دراسة الظواهر لا تكفي

مها محمد الشريف

    إن المعرفة العلمية تعد المنفعة الأولى للإنسان، والغاية منها دعم النشأة الموضوعية التي تنظم الأفكار وتحث على إدراك القيمة الحقيقية للأشياء، وقال الشيخ الغزالي: (لولا وجود الإدراك لما وجد التغيير) وتغيرت حالة الناس من الجهل إلى العلم، ومن الظلام إلى النور، ونعمم هذا التماثل لكي نصبح أكثر وعياً وأعمق فكراً، فليس العلم رهناً للقوانين البشرية أو المصالح الفردية، إنما هو تحسين لهذا الإدراك وجعل له معنى، فإنه يضيف للحياة التكامل، وصناعة ثقافية تعتمد على وسائل الإنتاج التي بفضلها تطورت هذه العلوم المتخصصة على نحو جيد ليتم اكتشاف الظواهر في العالم، وفهم ما يتعلق بها من متغيرات جيولوجية وتكنولوجية واقتصادية ولا نتجاهل أيضا الظواهر السلبية.

ومن هذه الظواهر يمكننا أن نأخذ على وجه التحديد التاريخ الجيولوجي كبداية، وعلى اعتبار أن الزلازل التي حدثت سابقاً في البحر الأحمر والتي ضربت جازان حديثا ظاهرة، ثم نتساءل، هل البنية التحتية مهيأة لهذه الزلازل، أم هي ظاهرة استبعدنا حدوثها وتم اكتشافها مؤخراً، ولم يُحسب حسابها بعد.

إذ لا ينبغي أن نخطئ في تقدير الحوادث والظواهر الطبيعية، والاختلاف الكبير بينهما، فالأولى من صنع الإنسان والأخرى بفعل الطبيعة لأن المفهوم العام يرزح أحياناً تحت حسابات العامة السائدة، وخاصة في الدول النامية، وتتناقض الرؤى والوقائع في العلوم الطبيعية، فالظواهر التي نتجت عنها الكوارث تحدث عنها الأجداد وخاصة الزلازل التي تصيب المحيطات والبحار وخلخلة بنية السواحل وغرق المدن، ولم يكن يشك أي فرد في التغييرات الجيولوجية التي زحزحت القارات وفصلتها عن بعضها، ولكننا لمسنا أن خبرة وجهود الدولة في هذا الشأن والبحث الجيولوجي حديثة عهد مقارنة بدول العالم، ولحماية السكان من الكوارث الطبيعية، وأخذ الحيطة والحذر، بينما يترتب على الهيئات والمؤسسات إعداد البنية التحتية التي تمكن المرء من النجاة، وتوعية المواطن ليكون أكثر علماً وتعزز معرفته بما يترتب عليه عند حدوث الخطر.

إن كل ما يحدث في واقع المجتمع يعزز المرح والأمل والتفاؤل والتظاهر بالسعادة، وهناك نقيض متشائم من الغلاء والفراغ والحروب والقصور في بعض الخدمات وبعض الملابسات الاجتماعية، وللأسف في كلتا الحالتين لا تبشر بخير أو نستطيع القول إنه مقياس جيد للحياة التي ينبغي أن تكون، فلم نسمع في يوم من الأيام أن لدينا مخابئ من الكوارث والزلازل على غرار سكان العالم، علما أن (البروفيسور عبدالله محمد العمري رئيس مركز الدراسات الزلزالية ورئيس الجمعية السعودية لعلوم الأرض قد حذر من خطورة عدم وجود مواصفات خاصة للمباني لمقاومة الزلازل والهزات الأرضية في كل من جدة ومكة المكرمة والتي يجب أن تحمل كود البناء المقاوم للهزات الأرضية).

وكذلك الحال مع الظواهر الاقتصادية، وماذا يلزمنا لكي نعي تلك المتغيرات؟

والصورة المثالية التي لابد أن تنقل للمجتمع عبر وسائل الإعلام والعمل على تثقيف الفرد، وعدم المبالغة في الإيجابية التي تجعله يفرط في التفاؤل أو السلبية التي تصيبه بالإحباط، فإن عملية الاستيعاب وإعادة البناء تعتمد على المصداقية في نقل الأحداث برمتها دون زخرفة أو تضخيم أو تزييف مما يتيح قبولها وإصلاح الخلل الذي ينتابها في الوقت المناسب.

المصدر: http://riy.cc/908154

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك