التدليس

زامل شبيب الركاض

    وجِد التدليس قديماً منذ بداية الحياة البشرية ولكن لم يعرف بأنه من أكثر عيوب الإرادة شيوعا في التعاقدات والتصرفات القانونية إلا بعد ازدهار الأعمال الاقتصادية والتجارية في العصر الحاضر، والتدليس هو استخدام أساليب احتيالية من قبل احد المتعاقدين لإيقاع المتعاقد الآخر في غلط من شأنه أن يدفعه للتعاقد، ويتم التدليس باستخدام وسائل احتيالية فعلية أو قولية أو بكتمان الحقيقة الذي يعرف بالتدليس السكوتي لإغراء المتعاقد وخديعته ليقدم على التعاقد، ويختلف التدليس عن الغلط باعتباره عيبا من عيوب الإرادة بأن الغلط يقع فيه المتعاقد بنفسه بطريقة تلقائية دون أن يكون لأي شخص آخر دخل فيه، بعكس التدليس الذي يقع فيه المتعاقد نتيجة استخدام المتعاقد الآخر لأساليب احتيالية للتغرير بالمدلس عليه لإدخاله في العلاقة التعاقدية.

وكما أسلفنا فان التدليس لا يعدو كونه عبارة عن توهم يصور للمتعاقد الأمر على غير حقيقته ليقدم على التعاقد وإجراء التصرف القانوني، ويكون ذلك من خلال ارتكاب المتعاقد الآخر أو نائبه لعملية التغرير بالطرف المدلس عليه، والتدليس بهذه الصورة يؤدي إلى إبطال العقود والتصرفات القانونية تطبيقا لمبدأ الغش يبطل التصرفات العقدية وهو محرم شرعا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلم أخو المسلم، لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعاً، وفيه عيب، إلا بينه له)، ويثبت فيه للمدلس عليه الحق إبطال التصرف.

والتصرفات القانونية والعقدية المترتبة على التدليس لا تكون باطلة إلا إذا توفرت في التدليس ثلاثة شروط، أولا: استعمال الأساليب والطرق الاحتيالية مثل تغيير الحقائق والبيانات وتزوير الوثائق والشهادات أو انتحال صفة كاذبة وغير ذلك بقصد التضليل وخداع الطرف الآخر لتحقيق غرض غير مشروع، ثانيا: أن تكون هذه الأساليب هي الدافع المؤدي إلى التعاقد بمعنى أنه لو لم تستخدم تلك الحيل لما تم التعاقد ابتداء، ثالثا: أن تكون هذه الأساليب الاحتيالية مقصودة وصادرة من المتعاقد الآخر أو من نائبه، ففي هذه الحالة يحق للطرف المتضرر طلب فسخ العقد.

ونخلص إلى أن التدليس يعتبر من أكثر عيوب الإرادة شيوعا في الحياة التعاقدية والتصرفات القانونية قديما وحديثا، ومتى توفرت الشروط السابقة في التدليس من استعمال الأساليب والطرق الاحتيالية بنية التضليل والتغرير، وأدت هذه الوسائل إلى التعاقد بفعل ومعرفة من الطرف المتعاقد الآخر أو نائبة، فيكون هذا العقد أو التصرف القانوني باطلا ويجوز للمتعاقد المتضرر المدلس عليه طلب فسخ العقد والتعويض عن الضرر لقوله صلى الله عليه وسلم (من غشنا فليس منا).

المصدر: http://riy.cc/907779

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك