اتخاذ القرار في المنهج التركيبي

زياد آل الشيخ

    من سمات المنهج التركيبي عدم الاعتراف بالحدود الفاصلة بين التخصصات لأن من أدبيات المنهج النظر في النظام الكلي وفهم العلاقات بين الأنظمة الجزئية المتجاورة. فمن ذلك إن صياغة الأهداف والوسائل لا تخضع لمؤثرات المفاهيم المسبقة حسب وصف التخصص، بل تعتني بالمشكلة دون النظر إلى طريقة حلها. ومن سمات المنهج التركيبي فتح الباب واسعا لوسائل تحقيق الأهداف طبقاً لمفهومين أساسيين، مفهوم الفاعلية ومفهوم الكفاءة.

فمن اللافت أن التفريق بين مفهومي الفاعلية والكفاءة لا ينال العناية اللازمة من متخذي القرار. فالفاعلية تهدف إلى عمل الشيء الصحيح، أما الكفاءة فتهدف إلى عمل الشيء بطريقة صحيحة. والخلط بين المفهومين يتخلل عمليات اتخاذ القرار مؤدياً إلى أن تكون الوسائل مبررة بالأهداف، لا العكس. فحسب المنهج التركيبي يعتني متخذ القرار بالفصل بين مفهوم الفاعلية المرتبط بتحديد الأهداف، ومفهوم الكفاءة الذي يرتبط بوسائل تحقيق الأهداف. فمن المهم أن تتجاوز منهجية اتخاذ القرار الموروثات المؤسسية التي تعزز تحقيق الأهداف من خلال وسيلة واحدة لا تتغير، بحيث تصبح الوسائل نفسها مع مرور الزمن من المسلمات، ويصبح اتباعها هدفا بحد ذاته. وحسب راسل أكوف، فإن تنفيذ القرار الخاطئ بطريقة صحيحة أشد خطرا من تنفيذ القرار الصحيح بشكل خاطئ.

فمثال القرار الخاطئ الذي ينفذ بطريقة صحيحة، هو تجويد المعلم لأسلوبه في تلقين الطلاب. فالخطأ أن يلقن الطالب، ويعمق هذا الخطأ رفع الكفاءة في تنفيذه. فالتلقين وسيلة تطابقت مع هدف التعليم، بحيث أصبحت هدفا وغابت معها الوسائل الأخرى، مثل التعليم بمنهجية التجريب، أو ما يسمى بمنهج الصح والخطأ. لذا، فإن التفريق بين مفهومي الفاعلية والكفاءة يتيح لمتخذ القرار مراجعة الأهداف أولا، ثم طرح خيارات تحقيقها ومراجعة هذه الخيارات حسب قراءة النتائج والمخرجات. لكن أكثر المشكلات تعقيدا بعد الخلط بين الهدف والوسيلة هو التسليم بالأهداف نفسها.

في مجال التعليم، هل الهدف أن يعلم الأستاذ الطالب أم أن يتعلم الأستاذ والطالب معاً؟ فإن كان التلقين وسيلة إلا إن جذورها موجودة في الهدف نفسه الذي يجدر بنا مراجعته. فافتراض أن المعلم هو الذي يملك المعرفة دون غيره في العملية التعليمية يعزز الاتصال باتجاه واحد بين المعلم مرسلاً والطالب مستقبلاً. وحسب هذا النموذج، ليس من المتوقع أن يتعلم الأستاذ من طالبه مهما حاول التخلص من العادة السيئة المرتبطة بالتلقين الفج لأن هدفه الأساسي هو التعليم وليس التعلم. فتحويل الهدف من (التعليم) إلى (البحث عن المعرفة) يلغي أي فرضية تغذي منهجية التلقين، وتجر معها فوائد تربوية لم تكن لتتحقق من خلال هدف التعليم وحده، منها تعزيز قيم الحوار وتقبل الآخر، والتواضع ونكران الذات. فإن صورة الرأي الواحد تتوثق في الأذهان لوجود مصدر واحد للمعرفة سواء كان ممثلا في شخص أو مؤسسة. فليس شرطاً أن يتعلم الطالب من المعلم فقط، وليس شرطا أن يتلقى المعرفة من المدرسة أيضا.

إن لفك الارتباط بين الهدف والوسيلة تداعيات كبيرة تذهب بعيداً في سلسلة اتخاذ القرار. فمن خلال الفصل بين مفهومي الفاعلية والكفاءة يمكن إعادة هيكلة المؤسسات التي بنيت على مجموعة من الفرضيات أصبحت مسلمات بالتقادم. لذا فإن المنهج التركيبي يقوم على بحث المسلمات التي تقوم عليها هيكلة المعرفة. واتباع المنهج التركيبي يتطلب مراجعة مفهومي الفاعلية والكفاءة وعدم الوقوف عند جُدُر المعرفة التي تحد متخذ القرار من مراجعة وسائل جديدة لتحقيق الفاعلية والكفاءة.

المصدر: http://riy.cc/912377

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك