لقاء مع آكل لحوم بشرية

فهد عامر الأحمدي

    أكل لحوم البشر قد يكون عادة مستهجنة هذه الأيام ولكنه لم يكن كذلك في معظم تاريخنا البشري.. لم يختف بشكل نهائي في أي زمان ومكان كونه يتكرر ويظهر دائماً في أوقات المجاعات والأزمات والحروب الكبرى..

فقد ظهر في بين سكان جزيرة الفصح في المحيط الهادي حين شحت الموارد واضطر الأحياء لتصيد بعضهم البعض.. وظهر في بين سكان سانبيتربيرج حين حاصرها الألمان خلال الحرب العالمية الثانية لعدة أشهر فمات معظم سكانها جوعاً.. وظهر أيضا بين ركاب طائرة أرجوانية تحطمت عام 1972 فوق جبال الأنديز فلم يجد الناجون غير أكل لحوم الركاب المتوفين للبقاء على قيد الحياة..

وفي حين يمكن تلمس العذر لمن يأكل لحم أخيه ميتاً في الظروف الصعبة، تصبح هذه الممارسة مرعبة ومقززة حين تحدث في ظروف الاكتفاء ورغد العيش - وتدخل بالتالي ضمن الجرائم النفسية الخطيرة..

أنا شخصياً مازلت أذكر مشاعر الصدمة التي تملكتني قبل 33 عاماً حين قرأت عن طالب ياباني أكل لحم زميلته الهولندية في باريس.. وبالطبع لم تكن الجريمة الوحيدة من نوعها في التاريخ، ولكن وقعها في نفسي كان كبيراً كونها المرة الأولى التي أسمع فيها عن جريمة من هذا النوع..

وماذكرني اليوم بهذه الحادثة عثوري بالصدفة على فيلم وثائقي بعنوان "لقاء مع آكل لحوم البشر" يتضمن لقاء مصوراً مع ساجاوى أيسي الذي أكل عام 1981 زميلته في الدراسة ريني هارتيفيلت..

ففي عام 1977 ذهب ساجاوى لفرنسا لإكمال الدكتوراه في الأدب على حساب والده الثري. وهناك تعرف على طالبة هولندية كانت الوحيدة التي قبلت صداقته من بين جميع الطلاب (حيث كان خجله ودمامته ولغته الضعيفة تمنعه من تكوين صداقات حقيقية مع زملائه الفرنسيين)..

وذات يوم دعاها إلى شقته لترجمة بعض القصائد القديمة.. وفي غفلة منها طعنها بالسكين في رقبتها ثم وقف يراقبها وهي تحتضر. وبعد ممارسة الجنس معها حاول أكلها من خلال قضم قطعة من ظهرها ولكنه فشل فخرج لشراء منشار كهربائي قطع به جثتها.. وبعد طبخ جزء منها احتفظ ببقية الجثة في الثلاجة لأكله خلال الأيام التالية - ولم تقبض عليه الشرطة إلا بعد محاولته رمي بقايا العظام في بحيرة بعيدة..

وحين سمع والده الثري بالخبر وظف أفضل المحامين في فرنسا للدفاع عنه ونجحوا بالفعل في تبرئته من خلال إثبات إصابته بالجنون.. وهكذا لم يستغرق بقاؤه في السجون الفرنسية أكثر من عامين عاد بعدها إلى اليابان وقد حقق شهرة واسعة.. واليوم مايزال ساجاوى يعيش في مدينة كوبي ويكسب عيشه من خلال اللقاءات الإعلامية والبرامج التلفزيونية التي يتحدث فيها عن تجربته - التي دائماً ما يعيد دوافعها إلى حب ريني ورغبته في اختلاط جسديهما معاً..

أنا شخصياً صدمت للمرة الثانية حين حيث شاهدت الرجل بعد 33 عاماً وكيف يتحدث بطريقة هادئة عن كيفية أكله لمخلوق عاقل يدعي حبه إلى اليوم (وتجد اللقاء على النت تحت عنوان Interview with a Cannibal)!

.. أتعرفون أيها السادة ما هو أخطر من فعل ساجاوى!؟

أن معظمنا لا يتردد في أكل لحوم الآخرين بعد أربعة أيام من الجوع فقط.. هذا ما تثبته ظروف الحصار، والمجاعة، والضياع في البحر..

جريدة الرياض

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك