أي حوار ديني نريد؟
أي حوار ديني نريد؟
عقيل يوسف عيدان
إن الحوار المطلوب يجب أن ينطلق من معطيات القرن الحادي والعشرين، باحثاً في الماضي من حيث ضرورته لخدمة الحاضر والمستقبل. في القرون السالفة وفي كل الحضارات والثقافات والفلسفات والنظريات والممارسات توجد نقاط ضوء وظلمة. وكل فئة من البشر تضم الطيب والخبيث، المصلح والمفسد. وكل معتقد له ما له وعليه ما عليه، ولو من ناحية التطبيق والممارسة والاستغلال.
وإذا كنا نهدف للتقريب بين العقول والنفوس كما حصل تقارب في المسافات وتواصل عبر وسائل الإعلام والاتصال المختلفة، فلنضع جانباً ما كان. ولننصرف لما يجب أن يكون.
إن حوار العقائد لن يؤدي لنتيجة لأن الحوار السليم مبني على أساس الإقناع والاقتناع بينما الحوار العقدي مبني على هدف الإقناع لأن الإيمان الديني يقتضي الانطلاق من هذا التصميم وإلاّ لما كان إيماناً قوياً. وغالباً ما يترك الحوار (السلمي الهادئ) بين المسيحية والإسلام– على سبيل المثال- انطباعاً بأن ما جرى، أي ما قيل أو كتب، تميّز باللباقة واللياقة والتهذيب فقط.
ومثل هذا الحوار ضروري للتعارف وفهم الواحد للآخر ولو لم يؤدِ هذا إلى الفهم للتفاهم. أنه بمثابة تمهيد. إنه تلاق ودّي يزول أثره مع انفضاض الاجتماعات، لذلك فهو نوع من الترف قد يبلغ حد التنافق، لأنه لا يصمد أمام أسئلة تقتضي الإجابة عنها صدقية خُلقية وعلمية ودينية.
إن الحوار الذي ننشده هو الذي يهدف لإحداث تطوير فكري جذري، يُحدث ضجة أو دويٍّا إعلامياً وأكاديمياً وثقافياً يضع الإنسان أمام مسؤولياته كإنسان ينطلق من حقيقة ثابتة وهو أن ما يجمع بين الأديان هو الله فالإنسان.
الله خالق البشرية لا يفرق بين إنسان وآخر إلاّ بمقدار ما يقدم هذا الإنسان لأخيه في الإنسانية. فالحديث الشريف القائل: (الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله) يعبّر بوضوح عمّا تعنيه أيضاً المسيحية من محبة. فالمحبة هدف أساسي في المسيحية والعدل هدف أساسي في الإسلام. في محبة الخير للآخرين وفي الدعوة لـ (لا ضرر ولا ضرار) تتجسد العدالة المنطلقة من منع الضرر توخياً لإعطاء كل ذي حق حقه.
فالهدف الإلهي– في تقديري- هو خير الإنسان لأن الله سبحانه وتعالى لا يحتاج لشيء ولا ينقصه شيء. وما خلق الكون إلاّ في سبيل الإنسان الذي مكّنه الله فيه وكلّفه بعمرانه. وبمقدار ما يسهم الإنسان في عمران الكون بمقدار ما يرضى خالقه. خُلقنا أمماً وشعوباً وقبائل وألواناً لنتعارف، ولو شاء الله لخلقنا أمة واحدة.
لنتعارف. لنعرف بعضنا بعضاً. والمعرفة عدوة الجهل. كما وأن الإنسان عدو ما جهل، فالله سبحانه وتعالى أرادنا متعارفين متفاهمين متعاونين ليكمل عمران الأرض بنا ومنّا ولنا. هذه الأرض التي أصبحت اليوم (قرية) عالمية وأضيق، تحتاج لسلام وتفاهم وتعاون لما فيه خير الإنسانية وليس خير فئة على حساب فئة أخرى.
وهنا الامتحان الذي ينتظرنا في تحمّل مسؤولية التكليف بمعرفة الواجب والتمسك بحق. ولا قيمة للتعاون إذا سقط وجه من وجهي هذه المعادلة والتي تستنبط منها فكرة محورية وهي العمل على الحفاظ على حقوق الإنسان.
والحفاظ على حقوق الإنسان ينطلق من بديهية احترام الإنسان لأخيه الإنسان الذي خلقه الله، فسوَّى، وفي أحسن تقويم. فالله كرّم ابن آدم وجعله خليفته في الأرض، مسخراً الأرض والسماء والبحار وما فيها لإسعاده. فأمرُ الدنيا مفوّضٌ للناس حسب الزمان والمكان، شرط أن يكون التفويض ضمن حدود الحلال والحرام. والفاصل بينهما دوماً هو حق الإنسان ومصلحته. وفي الحفاظ عليهما عمران للأرض ورضى الله وهما واحد.
__________________________________________________________________________________
* ayemh@yahoo.com
المصدر: http://www.annabaa.org/nbahome/nba83/012.htm