المثلث لا يملك ضلعاً رابعاً

فهد عامر الأحمدي

    نشرت قبل أيام مقالاً (بعنوان مثلث السعادة) قلت فيه إن السعادة بمثابة مثلث يتكون من ثلاثة أضلاع رئيسية.. الأول استعداد وراثي، والثاني ظرف خارجي، والثالث موقف شخصي..

وعلى الفور اتصل بي أحد الأصدقاء ليذكرني بوجود ضلع رابع هو المال .. لم أكابر أو أنكر دور المال في السعادة، ولكنني أخبرته أنه "ظرف خارجي" يدخل ضمن العنصر الثاني و"موقف شخصي" يعتمد على ماذا يفعل كل فرد بأمواله...

وليس أدل على هذا من الدراسة العالمية التي نظمت عام 2003 وأكدت أن ارتفاع دخل الفرد لا يعني بالضرورة توفر قدر أكبر من السعادة وراحة البال؛ فالناس في ألمانيا مثلاً أكثر ثراء من الناس في تايلند ولكنهم ليسوا أكثر منهم سعادة.. وعلى نفس النمط اتضح أن الناس في أستراليا، وفرنسا، واليابان ليسوا أكثر سعادة من الناس في دول فقيرة نسبياً كالبرازيل، وكولومبيا، والفيليبين.. وهذه المفارقة يمكن ملاحظتها حتى ضمن كل دولة على حده؛ فدخل الفرد في أمريكا وكندا وبريطانيا مثلاً أكثر ارتفاعاً هذه الأيام مما كان عليه قبل خمسين عاماً؛ ولكن الناس في المقابل أصبحوا أكثر توتراً وتعاسة ومعاناة من ضغوط الحياة (وهو فرق نلاحظه حتى في مجتمعنا بين جيل الأجداد والأحفاد)!

... أضف لهذا اتضح أن المال صدق أو لا تصدق عنصر موقت وغير دائم في معادلة السعادة.. لتدرك ذلك تخيل أنك امتلكت بضعة ملايين من الريالات. بالتأكيد ستفرح بها وتبقى بلا نوم لعدة أيام ناهيك عن اختفاء مشاكلك مع زوجتك وأقربائك وعودة أصدقائك القدماء.. وبالتأكيد أيضاً ستذهب في صباح اليوم التالي إلى عملك لتقديم استقالتك (هذا إن كانوا يستحقون زيارتك أصلاً) ومن هناك ستذهب لشراء سيارة الأحلام ثم تعرج على أحد المكاتب العقارية لشراء فيلا فاخرة...

باختصار ستعيش أياماً سعيدة تتحقق فيها كل أمنياتك وتختفي فيها كل مشاكلك ولن يقنعك حينها أي فيلسوف بأن المال لا يشتري السعادة!!

.. ولكن ماذا لو قفزنا سنة أو اثنتين إلى الأمام.. إلى فترة تعودت فيها على الوضع الجديد ومللت فيها من رتابة الأحداث وتفاقمت بعدها مشاكل الحياة ولم تعد "المرسيدس" تعني لك شيئاً (هل تصدق حينها أن المال لا يشتري السعادة)!؟

.. الفرق بين الحالين يوضح كيف أن المال قد يمنحك شعوراً بالسعادة (ولكن في البداية فقط ولفترة محدودة ولأصحاب المداخيل الضعيفة أصلاً). فالمال لا يضيف لك شيئاً جديداً ولا ينهي مشاكلك الموجودة إن كنت ثرياً وتعيساً في الأصل. وهذه الحقيقة يمكن التأكد منها بمراقبة أحوال الأثرياء وحقيقة أنهم يصابون بالاكتئاب والملل ويعانون من مشاكل الطلاق والتفكك الأسري أكثر من أصحاب المداخيل الضعيفة أو المتوسطة..

أما الفقراء أصلاً فاتضح أنهم يشعرون بالسعادة حتى يصلوا لسقف معين من المال يحلون به مشاكلهم المزمنة ثم يتحول بعدها إلى مجرد أرقام مجردة (تسعد أصحاب المصارف أكثر مما تسعد أصحابها).. وعند هذا الحد بالذات ينتقلون من "هموم الفقر" إلى "قلق الثراء" والتساؤل عن كيفية الحفاظ على المكتسبات الجديدة وزيادة المال لمجرد الزيادة!

... لا أريد أن أظهر بمظهر الزاهد وأنكر حبنا للمال؛ ولكن ربطه بالسعادة أمر مختلف ومفهوم خاطئ لا يدركه غير الأثرياء رغم أن هذا لا يعني قناعتهم بأن القناعة كنز لا يفنى!

... أمر آخر.. المثلث لا يملك أصلاً ضلعاً رابعاً!!

http://riy.cc/922559

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك