صراع الصين وروسيا حول النفوذ في الشرق الأوسط

أيمن الحماد

    عندما قدم ماو تسي تونغ إلى موسكو عام 1949م، ليسوّق جمهوريته الوليدة من رحم الماركسية، لجأ إلى الرفاق، لعله يجد ضالته هناك، ويقال إن ستالين جعله ينتظر في فيلا فاخرة خارج المدينة يترقب، ويسأل نفسه هل سيمضي ستالين تحالفاً مع هذه الدولة التي لم تزل في ذلك الوقت تتلمس خطى الاستقلال بعد حرب أهلية كادت تقسم البلاد، أم سيُعرض عنه. وبالرغم من أن النهاية كانت سعيدة، إلا أن البلدين خاضا صراعاً عسكرياً حدودياً قصيراً. ومع مضي الأزمات والأحداث التي مرت وعصفت بالكيانين ولعل أضخمها انهيار الاتحاد السوفيتي مطلع تسعينات القرن الماضي، وخروج الصين من عباءة الاشتراكية نحو اقتصاد السوق أواخر السبعينات، إلا أن البلدين حافظا على نسق من العلاقات الهادئة والمتزنة والمتناسقة مع بعضهما وتجاه الدول الأخرى، الأمر الذي جعل البلدين يمضيان بروح التحالف بين ماو وستالين إلى يومنا هذا، حتى في خطاب الوداع الأخير ل "هو جينتاو" شدد فيه بأن اللينينية – الماركسية هي عقيدة يجب المحافظة عليها، وعندما خلفه الرئيس الحالي شي جينبينغ الملقب بالأمير الأحمر، كانت روسيا أول وجهة له خارج البلاد.

لكن البلدين اليوم أمام منعطف مهم في إطار حضورهما الدولي، فروسيا والصين اللتان تعاظم دورهما في محيطهما الإقليمي والدولي، وخصوصاً في الشرق الأوسط مع تراجع الدور الأميركي في تلك المنطقة. فموسكو وبكين بدأتا منذ مدة في ممارسة أدور سياسية واضحة في القضايا الشرق أوسطية، ولعل الحديث هنا عن دور صيني في عملية السلام على سبيل المثال، فمنذ عام قدمت بكين من باب إثبات حضورها في المشهد السياسي الدولي مبادرة لاستئناف المفاوضات بين الإسرائيلين والفلسطينيين، بالرغم من إدراكها أن تعقيدات هذا الملف أشد تعقيداً من لعبة "ماه جونغ" الصينية الشهيرة، إلا أنها على معرفة بأهمية هذا الملف لجيرانها وحلفائها العرب، ولعلها من خلال ذلك تريد التنبيه إلى وجودها، بعد أن اتضح أنها لا تريد الخوض في فوضى "الربيع العربي"، خوفاً أن يؤدي ذلك إلى خسارة حلفائها بعد أن كاد تصويتها بالفيتو في مجلس الامن على قرار يدين سورية أن يتسبب في ذلك. إلا أنه ومع انحسار المشكلة السورية واتضاح أطراف نزاعها الدولية المتمثلة في روسيا وأميركا، بدأت الصين تتحرك إدراكاً منها بتغير الأولويات في المنطقة، وخشية منها أن تؤدي الأزمة في سورية إلى حضور روسي طاغٍ يهدد مصالحها المستقبلية، فتحرك وزير خارجيتها وانغ لي إلى السعودية في إطار جولة أوسطية، ليجتمع مع مسؤولين كبار هناك ويتحدث عن شراكة دفاعية. لكن بكين غير مطمئنة خصوصاً وهي تراقب حالة التقارب بين القاهرة وموسكو والتأكيدات بأن البلدين مقبلان على صفقة سياسية وتسليح ضخمة. فما كان من رئيس الدبلوماسية الصينية إلا أن توجه إلى بغداد حيث آبار النفط الخام غير المستغلة بشكل جيد، ليتحدث من هناك عن استعداد بلاده لتسليح الجيش العراقي وهي لهجة مستغربة لمسؤولي بكين الذين دائماً ما يحيطون رغبات كهذه بالسرية. بعد ذلك بيومين نجد أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مطار بغداد والاجندة تسليح الجيش العراقي والملف السوري، هل يحدث ذلك صدفة؟ بالطبع لا، أعتقد أننا أمام صراع استراتيجي جديد حول النفوذ في الشرق الأوسط.

المصدر: جريدة الرياض

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك