حل الأزمة المصرية سلميًا عبر الحوار

بقلم / صالح بن عفصان الكواري - رئيس التحرير الراية

ضرورة ضبط النفس وبدء حوار بناء وإيجابي برعاية إقليمية ودولية لحل الأزمة
نستغرب حساسية السلطة في مصر من بيان يطالب بالامتناع عن الخيار الأمني ويدعو للحوار
قطر لا يمكن أن تصمت وهي ترى الدماء المصرية الزكية تسيل بأيدي الجيش وعناصر الأمن
إطلاق سراح المعتقلين وعلى رأسهم مرسي ووقف الملاحقات مفتاح حل الأزمة
على الخيرين في الأمة العربية والإسلامية القيام بمبادرات لإنهاء شلال الدم المصري
  • قطر تلقت اتصالا من البرادعي لإيجاد حل سلمي لكنها فوجئت وهي تتأهب لاستئناف مساعيها بالفض الدامي  للاعتصامات
  •  ثوابت السياسة الخارجية القطرية تقوم على نصرة قضايا الشعوب العربية
  •  البديل لعدم حل الأزمة مزيد من العنف وسفك الدماء والدخول في دوامة الفوضى
  •  شواهد التاريخ تؤكد أن الظلم لن يستمر طويلا وسياسة العصا الغليظة ستنهار
  •  ما فعلته قطر تجاه مصر من منطلق أخوي وبما يمليه عليها دينها وسياستها نحو الأشقاء
  •  جهات مصرية كثيرة لا يعجبها أي تحرك قطري لرأب الصدع وإطفاء الحريق المشتعل
  •  للأسف.. وقع ما حذرت منه قطر من قتل للمعتصمين السلميين واستمر مسلسل القتل في جمعة الغضب
  •  عدم تمكين الوفد القطري من لقاء كل أطراف الأزمة جعل جهوده منقوصة لإفشالها عن عمد

 

 ظللنا ولا زلنا نتابع باهتمام بالغ ما تشهده جمهورية مصر العربية الشقيقة من أحداث دموية مؤسفة راح ضحيتها الألوف من الأبرياء العزل من مؤيدى الشرعية والمطالبين بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي والمؤسسات الديمقراطية المنتخبة.

ولأن ما يجري في مصر، يهم كل الدول العربية باعتبار مصر دولة قائدة ورائدة في المنطقة، جاء بيان وزارة الخارجية القطرية يوم الأربعاء الماضي الموافق 14 أغسطس الجاري مستنكرا بشدة الطريقة التي تم التعامل بها مع المعتصمين السلميين في ميداني رابعة العدوية والنهضة.

وأكد البيان -كما هو معلوم- ضرورة حل الأزمة في مصر بالطرق السلمية وعبر الحوار بين جميع الأطراف ليعيش الجميع هناك في إطار التعددية السياسية والاجتماعية دون إقصاء لأحد.

وقد أكد المعاني والتوجهات القطرية ذاتها التي تضمنها البيان، سعادة الدكتور خالد بن محمد العطية وزير الخارجية فى تصريح لقناة الجزيرة يوم الخميس الموافق الخامس عشر من أغسطس، الأمر الذي يبين بجلاء ثوابت السياسة الخارجية القطرية ومنها نصرة قضايا الشعوب العربية والوقوف بجانبها لتحقيق طموحاتها المشروعة في الحرية والكرامة الإنسانية والممارسة الديمقراطية الحقيقية التي يرتضيها الشعب فضلا عن رفض الظلم والعزل السياسي ونشر الكراهية والتحريض ضد أي فئة من فئات الشعب ومكونات المجتمع.

ومما يدعو للدهشة ردة الفعل التي تعاملت بها السلطات المصرية الممسكة بزمام الأمور الآن مع البيان القطري من حيث رفضه وإدانته، واعتباره تدخلا في الشأن الداخلي المصري وغيرَ مُلم بالواقع، بل طالب بعض المحسوبين على النظام بسحب السفير المصري من الدوحة وإبعاد السفير القطري من القاهرة !!.

لا أدري لماذا الحساسية من قبل السلطة الحاكمة في مصر مع مضمون هذا البيان الذي طالب بالامتناع عن الخيار الأمني ودعا للحوار باعتباره الضمانة الأكيدة للتعايش بين كافة الأطراف دون إقصاء لأحد أو عزل لجهة دون أخرى.

وفي الحقيقة هناك الكثير من الجهات وفي مصر الآن بالذات ومن دون مبرر مقبول لا يعجبها أي تحرك قطري لرأب الصدع والمبادرة بإطفاء الحريق المشتعل في كل أرجاء مصر التي لم تبخل عليها قطر بشيء على مراحل ثورة 25 يناير منذ يومها الأول. لكن قطر التي لا تخشى في الحق لومة لائم والتي تجهر بقول الحق في وجه الظلم ضد الأبرياء العزل ولا تجامل في ذلك مطلقا، لا يمكنها السكوت في مثل هذه المواقف الدموية التي أدخلت الحزن تقريبا في كل بيت مصري.

ونتساءل هنا عن ردة فعل السلطات المصرية الفورية تجاه بيان الخارجية القطري، وهناك الكثير من المواقف والتصريحات الأكثر حدة وانتقادا وإدانه صريحه لما تقوم به السلطات الحاكمة بالقوة وبالدم الآن في مصر.

لقد قامت قطر بجهود لحل الأزمة في مصر سلميا وذهب وزير خارجيتها للقاهرة لهذا الغرض، لكن كيف يمكن للمساعي القطرية الحميدة وغيرها أن تثمر دون أي مؤشرات وبوادر بحسن النية من الطرف الممسك بمقاليد السلطة في مصر من قبيل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ووقف الملاحقات كما جاء في بيان وزارة الخارجية القطرية.

جاء البيان مؤكدا حرص قطر واهتمامها لأبعد الحدود بحل الأزمة في مصر سلميا انطلاقا من موقف قطر الثابت المبدئي والأخلاقي والديني والإنساني برفض القتل والظلم، وسياسة الإقصاء لأي طرف من الأطراف.

وللأسف فقد وقع ما كانت تخشاه قطر وحذرت منه ، فحدث ما حدث للمعتصمين السلميين في ميداني رابعة العدوية والنهضة واستمر مسلسل القتل في جمعة الغضب في ميدان رمسيس وغيره بسقوط المزيد من الشهداء والجرحي الأبرياء العزل من أبناء مصر الكنانة العزيزة علينا جميعا !!.

إن إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم الرئيس المعزول الدكتور محمد مرسي ووقف الملاحقات هو مفتاح حل الأزمة المصرية المؤلمة التي يتعين على الخيّرين من أبناء أمتنا العربية والإسلامية القيام بمبادرات جديدة لإنهاء شلال الدم المصري الذي يسيل كل يوم في شوراع وميادين مختلف المحافظات المصرية.

لقد قامت قطر بواجبها تجاه مصر الشقيقة منذ مخاض ثورة 25 يناير وخلال الفترة الانتقالية الأولى إبّان حكم المجلس العسكري وما تلا ذلك حتى حكومة الدكتور مرسي ومرحلة ما بعد عزله ، فلم تقصر قطر تجاه مصر من حيث الدعم السياسي والاقتصادي والنصح وبذل الجهود وإطلاق المبادرات لتجاوز أزماتها ، وقد فعلت قطر كل ذلك من منطلق أخوي بما يمليه عليها دينها ومبادئ وثوابت سياستها نحو الأشقاء ، فما بالك إذا كان ذلك هو الشقيقة الكبرى مصر.

لقد كان سعادة وزير الخارجية محقا في حديثه لقناة الجزيرة عندما نبه إلى أن هناك أطرافا لا تريد للجهود القطرية أن تنجح في حل الأزمة في مصر ، ومن البديهي أن أساس أي مبادرة للصلح هو الالتقاء مع جميع الفرقاء والاستماع إلى وجهات نظرهم والعمل على التقريب بينها ، لكن أن تستمع لرأي واحد وصوت واحد أو أن تلتقي بآخرين دون المعنيين تحديدا ومن دون أن يمكن الوفد القطري كما قال سعادة الوزير من الالتقاء بكافة أطراف الأزمة المصرية ، فتلك جهود منقوصة ، أريد لها الفشل عن عمد وسبق إصرار لتؤول الأمور في مصر وللأسف الشديد لما هي عليه الآن.

ولأن قطر هي دائما رسول سلام ، تنصر الحق وتنشد العدل من دون أن يكون لها مصلحة فيما تبذله من جهود وما تطلقه من مبادرات ، كشف سعادة وزير الخارجية عن اتصال تلقاه من نائب الرئيس المصرى المستقيل الدكتور محمد البرادعي يطلب فيه من قطر مواصلة جهودها والاتصال بالفرقاء المصريين لإيجاد حل سلمى للأزمة .. لكن فوجئت قطر وهي تتأهب لاستئناف دورها ومساعيها بعملية الاقتحام الدامية لفض الاعتصامات.

وبالطبع كان من الضروري لقطر من منطلق ثوابتها ومبادئها والنخوة والشهامة العربية والإسلامية في الدفاع عن المظلومين والعزل ومنهم أولئك المعتصمون في ميداني رابعة العدوية والنهضة وهم يقتلون ويقصفون من كل الجهات أن تستنكر الذي جرى، فقطر التي وقفت مع الثورات الشعبية في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا ، لا يمكن ان تصمت وهي ترى الدماء المصرية الزكية تسيل بأيدى الجيش وعناصر الأمن المصرية . كان لابد من الاستنكار والمطالبة بالحوار والاصطفاف لوقف ما يجري وهو ما تجسد فعلا في بيان وزارة الخارجية وحديث سعادة وزير الخارجية لقناة الجزيرة.

إن السكوت والجميع يرى رئيسا انتخب بطريقة شرعية يزاح دون وجه حق عن الحكم ويسجن دون ذنب جناه هو قبول بالأمر الواقع ، فإذا كانت الذريعة هي الفشل في إدارة الدولة في عامه الأول ، فإن ما جرى من عزل لرئيس منتخب ومنع بالقوة للاعتصامات السلمية وتقتيل العزل هو الفشل الذريع بعينه.

ونحن من منبر الراية  نشدد من جديد انطلاقا من الموقف القطري الواضح والجلي على ضرورة ضبط النفس رغم ما حدث، وبدء حوار بناء وإيجابي برعاية إقليمية ودولية ترتضيها أطراف الأزمة لكون ذلك كما أكد سعادة وزير الخارجية هو الطريق الأنجع والأقصر لحل الأزمة. ونحذر من أن البديل لكل ذلك هو المزيد من العنف وسفك الدماء وبالتالي دخول مصر لا سمح الله في دوامة من الفوضى وعدم الاستقرار ومستقبل غامض والشواهد على ذلك كثيرة في وطننا العربي.

على المصريين جميعهم رغم صعوبة الموقف ومرارته في المرحلة الآنية، أن يستشرفوا المستقبل ويتساموا فوق الجراحات من أجل مصر ، فلن يستفيد أحد من الأوضاع الحالية وتداعياتها المستقبلية ، فشواهد التاريخ تؤكد أن الظلم لن يستمر طويلا وأن سياسة العصا الغليظة والقبضة الحديدية ستنهار وإن قلب وتشويه الحقائق وتزييفها والعبث بمصائر الشعوب وحقوق ودماء أبنائها، مصيرها إلى زوال ، وعلينا أخذ العبر والدروس على الأقل مما آلت إليه مصائر الدكتاتوريات العربية.

وتأكيدا على كلامنا من أن قطر ستبقى دائما منحازة لتطلعات الشعوب العربية نورد هنا استشهادا من خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى بمناسبة تولي سموه مقاليد الحكم في البلاد:

(ستبقى قطر كعبة "المضيوم" عبارة قالها مؤسس الدولة الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني ورددها سمو الوالد وسوف تبقى على هذا العهد في نصرة المظلومين.

أيها الإخوة المواطنون نحن دولة وشعب ومجتمع متماسك ولسنا حزبا سياسيا ولهذا فنحن نسعى للحفاظ على علاقات مع الحكومات والدول كافة كما أننا نحترم جميع التيارات السياسية المخلصة المؤثرة والفاعلة في المنطقة. ولكننا لا نحسب على تيار ضد آخر نحن مسلمون وعرب نحترم التنوع في المذاهب ونحترم كل الديانات في بلداننا وخارجها، وكعرب نرفض تقسيم المجتمعات العربية على أساس طائفي ومذهبي، ذلك لأن هذا يمس بحصانتها الاجتماعية والاقتصادية ويمنع تحديثها وتطورها على أساس المواطنة بغض النظر عن الدين والمذهب والطائفة ولأن هذا الانقسام يسمح لقوى خارجية بالتدخل في قضايا الدول العربية الداخلية وتحقيق نفوذ فيها.

لقد أسسنا علاقات تعاون قائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل مع العديد من دول العالم في الغرب والشرق في أمريكا وأوروبا وآسيا وأفريقيا وفي الإقليم ولا بديل عن المصالح المشتركة والاحترام المتبادل في العلاقات بين الدول وهذا في النهاية مقياسنا الذي لا بديل عنه.. فنحن ننطلق من مبادئنا ومصالحنا وكرامتنا ومن مصالح الأمة التي ننتمي إليها وكرامتها.

نعم، لقد انحازت قطر إلى قضايا الشعوب العربية وتطلعاتها للعيش بحرية وكرامة بعيدا عن الفساد والاستبداد نحن لم نوجد هذه التطلعات فما يستدعي التطلع إلى الحرية والكرامة هو رفض الاستبداد والإذلال).

حفظ الله مصر وشعب مصر من كل سوء ونسأله تعالى أن يزيح هذه الغمة عن الشقيقة الكبرى لتعود مجددا لدورها الطليعي والمحوري الذي افتقدته طويلا. 

editor@raya.com

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك