الحرب اللينة في أوكرانيا!

يوسف الكويليت

    هل ميدان المناورة بات مفتوحاً كالسابق عندما كانت الحرب الباردة بين معسكري الشرق والغرب يفترضان الحروب بالنيابة، والتلاعب بمصير دول وشعوب، كأن يقوم انقلاب على نظام رأسمالي في آسيا، يعقبه انقلاب مضاد في أمريكا الجنوبية على نظام شيوعي، أو كما حدث في حرب فيتنام التي انتصر فيها المعسكر الشرقي على المعسكر الغربي، لينتصر الضد في أفغانستان على حرب يقودها السوفيات؟

هذه الأحداث غير قابلة للتكرار فلم يعد التقسيم السياسي للشرق والغرب أمراً قائما، واختفت الايدلوجيات حيث أمريكا وأوروبا لا يختلف نظامهما الاقتصادي مع الاتحاد الروسي، كذلك مصطلح الحرب الباردة، وسباق التسلح وحرب النجوم وتقاسم النفوذ، اختفى تماماً وبقي ما يمكن أن يقال عنه الحرب اللينة، أي ممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية، ولكن بحسابات حذرة؛ لأن كل جهة لديها عوامل إدارة الصراع بقوة ما تملك، وتحركه على ساحة اللعبة..

أوكرانيا دخلت المعترك الجديد، وأعادت ما يشبه الحرب الباردة ولكن بأدوات مختلفة، وكما أن الروس لا يزالون يحققون مكاسب في سورية، فقد قيل إن تحريك الأزمة في أوكرانيا هو ردّ على ذلك الوضع، ومع ذلك لا نجزم أنه أمر حقيقي بل الحدث جاء من وضع يتململ منذ عدة سنوات بدأ بالثورة البرتقالية عام (٢٠٠٤م) ولحقتها احتجاجات أخرى وصلت إلى الأوضاع القائمة الآن، والعملية دخلت تحديات من ينتصر من الجبهتين، ومن يفرض هيبته في محيط اللعبة؟

فالروس لا يريدون أن يكونوا البطن الرخو أمام وضع يعتبرونه مصيرياً يهدد أمنهم خاصة في بلد يرونه جزءاً من هويتهم الثقافية والتاريخية، وأي تردد في هذه الحالة سيضعهم أمام مرمى القوة الأطلسية إذا ما أصبحت أوكرانيا جزءاً من الاتحاد الأوروبي، ولذلك برزت القرم ليتم إعادة الفرع إلى الأصل كما كان مصطلح صدام حسين مع الكويت، وهذه الجزيرة التي يعسكر فيها الأسطول الروسي منذ زمن القياصرة، في البحر الأسود هي القاعدة الوحيدة في المياه الدافئة، وانتزاعها من أوكرانيا هو جزء من ضغط صعب ومعقد عليهم، لكن ماذا سيقدم الغرب من بديل مالي وعسكري، وضغط سياسي على روسيا؟

المناورة العسكرية التي تؤدي إلى حرب مستبعدة تماماً لأن الأمريكان احتلوا العراق، ولعبت قوة الأطلسي في ليبيا الدور الأساسي في نهاية حكم القذافي وهما في تلك المرحلة حليفان بحدود معينة مع روسيا، ولم تحرك ساكناً إلاّ احتجاجات إعلامية لم تغير من المعادلات على الأرض أي شيء..

نفس الأمر سيحدث مع أوكرانيا، فالغرب سيناور في حدود ما يبرئ ذمته من المساءلة، وتبقى العمليات الاقتصادية كإجراءات تتخذ طابع المواجهة الناعمة، والمجال مفتوح وكلّ لديه سلاح المقاومة والضغط، إلاّ أن هناك رؤية أخرى تتحدث عن مفاجأة يطلقها الغرب لإرباك روسيا سواء داخل جمهورياتها شبه المضطربة والحانقة أو محيطها الجغرافي، لكن هذه الصورة فشلت في الشيشان، والأمور لا تُحكم بتبسيط الواقع غير أن تحريك موقع ما لصالح أي طرف روسي أو غربي لم يعد بتلك المساحات التي توفرت في الماضي، لكن بروز الخلافات على هذه المستويات قد يربط بأن هناك دورة جديدة في التنافس بدأت تتصاعد، وقد تقود إلى المجهول في قادم الأيام.

المصدر: http://riy.cc/916691

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك