أين تكمن علّة العربي؟!

يوسف الكويليت

    دخل العرب عقدهم السابع ولايبدو أنهم سيصلون إلى حل مع إخفاقاتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولا يوجد تعليل أو تحليل يضعنا أمام حقيقة هذه الأسباب وإن خرجت بعض الاستنتاجات إلى أن طبيعة الجغرافيا لعبت أدوارها التاريخية لأن نسب الصحاري للأراضي الممطرة المزروعة والمعشبة والتي تؤدي إلى الاستقرار والتمسك بالأرض أحد الأسباب. وإن النشأة القبلية في البيئة الشحيحة أفرزت سطوة القبائل المتناحرة، لكن التخلف في أفريقيا رغم الوفرة الطبيعية عامل مجهول، لكن آخرين يعزون التخلف العربي إلى أنه في كل تاريخهم لم يعرفوا نظاماً ديموقراطياً بل ظل الفارس، والبطل والشجاع هي من رسمت شخصية هذا الإنسان والدليل أن الفخر والهجاء هي السمة المشتركة مع هذه الشخصية والتغني بأمجادها وأشعارها..

دارسون آخرون يرون الخلل في بنية العقل العربي، بأنه لا يزال يعيش ماضيه فقط، وأن حروب داحس والغبراء تتكرر اليوم وتتأصل بالمذهب بدلاً من القبيلة، وأن التعليم لم يوفر البيئة الاجتماعية القابلة لأَنْ تغير المفاهيم والسلوكيات عند العربي، وهناك من يعتقد أن الاستيطان الحضاري القديم بالمنطقة جاء على جماجم البشر، حتى إن وأد المرأة كان أحد أسوأ الموروثات التي طبعت أخلاق تلك المجتمعات..

لكن إذا افترضنا أن هذه الأسباب مجتمعة تشخص واقع هذا الإنسان فلماذا أصلاً قامت الأديان والحضارات فيها؟، وأن المجتمعات البشرية متشابهة في تاريخ نظم حكمها ولم تعرف الديموقراطيات إلاّ ما بعد عصر النهضة الأوروبية والعرب جزء من العالم القديم وخارج العالم الحديث حتى قيل إنهم مثل الشعب الروسي لا يحكمون إلاّ بالدكتاتوريات ولا تصلح لهم النظم الديموقراطية وهذا عسف للحقيقة لأنهم لم يمروا بهذه التجربة إلاّ لبعض دول ورثت ديموقراطيات وليدة بالسودان والشام وبعض أقطار أخرى من بعد الاستعمار، سريعاً ما أجهضتها الانقلابات، حتى إن الربيع العربي الذي لا تزال توابعه الزلزالية قائمة، هو رد فعل على مواريث الماضي القريب، لكن لا يبدو أن الصيغ المطروحة قد تهيئ أسباب النجاح إذا ما صيغت الدساتير وفصلت على نظام ما قادر على تغيير الهياكل والنظم بما يعيد نفس الدكتاتوريات بأهداف وخطط جديدة..

الشعوب كلها تبحث عن عدالة وحرية وتقدم يضمن لها الحقوق الكاملة، غير أن الصورة عند العربي لا تزال ضبابية يرسم الأمور بخياله ويخالفها بسلوكه حتى إن حالات الازدواجية في الشخصية الواحدة، تتعدى ما هو موجود عند غيرها، وإن تساوت طبيعة البيئات والحياة، واختلفت الأرومات..

كل حاضر جديد، يأتي بما هو أسوأ من ماضيه، وكأننا ندور في حلقة تخلف لم تمل علينا، ولكننا أوجدناها ومارسناها وكأنها سلسلة من الماضي لم تنقطع، وهنا تكمن الحيرة، فقد مرت شعوب كثيرة بالحروب وقسوة الطبيعة، لكنها تعالت على نكباتها بإيجاد صيغ لحياتها، والعربي لا يستطيع تجاوز ذاته إلاّ إذا أقر واعترف بعلته، واستطاع أن يخلق البديل بشروط الحاضر لا عقدة الماضي.

المصدر: جريدة الرياض

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك