مراكز التفكير الأمريكيّة: الفكر يصنع القرار

د. فايز بن عبدالله الشهري

    المؤكد في عصر المعلومات الذي نعيشه اليوم أنه لم يعد هناك الكثير من الأسرار خاصة فيما يتعلق بصناعة ومطبخ القرار فالمعلومات متاحة لمن يرصد ويحلّل ولكن قلّ من يتفكرون. وفي الولايات المتحدة – محور السياسة العالميّة - بات واضحا أنّ كل الأوراق المطروحة على الطاولة السياسيّة تمر قبل ذلك بمراكز التفكير والبحث للفحص والتحليل قبل اتخاذ القرار الاستراتيجي وتجهيز بدائله. وتقوم هذه المراكز المرتبطة بشكل عضوي بالوكالات الحكوميّة بدراسة الظواهر وتحليل المخاطر والأهم أنها تضع السيناريوهات والخطط المستقبليّة للسياسات الدفاعيّة والأمنيّة.

ومن الحقائق الأمريكيّة أيضا أن مراكز التفكير والبحث التي تخدم السياسة الأمريكيّة تدور في دوائر المدرستين التقليديتين الديمقراطيّة (الشعبيّة) والمحافظة (الجمهوريّة). ويبدو ذلك واضحا في خلاصات الدراسات والتوصيات التي تقدمها هذه المراكز فمثلا نجد أن مؤسسة التراث "هرتج" heritage.org التي تأسست عام 1973، تؤكد أن مهمتها تتمثل في صياغة وتعزيز السياسات العامة المحافظة والقيم الأمريكيّة التقليديّة، ونظام دفاع وطني قوي. وفي معظم طروحاتها تعزز هذه المؤسسة مبادئها ولهذا فمعظم دراساتها في السنوات الأخيرة تتركز على نقد سياسات إدارة أوباما.

ويتفرع عن هذه المؤسسة قرابة 15 مركزاً متخصصاً في الشؤون السياسيّة والإعلام والعلاقات الدوليّة والتجارة العالميّة وغيرها. وتعد هذه المؤسسة أحد اهم وأنشط المؤسسات البحثيّة الأمريكيّة وتنفق قرابة 80 مليون دولار على مناشطها السنويّة بمعدل 20 منشطاً شهريا ما بين تقرير استراتيجي وندوة عصف ذهني ودراسة تحليليّة. ويأتي بعدها مجلس العلاقات الخارجيّة Council on Foreign Relations كمؤسسة تفكير أمريكيّة أخرى مهمة يستقطب بين أعضاء مجلس إدارته عددا من النجوم اللامعين وعسكريين وسياسيين من بينهم "جون أبي زيد" قائد القوة المركزيّة الأمريكيّة السابق "وفؤاد عجمي" عرّاب المحافظين الجدد زمن الهجوم على العراق سنة 2003، وطيب الذكر "فريد زكريا" وبالطبع هناك عدد من مسؤولي المخابرات السابقين وأيضا "مادلين أولبرايت" "وكولن باول" الوزيران السابقان في إدارة بوش. ويكفي استعراض هذه الأسماء لمعرفة كيف تصطبغ تحليلات هذا المجلس وتوجهاته ونصائحه لمتخذ القرار الأمريكي.

وحين يأتي الحديث عن مراكز البحث والتحليل الأمريكيّة لا يمكن إغفال مؤسسة "راند "The RAND Corporation"التي تعرّف نفسها بأنها "مؤسسة غير ربحيّة تساعد على تحسين السياسات وصنع القرار". والمؤسسة نشأت مشروعا في الأربعينيات لخدمة القوات الجويّة الأمريكيّة ثم تطورت مهامها مع الزمن لتعمل اليوم بميزانيّة سنويّة تتجاوز 250 مليون دولار لبحث مختلف القضايا المحليّة الأمريكيّة والعالميّة. ومن اهم مجالات تركيز المؤسسة دراسات قضايا الطاقة والبيئة والشؤون الدوليّة والأمن الوطني والإرهاب والأمن الأمريكي الداخلي.

ومركز "راند" هذا هو صاحب الدراسة الشهيرة " Building Moderate Muslim Networks " "تكوين شبكات إسلاميّة معتدلة" التي قدمها المركز للإدارة الأمريكيّة سنة 2007. وقد افتتح مركز "راند" معهد راند - قطر للسياسات في الدوحة سنة 2003 وهو الفرع الوحيد خارج الولايات المتحدة وأوروبا وعمل مع المؤسسات القطريّة حتى انتهت الشراكة بعد عقد من التعاون في ديسمبر 2013 .. ربما للحديث بقيّة!

* مسارات

قال ومضى: من أغلق على المتسائل الباب .. لن يمتلك يوماً شرف الجواب.

المصدر: http://riy.cc/914766

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك