هل أمريكا قوية حقاً؟

د.عبد الله بن موسى الطاير

    ناقش الكاتب في صحيفة "واشنطن بوسط" دانا مليبانك ضعف القوة الأمريكية أمام حدثين مهمين يسيطران على اهتمام الرأي العام الغربي والإنساني؛ وهما اختفاء الطائرة الماليزية، واجتياح روسيا للأراضي الأوكرانية باحتلالها جزيرة القرم وهي المرة الأولى التي يقتطع فيها جزء من أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

ليست هذه هي المرة الأولى التي تبرز أسئلة محورية عن حقيقة قوة أمريكا. فإبان الاستعداد لتحرير الكويت كان يقال إنها تعرف نوع ماركة فانلة صدام حسين الداخلية، وتحلل عرقه أيضاً. لكننا فوجئنا بأمريكا تغفل عن 4 طائرات تختفي من راداراتها في صبحية يوم مزدحم الأجواء بالطائرات لتضرب قلب نيويورك ورئة واشنطن، وتهز استقرار العالم وتزعزع أمنه. وبرزت حينذاك أسئلة لم تجب إلى هذه اللحظة.

وعندما بدأت الثورات العربية انقسم المحللون إلى مؤمن بالقدرات الخارقة، وأنها ليست فقط على علم بما حدث وإنما هي التي أسهمت في حدوثه من خلال خططها وتمويلها، وبين قائل بأنها أخذت على حين غرة وفوجئت مثل غيرها، كما فوجئت سابقاً بالثورة الإيرانية، إن كانت تلك أيضاً مفاجئة لها.

اليوم يكرر مليبانك التساؤلات عن قوة أمريكا التي لم تستطع وهي تحرس العالم بعيون آلية لا تنام أن تعرف مصير طائرة ضخمة على متنها أكثر من 200 مسافر، ولم تتمكن من إيقاف بوتن من احتلال القرم بين عشية وضحاها، وظهر علانية يتحدث إلى العالم بلسان اليمين الأمريكي (من ليس معنا فهو ضدنا)، ولم تستطع أمريكا عقاب بوتين على عدوانه على أوروبا، الحليف العجوز لأمريكا الفتية.

اللوم الذي وجهه الكاتب لإدارة الرئيس أوباما هو نفسه الخطاب اليميني الذي يهاجم ضعف الرئيس الأمريكي في مواجهة التحديات العالمية للقوة الأمريكية. لكنه في الوقت نفسه يقفز فوق قناعات أمريكية يعبر عنها أوباما، وأوجدت مناخاً محلياً يدعو للتفاؤل في الشارع الأمريكي. فالرجل لن يقود أمريكا إلى حرب بالوكالة نيابة عن أي حليف حتى لو كان أوروبا، وهو وعد الناخبين الأمريكيين بأن يعيد جيوشهم إلى ثكناتها، وأن يركز على الاقتصاد، والرعاية الصحية وعلى برامج موجهة للشباب تحسن فرص حصولهم على تعليم جيد ووظائف مناسبة، وقد نجح في ذلك إلى درجة انبعاث مخاوف من ثقافة اشتراكية تكتسح مجتمعاً رأسمالياً. وإذا كان لأي مراقب أن يقيم مستوى أداء الرئيس الديمقراطي في البيت الأبيض فعليه أن ينتظر انتخابات الكونجرس النصفية في نوفمبر القادم، لنعرف مدى تأثير سياسات الرئيس باراك أوباما سلباً أو إيجاباً على حظوظ حزبه في تلك الانتخابات.

أمريكا وعلى مدى طويل تسخر حلفاءها وأصدقاءها خط الدفاع الأول في حماية مصالحها القومية، كما أنهم من يدفع فاتورة الغضب الأمريكي عندما تقرر أمريكا خوض حرب للرد للانتقام لكرامتها باعتبارها دولة عظمى لا يليق بأحد أن يدنس مكانتها. وأمريكا تلجأ أيضا إلى الأصدقاء والحلفاء للتدخل نيابة عنها عندما تمنعها أنظمتها من مخالفة الدستور الأمريكي، وقد شهدنا ذلك في مواقع عدة من العالم. فهل بقي لدى أمريكا من الأصدقاء من يلبي طوعاً رغباتها، ويتحمل المتاعب في سبيل راحتها؟ وهل بقيت لها هيبة بحيث تكره الأصدقاء على خوض الحروب الاقتصادية والعسكرية نيابة عنها؟

أعتقد أن الضعف الأمريكي الحقيقي أو المتصنع لن يساعد كثيراً في تقديم الأصدقاء تضحيات جديدة من أجل عيون أمريكا، فقد فقدوا ثقتهم بها على مدى السنوات الماضية، فهي قررت أنها لن تحمي حليفاً ولن تحارب نيابة عن أحد. وبالتالي فإن الآخرين في حل أيضاً من تحميل اقتصاداتهم وخزائنهم واستقرار بلدانهم أعباء كبيرة من أجل حليف أو صديق لا يمكن الوثوق به. ولذلك فقد لا نشهد إغراق الأسواق بالنفط تعويضاً للنفط الروسي لو قُوطع أو توقف، وقد لا نعايش حملات دعائية ضخمة ضد الروس بناء على مسوغات دينية وثقافية تحول بين الناس وقبول الروس، وقد لا نرى حرارة في الدفاع عن المواقف الأمريكية الباردة أصلاً.

لكن الذين يؤمنون بالقوة الأمريكية التي لا تهزم يرون أن كل ما يحدث إنما هو تحت نظر أمريكا وبتخطيط منها، وهي سوف تعوض النفط الروسي بآخر من إيران والعراق وليبيا، وهي دول تشهد تحولاً حثيثاً في سياساتها باتجاه الحضن الأمريكي. وهناك من يذهب إلى ماهو أبعد من ذلك ليتحدث حول نية أمريكا وروسيا تأديب الاتحاد الأوروبي، ولم يجدوا تفسيراً للقاء ثنائي بين كيري ولافروف في السفارة الأمريكية في لندن لم يحضره حتى المستشارون سوى أن هناك توافقاً من تحت الطاولة لن يلبث طويلاً قبل أن يتكشف.

http://riy.cc/921102

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك