القمم العربية وفهم الواقع

د. عبدالوهاب بن سعيد أبو داهش

    منذ التسعينات الميلادية والقمم العربية تضيف مزيداً من الانقسام، بل إنها هيأت المجتمعات العربية لمزيد من الانكسارات والتفرقة، انتهى بعضها الى حروب اقليمية، والآخر الى ثورات سميت ربيعاً وهي التي حولت دول الربيع الى خريف جاف تكسرت فيه كل المعايير والاخلاق الانسانية، ناهيك عن المكتسيات المادية والمعنوية لكل دول الربيع. لقد كانت قمة الكويت الأخيرة تصارع من أجل الانعقاد فقط حتى أصبح مجرد انعقادها نجاحًا يحسب للدولة المنظمة، ثم صارعت من أجل تمثيل أفضل للقيادات العربية، ونجحت في احضار أهم القيادات، وخصوصا من السعودية ومصر. وفي بيانها الختامي توصلت الى صيغة توافقية لكل أطراف الحضور. ورغم ذلك، أفرزت هذه القمة وأكدت على أن نجاح أية قمة عربية يأتي من نجاح قادة الدول الخليجية في اتخاذ مواقف موحدة تجاه مجمل القضايا. وفي اعتقادي أن دول الخليج نجحت في اخراج القمة الى صوت مسموع على أقل تقدير حظي بردود فعل يعكس سماع هذا الصوت فقط في تلميحات الى عدم القدرة على الفعل في خضم الانشقاق الكبير العربي على أرض الواقع.

ورغم أن القضية الفلسطينية تصدرت أولويات القادة العرب في خطبهم إلا أن سورية كانت هي محور النقاشات ومحور الاتفاق والاختلاف بدء من الاختلاف على الممثل الشرعي وانتهاء بطريقة المعالجة التي أكد ولي العهد السعودي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز على ضرورة خلق التوازن على أرض الواقع، وأن (هذا التوازن) هو من سيحسم الحل في سورية. لقد اتفق الجميع على أن نظام الأسد لم يعد ممثلاً شرعيا للسوريين بعد أن قتل وهجر أكثر من نصف سكان سورية، وهذا الفعل بحد ذاته يسحب الشرعية من النظام، ولكنهم اختلفوا على من يجلس ممثلا للسوريين على كرسي القمة الذي ظل شاغرا حتى يتم حسم الأمر على أرض الواقع. وهي المهمة التي تتطلب الاتفاق العربي والدولي عليها حتى يمكن انهاء معاناة السوريين سريعا.

إن المجتمع العربي والدولي يتطلع للزيارة التي قام بها أوباما يوم الجمعة الماضي للعاهل السعودي على أنها بداية لتوحيد المواقف الدولية تجاه قضايا المنطقة، وخصوصا السورية بعد أن حسمت في معظم الدول العربية و خصوصا مصر التي اقتنعت الادارة الأمريكية مؤخرا بوجهة النظر السعودية حيال الحل الأفضل لها. ولاشك أن تلك الزيارة ستمكن أوباما من فهم قضايا المنطقة بشكل أفضل، خصوصا وهو الرئيس الذي عرف عنه جهله بالسياسة الخارجية، ناهيك عن محاولته لحل القضايا الخارجية بنفس المفهوم و النموذج الذي يتباناه في معالجة القضايا الداخلية الأمريكية. الأمر الذي لا يمكن حدوثه، فالمجتمع الدولي لايفهم الا لغة القوة و وفرض الأمر الواقع، وليس الحوارات والمداولات والتنازلات التي تحدث في الكونجرس تجاه قضاياهم المحلية. لذا تخسر أمريكا من حين لأخر موطيء قدم في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية لصالح الروس الذين عادوا باستخدام القوة وفرض الأمر الواقع، كما حدث في جزيرة القرم.

على أية حال، يبدو أن العالم يتجه الى وضع أفضل في السنوات القادمة. وهذا لن يتأتى إلا بدعم دول الاستقرار والقرار ومنها السعودية التي أثبت الزمن فهمها لحقيقة الصراع الإقليمي، وقدرتها لتقديم حلول عملية. لذا فإن خلق التوازن في المنطقة هي مهمة دولية يجب أن تقودها الولايات المتحدة الأمريكية على أن تكون من أهم أولوياتها منع الانتشار النووي في المنطقة وعدم تمكين دول مثل ايران بتملك هذا السلاح الذي قد يدخل المنطقة في مخاوف مستقبلية لا يعلم عقباها.

http://riy.cc/922795

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك