لونا الشبل وهتلر الذي لم يمت

د.عبد الله بن موسى الطاير

    يبدو أن فرط الفضول يبعث الحياة في رفات المستبدين، فهم لايحيون فقط بجرائمهم ضد الإنسانية، وإنما بتغوّل سمعتهم عند بعض المدلسين إلى جانب "تناسخ أرواح" أولئك المجرمين عبر التاريخ في فظاعات تُذّكر البشرية بين الفينة والأخرى كم هو دموي هذا الإنسان إلى درجة استعاذة الشيطان من شره.

هتلر لم يمت في مخبئه كما تقول كاتبة برازيلية أشغلت العالم مؤخرا، وجهاز المخابرات السوفياتي "البائد" لم يتلف كل ما تم حمله إلى موسكو من جثة هتلر بعد حرقها في برلين، ولم يذر رمادها في أحد أنهار ألمانيا الشرقية. الكاتبة تكّذِب أيضا رواية حارسه الشخصي روشوس ميش الذي أكد مقتل هتلر منتحرا في 30 أبريل 1945ه حوالي الحادية عشرة صباحا. وبذلك ومع ظهور كل كتاب أو مقالة عن حياة وموت هتلر يستمر هذا الماضي الذي يلاحق بعاره البشرية شاغلا للناس، وملهما لبعض الجبابرة من شياطين الإنس الذين يرون في سيرته تجربة بطولية يقتدون بها.

النازيون وإمامهم هتلر قتلوا وفقا للمصادر العدوة للحركة النازية 6 ملايين يهودي، وملايين آخرين خلال الحرب العالمية الثانية، وتنتشر في العواصم الغربية متاحف لتخليد تلك المذابح النازية. لكن ورثة هتلر لم يوثقوا في الوقت نفسه جرائم أخرى قام بها الحلفاء إبان تلك الحرب، ولم يحييوا ذكرى إعدام أكثر من ربع مليون شخص في مدينتي هيروشيما ونجازاكي في لحظة واحدة، ولم تؤخذ جرائم الاتحاد السوفياتي السابق ضد البشرية في الحسبان ويؤرخ لها بما ينبغي، كما أن ضحايا العدل والتفوق الأمريكي في العالم مهدر دمهم وكرامتهم ولا أحد يحصيهم. وتلك هي قوانين المنتصرين.

اليوم هناك هتلر جديد يضيف اسمه إلى قائمة الجبابرة والمجرمين في حق الإنسانية، فبشار الأسد يقتل عشرات الآلاف تعذيبا وتجويعا وكيميائيا، وتحت لهب البراميل الحارقة. ولكنه بدلا من أن يحرك ضمير العالم، ها هو يشتري الوقت في سوق النخاسة العالمية التي نصبتها الأمم المتحدة له في جنيف.

مشكلة الضمير العالمي أنه غربي الهوى، أبيض البشرة، أزرق العيون، لا يحركه دم يسفك في غير دول العالم الأول، ولا يشعر بالذنب تجاه أي دم يهرق من عروق غير بيضاء، ولذلك فهو دائما ينثر شفقته هنا أو هناك مستخدما أطنان المساعدات الإنسانية للتبشير في عمق مأساة الجوعي والمشردين والمكلومين. لكنه لا يستخدم الوسيلة الأجدى في لجم الطغاة، ولايمارس دوره الإنساني واستحقاق التفوق الاقتصادي والعسكري في المحافظة على الأمن والسلم العالميين، بل على العكس من ذلك يوظف مقومات قوته للرقص على أشلاء البشر من أجل تحقيق النفوذ ومزاحمة المنافسين في تقاسم السيطرة على هذا العالم.

نظام بشار الأسد لو وجه برميلا واحدا أو رطلا من أسلحته الكيماوية باتجاه الجولان المحتل فإن طرفه لن يرتد إليه قبل أن تفارقه روحه، وهنا يتم تكريس المعايير المزدوجة التي لا تساعد على الثقة في بناء العلاقات الإنسانية بين شعوب هذا العالم في ظل التمييز المبني على الأعراق أو المعتقدات أو مواقعهم في تصنيف الهيمنة والسيطرة والقوة.

الأمم المتحدة التي صمتت دهورا على مأساة الشعب الفلسطيني، هي الآن تضفي شرعية على نظام الأسد طالما أضفتها تحت وطأة الفيتو الأمريكي على المحتلين اليهود للأرض العربية، ولكنها هنا تنقل ميزان التأثير من يمين أمريكا إلى يسار روسيا، والضحية واحدة بكل أسف، والجلاد بخمسة رؤوس يجرد حقه في نقض القرارات الدولية من غمده، ويتكئ على ترسانة نووية تمنعه من عدوان الآخرين عليه أو اقتصاصهم منه.

مفاوضات جنيف تبيع للنظام السوري الوقت، وتمنح الألم وتعمق المعاناة للشعب السوري ريثما تتفق روسيا وأمريكا على شكل مقبول للشرق الأوسط الجديد وحدود نفوذ قوة القطب الروسي الذي يدخل حلبة التنافس من البوابة السورية. فجنيف لن تفض اجتماعاتها بخروج الأسد من السلطة، ولن يعود المفاوضون من المعارضة السورية إلى دمشق على رأس حكومة انتقالية واسعة الصلاحيات، فالوفد السوري يفاوض في جنيف ويتلقى التعليمات من الرئيس الذي يقولون إنه لا وجود له في سورية المستقبل.

كيف ذلك؟ هل سيقرر فجأة عزل نفسه وتسليمها لمحكمة العدل الدولية؟

ملهاة جنيف تزداد جذباً للاهتمام وتشويقا بإطلالة مذيعة قناة الجزيرة الجميلة "لونا الشبل" ضمن وفد النظام السوري. كم "لونا" في قناة الجزيرة وغيرها من القنوات العربية؟

بل كم جاسوساً يطل علينا من على المنابر الإعلامية العربية، وغدا نراه في وفود تمثل أنظمة قمعية وهو قبل ذلك يروج للحرية والرأي والرأي الآخر. إنها مهزلة العقل العربي مرة أخرى..

المصدر: http://riy.cc/904983

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك