الإسلام في ساحة السياسة

حسين نوح المشامع

قبل نهاية القرن الماضي، كتب المرحوم جمال الدين الأفغاني قائل: إن علة العلل في عالم المسلمين هي شيوع الاستبداد بالرأي، ولا سيما إذا كان صاحب هذا الرأي المفروض جاهلا، أو غير تام العلم. ولو قدر للأفغاني أن يعيش حتى يومنا، لو جد أن موضوع شكواه لا يزال كما كان عليه، بعد أن مر عليه قرن آخر من الزمان.

الكتاب: الإسلام في ساحة السياسة - متطلبات العرض والتطبيق

المؤلف: توفيق السيف - باحث سعودي في الشؤون الإسلامية، ومن مواليد جزيرة تاروت في عام (1957م)، ومن ابرز مؤلفاته "البترول والسياسة في المملكة العربية السعودية.

الناشر: دار الجديد، بيروت لبنان

الطبعة: الأولى سنة 2000

عدد الصفحات: 126 صفحة

لم يكتفِ رب العالمين تعالى ذكره، من إنزال كتاب سماوي - لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه – ليدلنا على كيفية قيام دولة يصان فيها حقوق الإنسان وحرية فكره، بل أرسل رسولا أقام دولة تكون مثالا يحتذى به، لمن يأتي من بعده إلى قيام الساعة. ومع ذلك لم يستطع المسلمين في وقتنا الراهن، من إقامة دولة على غرار تلك الدولة. فهل تتركز الصعوبة في كون الدولة الأولى معصومة لا يمكن محاكاتها، أم هناك سبب آخر يمنع المسلمين من ذلك!؟ هذا ما يحاول المؤلف بحثه في هذا الكتاب الذي بين أيدينا.

يحتوي الكتاب على مقدمة وبابين تحت كل منهما عدة عناوين مختلفة.

جاء في مقدمة الكتاب: قبل نهاية القرن الماضي، كتب المرحوم جمال الدين الأفغاني قائل: إن علة العلل في عالم المسلمين هي شيوع الاستبداد بالرأي، ولا سيما إذا كان صاحب هذا الرأي المفروض جاهلا، أو غير تام العلم. ولو قدر للأفغاني أن يعيش حتى يومنا، لو جد أن موضوع شكواه لا يزال كما كان عليه، بعد أن مر عليه قرن آخر من الزمان.

وجاء في تمهيد الفصل الأول قول المؤلف: من المهم الإشارة إلى بعض النقاط التي تساعد على تحديد الموضوع الذي نريد بحثه:

 (1) إن الحديث عن حقوق الإنسان كما رآه علي بن أبي طالبعليه السلام ومارسها، لا يستهدف التأكيد على صورة البطل المستقل بذاته.

(2) إن غرضنا ليس التذكير بفضائل عليعليه السلام الأخلاقية، ولا الدفاع عنه ولا عن الإسلام، في موقفه من موضوعة حقوق الإنسان.

 (3) إن غرضنا الأول والأخير هو عرض المثال الذي يستحق أن يحتذى، ومقارنته بما نحن فيه من واقع، من أجل الحث على تحسينه وسوقه باتجاه ما نستطيع من المثال.

 (4) إن صورة الفكرة في الإطار النظري لا تشبه كثيرا حالها في إطار التطبيق. فينبغي ملاحظة تأثيرات العوامل التالية: (أ) استعداد المجتمع ثقافيا للتعامل مع الفكرة الجديدة وفهمه لها. (ب) استعداد المجتمع سياسيا بوجود توازن مناسب بين الدولة والمجتمع. (ج) استعداد الدولة بفراغها من تثبيت أركانها وترسيخ هيبة النظام العام، وقيام مؤسساته السياسية.

 (5) حين نضرب أمثلة من التاريخ، أو نستعرض نصوصا، قد نغفل لحظتها، الفاصلة الزمنية الكبيرة بيننا وبين زمن المثل.

 (6) يلاحظ في بعض الكتابات الإسلامية أن عرض المشروع الإسلامي ينحو إلى الرومانسية، بل التخيل، أكثر مما يلتزم بالواقعية.

وتكلم المؤلف عن حق الاختلاف في الإسلام، فقال: إن القرآن في الكثير من المواضع قد تحدث عن حق الإنسان في اختيار ما يراه من رأي، والتعويل على ما ينتجه عقله من قناعات، وحريته الكاملة في التعامل مع الآراء المختلفة الصادرة من الغير، ثم تقرير موقفه منها؛ برفضها أو قبولها، أو قبول بعضها ورفض البعض الآخر، مع التشديد على أن هذا الإنسان مسؤول عن عواقب كل خيار اختاره، مسؤولية تتسع طرديا بحسب سعة ما تحصل عليه من حرية في الاختيار، ونجد تقرير القرآن لهذه المواقف في سياقات مختلفة.

وعن مواطن الاختلاف، قال المؤلف: يظهر حجب حرية الاختلاف في الحياة الاجتماعية على أصعدة مختلفة، منها على "المستوى الاجتماعي"، وخلال تبلورها وتشكلها في صورة مجتمع، تطور الجماعة نظامها الثقافي الخاص، الذي يتضمن رؤيتها لذاتها وللخارج، كما يتضمن تعريفها للعلاقة بين كل فرد من أعضائها وبقية الأفراد، ثم تدعمها بوسائل ضبط لأعضائها، مهمتها منع الخروقات الفردية التي قد تسئ إلى التركيبة الاجتماعية أو نظامها الداخلي أو حدودها مع الخارج، وتندرج مفاهيم هذا النظام تحت مسمى الأعراف والتقاليد الاجتماعية، وتلعب في معظم الأحيان دورا يتجاوز من حيث الأهمية وسعة التأثير، دور القانون المحمي بوسائل الردع المادية.

وعن قلق الفتنة، قال المؤلف: يبرر البعض حجب حرية التعبير بوجود حاجة إلى تأمين المجتمع من الأفكار الفاسدة المخالفة للدين. ويقول آخرون إن حجب حرية التعبير يستهدف صيانة المجتمع من التفرق والتمزق، لأن الأفكار المعارضة لما هو سائد تنطوي على دعوة للخروج عليه وتفريق جمعه. ويجري تبرير السيطرة على تدفق المعلومات، بالحاجة إلى منع قيام انشقاقات اجتماعية، تسئ إلى الاستقرار، أو تعطل حركة النمو.

وعن الثوابت والمتغيرات قال الكاتب: أن ثمة أحكام تفصيلية منصوصة يتعلق معظمها بالعبادة، وأحكام الأسرة؛ أو ما يسمى اليوم بالأحوال الشخصية، وفي هذه فإن مجال الاجتهاد محدود،على الرغم من أن معظم العمل الفقهي منذ تأسيس علم الفقه وإلى اليوم، قد دار غالبا على العبادات والأحوال الشخصية، بجانب المعاملات؛ الذي ينتظم تحت عنوانه الجزء الأعظم من أمور الحياة، فقد تركه المشرع لاجتهاد أهل الإسلام في مختلف عصورهم، بعد أن وضع قواعد عامة، منطقية ومنسجمة مع العقل الطبيعي، لاعتمادها في عملية الاجتهاد.

وعن "نقد المشروع طريق إلى المعاصرة" قال المؤلف: أن ثمة جماعات وثمة علماء سياسيون يطرحون مشروعاتهم باعتبارها اجتهادا، يحترمونه قدر ما يحترمون غيره، ويقدمونه باعتباره أصوب الخيارات، في الوقت الذي لا ينفون بالمطلق احتمال صواب الغير. وأجد أن هذا التيار السليم يتسع تدريجيا ويحتل مكان التيار الأول؛ وهو يميل إلى تركيز الجهد في إقناع الناس بمشروعه، بدل من فرضه عليهم، باعتبار الدعوة تبشيرا وإنذارا، لا منهج سيطرة وتحكم في العقول أو الرقاب.

وتكمن أهمية النقد كما أشار المؤلف: إلى أن الحركة المستقيمة والمتنامية للاجتهاد لا تتحقق إلا بقبول النقد وأدواته؛ كواحد من المدخلات الرئيسية للمعرفة الجديدة والتفكير الجديد. النقد لما أبدعته عقولنا من تصورات عن الشريعة، أو لما ورثناه من تصورات الأسلاف.

وأضاف الكاتب في موضع آخر من كتابه: أن هناك بعض القضايا التي أثارها توسع وظهور الإسلام السياسي، وفي تقديرنا أن المسلمين بحاجة إلى الإجابة عليها وعلى الكثير من أمثالها، لأنهم ولا سيما عامتهم، لا يعرفون من الإسلام المعاصر إلا أنه أمل في تطبيق الإسلام الذي جاء به رسول اللهexcaim، فجاء في رحاله العدل الاجتماعي والأمان والتقدم والقوة. وهم إذ يهتفون له ويستبشرون بقدومه فإنما يرحبون في حقيقة الأمر بالمثال الذي في أذهانهم، وإلا فإن ما هو معروف من المشروع الراهن نادر إلى درجة يصعب على المثقف، فضلا عن الإنسان العادي، اعتباره مدعاة للاستبشار.

وعن الحركة الجديدة قال المؤلف: انه بعد الحرب العالمية الثانية قد انصرف الإسلاميون الذين خرجوا عن الإطارات التقليدية إلى الدفاع عن الإسلام، الذي واجه في تلك الحقبة محاولات جادة للتهميش والعزل، في نطاق الدعوة المشهورة إلى الفصل بين الدين والسياسة، والصراع الاجتماعي الذي أعقب تقلص السيطرة الأجنبية المباشرة في معظم الأقطار الإسلامية، ولذلك اتسم النتاج الثقافي لتلك الحقبة، وحتى وقت متأخر من عقد السبعينات الميلادية، بأنه دفاعي وتبريري في الغالب، كما أن معظم النظريات الجديدة التي طرحت يومها، وهي قليلة على كل حال، قد أقيمت في سياق المقارنة بين الإسلام والأيديولوجيات المناوئة، ضمن ذات السياق التبريري المشار إليه. نقول هذا ونقصد الأعم الأغلب وليس الكل حقيقي، فقد ظهرت كتابات من النوع التنظيري المتحرر من قيود السياق الدفاعي والتبريري، لكنها قليلة جدا، بل نادرة.

ومن الشعار إلى المشروع، يجيب المؤلف قائلا: أنه لم يعد من المنطقي التساؤل عما إذا كان الإسلام، كعنوان لحركة سياسية، أو الإسلاميون كتيار اجتماعي، قادرين على الوصول إلى السلطة أو ممارسة الحكم، وإقامة النظام الذي يعرضونه كبديل عن الأنظمة القائمة، منذ أن أصبح هذا المشروع قيد التطبيق الفعلي، لا سيما منذ نهاية السبعينات. وفي العالم الإسلامي اليوم دولتان على الأقل تتبنى حكوماتهما بصورة معلنة المشروع الإسلامي للحكم، أو إنها تحكم بواسطة جماعات دينية تتبنى المشروع الإسلامي في صيغته الحديثة، وهما إيران والسودان.

وهل هو "نقد الإسلام أم نقد المشروع" الإسلامي،؟ قال المؤلف: إن النقد الموجه إلى المشروع الإسلامي يستمد بعض مبرراته من كونه غير واضح المعالم، ولا سيما في تفاصيله وآليات عمله. إننا بحاجة إلى الخروج من مقام التجريد إلى مقام التفصيل والتطبيق على الواقع. وبيان حقيقة التطابق بين الحلول التي ندعي أنها مراد الإسلام، وبين المصالح الحقيقية لعامة الناس. وإثبات أننا قادرون، من خلال هذه المطابقة، على تقديم مشروع أفضل، بديل عن التجارب الفاشلة التي عاصرتها أمتنا الإسلامية منذ نزول الإسلام عن كرسي الحاكمية والقيادة.

وجاء تحت باب "صياغة جديدة" قول المؤلف: أن الحوادث والمواقف التي تجري على الساحة الإسلامية وفي الوقت الراهن تظهر أهمية وضع حدود واضحة؛ بين ما هو شرع حقيقي ملزم، وبين ما هو اجتهاد رهين من حيث الإلزام أو عدمه بزمانه ومكانه. ونعتقد أن فتح أبواب النقد للأفكار والاجتهادات؛ هو ما يسمح بالحيلولة دون ارتدائها ثوب القداسة الدينية، وبالتالي جعلها معصومة عن المخالفة.

وعن "النقد المخيف" قال الكاتب: على الرغم من التحول الذي يمكن وصفه بالإيجابي، فإن النقد الموجه للإسلاميين وإلى فكرهم أو تجربتهم الاجتماعية والسياسية يثير قلقا شديدا في أوساطهم، ويعتبر بعض كتابهم هذا النقد مظهرا لمؤامرة ضد الإسلام، كما يتهم الناقدون بالعلمانية ومحاربة الدين. ويرجع هذا القلق في بعض جوانبه إلى المضمون العدائي الذي طبع العلاقة بين الإسلاميين، وبين القوى السياسية الرئيسية، في الربع الثالث من القرن العشرين، كما يرجع في جوانب أخرى إلى الخوف على الإسلام، من أن تنال قداسته أيدي العابثين.

كما وجاء تحت عنوان "إشكالية التجديد" ما دونه الكاتب: سبب آخر لغضب الإسلاميين من النقد الموجه إليهم يرتبط بعدم قدرتهم على تجاوز إشكالية التجديد في الفكر الإسلامي، لا سيما الفصل بين جانبيه؛ الثابت والمصون عن التغيير، والمتغير الخاضع للاجتهاد. إضافة إلى عدم توصلهم لحل إشكالية العلاقة مع الآخرين؛ الذين ينافسونهم في ذات البيئة. ذلك أن النقد يتعلق في اغلب الحالات بالموارد التي يشعر الجميع بالحاجة إلى اجتهادات جديدة فيها. لكنها لسبب أو آخر معطلة بسبب خضوعها لدائرة التقاليد أو التفسيرات، تكاد أن تلحقها بثوابت الشريعة.

وجاء عن "داخل الإطار .... خارج الإطار" ما قاله الكاتب: لا يخلو تيار سياسي أو اجتماعي أو مدرسة فكرية من ممارسة نقدية داخلية. ويبدو لي أن جميع الحركات الإسلامية وغير الإسلامية تمارس من النقد الذاتي ضمن مستوى معين في إطاراتها الداخلية. ويبدو أن وجود هذا القدر من النقد الذاتي أمر حتمي، يتجاوز قرار القيادة بالقبول أو الرفض. لكن هذه الحركات التي تقبل بممارسة النقد ضمن الأطر الخاصة، تعرض بصورة مطلقة عن ممارسة هذا النقد في العلن. إنك لا تجد حركة تتحدث في بيان علني عن أخطاء ارتكبتها كمجموعة، أو ارتكبتها قيادتها.

وجاء في كلام المؤلف عن "مخاطر الاستبداد" في آخر قسم من كتابه ما يلي: أن الاستبداد مقياس واحد نتائجه واحدة؛ هي الاستئثار بالحرية للذات وسلب حرية الآخر، ولا يختلف وصف المستبد باختلاف مكانه أو علمه أو انتمائه. فالاستبداد بغيض ومرفوض، أيا كان صاحبه، حاكما كان أو قائدا أو فقيها أو مثقفا أو إنسانا عاديا.

http://aafaqcenter.com/index.php/post/2004

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك