ما يجري في مصر فيلم سبق انتاجه في موريتانيا

فهمي هويدي

لفيلم ليس جديدا، كان ذلك تعليق الأديـب الموريتاني بعدما قضى أسبوعا في القاهرة، حرص خلاله على مـتـابـعـة مـخـتـلـف وسـائـل الإعـلام المـــقـــروءة والمـرئـيـة. وحـسـب تعبيره فـإنـه فـي كـل صـبـاح يـتـأكـد إلـيـه مما يسمع ويقرأ أن الفيلم المصري قديم، وأنه رآه بأم عينيه قبل عدة سنوات في موريتانيا.

في رده على تساؤلي روى القصة التالية: في عام 2005 شهدت موريتانيا انقلابا على الرئيس معاوية ولـد الطايع الـذي كـان قد أمضى 21 عاما فـي السلطة، لا يذكر لـه الـنـاس فيها سوى أنه كان حاكما مستبدا وشديد الولاء للأمريكان، لدرجة أنه أعلن الاعتراف بإسرائيل، لكن الانقلاب الذي قـاده عقيد بالجيش (ولـد محمد فـال) شكل مجلسا عسكريا لإدارة البلد، وتعهد بتسليم السلطة إلى رئيس منتخب خلال عامين.

وبالفعل أجريت في عام 2007 الانتخابات الديمقراطية لأول مرة في تاريخ موريتانيا التي حصلت على استقلالها عام 1960 تنافس على المنصب 19 مرشحا فـاز منهم في الجولة الثانية ولد الشيخ عبد الله، الذي ينتسب إلى أسرة معروفة بالعلم الـديـنـي، إلا أنـه تـخـصـص فــي الاقــتــصــاد، الأمـر الــذي رشحه لأن يكون وزيرا في الحكومة وخبيرا دوليا في مجاله.

وإلــى جانب رصـيـده العائلي وخبرته العلمية فـإنـه حظي بتأييد بعض أعـضـاء المجلس العسكري الذي يدير البلد، وكان في مقدمة هؤلاء العقيد محمد ولـد عـبـد الـعـزيـز قــائــد الـحـرس الـرئـاسـي، وكــــان ذلـك سببا فـي توثيق العلاقة بـين الرجلين. وبعد تنصيبه فـي السابع مـن أبـريـل عـام 2007 كـأول رئـيـس مدني منتخب ازدادت تلك العلاقة وثوقا. حيث اقترب العقيد محمد ولـد عبد العزيز أكثر مـن الرئيس، الـذي اطمأن إليه ورقاه إلى رتبة جنرال، وهي أعلى رتبة في الجيش الموريتاني.

كما عينه رئيسا لأركان الحرس الجمهوري وخـوَّلـه كافة الصلاحيات المتعلقة بـإدارة الجيش، في حـين انـصـرف الـرئـيـس لتدبير الـشـؤون المـدنـيـة. حين بـاشـر الـرئـيـس المـوريـتـانـي مـهـام مـنـصـبـه فـإنـه اتـبـع سياسة الانـفـتـاح على مختلف الـقـوى السياسية في الـبـلاد، بـمـا فـي ذلـك حـزب التجمع الـوطـنـي لـلإصـلاح (تـواصـل) المعروف بتوجهه الإسـلامـي، وحـزب اتحاد قـوى التقدم اليساري. الأمـر الـذي دفعه إلـى إشراكهم فـي الـحـكـومـة، إلا أن الـعـسـكـريـين عــارضــوا سياسته وتحفظوا على الخطوات التي اتخذها. ولم يكتفوا بذلك وإنـمـا بـدأوا يتحركون لتشجيع معارضيه على نقد خطواته، واستطاعوا إحداث تنسيق مع شيوخ العشائر والقبائل الممثلين في البرلمان وقاموا بتحريضهم ضده. وبـعـد مـضـي عـام عـلـى تـولـيـه المـنـصـب أدرك الرئيس ولـد الشيخ أن "الـجـنـرال" محمد ولـد عبد العزيز يقود التحالف بين العسكر وبين شيوخ القبائل في البرلمان فأصدر مرسوما بإقالته من منصبه. إلا أن الجنرال الذي كان قد سيطر على الجيش ورتب أموره مع بعض أعضاء البرلمان أطاح بالرئيس المنتخب بعد ساعات من إصـداره مرسوم الإقـالـة (فـي شهر أغسطس 2008 )، وشكل الجنرال ولد عبد العزيز مع رفيق له هو الجنرال ولـد الغزواني الـذي كـان مديرا للأمن الوطني مجلسا عسكريا لإدارة البلد ضـم 11 ضابطا أطلق عليه المجلس الأعلى للدولة. لــم يـنـتـه الأمـر عـنـد ذلـك الــحــد، فـقـد بـدا لـكـثـيـريـن أن الـجـنـرال ولـد عبد العزيز مـدعـوم مـن جانب المخابرات الفرنسية. ثم إنه ندد بالرئيس السابق الذي اتهمه بأنه كان ضعيفا أمام الإرهـاب الأصولي، بعد مد جسوره مـع الـحـركـة الإسـلامـيـة المـمـثـلـة فـي حـــزب "تـواصـل"، ولكي يكتسب التأييد الشعبي فإنه ألغى اعتراف بلاده بإسرائيل وقطع الـعـلاقـات الدبلوماسية بـين البلدين.

إلا أن انــقــلابــه قـوبـل بــالــرفــض فـي أوســـــاط المـثـقـفـين الموريتانيين الذين شكلوا جبهة للدفاع عن الديمقراطية ومقاومة إدارتـه العسكرية للبلد. فـي الـوقـت ذاتـه فإن الدول المجاورة لم تعترف بالانقلاب، وعقد اجتماع في العاصمة السنغالية داكـار شاركت فيه الأمـم المتحدة، تمت فيه الدعوة إلى إنهاء الحكم العسكري وتشكيل حـكـومـة وحـدة وطـنـيـة فـي مـوريـتـانـيـا، وفـي مـواجـهـة تلك الـدعـوات انطلقت أصـوات أخـرى فـي موريتانيا ــ قبلية وعشائرية ــ حثت الجنرال على ترشيح نفسه لـلـرئـاسـة بـدعـوى أن الـبـلاد بـحـاجـة إلـى رجـل قـوي يلملم شتاتها ويقودها إلى بر الأمـان. ونظم أنصاره حملة مناشدات في ذلك الاتجاه انتهت بإعلان الرجل خلع زيـه العسكري وتـرشـح لرئاسة الجمهورية بعد عام من انقلابه على الرئيس ولد سيدي الشيخ. وفي الانتخابات التي أجريت في 18 يوليو عام 2009 فاز بنسبة 52 ٪ من الأصـوات، لكن المعارضة اتهمته بتزوير النتيجة وعدم اعترافها بها. وهو ما فعله رئيس اللجنة العليا للانتخابات الـذي اسـتـقـال مـن منصبه احـتـجـاجـا عـلـى الـتـلاعـب فــي فـرز الأصـــــوات وإعـلان النتيجة. إلا أنه لم يأبه بذلك اعتمادا على تأييد الجيش له، وتم تنصيبه رسميا في الخامس من أغسطس في العام ذاتـه,

ومنذ ذلـك الحين وحتى الآن وهو قابض على السلطة في موريتانيا. حين سألني صاحبي: أليس هذا هو الفيلم المعروض في مصر الآن؟ قلت إن الفيلم الموريتاني انتهى، لكنه في مصر لم ينته.

المصدر: بوابة الشروق المصرية

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك