شجرة الإرهاب
د. محمد ناهض القويز
منذ أن بدأت موجة فكرالإرهاب ونحن نعاني من تعاظمها.
ولو أردنا أن نستخلص استنتاجاً واحداً من ذلك لأمكننا الجزم بأننا لم نصل لجذورها بعد، وأن بيئتها بيننا لاتزال حية ومتنامية.
ولهذا قررت أن أقوم بتتبع افتراضي لإرهابي ينوي التفجير والقتل.
وجدت أن هناك مجموعة صغيرة خططوا معه وساعدوه على تجهيز آلة القتل بحزام ناسف أو تفخيخ مؤخرة أو سيارة ثم انسحبوا إلى الخطوط الخلفية في انتظار النتائج والتجهيز لعملية جديدة.
ولكن هذه المجموعة حولها أفراد ومجموعات داعمة ومؤيدة ومحرضة ولكنها تبدو للرائي منفصلة تمام الانفصال عن الدائرة الصغيرة وبلا شك بعيدة عن الإرهابي المنفذ. وهؤلاء الأفراد والمجموعات قد يكونوا مشايخ أو خطباء أو معلمين أو مهنيين أو رجال أعمال. ثم وجدت حول كل محرض وداعم مئات وأحيانا آلاف أو مئات الآلاف من الشباب والمراهقين المؤيدين إما جهلا أو سخطا أو لأهداف أخرى. وأكثر مايظهر أولئك من خلال المواقع التفاعلية الإلكترونية بدءاً بالمواقع الثابتة على الإنترنت وانتهاءً بمواقع التواصل الاجتماعي. ولا يستثنى جزء من الخطاب الديني من إثم ذلك التأليب حتى وإن كان الدافع لذلك الخطاب دافعاً خيّراً في ظاهره أو حماسة لدين الله من خلال التأليب وتقسيم الناس إلى أولياء الله وأعداء الله. وبث نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد.
للأسف فإن وَقود الفتن وآلات القتل هي من هذا الكم الهائل من الشباب الذي يتهاوى على نار الفتنة أينما كانت كما تتهاوى الفراشات على نار حارقة جذبها نور اللهب ولم تدرك أن مصيرها إلى الهلاك. ولهذا نجدهم من ضمن طاقم العمليات الإرهابية في أي بقعة في الأرض.
ويشترك مع هؤلاء الداعمين آلاف الوافدين من جنسيات عربية مختلفة يجمعهم هدف واحد هو التكفير والقتل والتخريب.
ولاشك أن الجهود الأمنية المخلصة ساهمت في تقليص تنفيذ الهجمات الإرهابية في ضربات استباقية أجهضت عمليات لاتحصى.
وإلى حدٍ أقل نجحت جهود تجفيف الموارد المالية الداعمة للإرهاب وعملياته التي كانت تدلس على الناس باسم الجمعيات الخيرية أو من خلال واجهة تجارية تبدو عادية.
ولكن جهود القضاء على الفكر المنحرف لم تفلح في الحد منه بعد.
لا زلنا نلح على الإرهابي بالتوبة وهذا ماحدا بكثيرٍ منهم إلى إعلان التوبة للتخلص من السجن ثم مايلبث أن يُنكس في طريق الغواية من جديد فيظهر في اليمن أو في العراق أو الشام أو لبنان أو يعود متسللا للوطن ليخطط من جديد ويلتقي بذات الداعمين وبذات المؤيدين الذين كان يلتقيهم قبل توبته المزعومة.
تلك الجهود يمكن أن نشبهها بمن جاء إلى شجرة شوك عظيمة آذت الناس، فقام بلف بعض الأشواك بالشاش الأبيض واجتهد في ذلك أيما اجتهاد ثم احتفل بنجاحه في ذلك. وهو على استعداد تام للف الشوكة التي أدمت الأبرياء بالشاش الأبيض من جديد. أما في أحسن الأحوال فإنه يتناول المقص ليقطع بعض شوكات هنا وهناك. ولكنه نسي أن تلك الشجرة تتغذى على مياهه.
الحقيقة المرة أن قطع الشجرة غير كاف من دون استئصال جذورها.
المصدر: http://www.amnfkri.com/news.php?action=show&id=26297