بشكل أساسي إعادة الهندسة الاجتماعية للأسرة وللاجتماع الإنساني والبشري ووفق معلوماتنا كان لها دور في مطالبة وزارة العدل بطرح هذا المشروع بفرض المواد الخاصة بالخلع وسفر الزوجة وقبول طلاق المتزوجة عرفيا. والهدف من ذلك كسر قوامة الرجل بالسماح لزوجته بالسفر دون إذنه، وتفكيك الأسرة المسلمة عن طريق إعطاء المرأة " حق الخلع " ولكن بالمفهوم النسوي (الأنثوي) لإنهاء العلاقة الزوجية متى شاءت دون أن يكون هناك أي عوائق يتطلب إثباتها مثل الضرر. ولأن قانون الأحوال الشخصية هو قانون شرعي وهو حق لله وحده ولأن هذا الجانب من التشريع هو الباقي من أحكام الشريعة وهو القائم كان لابد من الحصول على موافقة "الأزهر الشريف" فعرض على مجمع البحوث الإسلامية الذي رده مرتين بعد مناقشات وتمحيص، ثم عرض على مجلس الشعب حيث تمت الموافقة عليه بعد حذف مادة حق الزوجة في السفر بدون إذن زوجها وبقيت مادة الخلع)( ). ولكن الأمر لم يتوقف بعد‍‍، بل إن هيئة الأمم ومعها دول النفوذ جادة في تنفيذ الاتفاقية وبطبيعة الأمر لن يتم لها ما تريد دفعه واحدة، بل لابد أن يتدرج الأمر بحيث تحصل في كل مرة على إنجاز ولو في قانون واحد على الأقل. ويؤيد ما ذكره الأستاذ كمال حبيب بأن المحاولات مستمرة، انعقاد مؤتمر القاهرة بعنوان " مؤتمر مرور مائة عام على تحرير المرأة العربية " والذي ذَكَرْته سابقاً. تقول الأستاذة سهيلة زين العابدين التي حضرت المؤتمر: (أكتب عن هذا المؤتمر بوصفي مسلمة وباعتبار أن هذا المؤتمر أقيم على أرض إسلامية في بلد دستورها ومنهجها الإسلام، فعندما تطرح قضية المرأة لتناقش إنجازاتها على مدى مائة عام كان في تصوري أنه من البديهيات أن تطرح من المنظور الإسلامي. ولكن الذي سمعته ورأيته خلاف ما كنت أتوقعه وأتصوره، بل فاق كل التوقعات والتصورات، إذ رأيت الشريعة الإسلامية (الرسالة العالمية) تحاكم وتذبح على منصَّات هذا المؤتمر ويطالب بإلغائها وقصرها على العبادات، والاعتماد على المدني في التشريعات، وانحصرت مطالب المؤتمرين - إلا عدد قليل لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة - في الآتي:
1- إلغاء نصوص قرآنية قطعية الدلالة والتي نصت على:
‌أ- قوامة الرجل.
‌ب- العدة للأرملة والمطلقة.
‌ج- تعدد الزوجات.
‌د- ميراث الذكر والأنثى.
هـ- حق تأديب الرجل لزوجته الناشز.
كذلك جاء في بعض بحوث المؤتمر الآتي:-
1- عدم الطلاق عند اكتشاف الزوج عدم بكارة الزوجة.
2- حفظ المهر وغيره عند الطلاق حتى ولو كانت مخطئة أي مرتكبة للفاحشة.
3- إلغاء إذن الزوج للسفر أو العمل خارج المنزل.
لقد تمردت المرأة في هذا المؤتمر على كل أسس وأركان الزوجية وطالبت بتهميش الزوج، كما تمردت على أمومتها فلم تهتم بقضايا الأمومة وكيف تستطيع التوفيق بين بيتها وزوجها وأولادها) ( ). وقد علق مفتى الديار المصرية على المؤتمر وهجومه على الثوابت الإسلامية الواضحة بقوله: (إننا نرفض كل الدعوات التي أثيرت أخيراً فيما يتعلق بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة. والذين يهاجمون الإسلام في تشريعاته المذكورة عليهم أن يدرسوا ما وراء النصوص من حكمة وإنصاف للمرأة والرجل، فلا ينبغي لأحد من النساء أو الرجال " يجهل الدين وعلومه" أن يأتي اليوم ليطالب بتعديل أو تغيير نص من نصوص الله أو حكم من أحكامه، ولكن للأسف يأتي من الجهلاء بالإسلام. وهؤلاء يصدق فيهم قول الشافعي - رحمه الله - (لو جادلني ألف عالم لغلبتهم، ولكن لو جادلني جاهل واحد لغلبني). والأمر ليس بمستغرب فإذا اجتمع إلى الجهل سيطرة العولمة ونفوذ الدول الكبرى فستكون هذه النتيجة حتماً وما سيكون مستقبلاً حتماً أسوأ مما ذكرته ما لم نعمل جاهدين لإزالة الجهل بأحكام الشريعة بين طبقة المثقفين على الأقل بالإمكانيات المتوفرة. ولقد حذا حذو مصر الجزائر وتونس وغيرهما من دول العالم الإسلامي وكلهم سائرون على الدرب ما لم يتداركنا الله برحمته. فهذه جمعية العلماء بالجزائر تتبرأ من التوصيات التي صدرت عن ملتقى المرأة الدولي حول المرأة والعائلة المنعقد في الجزائر تحت عنوان " قضايا المرأة والأسرة بين المبادئ الإسلامية ومعالجة القوانين الوضعية " ودخلت هذه التوصيات مرحلة "التجاذب" السياسي في انتظار تجسيدها على مستوى التشريع.
لقد حرصت الشريعة الإسلامية على إبقاء أنوثة المرأة وذكورة الرجل لأن لكل منهما دوراً في هذه الحياة، بل إنها تنهى عن تشبه أحدهما بالآخر، وتنفي أن يكون هناك صراع بينهما وهما في أشد حالات الخلاف (كالطلاق مثلاً)، بل وتؤكد أن يتم إزالة الخلاف بالحسنى والمعروف، وتدعو إلى تكامل الجنسين من أجل عمارة الكون وإسعاد الإنسان.
وقد اقتضت حكمة الله الخالق العظيم أن تتكون الحياة من ذكر وأنثى. قال تعالى: ﴿      ﴾( ) وقال تعالى: ﴿     •           •   ﴾( ) ليتم التكامل وتكتمل الحياة بينهما.
غير أن نظام العولمة الجديد ومن ورائه مؤتمرات واتفاقيات المرأة أرادوا جميعا تشكيك المرأة في دينها واختاروا من بين أحكام الشريعة الأحكام التي يخفي على كثير من الناس الحكمة من تشريعها. وقد يبدو لغير المتخصصين في الشريعة أو لغير المثقفين في أمور دينهم أن هذه الأحكام تمجد الرجل وتفضله على المرأة. ووصل بهم الأمر إلى حد العبث بمصداقية أحكام الشريعة المتعلقة بالأسرة والطلاق والميراث والقوامة وتعدد الزوجات، فجمعوا بعض الأحكام المشتبهة واتخذوها كذريعة لتشكيك المرأة في عدالة منهج السماء. وقد تنبأ بذلك القرآن الكريم حيث قال: ﴿               •                    ﴾( )، ففي المؤتمرات والمحافل الدولية يتعرضون لأحكام الشريعة الإسلامية بالهمز واللمز على أنها أحكام لم تراع مبدأ المساواة، وهذا إن كان لشيء فهو لجهلهم بالشريعة السمحاء، وإنما أتعجب من أغلب المسلِمات المشاركات في المؤتمرات واللاتي يجهلن دينهن فيذهبن ليطالبن بالمساواة دون تعقل أو تبصر ودون وعي أو حذر، وكلهن يعلمن عداوة هؤلاء للدين الإسلامي والأديان جميعاً. وثمّة تعليق على قضية المساواة نشر في صحيفة (الاقتصادية) في (11/6/1424هـ) يقول فيه الأستاذ نجيب الزامل: (في رأيي أن المرأة في طلب المساواة بالرجل تظلم رفعتها وسموها عليه، فالمرأة أرقى فسيولوجياً من الرجل وهي التي تحتضن الحياة وأعد جسدها لكي يكون أرضاً خصبة بأجهزة تفوق ما عند الرجل. والمرأة لديها طاقات من الحب لا يمكن أن يتخيلها الرجل. وطاقات الحب هذه هي المولدات التي تسيّر العالم. والمساواة لا تخسر فيها إلا المرأة – للأسف - فلا هي تغادر جسدها وهرموناتها ولا تنقلب رجلاً من الرجال، كل ما في الأمر أن الرجل هو الأقوى وهذه حكمة إلهية. وليست المساواة من الأهمية بمكان ولكن إعطاءهن حقوقهن كاملة غير منقوصة هي جوهر الأمر، فبدل المطالبة بالمساواة عليهن أن يكافحن من أجل الحصول على الحقوق، وعلى الرجال الغيورين أن يعيدوا الحق لأهله. أترون حكمة من قال إن طلب المساواة نقص بالطموح لمن تريد أن تساوي الرجل بل هي قلة عقل) ( ).
لذا..
رأيت من واجبي أن أبين وجهة النظر الإسلامية، وأجلو الحقائق بالأدلة والبراهين الشرعية والعلمية القانونية والاجتماعية، معذرة إلى الله وإنقاذاً للنساء المسلمات من هذا التضليل في ظل عولمة الثقافة، خاصة وأن التمسك بهذه الوثيقة وتأييدها والعمل بموجبها قد يخرج المرأة المسلمة من دينها.
فالشريعة الإسلامية قد راعت في أحكامها الفروق الفسيولوجية بين الرجل والمرأة فجاءت أحكامها موافقة للطبيعة البشرية ومراعية للنفس الإنسانية وفق معايير ومبادئ تحقق العدالة والسعادة والاطمئنان، وكيف لا يكون ذلك وهذه الأحكام إنما جاءت من العليم الخبير بالنفس الإنسانية واحتياجاتها. قال تعالى: ﴿      
 ﴾( ) كما أردت بهذا البحث توضيح تلك القضايا ببيان وجه الحق فيها وكيف أن الخالق -تبارك وتعالى- وضع هذه الأحكام بعدله المطلق دون محاباة لطرف على طرف، بل بما تقتضيه الحياة، ويسير وفق علمه -سبحانه - بالوظائف الطبيعية لكل من الرجل والمرأة.
***

الفصل الثالث
رد الشبهات حول وضع المرأة في الأسرة المسلمة

وسيشمل البحث القضايا التالية:
1) الميراث.
2) الطلاق.
3) تعدد الزوجات.
4) القوامة.
5) العنف ضد المرأة.
6) الشهادة.
مستعينة بالله ،سائلة إياه التوفيق والسداد وأن يهديني سواء الصراط.
الشبهة الأولى: الميراث:
يظن كثير من المسلمين رجالاً ونساءً جهلاً بأحكام المرأة في الميراث أنها ترث نصف الرجل فقط، وهذا هو نصيبها من الميراث دائماً ويرددون ذلك في أغلب المحافل الدولية، وتتناقل ذلك وسائل الإعلام حتى العربي والإسلامي منها. ولو كَلف هؤلاء أنفسهم دراسة نظام المواريث لما تحركت شفاههم بهذه المقولة التي إنما تدل على الجهل التام بحقوق المرأة في الميراث. ولا عجب أن ردد هذا أعداء الإسلام فقد قال تعالى: ﴿          ﴾( ).
ولكن أن تردد المرأة المسلمة بنفسها وتطالب بالمساواة بالرجل بصوت مرتفع في المحافل الدولية معْرضة عن شرع ربها العدل الحكيم إنما يدل على حماقة وجهل.
إن نظرة سريعة من المرأة إلى حقها في الميراث يجعلها تقف إكباراً وتعظيماً لشرع الله. فمسألة أن يرث الرجل ضعف المرأة هي مسألة شرعت لحالة يستدعي الأمر فيها أن يرث الرجل الضعف ليتم التوازن بين حقها في الميراث والنفقة، وهذا ما بينه الأستاذ صلاح الدين سلطان في كتابه " ميراث المرأة وقضية المساواة "( ) فقد كشفت الدراسة التي قام بها عن حقائق تبين لنا كم هي المرأة المسلمة متميزة بميراثها.فقد وضع في بحثه المرأة في مكانه محاذية للرجل من حيث قوة القرابة ودرجتها فإذا بالاستقراء يظهر الآتي:
1- هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل وهي الحالات التي تكون نفقتها واجبة على الرجل.
2- هناك حالات أضعاف ما سبق ترث فيها المرأة مثل الرجل تماماً.
3- هناك عشر حالات أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل.
4- هناك حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال.
وسأحيل القارئ إلى تلك الدراسة المستفيضة والتي اخترت نماذج منها لإثبات ما ذكرت بالأدلة العلمية(57):-
1- الحالات التي ترث فيها المرأة نصف الرجل وهي أربع فقط:-
أ‌) وجود البنت مع الابن إذا مات أب أو أم؛ تقسم التركة أثلاثاً ويأخذ الابن ضعف البنت.
ابن بنت
2 1
ب‌) عند وجود الأب مع الأم ولا يوجد أولاد ولا زوج أو زوجة يأخذ الأب ضعف الأم،مثل: إذا مات شخص عن:
أب أم
الباقي تعصيباً

2 1
ج) وجود الأخت الشقيقة أو الأخت لأب مع الأخ الشقيق أو الأخ لأب يأخذ الأخ ضعف الأخت: مثل من مات وترك:
أخاً ش أختاً ش
2 1
أخاً لأب أختاً لأب
2 1
د) حالات الزوجين:
مثال: إذا مات أحد الزوجين وترك الآخر يكون الميراث كما يلي:
الزوج الزوجة
عند عدم الولد

عند وجود الولد

2 1
وهذا يبين أن الزوج يأخذ ضعف الزوجة في كل الحالات السابقة وهذه الحالات شرعت لتحقيق التوازن بين النفقة والميراث، ففي الحالات الأربعة نرى أن المكلف بالإنفاق هو الرجل فيأخذ الضعف، ورغم هذا لم تحرم المرأة من الميراث. ولتوضيح ذلك أسوق هذا المثال:
لنفرض أن رجلاً مات عن ابن وبنت وترك لهما مالاً فماذا يكون مصير هذا المال غالباً بعد أمد قليل؟ بالنسبة للبنت سيزيد ولا ينقص. يزيد بالمهر الذي تأخذه من زوجها حين تتزوج ويزيد بالربح الذي تحصل عليه إذا استثمرت ميراثها. أما بالنسبة للابن (أخيها) فإنه سوف يتناقص ميراثه بالمهر الذي سوف يدفعه إلى زوجته حين يتزوج ونفقات الزواج وأثاث البيت كما أنه تلزمه نفقة زوجته ونفقة أخته في الفترة قبل زواجها. وهكذا نرى أن ما تأخذه البنت من تركة أبيها يبقي مدخراً ناميا،ً بينما ما يأخذه الابن مستهلكاً.
2) حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل تماماً:
أ‌) حالة ميراث الأم مع الأب مع وجود ولد ذكر أو بنتين فأكثر أو بنت أحياناً، وهذه الحالة قد وضعت فيها الأم (المرأة) مع الأب (الرجل) في هذا الجدول ليسهل علينا التقاط الصورة الواضحة من المثلين، فالأب والأم يرثان السدس – مع أن الأب ذكر والأم أنثى.
أب أم ابن

الباقي تعصيباً
ب‌) ميراث الأخوة لأم مع الأخوات لأم دائماً المثلية:
1) وهذا الجدول يوضح إذا كان الوارث رجل (الأخ لأم) أو كان الوارث أنثى (الأخت لأم) فإن الحصة من الميراث لم تتغير.
زوج أم أخ لأم أو أخت لأم

3 2 1
2- الجدول الثاني يوضح ما سبق في جدول واحد.
زوج أم أخ لأم أخت لأم

هم شركاء في الثلث
3 1 1 1
فكل من الأخ لأم والأخت لأم شركاء في الثلث بالتساوي في الاثنين، لا فرق بين ذكر وأنثى.
ج) تساوي الرجل والمرأة عند انفراد أحدهما بالتركة: وهذا الجدول يبين المثلية في التركة فأمام كل رجل مثليته من النساء.
مثال: إذا مات أحد عن رجل واحد أو امرأة واحدة:-
الوارث حظه من التركة الوارثة حظها من التركة
(أ) أب كل التركة تعصيباً أم الباقي رداً عليها
(ب) ابن كل التركة تعصيباً بنت الباقي رداً عليها
(ج) أخ كل التركة تعصيباً أخت الباقي رداً عليها
(د) زوج + الباقي رداً عليه زوجة الباقي رداً عليها
(هـ) خال كل التركة لأنه من ذوي الأرحام خالة كل التركة لأنها من ذوات الأرحام
(و) عم كل التركة تعصيباً عمة كل التركة لأنها من ذوات الأرحام
فلو مات أحد الناس ولم يكن له وارث إلا أبوه فإنه يرث كل المال (التركة تعصيباً). وكذلك لو مات ولم يكن له وارث إلا أمه فإنها ترث كل المال (نصف بالفرض والباقي بالرد) وعلى هذا يمكن أن نقيس بقية الجدول.
د) تساوي الأخت الشقيقة مع الأخ الشقيق؛ في حالتين:
الأولى: أن تتوفى المرأة وتترك زوجاً وأختاً شقيقة (امرأة) وأخاً شقيقاً (رجل).
زوج أخت ش زوج أخ شقيق

الباقي تعصبياً
1 1 1 1
والثانية: أن تتوفى الزوجة وتترك بنتاً ويكون العصبة أخ شقيق فقط أو أخت شقيقة فقط، فإنهما يتساويان. وهذا ما يوضحه الجدولان التاليان معاً.
زوج بنت أخت ش زوج بنت أخ ش

الباقي عصبة مع الغير (أي مع البنت)

الباقي تعصيباً
1 2 1 1 2 1
هـ) تساوي الأخت لأم مع الأخ الشقيق دون تشريك: ومثال ذلك أن تتوفى الزوجة وتترك زوجاً وأماً وأختاً لأم وأخاً شقيقاً، فالأخت لأم لها نفس نصيب الأخ الشقيق.
زوج أم أخت لأم أخ ش

الباقي تعصيباً
3 1 1 1
• إن كل رجل تقابله امرأة وهم في الحكم سواء تساوي عدد النساء مع الرجال فيمن لا يحجبون أبداً
وهناك ستة لا يحجبون حجب حرمان أبداً وهم:
الزوج و الزوجة
الابن و البنت
الأب و الأم
3) حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل:
- الفروض الواردة في القرآن السنة ومستحقوها
وهذا الجدول يوضح لنا أصحاب الحصص الثابتة في الميراث وأغلبهم من النساء وهذا يبين اهتمام الشريعة بنصيبهنّ ثابتاً فلا تكون المرأة عرضة للاستغلال فجعل نصيبها ثابتاً دائماً بنص من القرآن كفريضة لا يملك أحد تعديلها أو تبديلها.
الفروض الواردة من القرآن والسنة ومستحقوها

«لكل صاحب فروض شروط لا يتسع الجدول لسردها»
يبدو من هذا التقسيم ما يلي:
1- أكبر الفروض في القرآن الكريم هو الثلثان، ولا يحظى به واحد من الرجال بل هو للنساء فقط.
2- النصف لا يأخذه من الرجال إلا الزوج عند عدم وجود فرع وارث وهو قليل الوقوع ويبقى النصف لأربع من النساء.
3- الثالث يأخذه اثنتان من النساء هما الأم عند عدم وجود فرع وارث أو عدم وجود الأخوين فأكثر، وتأخذه الأخوات لأم إذا لم يوجد أصل ولا فرع وارث اثنتان فأكثر بينما يأخذ الثلث الإخوة لأم بنفس الشروط أو لو وجد أخ لأم مع أخت لأم بالتساوي المشار إليه سابقاً.
4- السدس يأخذه ثمانية: خمسة من النساء وثلاثة من الرجال.
5- الربع يأخذه الزوج إذا وجد فرع وارث للزوجة، وتأخذه الزوجة إذا لم يوجد فرع وارث للزوج.
6- الثمن تأخذه الزوجة إذا وجد فرع وارث للزوج. وسيتضح أن النص على قدر محدد للمرأة مفيد لها فترث بالفرض أكثر من حالات ميراث الرجال (17/6). فترث النساء في سبعة عشرة حالة بالفرض، بينما يرث الرجال في ست حالات بالفرض فقط، هذا التحديد مفيد للمرأة حقاً وقد يجعلها ترث أكثر من الرجال ويبدو ذلك من المقابلات التالية:
1) حالات فرض الثلثين مفيد للمرأة عن التعصيب للرجل أحياناً: مثال:
إذا ماتت امرأة عن ستين فداناً والورثة هم: زوج وأب وأم وبنتان، فيكون توزيع التركة كالتالي:
أصل المسألة من12 وتعول إلى 15
زوج أب أم بنتان

+الباقي تعصبياً

3 2+ 0 2 8
12 8 8 32
لكل بنت (16) فداناً

فلو كان مكان البنتين ابنان لتغير التقسيم إلى:
زوج أب أم ابنان

الباقي تعصيباً
3 2 2 5
15 10 10 25
لكل ابن (12ونصف) فداناً
فالواضح من الجدولين أن نصيب البنتين أكثر من نصيب الابنين.
2) فرض النصف أفاد الإناث عن التعصيب للرجال أحياناً: مثال:
أ‌) لو ماتت امرأة تاركة (156) فدان وبقي من ورثتها: زوج، أب، أم، بنت. فإن نصيب كل فرد يكون كالتالي:
فيها عول زوج أب أم بنت

+ الباقي تعصيباً

3 2 + 0 2 6
12 ف 36 24 24 72

ولو أن مكان البنت ابناً فإن الأمر يختلف
زوج أب أم ابن

الباقي تعصيباً
1 2 5 6
39 26 26 65 = 13ف

فنصيب البنت نراه واضحاً عند مقارنة الجدولين.
ب) مثال: لو ماتت امرأة تاركة (48) فداناً والورثة هم: زوج، أم، أخت ش أو زوج، أم، أخ ش فإنه يظهر واضحاً أن نصيب الأخت أفضل من نصيب الأخ.
فيها عول زوج أم أخت ش

2/1

3 2 3
8/48= 6 18 12 18

زوج أم أخ ش

الباقي تعصيباً
3 2 1
24 16 8

3) فرض الثلث قد يكون أحظى للمرأة من التعصيب للرجل أحياناً
المثال يوضح كيف أن الأختين لأم نصيبهما أفضل من الأخوين الشقيقين.
زوجة أم أختان لأم أخوان شقيقان
التركة 48(فدان)

الباقي تعصيباً
12/48= 4 3 2 4 3
12 8 16 12
4) فرض السدس قد يكون أحظى للمرأة من التعصيب للرجل أحياناً. مثال:
أ‌) التركة (60) فداناً: والورثة الزوج، الأم، أخت لأم، أخوان شقيقان. فإن نصيب الأخت أكثر من نصيب الأخ.
زوج أم أخت لأم أخوان شقيقان

الباقي تعصيباً
30 ف 10 ف 10 ف 10 ف
- هناك حالات نادرة قد يكون فرض السدس للأم أفضل من التعصيب للأب، فالجدتان تحرمان عند وجود الأم بينما الأم لا تحُرم عند وجود الأب لأنها صاحبة فريضة:-
و بمقارنة الجدولين التاليين نجد نصيب الأم 60 فداناً بينما نصيب الأب (الذكر) المقابل للأنثى (الأم) 50 فداناً:
أب أم أم أم أب أم أم أم أم أب
الباقي تعصيباً
محجوبة بالأب 6/1فرضاً + الباقي رداً محجوبة بالأم محجوبة بالأم
50 ف 10 ف صفر 60 فداناً صفر صفر

4) حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال، مثال لو كانت:
ب‌) التركة (195) فدان: والورثة هم (زوج، أب، أم، بنت، بنت ابن، ابن ابن)، فإن بنت الابن ترث ولا يرث نظيرها ابن الابن لأنه عصبة. والجدول يوضح ذلك:
زوج أب أم بنت بنت ابن

+ الباقي تعصيباً

3 2 2 6 2
39 26 26 78 26

زوج أب أم بنت ابن ابن

الباقي تعصيباً
3 2 2 6
45 30 30 90 صفر

ب) مثال: إذا مات رجل وترك جداً لأم وجدة لأم فإن الجدة ترث والجد لا يرث.
أب أم أم أم
ممنوع لأنه جد فاسد
(غير وارث) فرضاً + الباقي رداً عليها
• وكذلك أم الجدة ترث ولا يرث أب الجدة وهو نظيرها في الرجال:
أب أم أم أم أم أم
ممنوع لأنه جد فاسد فرضاً + الباقي رداً عليها
هذه بعض المقارنات التي أردت بها أن أوضح بعض الصور لميراث النساء الذي تجهله المرأة ولا تعرف إلا صورة واحدة ترددها وتبكي عليها.
***

- الشبهة الثانية: الطلاق
يتردد كثيراً في أوساط النساء المسلمات اليوم سؤال: لماذا حق الطلاق في يد الرجل؟.. وهذا أكبر دليل على تأثر النساء المسلمات بوثيقة «القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) واغترابهن فكرياً. فلم نسمع طوال القرون الماضية من تطالب بأن يكون الطلاق في يدها إلا في العقدين الأخيرين، فأخذت النساء في المحافل الدولية والجمعيات النسائية في بعض الدول العربية والإسلامية يطالبن بتغيير النظام الإسلامي للأحوال الشخصية، ومثال على ذلك: ما حدث في مؤتمر (100 عام من أجل تحرير المرأة) والذي تتهم أحكامه بأن فيها إجحافاً بالمرأة وظلماً لها.
ومن هذه الأحكام (قضية الطلاق) حيث أن بعض الدول الإسلامية "أعطت المرأة حق طلاق نفسها" بنفس الطريقة التي يمارسها الرجل، وبعض الدول حرّمت الطلاق، فلا يحق للرجل أن يطلق زوجته بل يستمر معها مدى الحياة.
ولو علمت النساء الخير المترتب في الأحكام الشرعية لأطرقن خجلاً من هذه المطالب التي إن تمت وتحققت فإن ضررها يعود على المرأة نفسها ولن ينفعها الندم يومئذ.
إن الخالق -عز وجل- عندما خلق الرجل والمرأة شرع لهما - وهو اللطيف الخبير- ما يصلح للطرفين دون محاباة لأحد بل بما تتطلبه المصلحة العامة ومصلحة المجتمع. فالله -عز وجل- كما نعلم لا تنفعه طاعة البشر كما لا تضره معصيتهم.
فالأحكام الشرعية إنما وضعت لتحقيق السعادة البشرية. وفي هذا البحث سوف نتعرف على كثير من الحقائق المثيرة والمعلومات المفيدة المتعلقة بالحكمة الإلهية في جعل الطلاق في يد الرجل.
أولاً: إذا كانت الشريعة الإسلامية قد جعلت الطلاق في يد الرجل (الزوج) فقد أعطى الإسلام المرأة (الزوجة) مخرجاً في المقابل وهو (الخلع). وهو افتداء المرأة من زوجها إذا كانت كارهة له. فقد ورد في السنة النبوية المطهرة (أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي × فقالت: يا رسول الله إني زوجة ثابت بن قيس وما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول الله ×: $أترُدّين عليه حديقته؟# قالت: نعم، قال رسول
الله ×: $اقبل الحديقة وطلقها تطليقة#( ).
ثانياً: الطلاق في نظر الشريعة ليس نزوة عارضة ولا غضباً عارماً ولا استهتاراً مشينا،ً وإنما حل مناسب في حالة استفحال المرض واستعضال الداء وفشل الدواء.
فكم من البيوت نشب خلاف فيها بين الزوجين واستفحل حتى صارت الحياة فيها جحيماً بسبب استحالة العشرة، وأصبح الطلاق عندئذ حلاً لكل المشكلات الناشبة، قال تعالى: ﴿        ﴾( ).
دعونا نتصور حالة زوجة مع زوج لا يحترمها ولا يقدرها ولا يحبها ولا يحترم العلاقة الزوجية ولا يؤدي حقوقها بل يؤذيها ويضرها، ألا يكون الطلاق حلاً مناسباً؟ ألا يكون الطلاق مخرجاً من هذا العنت والضيق؟!.
إن الذين اختاروا أن يكون الطلاق محرماً فإنهم بذلك سوف يتركون المرأة تقاسي وتعاني وتتعذب في حياتها مع الزوج الذي لا يحسن عشرتها بحجة أن القانون لا يسمح بالطلاق. وقد أدركت بعض الدول الغربية التي كانت تحرم الطلاق وتمنعه خطأها فيسرت الحصول على الطلاق. وكانت آخر هذه الدول إيطاليا حيث أباحته عام 1971م ويكفي أن نعلم أنه ما إن
أُقِرّ الطلاق في إيطاليا حتى قدم إلى المحاكم أكثر من مليون
طلب طلاق ( ).
ومن المفارقات كما يقول الشيخ محمد الغزالي: (من العجيب أنه في الوقت الذي تحتج فيه المرأة المصرية على الطلاق تحتج المرأة الإنجليزية على أبدية الزواج( ) وهذا يوضح كيف أن المرأة لا ترضى بحال، لذا فقد اختار- سبحانه وتعالى - ما هو أنفع لها، وحتى لا تكون المرأة لعبة بيد الرجل (الزوج) متى شاء طلقها ومتى شاء أرجعها).
ثالثاً: لابد أن نفرق بين أحكام الشريعة وعدالتها وبين سوء استخدامها، فلا نحكم على المشرِّع من خلال تعامل بعض الأزواج مع هذا الحق وسوء استخدامهم له. فالزوج الذي يطلِّق لأتفه الأسباب وفي أي وقت شاء وكيفما شاء لا يطبق تعاليم الإسلام). المتعلقة بالرحمة والعدل. قال الرسول ×: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء» ( ). وقال تعالى:
﴿      ﴾( ) فإذا أساء الرجال استخدام الحق فلا يعني ذلك سوء النظام وظلمه وإنما يعني سوء النفس الإنسانية التي تعسفت في استخدامه.
رابعاً: إن إعطاء هذا الحق -حق الطلاق- للرجل إنما هو لحكمة عظيمة أرادها الحكيم العليم. وهذا هو الأنسب والأصلح للأسرة، وهذه الحقيقة توضحها الدراسات النفسية والعلمية، التي أثبتت أن الرجل أكثر واقعية وعقلانية، بينما المرأة أكثر إبداعاً وعاطفة، والسبب في ذلك أن الرجل يستخدم الجانب الأيسر في المخ وهو الجانب المختص بالواقعية والعقلانية، والمرأة تستخدم الجانب الأيمن من المخ المختص بالخيال والعاطفة والإبداع ( ). وقد راعى المشرِّع الحكيم هذه الفروق الفردية بين الجنسين والتي أثبتها العلم الحديث عالمياً، لذا جعل الطلاق بيد الرجل لأنه غالباً لا يتسرع في اتخاذ القرار.
وقد حدث في تونس أن أعطيت المرأة حق الطلاق بنفس وسائل الرجل وطٌرقه فازدادت نسبة الطلاق في تلك السنة أضعافاً مضاعفة، ثم تم تعديل القانون وتبين أن أكثر النساء اللاتي أوقعن الطلاق كان تطليقهن لأزواجهن بسبب ردة فعل عاطفية تجاه موقف من الزوج فتلفظن بالطلاق ثم ندم الكثير منهن على هذا التصرف( ).
خامساً: أن التشريع الإسلامي عندما جعل الطلاق في يد الزوج ألزمه في المقابل بالتكاليف المالية الإجبارية والتكاليف الاجتماعية. فهو المسؤول عن البيت ومن فيه وهو المسؤول عن الأولاد وتربيتهم وتعليمهم وحمايتهم ورعايتهم.
فليس من العدل أن يكلف التكاليف المالية من مهر ونفقة وسكن وكسوة ونفقة أولاد وتربية وتعليم ثم لا تعطى له صلاحية مناسبة لما أسند إليه من مسؤوليات، ومن المعروف إدارياً أنه لابد أن يكون هناك تناسب بين الصلاحيات والمسؤوليات.
سادساً: يأتي الطلاق كآخر علاج للخلافات الزوجية. فالإسلام وضع أسساً لاختيار الزوج الصالح الذي يحفظ للمرأة دينها وأمنها النفسي والمادي -وهو ما يعرف بشرط الكفاءة في الزواج- ثم نظّم كيفية حل المشكلات الزوجية قال تعالى: ﴿                   •     ﴾( ). وهو عندما أقر الطلاق حدد له وقتاً وعين له مراحل.
إن نظام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية قد بلغ القمة في التشريع فلا يشابهه ولا يدانيه أي تشريع آخر. وقد وضعت الشريعة الإسلامية ضماناً شديداً حتى يتم الطلاق بصورة إنسانية وبخلق عظيم. وسوف ألقي الضوء على بعض الجوانب المضيئة والعظيمة في آيات أحكام الطلاق التي لا توجد في أي قانون آخر:
1- للطلاق وقت محدد فلا يطلقها في حيض، قال تعالى:
﴿  •         ﴾( )، والمقصود بـ "طلقوهن لعدتهن" طلقوهن مستقبلات لعدتهن، والمراد أن تطلق المدخول بها في طهر لم يجامعها فيه ثم تخلى حتى تنقضي عدتها.
2-أن يكون الطلاق على ثلاث مراحل فلا يبت في هذا الأمر هكذا في دقائق لأن إنهاء عقد مشترك في أخطر مؤسسة اجتماعية يجب أن ينهى مرحلياً.
فالشريعة الإسلامية قد نصت على وجوب الإحسان في العشرة وإلى وجوبه حتى في حال الخلاف بالطلاق حتى يكون التسريح بإحسان، قال تعالى: ﴿          ﴾( ). وضمن للمرأة مهرها ونفقتها الشهرية في العدة ومتعتها من الطلاق الأول والثاني في الطلاق الثالث:
سابعاً: فمهرها يكون حقاً لها وليس للزوج أن يسترده بل اعتبر استرداده إثماً مبيناً. قال تعالى: ﴿            ﴾( ).
ثامناً: ضمن لها نفقة العدة بقوله: ﴿                ﴾( )
تاسعاً: لها بعد الطلاق الحق في المتعة وهي بمثابة تعويض مالي ونفسي للمرأة، وذلك لقوله: ﴿        ﴾( ).
- الشبهة الثالثة: تعدد الزوجات:
من القضايا الساخنة التي تثار في أغلب التجمعات النسائية والتي يوليها أعداء الإسلام عناية خاصة قضية التعدد. يريدون بذلك الطعن في الشريعة الإسلامية بأنها تميز الرجل على المرأة، علماً بأن الغرب يعتمد في نظامه الاجتماعي على التعدد ولكن التعدد غير المشروع الذي يتم بطريقة غير إنسانية تهدر فيه كرامة المرأة وحقوقها في حين أنه يتم في شريعتنا بطريقة منضبطة مشروعة وإنسانية.
إن الفرق كبير جداً بين التعدد في الشريعة الإسلامية والتعدد في المجتمعات الغربية. ففي الغرب يعدد الرجل دون قيد أو شرط فعنده عدد من العشيقات ولكن ليس لهن أي حقوق. وفي أمريكا وحدها نجد أن 70% من الأمريكيين يخونون زوجاتهم، بينما في الدول الإسلامية ( ) - كما أفادت آخر الإحصائيات - لا تتجاوز نسبة التعدد من 7 – 10%، وهي نسبة ضئيلة إذا ما قورنت بما في الغرب فهي لا تستحق كل هذه الضجة التي يثيرونها حول التشريع الإسلامي ففي الغرب للرجل عدد من العشيقات اللاتي ليس لهن أي حق عنده ولا يرون في ذلك بأساً. فمثلاً نقرأ عن رجل يعتبرونه من الساسة الكبار واسمه (جورج كليمنصو) لديه (600) عشيقة!! ورغم هذا لم ينتقده أو يشهر به أحد بل إنه يلقب بألقاب عظيمة (نمر السياسة الفرنسية)! احتراماً له وهذا لا ينطبق على فرد واحد بل يتعداه إلى أغلب الساسة والقادة والمشاهير. فهذا نجم هوليوود المعروف (كيرك دوغلاس) لديه ألف عشيقة ويطلقون عليه بكل فخر (رجل الألف امرأة!). بينما إذا عدّد الرجل المسلم، تقوم الدنيا ولا تقعد، وتوجه له شتى التهم، وينعت بأبشع النعوت، ويتم تأليب المرأة المسلمة في كل مكان وفي كل وسائل الإعلام.
إن نظام التعدد في الإسلام ليس كبقية الأنظمة فهو منزّل من لدن خالق السموات والأرض ومن فيهن- ويتميز بالعظمة والكمال والعدل والمساواة. فالتعدد في الإسلام لا يتم إلا بعقد شرعي يحفظ للمرأة حقوقها المالية والاجتماعية والنفسية ويحفظ لها كرامتها ومكانتها وعِرضها وسمعتها، فهي محفوظة مكرمة.. محترمة ومصانة. وقد ألزمت الشريعة من أراد التعدد بواجبات يؤديها لكل امرأة تزوجها وحقوق كاملة يحفظها لها فلا يقترن بأي امرأة إلا بعقد وإذا أراد الاستمتاع فليدفع الضريبة: مسؤوليات مالية واجتماعية ورغم هذا فقد ترك الأمر لاختيار المرأة فهي التي تقبل أو ترفض.
وهناك قضايا أساسية يجب أن نضعها في الاعتبار ونحن نناقش قضية التعدد مناقشة علمية موضوعية وهي:
1- إن تعدد الزوجات نظام قديم قدم البشرية ظهر في كل زمان ومكان حتى يومنا هذا ولم تستحدثه الشريعة الإسلامية. فالتعدد معروف عند الصينيين والهنود والبابليين والآشوريين والمصريين، ولم يكن عندهم حد معين. فقد سمحت شريعة (ليكي) الصينية بالتعدد إلى (130) امرأة. وفي أوروبا كان موجوداً حتى القرن السابع عشر، ولازال موجوداً إلى اليوم وإن اختلفت الصور( ). وكل الذي أضافته الشريعة الإسلامية هو أن وضعت له ضوابط وقيود.
2- إن المستفيد الأول من نظام التعدد في الإسلام هو المرأة ففيه ضمان لحقوقها.
3- إن الله لم يجبر المرأة على التعدد وإنما تركه لاختيارها فهي التي تقبل التعدد أو ترفضه فالأمر يرجع لها، وهذا من كمال الحرية الشخصية.
وربما يسأل سائل: فما بال الزوجة الأولى؟ إنها لا تملك الرفض لأنها قد أصبحت أمام الأمر الواقع؟. ولكن أحب أن أشير هنا إلى ما نص عليه الفقهاء أن للمرأة أن تشترط في عقد الزوجية ألا يعدد عليها،( ) (والمسلمون عند شروطهم)، كما قال عليه الصلاة والسلام.( )
4- إن الآية الكريمة التي وردت في قضية التعدد آية تستحق التأمل وتستحق الدراسة والتدبر.
فالتعدد إنما جاء كمخرج من الظلم ليمنع الرجل من ظلم اليتيمة كما أوضحته السيدة عائشة -رضي الله عنها -حينما قالت: ( يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره فنهوا عن ذلك إلا أن يقسطوا إليهن ويبلغوا لهن أعلى سنتهن في الصداق فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن) ( ). لذا وضع الشارع الحكيم التعدد بين خوفين، قال تعالى: ﴿                      ﴾( ) فلم يرد التعدد بصيغة تفيد الوجوب أو الاستحباب، بل ورد كرخصة يستعملها الرجل- إذا شاء - بالشرط الملزم في الرخصة وهو العدل. فالله قد جعله مخرجاً من الظلم فكيف يكون سبباً في ظلم المرأة؟!.
إن أغلب صور التعدد التي نشاهدها في مجتمعاتنا الإسلامية – للأسف – قد خلت من العدل ولذا نواجه رفضاً اجتماعياً قوياً لقضية التعدد للممارسات الخاطئة من قبل الأزواج لهذه الرخصة. فاللهم اهد المسلمين إلى العدل وحسن العشرة.
5- الشرط الوحيد الذي اشترطه - سبحانه وتعالى- هو العدل مع الزوجة، وهذا قمة الرعاية الحقيقية للمرأة سواءً كانت زوجة أولى أو ثانية أو ثالثة أو رابعة. قال تعالى:
﴿               ﴾( ) أي تظلموا. بينما ضيعت التشريعات الوضعية والأعراف والتقاليد هذه العدالة بمفاهيمها البائسة، فتركت الرجل يعاشر من شاء من النساء دون أي التزامات، وسكت المجتمع الغربي على ذلك وترك الرجل يجري وراء شهواته مضيعاً لحقوق زوجته، ومن ثمّ عشيقته فهو يستمتع بها ثم يتركها لا حق لها عنده ولا يسأل عنها ليبدأ من جديد مع عشيقة جديدة، أما الأولاد – ثمار هذه العلاقات – فليس لهم أي حقوق، والدول الغربية عاجزة عن إلزام الرجل الذي عدّد بطريقة غير مشروعة بأي شيء، فتضطر الدولة إلى أن تتكفل بكل هذا النسل تربيةً وتعليماً وإيواءً... حيث بلغت نسبة اللقطاء 60% من المواليد، مما يشكل عبئاً على الدولة. وقد نشرت مجلة (التايم) في عدد ديسمبر (1998م) أن هناك (12) مليون طفل غير شرعي في أمريكا وحدها!. وفي هذا الوضع تضيع حقوق المرأة، بالإضافة إلى الثمار التي يجنيها المجتمع من أجيال تولد لتعيش في الملاجئ مبتورة العاطفة لا يربطها بمجتمعها أي رابط وتنشأ دون مراعاة لمشاعرها واحتياجاتها العاطفية. هذا عدا الأمراض الجسدية الوبائية المستعصية التي تتولد وتتزايد كل يوم نتيجة هذه العلاقات غير الشرعية تحت شعار (الحرية والمساواة). فقد أوردت المجلة نفسها أن هناك (250) مليون مصاب بالسيلان سنوياً في العالم، و (50) مليون مصاب بالزهري، وأن المصابين بالإيدز وحده يومياً
– حسب تقرير منظمة الصحة العالمية 1998م – نحو 700 شخص، وهذا كله بسبب التعدد الخاطئ غير المشروع.
وقد فتحت الفوضى الجنسية التي يعيشها الناس في الغرب أمامهم مجالاً للشذوذ الجنسي (اللواط والسحاق) ولو شرع التعدد عندهم لضبطت المسألة( ).
أما سؤالهم لماذا يعدد الرجل ولا تعدد المرأة؟
فجواب المنطق والعقل يقول:
عندما يعدد الرجل فالأولاد إنما ينسبون إليه وحده ولو تعددت زوجاته. لكن لو عددّت المرأة فلمن ينسب الأولاد؟!
فمعرفة النسب مهم جداً في الشريعة الإسلامية فإنه يترتب على ذلك مسؤوليات وأحكام كثيرة، منها: الحِل والحرمة في مسألة الزواج والنفقة والميراث ...الخ.
والأهم من هذا أن الحكيم الخبير- سبحانه وتعالى - أعلم بتركيب النفس البشرية ذكراً أو أنثى، فهو يعلم أن المرأة لا تحتاج إلا لرجل واحد، فالتعدد يتعبها ويشتتها إلا ما شذ، وهذا ما أثبته العلم الحديث، حيث أكد علماء النفس الغربيون أن: (المرأة أحادية العاطفة، بينما الرجل متعدد العواطف) ( )، ثم إن المصلحة العامة ومصلحة المرأة بالذات تقتضي أن يعدد الرجل ضمن إطار شرعي وبعقود شرعية من زوجات عفيفات، فلا يجوز شرعاً للرجل المسلم أن يتزوج بامرأة "بغي" أي (ممارسة للزنا) وذلك لصيانة الرجل (الزوج) ومن ثم المرأة (الزوجة) من الأمراض التناسلية المستعصية الوبائية التي تنتشر نتيجة الزنا. فالتعدد أيضاً رحمة بالمرأة حيث يحميها من الأمراض ويرعى صحتها التناسلية وصحتها العامة، وهذا ما أشار إليه الدكتور عبد الحميد قضاة ( )، في كتابه: (الأمراض الجنسية عقوبة إلهية) حيث قال: (إن الاتصال الجنسي الواحد في علاقة محرمة ينقل إلى الرجل أمراضاً جنسية، ولو عاشر الرجل امرأة أخرى فإنه سينقل إليها الأمراض كلها بنفس العدوى).
وهنا تتجلى الرحمة الإلهية بالمرأة حيث سمح بالتعدد المشروط المنضبط حماية لها ولكن للأسف نجدها غالباً ترفض التعدد المشروع وتقبل بقانون البشر العاجز عن معرفة حقائق الكون والنفس البشرية، فتسكت وتغض الطرف إذا خانها زوجها مع امرأة أخرى في حين أنها ترفض وبقوة وشدة إذا تزوج بأخرى وهي غير مدركة لخطورة ذلك جهلاً منها وإصغاءً إلى الإعلام المغرض الذي أراد بها سوءاً.
وبصورة عامة فإن الرجال (الأزواج) ليسوا سواءً في الإمكانيات والاحتياجات والرغبات فمنهم من يكتفي بواحدة ولا يستطيع أن يعدد أصلاً ومنهم من يحتاج لأكثر من واحدة.
لذا كانت حكمة الباريء - عزّ وجل - أن جعل التعدد رخصة يستعملها الرجل متى احتاج إليها وقدر على مسؤولياتها، بشروطها وبأحكامها التي كتب الفقهاء فيها أبواباً في الفقه تستحق الدراسة وتستحق منا الإكبار والتقدير للأحكام الدقيقة التي وردت فيها والتي ترعى فيها حق كل من المرأة والرجل
على السواء.
ونختم بهذه المعادلة: لو وضعنا ثلاثة افتراضات سنجد أن الحل الإسلامي هو الأمثل:
الافتراض الأول: لو حرُم التعدد شرعا،ً ماذا سيحدث؟ نأخذ مثالاً (لو أن الزوجة مرضت مرضاً شديداً أو أصيبت بحادثة أو كبرت في السن إلى حد يمنعها من أداء حق الزوج ففي هذه الحالة والتي يحرُم فيها التعدد افتراضاً فإنه لا يمكن للزوج أن يتزوج بأخرى إلا إذا طلق الأولى فأيهما أكرم لها أن تبقى على ذمته مكفولة النفقة مرعية في أسرة مكرمة من زوجها وتأتي أخرى تؤدي الحق الناقص أم أن تطلق حتى يتزوج الرجل بأخرى؟!. لو أقر العالم تحريم التعدد فإن المتضررة الزوجة الأولى وهي المرأة في كل حال.
الافتراض الثاني: لو ترك الأمر مفتوحاً دون حدود وقيود، من سيتضرر؟! المرأة طبعاً!! حيث أن الرجل سينتقل من امرأة لأخرى دون أن يكون للمرأة أي حق عنده، فتهدر كرامتها وتضيع حقوقها وتعيش دون عائل مسئول عنها يهتم بأمرها ويرعاها وبالتالي تضيع حقوق الأولاد الذين يولدون من هذه العلاقات غير المنضبطة.
الافتراض الثالث: هو أن يعدد بقيود وشروط وأن لا يزيد على أربع مهما كان السبب، وبشرط أن يعدل في المبيت ويعدل في النفقة والسكنى والكسوة وحسن العشرة، وهذا هو الحل الأسري الأمثل حيث تحفظ فيه حقوق المرأة كاملة ولها كرامتها ومكانتها في المجتمع.
الشبهة الرابعة: القوامـــة
يجب أن نناقش هذه القضية مناقشة علمية وموضوعية حتى نتعرف على الحقيقة عن قرب.
علينا أن نتفق أولاً على المصطلح فما هو معنى القوامة؟
القوامة لغة: قام الرجل المرأة وقام عليها أي قام بشأنها ( ) – ويقوم الرجل المرأة أي يقوم بشؤونها وما تحتاج إليه من قوت وكسوة وسكن.
اصطلاحا:ً القوامة بالمعنى المتعارف عليه هي رئاسة الأسرة أو إدارتها.
والقوّام اسم على صيغة المبالغة حيث يظهر اهتمام الرجل الشديد في القيام بأمرها وحمايتها وكفالتها.
يقال هذا قيم المرأة وقوّامها للرجل الذي يعتني بأمورها واحتياجاتها، ويهتم برعايتها وحفظها: قال تعالى: ﴿           ﴾( ). فما هو التفضيل الذي أراده الله - عز وجل - في هذه الآية؟ إن هذا التفضيل يقصد به أن الرجل قد تميز بقدرته على رعايتها والقيام بشؤونها فهو الأنسب لهذا العمل، وهذا ما توصل إليه علماء الإدارة مؤخراً حيث قالوا (الرئيس رجل) لذا نرى أن أغلب الرؤساء في الدول والشركات والمؤسسات (رجال)، فالرئاسة أنسب لتكوينه، فكل مؤسسة لها مدير وأخطر هذه المؤسسات وأهمها شأناً هي الأسرة. لذا فقد اختار خالق الإنسان ومدبر الأكوان لإدارة هذه المؤسسة (الرجل). ولا تدل هذه الرئاسة على تفضيل الرجل على المرأة، بدليل قول الرسول × (إذا كنتم ثلاثة فأمّروا أحدكم) ( ) ولم يقل (أفضلكم)، لأن الإدارة والإمارة في نظر الإسلام ليست تشريفاً وإنما تكليفاً. لذا فإن أبا ذر عندما طلب الرئاسة (الإمارة) كان رد الرسول × أن قال: «يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة»( ).
وهذه الرئاسة ليست رئاسة تسلط أو تجبر، وإنما هي لتدبير أمور الأسرة، أي رئاسة قائمة على أساس التشاور، والتعامل الحسن والمساواة في الحقوق. ومعنى الآية أن الرجال يقومون على شؤون النساء بالحفظ والرعاية والحماية، فيقوم الآباء على رعاية بناتهم وتوفير أسباب العيش، والأزواج يقومون على رعاية زوجاتهم بما يحْتجن إليه. وليس في جعل القوامة للرجل انتقاص لحق المرأة كما تظن أكثر النساء اليوم، ولكن من مبدأ التوزيع العادل في الحقوق والواجبات وعلى مبدأ (المغنم على قدر المغرم)، ومراعاة للخصائص الجسدية والنفسية لكل منهما. فطبيعة الأشياء والواقع العملي ومنطق العقل يجعل الرجل هو المسؤول الأول في الأسرة، فالأولاد ينتسبون إليه، وهو المكلف بنفقتهم وكسوتهم، وهو صاحب الدار وعليه تجهيزه ونفقاته ودفع الأجرة المترتبة عليه إن كان مستأجراً، وهو المسؤول عن حماية هذا المسكن ومن فيه بما وهبه الله من قوة بدنية ونفسية تمكنه من الدفاع.
فالقوامة منصب أسنده الله للرجل لاعتبارات كثيرة لا تخفى على ذي لب، فهو بعلمه اللطيف الخبير يعلم أن الرجل هو الأقدر على هذه المهمة، خاصة وأنه - سبحانه وتعالى- كلفه بالإنفاق على هذه الأسرة فقال: ﴿                ﴾( ). وهذا ما توصل إليه علماء الإدارة في هذا العصر حيث قالوا (من ينفق يشرف). وعموماً فإن المرأة بطبيعتها وبفطرتها السليمة تحب هذه الصفة في الرجل (القوامة)، فإذا ما تخلي عنها استهانت به وقل قدره عندها.
والقوامة لا تلغي المساواة بل تحدد الوظائف فقط قال تعالى
﴿       ﴾( ) مساواة الشقين المتمايزين لا الندين المتماثلين فيكون معنى المساواة التكامل لا التنافر... والتعاون لا التشاجر. وحتى لا تنشأ شبهة التناقض بين المساواة والتميز فقد قرن القرآن الكريم بين الأمرين في آية واحدة قال تعالى: ﴿           ﴾( ) وهي درجة (القوامة)، فهما متساويان في الحقوق والواجبات ولكن القوامة للرجل.
وإذا لم يقم الرجل بالإنفاق على المرأة سقط حقه في القوامة.
جاء في كتاب المغني باب (امتناع الرجل من نفقة المرأة): فإذا منعها ولم تجد ما تأخذه واختارت فراقه فرق الحاكم بينهما. وقال الشافعي – متى ثبت الإعسار بالنفقة على الإطلاق فللمرأة المطالبة بالفسخ من غير إنظار ولا تسقط نفقة المرأة عن زوجها لشيء غير النشوز، لا من مرض ولا من حيض ولا نفاس ولا صوم ولا حج ولا مغيبة زوجها ولا حبسه عنها في حق أو جور)( ).
فرفض المرأة لحق القوامة – في هذا العصر – جعله يتخلى هو أيضاً عن الإنفاق فتحملت المرأة هذا الأمر (تأمين النفقة لها ولأبنائها) لأن الإنسان بفطرته يحب أن يحصل على شيء في مقابل ما يقدم خاصة إذا كان ما يقدمه منفعة مالية. إن تحميل المرأة مسؤولية نفقتها على نفسها، وتحميلها تأمين دخل لها يشكل قيداً قاسياً يأخذ من طاقتها وجهدها ويأخذ من وقتها وعمرها. كما أن حرمانها من الحماية يحرمها من الأمن والأمان، وحرمانها من الأمن والأمان ينشئ عليها قيوداً من الخوف والقلق وعدم الاستقرار.
إن أعز نعمتين هما نعمة الأمن، ونعمة الكفاية في الرزق، وهما النعمتان اللتان أمتن الله -تعالى- بهما على قريش قال تعالى: ﴿  •                   ﴾ ( ).
إن قوامة الرجل على المرأة تلزمه بأن يحمي المرأة من الخوف، ويحميها من الجوع، أي أن يحمي لها حريتها الحقيقية من قيدي الخوف والجوع، ليوفر لها حياة تمارس فيها رسالتها التي خلقت لها، والتي فطرت عليها. فلا تنشغل بكسب القوت.
إن انشغال المرأة في الغرب لكسب القوت يسبب لها عنتاً ومشقة، تقول الروائية الشهيرة أجاثا كريستي: (إن المرأة مغفّله لأن مركزها في المجتمع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم لأننا بذلنا الجهد الكبير للحصول على حق العمل والمساواة مع الرجل ومن المحزن أننا اثبتنا -نحن النساء- أننا الجنس اللطيف الضعيف ثم نعود لنتساوى اليوم في الجهد والعرق اللذين كانا من نصيب الرجل وحده) ( ).
ولقد فطنت المحامية الفرنسية (كريستين) إلى هذه الحقيقة حين زارت الشرق المسلم فكتبت تقول: (سبعة أسابيع قضيتها في زيارة كل من بيروت ودمشق وعمان وبغداد، وها أنا ذا أعود إلى باريس فماذا وجدت؟ وجدت رجلاً يذهب إلى عمله في الصباح ... يتعب ... يشقى ... يعمل ... حتى إذا كان المساء عاد إلى زوجته ومعه خبز، ومع الخبز حب وعطف ورعاية لها ولصغارها. إن الأنثى في تلك البلاد لا عمل لها إلا تربية جيل، والعناية بالرجل الذي تحب، أو على الأقل الرجل الذي كان قدَرها. في الشرق تنام المرأة وتحلم وتحقق ما تريد، فالرجل قد وفّر لها خبزاً وراحة ورفاهية، وفي بلادنا، حيث ناضلت المرأة من أجل المساواة، فماذا حققت؟! المرأة في غرب أوروبا سلعة، فالرجل يقول لها انهضي لكسب خبزك فأنت قد طلبت المساواة، ومع الكد والتعب لكسب الخبز تنسى المرأة أنوثتها وينسى الرجل شريكته وتبقى الحياة بلا معنى)؟ ( )
وتقول الكاتبة الروسية (مايا جانينا) في مقابلة مع مجلة (موسكو نيوز) الأسبوعية: (السوفيتيات مضطهدات في مجتمع عاجز عن توفير احتياجات أساسية كالمأكل والملبس)، (إن النساء لا يزلن يفتقرن إلى تكافؤ الفرص، حيث أنهن يعملن أكثر من الرجال: فيقمن بأعمال التنظيف والطهي والعناية بالصغار بعد أن يؤدين أعمالهن اليومية في المصانع والمزارع).
ولعل فيما كتبه (جاردنر آرمسترونغ) عن انهيار الأسرة الأمريكية نتيجة سقوط قوامة الرجل في كتيب بعنوان (Your Marriage Can Be Happy)) كيف يمكن أن تحقق السعادة في حياتك الزوجية) ما يعزز ما سبق ذكره، حيث كتب يقول: " لماذا تشعر أغلب النساء بالخيبة والشقاء؟ لأنّهنّ خرجن على فطرتهن. ولماذا يتأنث معظم الرجال ويفشلون كأزواج؟ لأنهم تخلوا عن أصالتهم الفطرية".
وهكذا في غياب أحد عمودي القوامة وهو: النفقة تفقد المرأة حريتها فتنفق جهدها وعافيتها، وتفقد مع هذا أنوثتها التي هي سر وجودها، كما تفقد التفرغ لأمومتها التي هي معنى حياتها.
فكيف يكون حالها في غياب عمود القوامة الآخر: وهو الحماية؟
التقارير العالمية عن معاناة المرأة كثيرة نعرض بعضاً منها لمجرد الإشارة:
- ثلاثة أرباع النساء في ألمانيا الغربية يشعرن بالخوف، خارج المنزل عند حلول الظلام.
- في الولايات المتحدة، أكثر ما تخافه المرأة هو الخوف من الفقر. ويقول الدكتور هارفي روبن: " إن النساء يخشين الفقر أكثر من الرجال".
وبعد ذكر هذه الأمثلة ألا تشعر المرأة المسلمة بتكريم الله لها حين جعل القوامة للرجل وجعلها مكفولة الحماية والنفقة؟!
الشبهة الخامسة: العنف ضد المرأة:
يكثر الحديث عن العنف ضد المرأة في المؤتمرات العالمية والمتمثل في الضرب والاغتصاب والاعتداءات بكل أنواعها باعتبار أن المرأة الجنس اللطيف الضعيف والرجل هو الأقوى، وهذا فعلاً ما يحدث للنساء في كل المجتمعات في كل أنحاء العالم دون استثناء.
ولكن نسمع دائماً التعريض بالشريعة الإسلامية للانتقاص من شأنها بإثارة قضية ضرب المرأة الذي ورد في القرآن الكريم.
قال تعالى: ﴿                 •     ﴾. ( )
والسبب هو الجهل التام بأحكام الشريعة الإسلامية. والمتأمل في هذه الآية المتدبر لكلام الله يفهم:
1) أن هذا الضرب المنضبط إنما ورد لعلاج حالة نفسية مرضية وهي (النشوز) والتي تسمى في اللغة الإنجليزية عند علماء النفس (Masochism). وهذا المرض لا ينفع فيه إلا الضرب المؤدب الذي يعالج ولا يؤذي ولا يجرح وهو الذي وضحت الشريعة صفته ونوعه.
2) إن الضرب هو آخر العلاج إذا استعصت الحالة واستنفذت وسائل العلاج المذكورة في الآية وهي الموعظة ثم الهجر.
3) إن الضرب ليس على الإطلاق وإنما هو ضرب منضبط له شروطه وآدابه فلا يؤذيها ولذا كان من هديه × أن يكون الضرب بالسواك للإصلاح وليس للتعذيب ولا للانتقام، بينما الضرب العالمي الذي يمارس ضد المرأة هو ضرب لا تقره الشريعة الإسلامية أصلاً، بل منعته بقانون العقوبات، فالضرب الذي يمثل أذى وعنفاً للمرأة يستحق عليه الرجل (القصاص).
إن الزوج المؤمن والقائم بأمر الله والذي يتخذ الرسول × أسوة وقدوة له لا يضرب أصلاً فالنبي - عليه الصلاة والسلام - لم يضرب أحداً من زوجاته قط.قال أنس عن عائشة ( ما ضرب رسول الله × شيئاً قط بيده ولا امرأة ولا خادماً) ( ). وأثنى الرسول × على الأزواج الذين لا يضربون زوجاتهم فوصف الذين يضربون بقوله (... ليس أولئك بخياركم ...) ( ) وشّنع على من يضرب زوجته فقال: (لا يجلد أحدكم امرأته كما يجلد العبد ثم يضاجعها في آخر اليوم؟)( ). وكان - عليه الصلاة والسلام - يثنى على من أحسن معاملة زوجاته فكان يقول: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي). ( )
- وإن الآية الكريمة من سورة النساء تقيد الزوج، وتضع أمامه الحواجز، وتمنعه من الضرب المؤذي، والضرب المنتقم فالضرب في هذه الآية هو ضرب الأدب غير المبرّح، وهو الذي لا يكسر عظماً ولا يشين جارحه، كاللكزة ونحوها، فإن المقصود منه الإصلاح لا غير.
وقد نهى الله - سبحانه وتعالى- عن الضرب الذي فيه انتقام وتعالٍ بقوله: ﴿        ﴾( ).وقد أقر- سبحانه وتعالى- الضرب المذكور في جو وفي ملابسات تحدد صفته، وتحدد النية المصاحبة له، وتحدد الغاية من ورائه. بحيث لا يحسب على منهج الله تلك المفاهيم الخاطئة للناس في العهود الجاهلية، حين يتحول الرجل جلاداً – باسم الدين! – وتتحول المرأة رقيقاً – باسم الدين– أو حين يتحول الرجل امرأة وتتحول المرأة رجلاً أو يتحول كلاهما إلى صنف ثالث مائع بين الرجل والمرأة – باسم التطور في فهم الدين – فهذه كلها أوضاع لا تقبلها النفوس المؤمنة أصلاً، والإسلام منها بريء. وقد أبيحت هذه الإجراءات لمعالجة أمراض النشوز -قبل استفحاله- وأحيطت بالتحذيرات من سوء استعمالها فور تقريرها وإباحتها.
وفي المقابل فإن الضرب والعنف الذي يمارس ضد المرأة في بلاد الغرب لم يذكره أحد إطلاقاً ولم يشر إليه في المؤتمرات ولا المحافل الدولية بينما بالإطلاع على الإحصاءات نجد البَون شاسعاً بين ما ذكر في الآية وما يحدث في العالم. وباستعراض سريع نصل إلى هذه الحقائق:
 79% من الأمريكيين يضربون زوجاتهم.
 حسب تقرير الوكالة الأمريكية المركزية للفحص والتحقيق F.P.I. فإن في أمريكا في كل 18 ثانية هناك زوجة يضربها زوجها.
 قام الدكتور " جون بيرير " الأستاذ المساعدة لمادة علم النفس في جامعة كارولينا الجنوبية باستفتاء بين عدد من طلبة الجامعة، وكانت النتيجة هي أن استعداد الرجال لضرب زوجاتهم عالٍ جداً، فإذا كان هذا بين طلبة الجامعة فلا شك في أن النسبة أعلى بين من هم دونهم تعليماً.
وفي دراسة أعدّها المكتب الوطني الأمريكي للصحة النفسية: جاء أن 17% من النساء اللاتي يدخلن غرف الإسعاف هن ضحايا ضرب الأزواج والأصدقاء، وأن 83% دخلن المستشفيات سابقاً.
 مائة ألف ألمانية يضربهن الرجال سنوياً.
 في فرنسا يتعرض حوالي مليونين من النساء للضرب. وقالت أمينة سر الدولة لحقوق المرأة "ميشال أندريه": حتى الحيوانات تعامل أحياناً أحسن منهن. فلو أن رجلاً ضرب كلباً في الشارع فسيتقدم شخص ما بشكوى إلى جمعية الرفق بالحيوان، ولكن إذا ضرب رجل زوجته في الشارع فلن يتحرك أحد.
 أن 92.7% من عمليات الضرب التي تتم بين الأزواج تقع في المدن، وأن 60% من الاتصالات الهاتفية التي تتلقاها شرطة باريس أثناء الليل هي نداءات استغاثة من نساء يسيء أزواجهن معاملتهن.
 في مدينة أمستردام في هولندا عقدت ندوة وكان موضوع الندوة " إساءة معاملة المرأة في العالم أجمع " واتفق المؤتمرون على أن المرأة مضطهدة في جميع المجتمعات الدولية". قالت إحدى المشتركات في الندوة: إن مسألة إيذاء الزوجات متفشية في كل المجتمعات وحتى أزواج القضاة والأطباء يلاقين الأذى على أيدي أزواجهن.
وتقول جريدة Family Relation: أن واحدة من كل امرأتين تتعرض للظلم والعدوان من قبل زوجها. ( )
ومن ناحية العنف الذي تتعرض له النساء فلا فرق كبير بين دولة متقدمة أو دولة متخلفة، ولا بين دولة صغيرة أو كبيرة، فالكل سواء في ذلك ومعظم العنف للأسف الشديد يأتي من رجال في نطاق العائلة الواحدة أو المعارف. والأمثلة في هذا الاتجاه لا تعد ولا تحصى، ومنها: أن واحدة من كل ثلاث نساء أو ما يساوي ملياراً من النساء تعرضت للضرب. وأن 70 % من ضحايا جرائم القتل من النساء في العالم فقدن حياتهن على يد شريك حياة سواءً كان زوجاً أو رفيقاً.
أما على مستوى الدولة فيقتل أسبوعياً ما لا يقل عن امرأة واحدة في كينيا على يد شريك حياتها، وفي الولايات المتحدة الأمريكية تتعرض امرأة واحدة على الأقل للضرب على يد شريك حياتها كل 15 ثانية، وفي كندا يكلف العنف العائلي نظام البلاد الاجتماعي بشقيه الصحي والاقتصادي حوالي 1.6 مليار دولار كندي موزعة فيما بين الرعاية الصحية للضحايا والانخفاض في إنتاجية العاملات منهن . أما في روسيا فتتعرض 36 ألف امرأة على الأقل للضرب (يومياً) من شريكها.
 ويفيد تقرير بريطاني أن الزوج يضرب زوجته دون أن يكون هناك سبب يبرر الضرب، ويشكل هذا نسبة 77% من عمليات الضرب.
الشبهة السادسة: الشهادة:
لماذا لا تتساوى المرأة بالرجل في الشهادة حيث يقول سبحانه وتعالى: ﴿            ﴾( ) إن شروط الشهادة ليست قائمة على الذكورة والأنوثة وإنما يشترط لها شرطان أساسيان:
الأول: عدالة الشاهد وضبطه، وألا يكون بين الشاهد والمشهود عليه قرابة.
الثاني: أن يكون بين الشاهد والواقعة صلة.
فإذا لم يتحقق هذان الشرطان أو أحدهما تكون الشهادة مرفوضة سواءً من الرجل أو المرأة.
علماً بأن صلة المرأة بالجرائم الجنائية ضعيفة، ولذلك فإن شهادتها في الجنايات مرفوضة بينما نجد أن شهادة المرأة في بعض القضايا هي وحدها المقبولة والمعتمدة حتى لو كانت منفردة، فهي مقدّمة على شهادة الرجل مثل: الرضاع والنسب والحضانة. فالرضاع من الشهادات التي لا يجوز فيها إلا شهادة النساء. فلماذا لم نعتبر أن ذلك منقصة للرجل؟!.
إن الشهادة ليست حقاً، وإنما هي واجب وتكليف يحاسب عليه الإنسان إذا لم يؤدها بحقها قال تعالى: ﴿       ﴾( ). فتلبية الدعوة للشهادة إذن فريضة وليست تطوعاً. فهي وسيلة لإقامة العدل وإحقاق الحق، والله هو الذي يفرضها كي يلبيها الشهداء عن طواعية تلبية وجدانية، بدون تضرر أو تلكؤ. وبدون تفضل كذلك على المتعاقدين أو على أحدهما، إذا كانت الدعوة من كليهما أو من أحدهما". ( ) وتعتبر شهادة الزور من الكبائر،وكذلك إذا لم يؤدها كما هي
قال تعالى: ﴿           ﴾( ). لذا فإن الشارع خفف عن المرأة الشهادة رحمةً بها، ومع ذلك لو أرادت أن تشهد لا يمنعها شيء من ذلك.
نحن نعرف عاطفة المرأة وعاطفة الأمومة كم هما عظيمتان وقويتان فاشتراط امرأتين في الشهادة شرع لحماية حقوق الناس وضمان إحقاق الحق والاحتياط للشهادة قدر الإمكان، لأن أثر الشهادة عظيم وقد يكون الحكم في القضية إعدام المتهم، فالأخذ بالاحتياط في قضية الجنايات مطلوب.
فقد أثبت العلم الحديث أن المخ ينقسم إلى أربعة أقسام: الأيمن وينقسم إلى قسمين: علوي وسفلي، والأيسر كذلك. كما يؤكد لنا أن مركز الذاكرة عند الرجل يختلف عن مركز الكلام لذلك فهو يستطيع أن يتحدث ويتذكر في نفس الوقت. أما المرأة فمركز الذاكرة والكلام لديها متصلتان، وبالتالي تحتاج إلى أن تتذكر ثم تتحدث. وهذه أسباب اشتراط وجود امرأة أخرى معها في الشهادة حتى إذا نسيت ذكرتها.
لو كانت الأنوثة والذكورة تلعبان دوراً في قيمة الشهادة لكانت الأربع شهادات للمرأة في باب "اللعان" بقيمة شهادتين للذكر ولكن الواقع أن هناك تساوياً في الشهادة بين الذكر والأنثى في "اللعان". وبيان ذلك في أنه إذا اتّهم الزوج زوجته بالزنا وليس لديه شهود فإنه يقسم أربع مرات أنه صادق وهذا القسَم يساوي أربع شهادات. وكذلك الزوجة تقسم أربع مرات أنه من الكاذبين وهذا القسَم يساوى أربع شهادات. وقد جعل الله الشهادات الأربع عند الرجل تساوي الشهادات الأربع عند المرأة. فهل يكفي هذا؟!.
إن المرأة في المنظور الإسلامي إنسان له مكانته وحقه. ولو أردت أن أكتب في ذلك لسودت الصحائف، ولكن اكتفي بهذه الإشارات وأرجو أن أكون قد وفقت في هذا الصدد.
إن عولمة الأسرة قضية خطيرة لأنها تصادم الفطرة وتنافى بديهيات العلم ومسلماته وتخالف الإسلام وتشريعاته، ونحن كمسلمات شرفنا الله بهذا الدين وأعزنا به علينا الالتزام بهذه الشريعة (منهج الله الكامل) في العقيدة والفكر والقول والعمل والاجتماع والأخلاق، علينا أن نعتز به ونتفاخر به ونعلمه للناس، ونخالف منهج من لا يؤمن بالله، حتى ندخل الألفية الثالثة (هذه المرحلة الخطيرة من حياة الأمة) ونحن أكثر وعياً وأكثر علماً. بخطوات ثابتة وخطط مدروسة واستعدادات تامة وترتيبات لازمة لمواجهة هذه التحديات.
وإلى مزيد من العلم والوعي حتى تبقى الأسرة في بلادنا الحبيبة قوية متماسكة متلاحمة منتجة متعاونة، حتى نكون أقدر على تربية أولادنا كما نحب لا كما يريدون، وننشئ أجيالاً نفتخر بها تساهم في نهضة البلاد وإسعاد العباد. ولتبقى مجتمعاتنا سليمة قوية صامدة في وجه الأعداء إن شاء الله.
***

الفصل الرابع
الحلول العملية العاجلة للحفاظ
على الأسرة والمجتمع والطفولة

أولاً: التمسك بالدين كمرجعية ثابتة للقيم والمفاهيم والأخلاق:
إن حجر الأساس في بناء حضارة أي أمة هو عقيدتها (دينها) التي تستمد منها قيمها وأخلاقها ومفاهيمها.
فالعلاج يبدأ أساساً من القاعدة الصلبة والمرتكز القوي للدين الحق، ولابد أن تنطلق من معالم واضحة لمفاهيم هذا الدين المستمدة من عقيدته لتحديد هوية الأمة والأسرة والمرأة المسلمة.
فهذا الأمر هو الرصيد النفسي المساعد على الحركة والفعل الإيجابي والسلوك الأسمى في المجتمع خاصًة بعد أن وقعت المجتمعات الإسلامية تحت تأثير الواقع الحضاري للأمة في ظل "العولمة " وبين ممارسة الأفراد لمسؤولياتهم والتحقير الملحوظ لأداء الواجبات وذلك للتأكيد على خصوصية الأمة الإسلامية ونظرتها للمجتمع والأسرة وقضايا المرأة. هذه الخصوصية أصولية المنهج من حيث الاحتكام إلى العقل في صياغة القوانين والنظم والعلاقات الاجتماعية. فلا تناقش القضايا الشرعية الجزئية إلا في إطار شامل يراعى فيه جميع الضوابط والأحكام الكلية والجزئية المرتبطة بكل قضية، فلا يناقش تشريع الميراث بمعزل عن النفقة أو الشؤون المالية ولا شؤون الأسرة بمعزل عن حقوق النساء والرجال على السواء.
ثانياً: تثبيت الهوية:( )
ويكون باستعادة الوعي بالهوية الإسلامية وذلك بإبراز جوانب عظمة هذا الدين – بكل الوسائل المتاحة وسماحته والعدل الرباني في أحكامه وتشريعاته والحلول العملية التي جاء بها كعلاج لمشكلات المجتمع الإنساني عموماً في شكل آيات تتلى وتوجيهات ربانية لإنقاذ البشرية من الشرور المحيطة بها، وبذلك يتم تحصين العقل المسلم -لكل من الرجل والمرأة- من الاختراق الثقافي والاستلاب الفكري في مجال القيم والمبادئ والأصول الثابتة التي لا غنى لنا عنها في مواجهة خطط تذويب الذات وتدمير البنىَ التحتية التي تحفظ للأمة استقلالها وهويتها، علماً بأن الهوية تعتبر الآن عنصراً هاماً استراتيجياً بالنسبة لأمن الأمم والدول، يحفظ لها قوتها في صراعها مع الأمم الأخرى.
إن مسألة الهوية تحظى اليوم بعناية خاصة، لأنها خط الدفاع الأول عن الأمة وقيمها الحضارية تاريخاً ولغةً وثقافةً، وهذا لا يتعارض مع الانفتاح على الحضارات الأخرى في مجال التقنية.
فالتقدم الحقيقي لا يمكن إحرازه إلا بالجمع بين الأصالة والمعاصرة، أو بالأصح بين الأصالة الثابتة والأوضاع المتغيرة.
فالثابتة: هي القيم والمبادئ واللغة والثقافة والتاريخ.
والمتغيرة: هي الاكتشافات العلمية والبرامج المتطورة والأجهزة التقنية المتقدمة، ويتم ذلك بفتح مجال التفاعل مع علوم العصر في مناخ ملائم للإبداع والابتكار والتجديد. والنموذج الواقع الحي -على صحة ما ذهبت إليه- هو النموذج الآسيوي (الحضارة اليابانية) الحالية التي أخذت من الحضارة الغربية حاجاتها من العلوم معتمدة على مفاهيم عقَدية ومبادئ وقيم تؤمن بها فأنشأت حضارة قويّة في أقل من قرن دون أن تذوب في شخصية الغرب.
ومن أبرز التحديات التي تواجه المحافظة على الهوية ما يلي:
1- السيطرة الإعلامية:
تلك السيطرة التي تسوق أنماطاً معيشية معينة " لدول النظام العالمي الجديد" وعلى رأسها أمريكا لأن 85% من الإنتاج السينمائي والتلفزيوني أمريكي، والبقية تقليد لهذا الإنتاج أو إعادة بث له.
والدراسات الحديثة قد أثبتت أن التلفاز أصبح الموزع الرئيسي للأفكار والثقافة في المجتمع، فهو يعلم الأفراد أساليب مختلفة في السلوك الفردي والاجتماعي وهذا ما كشفته الدراسات الميدانية (لجيريز) حيث تقول الدراسة: " إن المشاهدين يكّونون بناءً فكرياً مما شاهدوه، يستخدمونه في تفسير الحقائق والأحداث اليومية التي تمر بهم. هذه النتائج تدق نواقيس الخطر مجدداً وتدعو إلى الحذر مما تقدمه المسلسلات والأفلام الأجنبية التي تعرض في البلدان العربية والإسلامية – والتي تعرض أنماط قيم غريبة على مجتمعاتنا، مصادمة لعقيدتنا ومفاهيمنا.
والدليل هو ما ذكره د. عدلي رضا ( )، في بحثه صورة الأسرة في الأفلام الاجتماعية الأمريكية "، حيث وقف على نموذج الأسرة والمجتمع، الذي يسعى الأمريكيون لترويجه لدى المجتمعات الأخرى، وأول نتائج بحثه أكدت أن نمط الأسرة التي تروج له الدراما الأمريكية هو " الأسرة النووية "، التي لا يزيد عدد أفرادها على أربعة ويتميزون بدرجة عالية من الفردية والتحرر من الضبط وتقديم مصلحة الفرد على مصلحة الأسرة. أما نمط العلاقات بين أفراد الأسرة فقد كان سلبياً في 47% من الحالات، وإيجابياً في 28%، منها وغير محدد في 23% منها، حيث عكست الأفلام والمسلسلات الأمريكية ضعف الروابط الأسرية وانفصال الأبناء عن الآباء وضعف الروابط الاجتماعية بين الناس. فكل إنسان يسعى إلى تحقيق أهدافه قبل أي شيء بغض النظر عن ظروف الآخرين من حوله.
2- التغريب الثقافي:
وهو الأخطر فهو تهديد مقنع خفي، وهو هذا الذي أصاب حصوننا وبيوتنا من الداخل فله أبعاد خطيرة في محيط الأفراد والأسرة. فنادراً ما نرى جامعة من جامعات العالم الإسلامي
إلا وتتبني المناهج الغربية وخصوصاً في الإنسانيات مما حول جامعتنا ومعاهدنا إلى أبواق للنظريات والفكر والثقافة الغربية وهذا الأمر أثر تأثيراً بالغاً حتى على الجوانب الهندسية الفنية للمساكن والمدن.
3- التحدي المادي:
وهو طغيان النزعة المادّية في كل ما يبث ويدرس والتي أثرت على الروابط الأسرية والعلاقات الاجتماعية، وقد حذرنا
الرسول × من ذلك بقوله: $إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال#( ). وهذا ما نراه اليوم حيث أصبح هم الناس جمع المال وتحركهم المنفعة المادية.
4- تحدي الأصالة في الأمة:
والتي تكون في شكل اللّغة والتاريخ والعادات والتقاليد، مما ألحق الأذى بالتراث القومي الإسلامي فالإجراءات المتعمدة لتشويه التاريخ وتغيير اللغة في أغلب بلاد المسلمين كانت واضحة منذ بداية القرن العشرين إلى نهايته، وأبرز مثال على ذلك تغيير لغة بعض دول شمال أفريقية في الدواوين إلى لغة المستعمر، وتغيير الحرف العربي إلى الحرف اللاتيني في كل من تركيا وأندونيسيا وغيرهما، وقد شملت هذه العملية 30 دولة.
من كل ما تقدم يظهر واضحاً أن المحافظة على الهوية والتراث يستلزم استخدام الوسائل التي تسهم في الحفاظ على الهوية المستمدة من استخدامات الشعوب المختلفة والوسائل كثيرة، اخترت بعضاً منها كأمثلة ونماذج فقط:-
1- المحافظة على اللباس القومي الشرعي:
فهو من أبرز الأدلة الدالة على الهوية، "كالحجاب للمرأة والثوب للرجل" ونرى ذلك واضحاً في بعض الجماعات كالسيخ فإن الرجل منهم لا يخلع عمامته إطلاقاً حفاظاً على هويته، وكذلك اليهودي الذي يضع القبعة الصغيرة على رأسه.
ويؤيد هذا ما فعله (أتاتورك) عندما فرض لبس القبعة الغربية ومنع لبس الطربوش الإسلامي ليغير الهوية الإسلامية.
ولذلك شدّدت الشريعة في النهي عن التشبه بالكفار في ملابسهم وزيِّهم الذي يعرفون به فقال -عليه الصلاة والسلام-: (من تشبه بقوم فهو منهم)( ).
كما قيل أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الأنصار ينهى عن لبس ثياب الأعاجم، لمنع الذوبان في الدول المفتوحة والحفاظ على الهوية.
2- معاهد التعليم:
تلك المعاهد التي لها ارتباط وثيق بهوية ثقافة ودينية وفكرية معينه وهذا الذي دفع الانتداب البريطاني على مصر لإنشاء جامعة موازية للأزهر، وذلك لإضعافه، لما للأزهر من بُعد يتعلق بالهوية، وكذلك الأمر بالنسبة لجامعة الزيتونة في تونس.
3- مناهج التعليم:
وكذلك مناهج التعليم خصوصاً في العلوم الإنسانية، فإن تأثيرها يكون تأثيراً إيجابياً حين تعتمد المعتقد والتاريخ الصحيح والنظريات الاجتماعية الإسلامية والتاريخ الإسلامي في مقرراتها، وبذلك تساهم في بناء الهوية الصحيحة الواحدة.
4- اللغة:
إن الحفاظ على اللغة يعد من أهم الأمور. فما استطاعت أمة من الأمم الحفاظ على هويتها إلا بالحفاظ على لغتها. مثال: ما حصل في فرنسا حيث ثارت ثائرتها عندما تسربت بعض المصطلحات الأمريكية إلى لغتها فاعترضت على ذلك صحفهم ومجلاتهم. وكذلك ما نراه اليوم من رغبة كثير من المسلمين في تعليم أبنائهم اللغة الإنجليزية فدفعهم ذلك إلى إرسال أبنائهم إلى مدارس أجنبية تنصيرية، وإلى التحدث معهم بتلك اللغة مما أفقد الأجيال الحديثة الارتباط بهويتهم، فنجد اليوم جيلاً كاملاً من المسلمين في شتى الدول لا يتكلم العربية أو على الأقل لا يستطيع قراءتها مما أفقده الانتماء لدينه وأمته.
5- الأحياء وأماكن السكن:
إن التجمع البشري لأي جماعة أو أي مجموعة بشرية يساعد على الحفاظ على هويتها، وقد استخدم اليهود هذه الوسيلة للحفاظ على هويتهم، ففي كل بلد لهم أحياؤهم وأسواقهم وأماكن عبادتهم، وكذلك غيرهم من الملل والجنسيات، كالهنود في بريطانيا الذين يحرصون حتى على ملابسهم التقليدية وزينتهم ومراسيمهم من العزاء والزواج.
6- الأسماء:
إن الأسماء لها دور في الحفاظ على الشخصية والهوية الثقافية والعرقية، فقد جرت العادة أن المستعمر يغير أسماء الأفراد مثلما حدث في روسيا، عندما دخلت الشيوعية إلى الولايات الإسلامية فإنها تعمدت تغيير أسماء المسلمين بالضغط عليهم وذلك بعدم السماح لهم بالالتحاق بالمدارس والوظائف إلا بعد تغيير أسمائهم لتذويب هويتهم وانتمائهم لدينهم. فأسماء الأفراد أو أسماء الأماكن والأحياء والشوارع والمؤسسات لها دور كبير في تذكير المسلم بهويته والحفاظ عليها.
7- إحياء المناسبات الدينية:
إن إحياء المناسبات الدينية له دور مهم في تجميع الجاليات، وخاصة المسلمين. فصلاة الجمعة والعيدين مثلاً لها دور خاص في الحفاظ على الهوية وتوليد الشعور بالانتماء إلى الدين وإلى الأمة وتنمية عواطف ومشاعر الأخوة الإيمانية خاصة في ديار غير المسلمين.
8- الطعام:
يلعب دوراً مهماً وإن كان وسيلة غير مباشرة إلا أن فيه محافظة على الهوية الإسلامية خاصة في تحري الطعام الحلال، فنجد اللبنانيين والباكستانيين والهنود والصينيين مثلاً يلتقون في مطاعمهم الخاصة بهم وهذا يربطهم بتراثهم.
لذا فقد عمدت العولمة إلى تغيير الأذواق والأطعمة، فانتشرت الوجبات الأمريكية السريعة والمطاعم الأمريكية في كل الكرة الأرضية وأصبحت هذه الوجبات هي الوجبة المفضلة للجيل الناشئ وفي أغلب المجتمعات، وقد نجحوا في ذلك بالسيطرة الإعلامية واستخدام أسلوب الدعاية والإعلام لأطعمتهم ووجباتهم، مثل الأكل الأمريكي (الهمبرجر) ...الخ، مما أفقد هذا الجيل الإحساس بالانتماء لهذه الأمة.
9- اللباس:
فنجد (الجينز) هو اللباس المنتشر عالمياً حيث يستخدمه كل أبناء الجيل، كما أصبح للماركات الأمريكية سوق كبير واسع في الدول الإسلامية والعربية.
وبعد كل هذا العرض للوسائل فإنه يتضح أنها وسائل مهمة. ولكن يبقى المعيار الأساسي للهوية الإسلامية وهو الالتزام بالدين بدءاً بدراسة القرآن وتطبيق شرع رب العالمين وإلا أصبحت هذه الوسائل المذكورة جسداً بلا روح ومظاهر لا تنفع في تثبيت الهوية. فالهوية الإسلامية لم تعد لوحة يمكن تعليقها ولا أكلة يمكن طبخها وإنما هي منهج حياة ودستور أمة وعقيدة وعمل صالح يتبعها.
ثالثاً: نشر الوعي والعلم الصحيح:
الهدف منه بيان اهتمام الشريعة الإسلامية بنظام الأسرة وقضاياها وبشؤون المرأة وحقوقها حيث إن تثقيف المرأة فيما يخص الأسرة والأبناء يخرج لنا جيلاً واعياً ينشئ حضارة إسلامية عريقة ويرسم مستقبلاً زاهراً للأمة. وإن نشْر هذا الوعي يستلزم إخراج هذه الكنوز العلمية والتشريعية من القرآن والسنة في شكل بحوث علمية وكتب قيمة وبرامج إعلامية هادفة مسموعة ومقروءة على قدر من الجودة، لإبراز دور المرأة والأسرة في الحياة، إضافة إلى عقد الندوات والمؤتمرات والدروس الدورية التي تزيد من ثقافة المرأة المسلمة ووعيها، بهدف الوصول بها إلى درجة من الثقافة والوعي والعلم الصحيح الذي تستطيع به نقل هذه المعلومات إلى بنات جنسها في أرجاء المعمورة، مبينة المكانة السامية للمرأة ومطالبة المجتمعات الإسلامية بالرجوع إلى المعين الصافي الذي أنصف المرأة وأعطاها حقوقها من قرون مضت.
رابعاً: المشاركة الإيجابية في المحافل الدولية:
إن إبراز دور المرأة المسلمة على الساحة العالمية من خلال المشاركة في المؤتمرات العالمية والملتقيات الثقافية والعلمية هدفه نقل ما يتمتع به أفراد الأسرة وخاصة المرأة والأطفال من حقوق وامتيازات في الشريعة الإسلامية إلى نساء العالم اللاتي لا زلن يسعين للحصول على بعض هذه الحقوق وإرشادهن للطريق الصحيح الواجب اتباعه وكذلك التعبير عن هويتها وتراثها الإسلامي في جميع المجتمعات ورفض انتهاك حقوقها بسبب دينها أو جنسها أو مظهرها.
خامساً: نشر الأخلاق الإسلامية الفاضلة:-
إن ربط الأخلاق الفاضلة بقضايا الأسرة السلوكية لابد أن ينشأ ويؤصل كقضية عقائدية دينية تعبدية. فالصدق والأمانة والعفة والإحسان والعفو والصفح والنزاهة والحياء والتستر والوفاء كلها من صلب العقيدة، لذا لابد من إشاعة هذه المفاهيم بنفس الوسائل والأساليب المستخدمة في عولمة الفساد والرذيلة. يقول الشيخ جاسم المطوع في مقالة له (إن علاج عولمة الزنا يكون بإشاعة مفهوم عولمة العفة والعفاف) ( ).
وإن ديننا وثقافتنا مليئان بمفاهيم العفة، فلابد أن ننشر قصة يوسف - عليه السلام- وعفته في أواسط الناشئة ليكون نموذجاً وبطلاً لكل مراهق أمام عولمة الزنا وكذلك نشر قصة عفة مريم ابنة عمران – عليها السلام- بين المراهقات لتكون لهن قدوة.
ولابد أن نخصص أموالاً لإصدار برامج تتبنى هذه الأخلاق لنحفظ أجيالنا القادمة من عولمة الزنا التي آذت المسلمين وغير المسلمين، فنشأت جمعيات تقوم بمبدأ نشر العفة حتى في أمريكا نفسها، مثل جمعية Pro Family
سادساً: تحصين الناشئة:
يتم تحصين الناشئة من الأفكار الوافدة والمفاهيم المغلوطة وتثقيفهم بما ينفعهم في دينهم ودنياهم بالوسائل الآتية.
1- تعليم القيم وتجلية الحقائق عن طريق تطوير المناهج وتأهيل المعلمين.
2- التوجيه التربوي العلمي من الوالدين في الأسرة أو من يحل محلهما باستخدام وسائل التربية الحديثة لتكوين عقيدة وقناعات ومفاهيم راسخة ثابتة تحقق قدراً من الأمن النفسي والسلام العقلي والروحي، وذلك باستخدام مهارات متعددة وفنون شتى، منها:
أ – فن الحوار مع الأبناء.
ب- فن التعامل معهم.
ج- فن الإقناع واستبدال المهارات.
د – مراعاة مراحل النمو المختلفة.
هـ- الاطلاع على المستجدات في الساحة العالمية وكيفية التعامل معها.
و- اعتماد أسلوب النقاش العلمي القائم على أسس علمية موضوعية والبعد عن التهويل والمبالغة في وصف المخاطر.
ز- ترشيد استخدام وسائل الإعلام من فضائيات وغيرها وكذلك أجهزة الاتصال.
ح- تكليفهم بمهام ومسؤوليات في الدعوة أو في عمل بحوث قيمة في القضايا المطروحة في الساحة، لإشراكهم في حل القضايا المعاصرة لاستثمار أوقات فراغهم فيما ينفع.
سابعاً: الرقابة على ما يشاهده أبناؤنا:
فالصراع بين الحق والباطل مستمر إلى قيام الساعة، والفضائيات تعد الآن معولاً لهدم القيم الإسلامية وسبباً لتفكك المجتمع مستخدمة الانحلال الأخلاقي تارة والشبهات تارة أخرى وللأسف الشديد فإن هذه الفضائيات تركز سمومها على فئتين في المجتمع هما المرأة والشباب فهي تؤدي إلى انحراف الشباب الأخلاقي، من خلال عرض الأفلام الهابطة والمناظر الخليعة حتى يتلهى الشباب عن أهدافه السامية. وأما المرأة فهي تعاني من الشبهات التي ما برحت هذه القنوات ترددها عن هضم حقوقها وانتقاص كرامتها ومطالبتها بأن تتمرد على قيم دينها ومجتمعاتها، والواجب على هذه الفضائيات أن تراعي ثوابت الأمة ولا تكون يداً للشر ( ).
هذه الحلول المقترحة لعلاج مشاكل الأسرة في ظل العولمة أرجو أن تؤخذ بعين الاعتبار وتفعّل من قبل المسؤلين كل في مجاله وتخصصه لعل الله يحفظ الأمة الإسلامية من المخاطر والمكائد التي تحيط بها من كل جانب.
وختاماً:
هذا جهد المُقِل فإن أصبت فالحمد لله وإن أخطأت فحسبي أني اجتهدت ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فاطمة نصيف

***

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك