أوكرانيا

د. عبدالله بن عبدالمحسن الفرج

    كثيراً ما كان يحثني بعض الاصدقاء الاوكرانيون على الكتابة عن بلدهم. وكنت أرد عليهم سوف يحين ذلك اليوم. وأعتقد أن ليس هناك وقت أنسب من الآن. فهذا البلد يعيش في الوقت الراهن لحظة من أصعب أيامه. وأنا لا أريد الادعاء بأني أفهم تمام الفهم طبيعة النفس الاوكرانية أو الاحاطة الشاملة بالطريقة التي يفكر بها الانسان هناك. ولكن يتراء لي أن هذا الوضع الذي وجد نفسه فيه هذا البلد ليس مصادفة. فمن تعامل مع هذا الشعب الخلوق لا بد وأن يكون قد لاحظ مدى رهافة الاحساس وفيض العاطفة. ولكن ذلك ليس على حساب القوة وصلابة المراس بالتأكيد.

وأنا أعتقد أنه من الصعب فهم أوكرانيا دون تصفح سريع لتاريخ هذا البلد التي كانت عاصمته كييف هي مهد الدولة الروسية الأولى. فالنفس الاوكرانية قد لا تريد التصديق ولا أن تستوعب أن شقيقها التوأم الروسي قد تقدم عليها. وأعتقد أنهم في ذلك يشبهون، إلى حد ما، الفرنسيون. فالثورة الفرنسية او الثورات التي عرفتها باريس في القرن الثامن عشر والتاسع عشر والدماء التي أراقتها هذه الثورات كانت محاولة من فرنسا لحرق المراحل من أجل اللحاق بجارتها بريطانيا.

إن هذه المقدمة في ظل الظروف الراهنة ربما تكون ضرورية لفهم هذا البلد الذي نطمح إلى تطوير العلاقة الاقتصادية والتجارية معه. فإدراك مجمل التناقضات التي يعيشها الواقع الاوكراني ربما يساعدنا على زيادة التبادل التجاري وتعزيز التعاون الاقتصادي مع هذا البلد من موقع أفضل. فالإمكانيات الضخمة التي لدى البلدين لا يناسبها أبداً حجم التبادل التجاري المنخفض والذي لم يتعد عام 2012 مبلغ 5.9 مليار ريال.

وأنا استغرب انخفاض حجم صادراتنا اليهم والتي لم تتجاوز في العام المشار إليه أعلاه 131 مليون ريال سعودي. هذا مع العلم أن اوكرانيا بلد مستورد للطاقة. فإذا كانت علاقة كييف مع موسكو صعبة لهذه الدرجة فلماذا لا تشتري النفط السعودي والبتروكيماويات السعودية. كذلك فنحن يمكن أن نضاعف وارداتنا من منتجات الزراعة الاوكرانية مثل القمح والشعير والذرة وغيرها، وأن نستفيد من الخبرة الصناعية المتطورة التي يملكها هذا البلد والتي من ضمنها المجال العسكري. فأوكرانيا لا تتمتع فقط بتربة عالية الخصوبة والتي يطلق عليها الارضي السوداء وإنما أيضاً، وهذا هو الأهم، بقاعدة صناعية لا يستهان بها وخبرة تقنية متقدمة. والمملكة يمكنها أن تستفيد من هذا الأمر سواء عن طريق تشجيع تدفق التكنولوجيا والخبرة التي يمتلكونها إلى بلدنا أو من خلال اقامة مشاريع مشتركة معهم على الأرضي الاوكرانية.

ولا أريد أن أنسى السياحة. وأنا هنا أتذكر عام 1998 الذي قضيت فيه عطلة الصيف في أوكرانيا وتحديداً في شبه جزيرة القرم التي أصبحت اليوم محور الصراع ليس فقط بين أوكرانيا وروسيا وإنما أيضاً بين هذه الأخيرة وأوروبا وأمريكا. فهذه الجزيرة التي كانت ضمن الاراضي الروسية حتى عام 1954 تعتبر من أجمل المناطق السياحية في العالم. ولذلك فإني أتمنى عندما تهدأ الأمور أن تغتنموا الفرصة لقضاء صيف ممتع على شواطئ شبه هذه الجزيرة ذات الهواء الجاف وأن تتمتعوا بالتنزه باستخدام التلفريك للصعود إلى جبل أي بيتريا الجميل.

المصدر:http://riy.cc/916331

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك