التناقض بين العمل ورأس المال

د. عبدالله بن عبدالمحسن الفرج

    اللقاء الذي تم بين أرباب المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومعالي وزير التجارة والصناعة أمر يستحق التأمل، فالتغيرات التي شهدها سوق العمل في المملكة في الفترة الأخيرة ليست قليلة، وهي تغيرات تؤثر بشكل كبير على القطاع الخاص سواء من ناحية العرض أو الطلب على قوة العمل. فقطاع الأعمال قد أصبح واقعا بين رحى قرارات وزارة العمل التي تتوخى زيادة الطلب على اليد العاملة السعودية وبين سندان حملة ترحيل المخالفين لنظام الإقامة التي ساهمت في تقليص قوة العمل غير السعودية. فمقص قوة العمل هذا سوف يؤدي إلى خروج العديد من الشركات والمؤسسات من السوق ما لم تتم معالجة الأمر. وخاصة المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي صارت تتعرض إلى ضغوطات ليست جميعها قادرة على تحملها.

وأنا عبرت في مقالات سابقة عن إعجابي بالدور الذي تلعبه وزارة العمل. فهي تجهد نفسها من أجل تعزيز دور قوة العمل السعودية وزيادة الطلب عليها، وعلى هذا الأساس فإن شكوى قطاع الأعمال لوزارة العمل بخصوص الأضرار التي تلحقها بهم قراراتها أمر قليل الفائدة على ما يبدو لي، لأن الوزارة بحكم تخصصها إن لم تكن خصما لهم فهي في أحسن الأحوال محايدة لا يهمها كثيراً نجاح أو إخفاق قطاع الأعمال. لأنها لا تُعتبر الجهة المسؤولة عنهم. فهي ليست الوزارة المختصة بإعادة هيكلة الاقتصاد ولا هي التي سوف تحاسب عن زيادة اعتماد المملكة على النفط وعن بطء تحولنا إلى اقتصاد متعدد المزايا النسبية. كلا فهذه مؤشرات تلام عليها جهات حكومية أخرى مثل وزارة الاقتصاد والتخطيط وبالتأكيد وزارة التجارة والصناعة المسؤول الأول عن رفع مساهمة قطاع الأعمال في الناتج المحلي الإجمالي.

والتضارب بين تخصص الوزارات أمر طبيعي في كل مكان. لأن كل واحدة تهتم بأمور وقضايا مختلفة، ولذا فإن هناك تساؤلات كبيرة عن دور وزارة التجارة والصناعة وموقفها من القرارات التي تتخذها وزارة العمل. فوجهة نظر الوزارتين، على ما يبدو لي، ليست بالضرورة أن تكونا متطابقة حول كافة القضايا والأمور. فالوزارة الأولى يفترض أن تلعب دورا نشطا وموازيا للدور الذي تلعبه الوزارة الثانية، ولكن في الاتجاه المعاكس. أي معارضة للإجراءات التي تؤدي إلى انكماش الإنفاق الاستثماري للقطاع الخاص، وأعتقد أن الوزارتين مدعوتان للتفاهم فيما بينهما حول هذا الأمر حتى تتوازن الأمور. فنحن أمامنا هنا معادلة من طرفين -التناقض بينهما أزلي- هما العمل ورأس المال، ولذلك فإن كل طرف من أطراف هذه المعادلة يفترض أن يلقى الدعم الذي يستحقه. فالدفاع عن زيادة توظيف العمالة الوطنية في الاقتصاد أمر من شأن وزارة العمل، وهي مثلما نرى تتحمله بكل جدارة تستحق عليه المدح والثناء، ولكن حتى لا يختل التوازن نريد أن نرى من يدافع عن رأس المال، ولذا فإن توجه أرباب المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى وزارة التجارة والصناعة للشكوى على الأضرار التي تلحقها بهم قرارات وزارة العمل يعتبر مفتاحاً لحل المشكلة، فوزارة التجارة والصناعة هي الجهة التي سوف تحاسب عن أي ضرر يلحق بالتجّار والصنّاع، وهي نفسها التي ستسأل عن أي انخفاض لمساهمة مؤسسات قطاع الأعمال في الناتج المحلي الإجمالي.

المصدر: http://riy.cc/912361

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك