للكتابة شرف لا يليق بالجبناء

سعدية مفرح

    سألني صحفي زميل: هل للنقد سلطة على كتاباتك؟ هل يمثل نوعاً من الرقابة الداخلية على المبدع بداخلك؟

وأجبته حينها: لا.. وأتمنى أن تكون إجابتي بهذه "اللا" إجابة قاطعة ومانعة. أحاول خلال الكتابة أن أتحرر من فكرة الرقابة نهائيا، سواء أكانت رقابة دينية أم سياسية أم اجتماعية أم عائلية أم حتى ذاتية. أي أنني أحاول أن أكون مخلصة تماما للفكرة وحدها، وطبعا أنجح في ذلك أحيانا لكنني أفشل أحيانا أخرى، لأننا مهما حاولنا نجد أنفسنا أسرى بعض أنواع الرقابات وخصوصا الرقابة الذاتية من دون أن نشعر. المهم أن أبقى في طور المحاولة الدائمة للانعتاق من فكرة الرقابة على صعيد الكتابة.

أما على صعيد النشر فالحسابات تختلف بالتأكيد لأنني لست وحدى المسؤولة عن قرار النشر، فلكل مطبوعة ننشر فيها حساباتها ثم أنني لست شجاعة بما يكفي لكي أواجه الجميع بكل ما أكتب. وما أكتبه اليوم ولا يمكن نشره الآن أو هنا، قد ينشر لاحقا أو في مكان آخر. المهم أن فكرة الكتابة تبقى حرة وشجاعة ومخلصة لذات الكاتب في البداية وفي النهاية.

بعد نشر إجابتي تلك، عدت للسؤال ذاته، لأنني اكتشفت أن إجابتي عليه غير كافية، رغم محاولتي أن تكون صادقة لأبعد حد.

هل أنا فعلا لست شجاعة بما يكفي لكي أنشر ما أشاء وقت أشاء؟ ربما.. قلت ذلك وأنا أفكر في القصيدة وحدها. ذلك أن القصيدة، لا تحتمل إلا أن أكتبها كما تأتي بلا أي حسابات مسبقة للنشر على الإطلاق. أما المقالات فأكتبها للنشر أولاً وللنشر راهنا، وبالتالي، فهي خاضعة لحسابات النشر في أي منبر نشر أخطط لنشرها فيه.

لم يكن تعبيري عن منطقي في الكتابة والنشر،إذن، وبهذا الشكل الذي تجتمع فيه المقالة مع القصيدة ضمن سياق واحد، موفقا أو معبرا بدقة عما كنت أود شرحه بالضبط. فأنا على الأقل لم أكن في يوم من الأيام جبانة لكي أكتب ما يمليه عليّ الآخرون مباشرة أو عبر أي إيحاء من دون أن أكون مقتنعة بما أكتبه فعلا.

وأزعم أنني لم أخضع لكثير من المغريات، التي ربما تضاعفت في الشهور القليلة الماضية بشكل لم يسبق له مثيل على مدى تجربتي في الكتابة طوال ما يزيد على ربع قرن من الزمان، لكي أكتب ما لا أؤمن به.

صحيح أن بين الشجاعة والجبن منطقة واسعة تتعدد فيها الخيارات الملونة بما يمكّنني أن أنشر فيها ما أكتبه وفقا لقواعد الممنوع والمسموح به في ما يتاح لنا من منابر نشر، إلا أن الصحيح أيضا أنني لست جبانة كي أخفي آرائي، أو أمررها عبر تلك المنطقة الرمادية المائعة، والتي أصبحت هي المنطقة المفضلة لكثير من الكتاب إن أرادوا اللعب في الملعب السياسي أو الفكري الراهن عبر الكلمات تحديدا.

مهما كانت تلك الآراء صادمة أو مختلفة عن السائد على سبيل المثال، فالرأي يسبق فكرة الشجاعة نفسها كما قال المتنبي في بيته الشهير:

الرأي قبل شجاعة الشجعان

هو أولُ، وهي المحل الثاني

وليس في مثل ذلك لبس ولا تناقض كما قد يبدو للبعض، ذلك أننا نستطيع أن نعبر عن آرائنا بغض النظر عن مدى شجاعتنا في كيفية التعبير عن هذه الآراء، فعدم شجاعة الكاتب لا تعني أبدا الخضوع للمنطق الجبان الذي يسوغ له أن ينسحق تحت وطأة الخوف من رد فعل الآخر، للدرجة التي يتقمص فيها هذا الآخر فيتبنى أفكاره ومعتقداته، مهما كان تعريفنا لفكرة الآخر هنا، ذلك أن للكتابة شرفا لا يليق بالجبناء.

http://www.alriyadh.com/928369

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك