مشروعية الاختلاف

نجوى هاشم

    تختلف زوايا الرؤية لدى كل منا.... فما يُعجبك ليس بالضرورة أن

يعجبني.... ومايغضبك قد لا يغضبني.... وما أتوقف عنده... قد لاتهتم به...

هذه ليست الفوارق بين شخص وآخر ... ولا الاختلافات... وليست أيضاً ما يجب أن نتكئ عليه بدقة وكأنه صوابٌ لكل منا... لكن ماينبغي علينا

فهمه، هو أن كل منا حتى وإن اعتقد أحياناً أنه وآخر كشخص واحد... يظل كل منا مختلفاً تماماً في تفكيره... ونظرته للحياة..... واستيعابه للأمور ... وقناعاته... وما يرتكز عليه من مفاهيم، وتربية، وقيم، ومبادئ خاصة به، ونظرة للأمور من زوايا متعددة... وتجربة تقوده لفهمه الخاص.....!

طبيعة الاختلاف هذه لا ينبغي أن تخرج عن نطاق المعتاد... أو لا ينبغي أن تحمّل أكثر من واقعها... لأنها مشروعة...!

فمثلا ًفي علاقاتنا الإنسانية نلتقي في مزيج من المشترك... ولكن قد نختلف في أشياء أخرى ... ولكن جوهرية .. قد نعرفها منذ البدايات ونتفق على الاختلاف ومع ذلك نلتقي ... وأحياناً قد نكتشفها ولكنها لا تغير نمط العلاقة أو تحد من استمراريتها....!

في الصداقة مثلا ً كأعمق علاقة إنسانية في الوجود من الممكن أن نرتبط بها ونتألم لاختلال أي لحظة من لحظاتها.... ومع ذلك قد نكتشف فجأة اختلافاً في زوايا الرؤيا لأمر جوهري ما وخصوصاً في أمر طارئ أو قضايا عامة، أو شأن عام ..... يُفاجأ كُل منا أن له مساراً مختلفاً عن

الآخر، وزاوية مختلفة، ينظر منها حسب وعيّه لما يجري وثقافته، ومفهومه للأمور... تظل قناعته بها كافية لأن يدافع عنها بهدوء... رغم أن الآخر يظل متوتراً مندفعاً فارضاً وجهة نظره وقناعاته بالقوة وكأنه يريد أن تتبعه......!

من تجربتي وتصادمي مع صديقتي الحميمة اتفقنا بعد جدل طويل لم يغير قناعات كل منا على عدم طرح ما نختلف عليه... أو مناقشته، مهما كانت أهميته وطغيان حضوره، حتى لا تتسع دائرة خلافنا... خاصة أنها سريعاً ماتغضب وتثور رغم أنها هادئة وتصر على وجهة نظرها ورؤيتها للزاوية التي أنا لا أراها أصلا ًوأنها أصدق رؤية... مع غرابتها لتمسكي برؤيتي الخاصة...!

الواقع أن الربيع العربي أفرز اختلافات في الرؤيا وانقساماً حتى في المجتمعات التي اكتفت بمتابعته.... أفرز رؤى مختلفة ومتباينة... وتسابق لفرض آراء على اعتبار أنها الصحيحة بالقوة... وكأن من لم يقتنع بها فهو ضدك أو ليس معك....!

مع صديقتي كان هذا التصادم الحاد وإلى اللحظة لم أعرف لماذا هي ترى من زاويتها وتختلق تحليلها الخاص بها ولذلك اتفقت معهاعلى عقد هدنة طويلة وعدم الحديث تماماً في هذا الأمر لأنه لا ينبغي أن نخسر هذا العمر الممتد من أجل ملف لا يخصنا...!

لا ينبغي أن نهدم علاقتنا الممتدة منذ الطفولة والمرتبطة بتفاصيل أيام عمرنا بحلوها ومرها، وذلك التشابك الإنساني، وتمازج الهوايات، والرؤى، وأيام الدراسة التي جمعتنا وتلك المرحلة التي شكلت ذائقتنا ورؤيتنا الواحدة لحب الجمال والفن والكلمة.. والشعر....الذي نسج جزئيات ثقافتنا الإنسانية المشتركة من أم كلثوم وفيروز ومحمد عبدالوهاب ومحمد عبده ونزار قباني ومحمود درويش إلى ذلك التمازج في الوعي السياسي والرياضي من خلال الانتماء إلى نفس الفرق محلياً وعالمياً تشابك الحياة العائلية كأفراد بحيث يغيب المختلف ليفرض الاتفاق نفسه على إنسانية مابيننا...!

لذلك لا ينبغي أن نرفع سارية الخلاف على تلك القناعات المحدودة والمختلف عليها بيننا حتى وإن كانت جذرية لأنه لا يمكن أن نتفق فيها....!

نختلف وهو حق مشروع في الحياة ولكن ليس في القيم الإنسانية المشتركة بيننا إنما في ماهو مختلف عليه من منطلق أن كل منا له فلسفته الخاصة في الحياة ونظرته ورؤاه... وإدراكه الخاص، وألوانه التي يحبها، وروحه التي تصغي منفردة إلى داخلها....!

نختلف بحكم اختلاف التجربة حتى وإن كنا أصدقاء... فالتجارب تظل هي من تصنع رؤيتنا وهويتنا وتعيد تركيب دواخلنا...!

نختلف باختلاف الوعي والفهم وحتى "بحيرة الأحلام" ..... ودهشة الخيال وواقعية رؤيتنا.... ورومانسية تخيل المشهد....!

سنختلف ولكن سنظل أوفياء وآصدقاء يغذي الاختلاف صداقتنا ويكرس وجود تلك الأيام الممتدة....!

http://www.alriyadh.com/925656

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك