الإنذار الخطير!
أرامكو: «النمو في نسبة استهلاك الطاقة للفرد في المملكة ينذر بالخطورة في استمراره»..
هذا الخبر المنشور في هذه الجريدة بالأمس قد لا يحرك أي ذهنية ترى في خبر فني ورياضي أهم مما نُشر، والموضوع ليس جديداً، تناوله اختصاصيون في اقتصاد النفط والاقتصاد العام، حتى إن مؤشرات الخطر أنذرت بأننا خلال عقدين من الزمن سنكون من مستوردي النفط بدلاً من تصديره، ونحن بلد وحيد المصدر وحالة استنزافه تعني أن أجيالاً قادمة ستعيش على ذكراه فقط، وهذا ليس من باب التشاؤم، لكن حين تنذر الشركة المكتشفة، والمصدرة وحافظة خزانة الاحتياطيات، فإننا أمام موقف لا يقبل التراخي في ترشيد الاستهلاك غير المنضبط..
فهناك مشروع الطاقة البديلة وقد دخل الإجراءات البطيئة، وطالما لا يزال جنيناً فهل رسمنا استراتيجيات عاجلة للتخفيف، أو إيقاف النزف اللامحدود لنفطنا؟
ولا يقتصر الأمر في هذا الإسراف على النفط وحده، فهناك المياه، والغذاء وتدمير البيئة الصحراوية والبحرية، وعلينا أن ندرك أن سنوات السمن والعسل قد لا تطول ما لم يكن المسؤول والمواطن على نفس الدرجة من حماية ثرواتنا المختلفة..
فالمعروف أننا نستورد كل ما يزيد في استهلاك الطاقة من سيارات منتهٍ عمرها الافتراضي، وأدوات كهربائية مخالفة للمواصفات حتى إن اعتراف المستوردين للمكيفات بوجود (٨٥٠) ألف مكيف مخالفة لكفاءة الطاقة، عدا ما دمرته الدولة، وسُرب البعض للبيوت والشركات والمحال الأخرى يطرح نفس المشكلة في دور الرقابة عند الجمارك وحماية المستهلك وغيرهما، وهذا ينطبق على بقية المستوردات الأخرى مما يمارسه التجار في إهدار ثرواتنا المادية والنفطية طالما الرقيب غائب عن هذه التجاوزات، أو وضع الجزاءات التي تتوافق مع أضرارها الاجتماعية والاقتصادية..
عصابات التهريب للبنزين والديزل، والمشتقات الأخرى لا نرى أو نجد من يفضح هذا السلوك الجائر، والمجافي لأبسط مفاهيم الوطنية والالتزام بأخلاق المهنة التجارية، يضاف إليها دول الجوار التي استغلت رخص الوقود عندنا بالدخول والخروج بمختلف أنواع سياراتها لتضاعف هذا الاستهلاك، والأمر ذاته يتجاوز المألوف في استعمال الوافدين لسيارات ومعدات خارج الخدمة، ولعل المثار أن أي رفع للأسعار سوف يضر بالمواطن، وهذا منطقي ولكنه محدود إذ إن الأرقام التي تصدر عن استهلاك المواطن في العام هي (٤٠) برميلاً كتقدير عام، وإذا ما شملنا ما يقال عن تسعة أو عشرة ملايين من الوافدين، فإننا نصل إلى مشكل كبير، وهناك من اقترح رفع الأسعار، وتحويل عائداتها إلى الإسكان، والتوظيف، والمعونات الأخرى والتي نراها أكثر جدوى من رخص سعر البترول لعائلة لا تملك إلا سيارة أو اثنتين فقط، وفي منزل مملوك أو مستأجر لا يتجاوز المئتي متر، وهم الأغلبية الساحقة في مجتمعنا..
النظرة للمستقبل تحتاج رسمَ استراتيجية طويلة، والبحث عن البدائل التي يجب ألا تقف عليها القرارات الراكدة أو البيروقراطية؛ لأن سباقنا مع الزمن في مضاعفات استهلاك الطاقة سيضعنا أمام حتمية الخطر الأكبر، ولا نعتقد أن صانع القرار لا يدرك المخاطر القادمة، وإنما نحتاج من يرى الواقع ويعالجه بقرارات تراعي حدود المعقول؛ لأن الإنذار جاء من شركة أرامكو والتي تتعامل مع السياسة النفطية بتجربة طويلة، وتعرف أن خطابها مرسل لمختلف الجهات الحكومية والوطنية، وبأننا في السفينة التي يجب ألا نكون السبب في غرَقها..
المصدر: http://riy.cc/909360